عن جورج بوش وتوني بلير
منذ أوائل سبتمبر ٢٠٠١ وأنا أعيش في «نيويورك» وجارتها القريبة منها «نيو جيرسي»، شاهدت أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ عن قرب شديد، وسقوط مركز التجارة العالمي في نيويورك، وعشت مع الشعب الأمريكي الأكاذيب التي تروجها وسائل الإعلام الأمريكية وتوابعها في الشرق والغرب، ولا أحد هنا يعرف الحقيقة، فهي غامضة شديدة الغموض، تكاد تشبه الأساطير الواردة في الكتب القديمة، وفي مجال «السياسة» كما في مجال «الدين» و«الجنس» تتناقض التفسيرات، وتتضارب الأقاويل، شأن كل «المحرمات» الأخرى في العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا.
والحياة في نيويورك متناقضة مثل الحياة في القاهرة أو أي مدينة كبيرة في العالم، مظاهر الفقر والبطالة تزداد، تبدو شوارع نيويورك في الأحياء الفقيرة شبيهة بشوارع بولاق والسيدة زينب وشبرا، ولا شك أن البعد عن الوطن والأهل يزيد من الشوق والحنين، ويطمس الشوق والحنين كل ما هو «غير جميل» في الذاكرة الإرادية أو غير الإرادية. يبدو لي نهر «النيل» أكثر جمالًا وإشراقًا من نهر «هدسون» الذي يفصل نيويورك عن نيو جيرسي، يحمل نهر «هدسون» اسم المستعمر البريطاني الذي غزا أمريكا الشمالية وأباد سكانها الأصليين الذين أطلق عليهم اسم الهنود الحمر.
يغرق تاريخ أمريكا الشمالية في الدم كغيرها من بلاد العالم منذ نشوء العبودية، أو النظام الطبقي الأبوي، ينسى الكثيرون هذه الحقيقة، ويفصلون بين الغرب والشرق، أو بين العالم الأول والثاني والثالث، والحقيقة أننا نعيش في عالم واحد يحكمه نظام واحد، وقيم طبقية أبوية واحدة رغم اختلافات الثقافات والعقائد والأديان.
وفي نيويورك اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء كما يحدث في جميع بلاد العالم الرأسمالي وتوابعه في الشرق والغرب، واتسعت الهوة بين ما يطلق عليهم «أهل الخير الذين يخشون الله على رأسهم جورج بوش وتوني بلير، أهل الشر أتباع الشيطان على رأسهم أسامة بن لادن وصدام حسين.»
رأيت توني بلير وجهًا لوجه في مصر حين عدت إلى الوطن في عطلة رأس السنة الجديدة، خلال تجوله في معبد سانت كاترينا في نهاية عام ٢٠٠١ وبداية عام ٢٠٠٢، كان ينحني أمام سانت كاترينا ويقبل رأسها بعد أن يمسحها القسيس المصري بقطعة من القطن المبللة بالسبرتو الأبيض، حتى لا تنتقل العدوى إلى فم توني بلير من الأفواه الأخرى التي تتنافس على تقبيل رأس سانت كاترينا قبل شروق شمس العام الجديد.
لقد استطعت اختراق الحاجز البوليسي بين الجمهور العادي وبين توني بلير وأسرته، كان المفروض أن تكون زوجته هي التي تليه مباشرة في تقبيل سانت كاترينا، إلا أنني اخترقت السياج البوليسي، وأصبحت خلف توني بلير مباشرة، وتقدمت من بعده إلى سانت كاترينا وانحنيت عليها متظاهرة أنني أقبلها، بعد أن مسح القسيس المصري رأسها بقطعة من القطن المبللة بالكحول الأبيض المطهر للجراثيم، مع ذلك لم أقبلها، وأنا ضد تقبيل الحجر الأسود والأوثان جميعًا بما فيها الحجر الأبيض والأحمر والأزرق والأسود وغيرها، لقد تخرج أبي من جامعة الأزهر، وقال لي منذ الطفولة إن الإسلام جاء ليحرر الناس من عبادة الأحجار والأوثان.
القسيس المصري لم يفطن إلى أنني لم أُقبل رأس سانت كاترينا، تصورني زوجة توني بلير لأنني أقف خلفه مباشرة، أو ربما واحدة من أفراد أسرته الذين بلغ عددهم حوالي عشرين رجلًا وامرأة وطفلًا بما فيهم طفل توني بلير الذي حملته إحدى القريبات.
