١٢ قصيدة صغيرة
(١) احتواء
شاعت كلمة احتواء على لسان النخبة في مصر من الرجال والنساء.
يقول أحدهم: السياسة الأمريكية الجديدة هي السيطرة واحتواء العالم تحت قوتها
العسكرية.
وتقول امرأة من رائدات تحرير النساء ورئيسة إحدى الجمعيات الخيرية:
الرجولة الحقيقية هي الاحتواء.
ما معنى الاحتواء يا أستاذة؟
الرعاية والحماية.
مثل الحماية البريطانية على مصر، والرعاية الأمريكية لنا عن طريق المعونة
والمساعدات؟
ليه لأ؟ الاحتواء يعني الحماية والسيطرة، والرجولة فيها سيطرة، وإلا ما الفرق بين
الرجولة والأنوثة؟!
أتقولين إن الأنوثة هي الخضوع؟
نعم.
مثل الخضوع لأمريكا وإسرائيل؟!
ليه لأ؟
القاهرة نوفمبر ٢٠٠٢
(٢) اسمي بدرية
اسمي بدرية
على اسم القمر،
كل ليلة أحلم أني أغني،
أطير في السماء وأمسك الشمس،
أعزف لحن حياتي على العود،
وتغني معي البنات أول يوم العيد،
نحلق معًا في الأفق ونقول:
أغنيتي حريتي.
(٣) وهل الوطن للجميع كما تدعون؟
إذا كان الوطن للجميع،
والمواطنون متساوون أمام القانون،
فلماذا تمنعون عني جواز السفر؛
لغياب تأشيرة ولي أمري؟
وإذا كنت بالغة الرشد وفي الستين من العمر،
فكيف أظل قاصرًا وفي حاجة إلى وصي؟
وإذا كنت أستاذة وجاءتني دعوة للسفر؛
لألقي كلمتي ويسمع العالم صوتي،
فلماذا تمنعونني من الخروج؟
لماذا تسألونني عن موافقة الزوج،
ولا تسألونه عن موافقتي؟
ألا أنه رجل مثلكم والوطن لكم وحدكم،
وليس للجميع؟
(٤) وما زال في اليأس أمل
في ليلة الاحتفال بالقرن الجديد،
رأيت حفيدتي ملفوفة بحجاب أبيض
يشبه الكفن.
لم أر منها إلا ثقب تطل منه نصف عين،
قالت هذا أمر الله،
ثم أغلقت فمها وصمتت.
أما حفيدتي الثانية فكانت نصف عارية،
تغطي وجهها بطبقة من المساحيق،
أذناها مخرومتان بحلق كبير ثقيل،
قدماها مقوستان فوق كعب عالٍ رفيع،
تتكلم الفرنسية بلكنة أمريكية وتقول:
الرجال يدلِّلونني،
ولا توجد للمرأة قضية.
أما حفيدتي الثالثة فكانت بلا حجاب وبلا مساحيق،
تبتسم بإشراق الشمس وتقول:
وما زال في اليأس أمل.
القاهرة ٢٠٠٠
(٥) حتى نهاية الطريق سأمشي
قالوا لي ما من كاتبة مبدعة إلا وانتحرت؛
«مَي زيادة» انتحرت في المستشفى النفسي، «وأروى صالح»،
«وفيرجينيا وولف» قتلت نفسها بعد أن وصموها بالجنون،
وأنت يا أنت ماذا تنتظرين؟
قلت لهم لن أنتحر أيها السادة بل أترك لكم
إن شئتم هذا المصير.
أما أنا فسوف أمشي وأمشي حتى نهاية الطريق،
إلى آخر مدى سأمشي ولا أتوقف،
إلى آخر خط في الأفق عند الشروق والغروب،
فما عدت أخسر من شئون الدنيا إلا الموت،
بعد أن خسرت طفولتي وخسرت شبابي وكهولتي.
لم تربحني الكتابة إلا السجن وتشويه السمعة،
مع ذلك سأمشي في الطريق حتى نهايته.
أقول لكم أيها السادة حتى نهاية الطريق سأمشي،
وافعلوا أنتم ما تشاءون.
القاهرة ٢٠٠١
(٦) النقاد
قلت من يُعين النقاد في مناصبهم؟
قالوا الملك أو الرئيس أو الوزير أو رئيس التحرير.
قلت ما علاقتهم إذن بي؟
قالوا ألستِ كاتبة وأديبة ولك مؤلفات؟
قلت نعم، وما علاقة ذلك بموظفي الدولة؟
أنا أكتب للناس.
قالوا لن تصل كتبك إلى الناس.
قلت لكن كتبي وصلت إلى الناس.
قالوا وكيف يعيش النقاد بدون مؤلفات يكتبها غيرهم؟
لن تأمني أبدًا شرهم.
هكذا أصابني من هجوم النقاد ما ليس له مثيل.
إلا مدحهم للملك أو الرئيس أو الوزير.
