خطوة نحو تحرير المرأة المصرية ولكن …
قرأت بجريدة الأهرام (٥ / ١١ / ٢٠٠٠) الحكم الجديد الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بعدم تخويل وزارة الداخلية سلطة منح أو سحب جواز السفر، وإلغاء قراره باشتراط موافقة الزوج على سفر زوجته.
إلا أنني بعد أن أكملت قراءة الخبر أصابني الأسف، لأن هذا الحق الدستوري في السفر ليس مطلقًا للمرأة المصرية، بل مقيد بالمادة ١١ من الدستور (عن كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع) هكذا يمكن لأي زوج أن يمنع زوجته من السفر بحجة مصلحة الأسرة، ومَن يكون الحكم حين يختلف الزوجان حول ما هي مصلحة الأسرة.
أرادت إحدى صديقاتي الطبيبات أن تسافر إلى مؤتمر طبي في لندن لمدة أربعة أيام، لكن زوجها منعها من السفر، لماذا لأن الدعوة لحضور المؤتمر جاءت لزوجته فقط، ولم تأت دعوة له وهو طبيب أيضًا، فكيف تتفوق الزوجة الطبيبة عن زوجها وزميلها في العمل؟!
تكررت هذه الحوادث مع نساء متفوقات في مجالات متعددة علمية وأدبية، وكم من امرأة متفوقة حُرمت من السفر بحجة مصلحة الأسرة، وكيف يمكن الفصل هنا بين مصلحة الأسرة وأنانية الزوج؟ وهل الزوج أدرى بمصلحة الأسرة من زوجته الطبيبة مثلًا؟ فكيف تكون الطبيبة مسئولة عن أرواح الناس ثم نحرمها من مسئولية الأسرة، أو معرفة مصلحة أسرتها؟
ألم تثبت لنا التجارب والحوادث والقضايا في المحاكم أن المرأة المصرية أكثر حرصًا على مصلحة الأسرة والأطفال من كثير من الأزواج؟!
ألا يُطلق الرجل زوجته أو يتزوج عليها امرأة أخرى دون مراعاة مصلحة الأسرة؟ وكم طفلًا تشردوا وبيوتًا خربت بسبب حق الرجل المطلق في الطلاق والزواج بأخرى، لماذا إذن نضع مصلحة الأسرة في يد الرجل وحده؟ هو الذي يحدِّدها، وهو الذي يبدِّدها حسب رغبته ومصلحته الخاصة؟
هل مصلحة الأسرة تعني مصلحة الرجل؟! لماذا إذن لا يحق المرأة أن تمنع زوجها من السفر حرصًا على مصلحة الأسرة؟
لقد أسست المحكمة الدستورية حكمها الجديد على أن حق الإنسان المصري (والمرأة إنسان) في السفر والتنقل (واستخراج وحمل جواز السفر) هو رافد من روافد الحريات الشخصية التي يكفلها ويصونها الدستور، أن حرية الانتقال من الحريات العامة فلا يجوز تقييدها، وقد عهد الدستور بذلك إلى السلطة التشريعية دون غيرها، والأصل فيها هو المنح إعمالًا لحرية الانتقال، والاستثناء فيها المنع.
لقد أثبتت المرأة المصرية منذ آلاف السنين قدرتها على التوفيق بين عملها خارج البيت وداخله، سواء خرجت للعمل في الحقول أو المصانع أو المتاجر أو المكاتب أو المستشفيات أو الوزارات أو غيرها.
فلماذا تظل هذه المادة رقم ١١ سيفًا مسلطًا على رقاب النساء، لماذا تظل الثغرة التي ينفذ منها أي رجل يريد التحكم في زوجته تحت اسم مصلحة الأسرة؟
إنني أضع هذا السؤال أمام جميع النساء والرجال في بلادنا، وليس فقط رجال القانون، أو المهتمين بتعديل الدستور، فالمسألة ليست قانونية محضة، بل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، إن العدالة الاجتماعية ليست تخصصًا يخص العاملين في مجال التشريع أو القانون، بل هي تحض الشعب المصري كله، بنسائه ورجاله وشبابه وأطفاله، أليس الطفل الذي تربيه أمه على الأنانية والسيطرة على أخته البنت هو رجل المستقبل الذي يمنع زوجته من حقوقها الدستورية بسبب الأنانية والرغبة في السيطرة؟
لا شك أن عدالة القوانين هامة وضرورية، وقد سررت لهذا الحكم الجديد للمحكمة الدستورية العليا الذي يُعتبر خطوة هامة نحو تحرير المرأة المصرية، إلا أن الطريق أمامنا لا يزال طويلًا ليصبح الحق فوق القوة داخل الأسرة، ولا تكون هناك ثغرات تسمح لمن يريد أن يسيطر (دون حق) أن يسيطر.
ولا يزال أغلب الآباء والأمهات في بلادنا يفرقون في الحقوق بين البنت والولد، وتنشأ البنت على الخضوع والطاعة، وينشأ الولد على السيطرة (وأحيانًا الغطرسة).
كيف تتغير التربية في البيوت والمدارس، بحيث نُربي الضمير في الطفولة، الضمير الإنساني الذي ينشد العدالة بصرف النظر عن كون الإنسان رجلًا أو امرأة، أو غنيًّا أو فقيرًا، أو حاكمًا أو محكومًا؟