دسَّ القسيس في يدي قطعة القطن المبللة بالمطهر، والتي طوى داخلها خاتمًا مقدسًا من الفضة الخالصة، هدية تمنحها سانت كاترينا بعد تقبيل رأسها للعظماء فقط من عائلة توني بلير.
فطن إليَّ البوليس المصري، وأدرك أنني لست من عائلة توني بلير، وأنني ربما أكون إرهابية اندسَّت بين الأسرة البريطانية المالكة أو الحاكمة لتطعن توني بلير من الخلف.
وحدثت مشادة بالصوت العالي بيني وبين البوليس المصري، قلت بجرأة الكاتبة المصرية القديمة التي اكتشفت الحروف الأبجدية قبل أن تكتشفها أوروبا: كيف تمنعوني من السير فوق أرض مصرية وتسمحون لهذه العائلة الإنجليزية التي استعمرت مصر ٧٢ عامًا، والتي تشن الحرب على أفغانستان والعراق و… اندهش البوليس المصري من صوتي العالي، تصوروا أنني مندوبة رئاسة الجمهورية إلى سانت كاترينا، وتركوني أتجول كما أشاء في المعبد، وهكذا تأملت وجه توني بلير طويلًا وهو يمشي بخطوات بطيئة من خلفه قبيلته، وزوجته التي كانت ترمقني بعيني الصقر، مندهشة من وجودي بالقرب من زوجها، رغم أنها لم تر وجهي من قبل أبدًا ضمن أسرته.
ولم ينفرني وجه توني بلير كثيرًا كما ينفرني وجه جورج بوش الابن أو الأب، يبدو وجه توني بلير في الحقيقة أفضل إنسانية من وجهه في الصحف والشاشة، يبدو مثل شاب رياضي فقير داخل بلوفر رمادي باهت وحذاء كاوتش أبيض، وابتسامة منكسرة، ربما لأنه كان في حضرة سانت كاترينا المقدسة، ولا بد من الانحناء أمامها متظاهرًا بالطهر والبراءة.
أما جورج بوش (الأب أو الابن)، فقد رأيت وجهه على الشاشة فقط، يشبه الابن أباه في الملامح بحيث أصبحت لا أفرق بينهما، والصوت أيضًا وطريقة الضغط على مخارج الألفاظ لتأكيد ما يقوله عن الشيطان أو محور الشر والآيات التي يتلوها من الكتاب المقدس ليعلن الحرب في الخليج، أو في أفغانستان.
رأيت وجه جورج بوش الابن قبل أن يعتلي الحكم، حين كان يصارع للنجاح في انتخابات شبه مزورة، كنت في مدينة «بوكا راتون» في فلوريدا، في الولاية ذاتها التي كشفت عن مهزلة الانتخابات الأمريكية، كان وجهه منكسرًا يكاد يشبه وجه توني بلير وهو يقبل رأس سانت كاترينا، إلا أنه بعد أن اعتلى العرش تغير وجهه، أصبح يشبه أباه. كيف تغير السلطة الوجوه بهذه السرعة؟ كيف تظهر التجاعيد فوق الوجه الذي كان شابًّا، وكان ناعمًا أملس مستديرًا يشبه وجه الأطفال، الذين يرضعون اللبن الصناعي المزود بالفيتامينات الأمريكية.
أصبح وجه الابن بوش نسخة طبق الأصل من الأب، تلعب السياسة والوراثة دورها في رسم ملامح الوجه، ونبرة الصوت، وبربشة العينين الضيقتين مع انقباضة الفم الخالي من الشفتين.
هذا الفم الرفيع والشفتان شبه المتلاشيتين تشبهان الشفرتين في موسى الحلاقة، هذا الفم يصلح تمامًا لإعلان الحرب على الأبرياء، أو النطق بحكم الإعدام على النساء البريئات تحت اسم الشرف أو القيم العائلية.
هذا الفم يشبه الآلة المعدنية الحادة، أتخيل هذا الفم وهو يُقبِّل زوجته، هل يمكن لهذا الفم أن يُقبِّل امرأة؟! خيالي يعجز عن تصوره يقبل شفتي امرأة دون أن يستأصلهما من جذورهما مثل شفرتي الموس تمامًا.