القاهرة ٢٠٠١
(٧) نصف المجتمع
أيولد نصف المجتمع داخل مقبرة؟
أتقطع رءوسهن على مقصلة؟
أتقطع ظهورهن بالموس؟
ألا يحق لنا أن نعيش مرفوعات الرءوس؟
وأن نموت حين نشتهي أن نموت؟
لماذا تدفنوننا بالحياة تحت اسم الحماية؟
وتقتلوننا في أول الصبا تحت اسم الحب؟
وتهجروننا في المضاجع وتضربوننا.
وتقولون هذا أمر الله إليكم.
أليس هذا ما تقولون؟
أليس هو كلامكم أيها السادة،
ثم تدعون
أنه كلام الله.
القاهرة ١٩٩٨
(٨) أنا جديرة بأجمل رجل
جاءني رجال كثيرون في شبابي
وفي كهولتي؛
ينشدون الأنثى ذاتها في زمن الجواري،
يمشون بالخطى ذاتها في عصر العبيد،
يدقون بابي فلا أفتح لهم،
يسألونني ألا تشربين النبيذ؟
ألا تشعرين بالبرد وحدك في الليل؟
ألا تحنين إلى ذراعي رجل؟
قلت لأني أحب الشعر ولا أعرف إلا الدفء؛
ولأني لا أعرف الوحدة فأنا لا أبرد في الشتاء،
ولأني لا أتزين ولا أتكحل ولا ينقصني شيء،
فأنا جديرة بأجمل رجل،
يأتي أو لا يأتي،
فهو هنا وحيث أكون.
القاهرة ١٩٩٩
(٩) أستطيع الكلام في الجنس
سأتكلم عن الجنس وأكشف
غياب القيم والأخلاق،
تحت اسم القيم والأخلاق،
سأكشف عن أوامر لا تأتي من السماء؛
بل من رجال يمشون على الأرض،
يدوسون بكعبهم على الزرع،
ويأكلون حقوق الناس،
ينتهكون الأعراض والشرف
باسم الشرف،
ويغتصبون البنات والنساء
باسم عقد الزواج،
ويجلسون في مقاعد الحكم
يدخنون السيجار،
ويأكلون الكافيار،
ولكلِّ واحد منهم امرأتان على الأقل؛
واحدة في البيت وواحدة في المكتب،
ويقولون عني فاسدة؛
لأني أكشف فسادهم.
القاهرة ١٩٩٨
(١٠) وتحظى الموءودة بحبهم
لا شيء يثير غضبهم أكثر من امرأة طبيعية،
تعيش حياتها،
تقاوم الوأد والموت وتعيش،
تقاوم اليأس والحزن وتضحك،
لا شيء يثير رغبتهم في المرأة
إلا موتها،
وأنينها عند الاحتضار ودموعها،
ودماؤها تنزف.
وصوتها الذليل ينادي يستجدي
الرحمن من الآلهة.
حينئذ فقط تكون هي الأنثى،
ووجبة العشاء الشهية،
فلا شيء يثير شهوتهم
مثل امرأة موءودة.
القاهرة ١٩٨١
(١١) والابنة الضالة تعيش
هي صاحبة قلم تشير به إلى الجناة،
تخلع القناع عن الأنوثة والرجولة والأمومة والأبوة،
تكشف عن الوجوه المليئة بالندب.
ذهبت إلى الحب في أول شبابها،
وعادت شبحًا لا ترفع وجهها إلى الضوء.
استقلت قطار الحرب في منتصف الليل،
وماتت فداء الوطن،
ثم أفاقت على حفنة من قُطاع الطرق،
يجلسون في مقاعد الحكم.
هاجمت مع زميلاتها الجشع والظلم،
أدانوها وقالوا إنها الابنة الضالة،
فضحت مؤامرة اغتيالها في الظلمة.
ولدت من جديد في أول العام،
صنعت لنفسها مكانة
الابنة الضالة لم تولد لتقتل؛
بل ولدت لتكشف عن القتلة،
وتفتح الطريق أمام بناتها وأبنائها حتى النهاية.
القاهرة ١٩٩١
(١٢) لي رجال كثيرون
فوق كل شبر من الأرض هناك رجل ينتظرني،
له وطن وبيت وأم وزوجة وعيال وكل شيء؛
لكن ينقصه شيء
لا يكتمل إلا بوجودي،
ليس هو الحب ولا الجنس ولا المال ولا المجد،
شيء ليس له اسم.
ليس حروفًا تدخل المطبعة،
ولا سطور نقرؤها في الكتب،
ولا لغة بشرية نشأت في التاريخ؛
إنها لغة أخرى،
تفهمها الطيور حين تغرد،
وأوراق الشجر حين تتقبل قطرات الندى،
وبسمة المولود أو المولودة حين ترى وجه الأم،
وإشراقة الشمس بعد أن يشقشق الفجر.
القاهرة ١٩٩٦