وقد أصبح جورج بوش بعد أحداث ١١ سبتمبر، وبعد انتصاره العسكري في أفغانستان كأنما هو بطل الحرب ضد الإرهاب، كما كان أبوه بطل حرب الخليج ضد الشيطان، الغطرسة ذاتها والغرور وادعاء الصلة بالله، التكلم بلغة لا تفصل بين السياسة والدين، وتشجيع التيارات المسيحية واليهودية والإسلامية أيضًا، بشرط ألا تكون الأخيرة تابعة لما يسميه الإرهاب الإسلامي، بل تكون مسالمة وادعة مطيعة للسياسة الأمريكية والديمقراطية وحقوق الإنسان (الإنسان هنا يعني الأمريكي).
(١) فساد السياسة الرأسمالية الذكورية
أثبتت لي الحياة في نيويورك وفي غيرها من مدن العالم غربًا وشرقًا أن هذا النظام الرأسمالي الذكوري الذي يحكمنا دوليًّا ومحليًّا وعائليًّا لن يستمر؛ لأنه ضد المنطق والعدل والحرية والجمال.
إنه نظام فاسد وقبيح يتكثف قبحه مع مرور الأيام، فهذه الفضائح السياسية والاقتصادية والأخلاقية تتكشف عن طريق التسرب إلى الصحف رغم أجهزة الرقابة.
وكم كشفت أحداث انهيار وإفلاس الشركة الرأسمالية الكبرى «إينرون» عن فساد الشركات العملاقة الأمريكية والمتعددة الجنسيات، وعن ارتباط هذه الشركات بتمويل الدعايات الانتخابية لمن يتولون الحكم في الولايات المتحدة، عن ترابط مكاسب حكام الدول غربًا وشرقًا بهذه الشركات الرأسمالية العالمية، كشفت الصحف الأمريكية عن تورط عدد من قيادات الحزب الجمهوري والديمقراطي معًا في فضيحة شركة إينرون على رأسهم الرئيس الأمريكي الراهن جورج بوش الابن.
يحاول منافسو جورج بوش استغلال الموقف، ومنهم المرشح السابق «جون ماكين» الذي أعلن على شاشة التليفزيون أن انهيار شركة إينرون سوف يكشف عن كثير من الخفايا في السياسة الأمريكية الحالية، بالطبع يحلم «جون ماكين» في كرسي الحكم بعد زوال جورج بوش، كما حلم جورج بوش بكرسي الحكم بعد زوال بيل كلينتون، وتجري لعبة التنافس على السلطة بأدنى الوسائل، أقلها الكذب والافتراء، وتضليل الجماهير، وشراء أجهزة الإعلام، أصبح «لاري كينج» أحد المذيعين على شاشة «السي إن إن» أهم من الرئيس الأمريكي، أما المذيعة الأمريكية ذات الرموش الصناعية على شاشة «السي إن إن» ذاتها فقد أصبحت أهم من أي رئيس دولة من دول العالم الثالث، يجلس أمامها ذلك الحاكم أو ذلك الملك الجبار في بلده، يجلس أمامها مؤدبًا رقيق الصوت، مكتوف الذراعين والساقين مثل الفتاة العذراء.
يحاول أعوان جورج بوش كتمان أسرار شركة إينرون وإخفاء أسماء المتورطين فيها من الحزب الجمهوري، رغم أن المنافسين لهم يقودون الرأي العام الأمريكي مطالبين بكشف الأسرار وكشف الأسماء، وتدور اللعبة كما دارت في الفضائح السابقة في عصر نيكسون وكلينتون وكارتر وجونسون وروزفلت وغيرهم وغيرهم، فلا يخلو عهد من الفضائح في كل حكومات العالم، الفرق الوحيد بين الغرب والشرق، أن الفضائح في الغرب تنكشف أثناء حياة الحاكم، أما في بلادنا فهي لا تنكشف إلا بعد موته.
وكم يتعاون عمداء الجامعات في أمريكا مع الشركات الرأسمالية الكبرى مثل «إينرون»، التي تشارك في تمويل هذه الجامعات، وفي الضغط السياسي لتعيين هؤلاء العمداء أو رؤساء الجامعات، وقد اتضح ذلك من تردد عميد كلية الحقوق في جامعة تكساس في الإدلاء برأيه على الشاشة حول شركة إينرون، مبررًا تردده بأنه ليس خبيرًا في القانون، وبدا كلامه متناقضًا مضحكًا لأنه عميد كلية القانون في جامعة تكساس، إن ولاية تكساس هي الولاية التي تسيطر عليها عائلة بوش «الأب والابن»، و«الروح القدس»، والتي لعبت دورًا كبيرًا في حرب البترول في الخليج العربي وفي أفغانستان وبحر قزوين، والحروب البترولية القادمة خلال عام ٢٠٠٢، الذي سماه جورج بوش «الابن» «عام الحروب» للقضاء على «محور الشر» التي حدثت (العراق وإيران وكوريا الشمالية).
كنت طفلة حين سمعت عن محور الشر «ألمانيا وإيطاليا واليابان» منذ أكثر من ستين عامًا، واليوم يعيد جورج بوش اللغة القديمة، والثنائيات المزمنة منذ نشوء العبودية، الخير/الشر، الله/الشيطان، الذكر/الأنثى، السيد/العبد، الأبيض/الأسود، الشرق/الغرب، الإسلام/المسيحية … إلخ إلخ.
وفي جامعة نيويورك ونيو جيرسي يتضاحك الأساتذة والطلبة المتظاهرون ضد سياسة جورج بوش، يقولون إن هناك دولًا متعددة تعترض لأنها لم تدخل «محور الشر» الذي أعلن عنه بوش، ومنها سوريا وليبيا وكوبا وغيرها من البلاد التي غضبت عليها الولايات المتحدة زمنًا طويلًا، كيف أفلتت هذه البلاد من غضب الإله الأمريكي الذي أصبح يحدد لنا مَن هو الشيطان أو الشياطين في هذا العالم!
لا شك أن «شارون» ملاك طيب مُحب للسلام، أما الشياطين في فلسطين، فهم هؤلاء الأطفال الشباب الذين يواجهون الدبابات الإسرائيلية بصدورهم العارية أو بقطع من الحصى والطوب، هؤلاء الشياطين الصغار هم سبب الإرهاب وإراقة دماء الإسرئيليين الأبرياء!
ولماذا لم ترد «الصين» في محور الشر؟ هل لأن عدد الصينيين أصبح يزيد عن بليون و٣٠٠ مليون نسمة، ويمكن لهؤلاء أن يزحفوا كالنمل على أي دولة ومنها أمريكا العظمى ويأكلوها كما يأكل النمل الزرع؟ أم لأن جورج بوش يزور الصين هذه الأيام، ضمن لعبة السياسة، وفساد الفلسفة البراجماتية التي تقول: حاول أن تأكل عدوك قبل أن يأكلك، وكل وسيلة مشروعة حتى القتل من أجل بلوغ الغاية والهدف؟
تبتلع الصين مرارتها من السياسة الأمريكية ومحاولاتها لخلق الأعداء على حدودها في تايوان والتبت، والفتن الدينية المصنوعة بين الكاثوليك والبروتوستانت في الجنوب.
يلعب النظام الأمريكي بورقة الدين لتقسيم الشعوب وإخضاعها، على غرار الاستعمار البريطاني القديم، الذي فجَّر الفتن الدينية والطائفية من الهند إلى مصر خلال القرن العشرين.
لكن الصين تشارك في اللعبة، ولها أغراضها ومصالحها من الحرب ضد الإرهاب في جنوب آسيا وشمال كوريا، وفي الصراع بين الهند وباكستان، وفي كسب بعض الأرباح الرأسمالية من التجارة العالمية المشتركة.
وأتابع قراءة الصحف في نيويورك خلال فبراير ٢٠٠٢، بعد عودتي من بورتو أليجري في البرازيل، فتصيبني أكاذيب الصحف العالمية والعربية بالغضب؛ كيف تتخلى الحكومات العربية عن مسئوليتها عن الدفاع عن شعوبها بما فيها الشعب الفلسطيني تحت سيل من العبارات الرنانة الخادعة؟!
أكثر الناس تشدقًا بالقضية الفلسطينية في بلادنا أقلهم عملًا للدفاع عن حقوق هذا الشعب أو غيره من الشعوب العربية، لتتسع الهوة بين القول والعمل.
(٢) الرومانتيكية والغموض في السياسة الفاسدة
كنت أسمع أبي منذ طفولتي يتحدث عن «المراوغة» التي يستخدمها الاستعمار البريطاني في مفاوضته مع مصر لإنهاء الاحتلال العسكري لبلادنا، كان أبي يقول دائمًا: لا أفهم شيئًا من كلام هؤلاء الإنجليز لأنه غامض وغير محدود، وغارق في الكلمات العامة المجردة ذات الرنين العاطفي المزيف!
أتذكر كلمات أبي وأنا أقرأ عن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، يلعب الإسرائيليون بالكلمات وبالألفاظ العامة الغامضة لمجرد كسب الوقت ولقتل أكبر عدد من الفلسطينيين.
في صحف نيويورك (١٤ فبراير ٢٠٠٢) أرى صورة «شيمون بيريز» وهو يقدم عرضًا جديدًا للسلام، لا يحدد فيه شيئًا عن أي شيء يخص القضية الفلسطينية، حدود الدولة المقترحة مثلًا، أو شيئًا عن عاصمة الدولة أو مدينة القدس، أو مشكلة المستوطنات الإسرائيلية أو غير ذلك من المشاكل المزمنة المعلقة، ويقول للصحف: أجل أيها السادة، إني أعرض اقتراحًا جديدًا غامضًا غارقًا في الرومانتيكية، لكنه الغموض الإيجابي البناء الذي قال به كيسنجر، حيث إنه قال: «إن عمليات السلام والحرب تتم دائمًا في الضوء الخافت، وليس في ضوء النهار الساطع.» أجل، كم كان كيسنجر محبًّا للرومانتيكية والأضواء الخافتة في رحلاته المكوكية إلى بلادنا في عهد السادات، وكم أدَّت عواطفه الغامضة إلى دمار الوحدة العربية والهزائم المتكررة للعرب أمام إسرائيل.
وفي الصورة أرى شيمون بيريز يبتسم ويبدو كالملاك المرسل من السماء لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الهلاك، وفي أسفل الصفحة أرى العساكر الإسرائيليين يسوقون الأطفال/الشباب الفلسطينيين العرايا الصدور المغطاة عيونهم بالأربطة، والمقيدة أيديهم وراء ظهورهم بالسلاسل، تطل عليهم من فوق الصفحة ابتسامة شيمون بيريز الملائكية، تودعهم برقة وحنان إلى مثواهم الأخير.
وماذا يحدث في بلادنا العربية؟ هناك خبر يقول إنها مشغولة بأحداث أخرى أكثر أهمية، وذلك أنهم يحاولون تتبع مسار «القمر» في السماء بالعين المجردة، لمعرفة متى يبدأ عيد الأضحى المبارك، وكيف أن القمر الجديد سيولد من القمر القديم ليلة الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠٠٢.
تعمدت صحف نيويورك في الشهور الأخيرة منذ أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ أن تضغط على المملكة العربية السعودية على نحو رقيق خفيف، أو تنشر بعض الدعابات الخفيفة، ذلك أن اعتماد الأمريكيين على البترول السعودي يجعل اللهجة مؤدبة في التعامل السياسي والصحفي، بخلاف اللهجة القاسية الموجهة لحكومات عربية أخرى غير بترولية.
وقد ارتفعت أصوات أمريكية تحرض جورج بوش على عقاب المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول التي تساند الإرهاب، أو ما تسميه أمريكا الإرهاب الإسلامي، وكتب أحدهم في الصحف منذ أيام يقول: «لماذا هذا التراخي الأمريكي للسعودية، هل لأنها تملك البترول الأرخص والأنقى الذي نحتاج إليه نحن الأمريكيين؟»
إلا أن الصحف اتهمت هذا الكاتب بالرومانتيكية أو السذاجة السياسية، وقالت إن الفلسفة البراجماتية الأمريكية لا تعترف بالعواطف الرومانتيكية والأحلام المستحيلة في الحب والسياسة، وأنه طالما هناك بترول عربي أرخص وأنقى من أي بترول في العالم فلن تكف الولايات المتحدة عن مغازلة البلاد العربية الثرية بالبترول؛ بل إن الولايات المتحدة على استعداد للتفاوض مع (السري أو العلني) مع أي دولة عربية بترولية، وإن كانت في محور الشر سابقًا أو لاحقًا كالعراق أو ليبيا أو غيرهما.