محفوظ في مرآة النقد الإنجليزي
في أواخر يوليو من عام ١٩٩٨ اشتركت مع محمد عناني ومحمد شبل الكومي في مناقشة رسالة دكتوراه مقدَّمة من الباحثة ماجي نبيل نصيف في قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة. لم تكن رسالةً بالغة الجودة في اعتقادي، ولكنها كانت على الأقل أولَ محاولة أكاديمية لبحث موضوع لا شك أنه سيستأثر باهتمام باحثين كثيرين في المستقبل. كان عنوان الرسالة «نجيب محفوظ من منظور النقد الإنجليزي»، وقد اختارت الباحثة أن تتناول موقف النقد المكتوب بالإنجليزية — سواء كان كاتبوه بريطانيين أو أمريكيين أو مصريين أو عربًا أو إسرائيليين — من أعمال محفوظ عبر السنين.
وفي المناقشة التي أشرت إليها وجدتني أختلف مع الباحثة في تصورها ذاته لموضوع البحث؛ فعندي أن كتابات نقاد مثل الدكاترة محمد مصطفى بدوي وعلي جاد وحمدي السكوت وسامية محرز ونور شريف ورشيد العناني عن محفوظ — وإن تكن مكتوبة بالإنجليزية — لا تمثِّل في حقيقة الأمر منظورًا إنجليزيًّا، وإنما هي مكتوبة من منظور عربي استخدم أداة لغوية غير العربية وسيلة للتواصل مع جمهور عالمي أوسع.
ولكن مقولات الفكر، وأنماط الحساسية، والافتراضات الثقافية المسبقة التي تشفُّ عنها كتابات هؤلاء النقاد تظل عربية في جوهرها؛ لهذا اخترت في مقالتي هذه أن أقتصر على دراسة نقاد لغتُهم الأصلية هي الإنجليزية — أي نقاد بريطانيين وأمريكيين وكنديين وأستراليين ونيوزيلنديين فحسب، فهؤلاء هم الممثِّلون الحقيقيون لمنظور النقد الإنجليزي. لن أتناول لهذا السبب ما كتبه عن محفوظ بالإنجليزية ناقدٌ فلسطيني عظيم مثل إدوارد سعيد، ولا ناقد إسرائيلي مثل ساسون سوميخ صاحب الكتاب الممتاز «الإيقاع المتغير: دراسة لروايات نجيب محفوظ»، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه قُدمت إلى كلية بريزنوز بجامعة أوكسفورد تحت إشراف مصطفى بدوي. وعندي أننا لو ركَّزنا على مناقشة عدد من رجال الأدب والنقد الأنجلو-أمريكي، مثل الروائي جون فاولز، والروائي الشاعر الناقد د. ج. إنرايت، والروائية نادين جورديمر، وهي من مواليد جنوب أفريقيا ولكن لغتها الأم هي الإنجليزية؛ ومن ثَم كان إدراجي لها هنا، لَخرجنا بنسخةٍ أصدق من صورة محفوظ في النقد الإنجليزي حقيقة.
كذلك اختلفت مع الباحثة في المنهج الذي اختارته؛ فقد كنت أُوثر لو أنها اختارت أن تدرس الاتجاهات المختلفة في نقد محفوظ؛ الاتجاه السوسيولوجي مثلًا، أو السياسي، أو الديني، أو الجمالي، بدلًا من القسمة التقليدية لأعماله، إلى روايات فرعونية وروايات واقعية وروايات تجريبية، من حيث الشكل. نحن، بعبارة أخرى، بحاجة إلى لون من النقد الشارح من طراز ما صنعه جابر عصفور في بحثه المسمَّى «نقاد نجيب محفوظ: ملاحظات أولية»، المنشور بمجلة «فصول» في أبريل ١٩٨١ (أعيد طبعه في كتاب غالي شكري «نجيب محفوظ: إبداع نصف قرن»، دار الشروق ١٩٨٩)، وهو بحثٌ أصبح الآن من الكلاسيكيات في بابه؛ إذ أوضح — بكفاءة واقتدار — كيف يكون فحص آليات العملية النقدية ذاتها، وكيف ترسم منها الخريطة العقلية لممثِّلي الاتجاهات المختلفة.
حين نتحدث عن محفوظ في مرآة النقد الإنجليزي فلا بد أن نقول — بادئ ذي بدء — إن محفوظًا كان محظوظًا لدى مترجِميه؛ فقد اجتمع على نقله إلى الإنجليزية نخبةٌ ممتازة من أساتذة الأدب الإنجليزي تبرز منها أسماء مصطفى بدوي، ورمسيس عوض، وأنجيل بطرس سمعان، وملك هاشم، ورشيد العناني. وترجمه مترجِمون لغتهم الأم هي الإنجليزية مثل روجر آلن، ووليم هتشنز، ولورن كني، وأوليف كني. وتريفور لي جاسيك، وفرانسيس لياردت، وفيليب ستيوارت، وكاثرين كوبام. وراجَع الترجماتِ رجالٌ من قامة جون رودنبك، ومجدي وهبة، ومرسي سعد الدين. وقبل هؤلاء جميعًا ينبغي أن نذكر المترجِم الكندي المولد دنيس جونسون-ديفيز، المترجِم الأول من العربية إلى الإنجليزية في عصرنا، كما دعاه بحقٍّ إدوارد سعيد. إن جهود هؤلاء الرجال والنساء — مهما شابها من أخطاء عارضة أو نواحي قصور — هي التي مهَّدت السبيل لنُقاد الإنجليزية كي يكتبوا عن محفوظ، ومنهم من لا يعرف إلا كلمات قليلة من العربية.
ثَمة ثلاث صور أساسية ارتسمت لمحفوظ في مرآة النقد الإنجليزي؛ صورة الماسح الاجتماعي الذي يرصد بيئة القاهرة — خاصةً في أحيائها الشعبية وحواريها — ويكتب لونًا أقرب إلى رواية الأجيال أو الرواية النهرية؛ وصورة المحلل النفسي الذي يغوص على مكونات شخصياته من بيئة ووراثة وخبرات شخصية، وقد يتقاطع دربه — أثناء ذلك — مع فرويد أو غيره؛ وصورة المفكر الذي يتأمل قضايا فلسفية من قبيل وجود الله، ومشكلة الشر، وحيرة الإنسان بين حرية الإرادة والجبر، وغير ذلك من قضايا الميتافيزيقا التقليدية، وهناك بُعدٌ رابع تشترك فيه — ولا بد — كل هذه الاتجاهات مع تفاوت في الدرجة، إنه صورة الصانع التقني والأدوات الفنية التي يتوسل بها إلى نقل رؤياه — بل رسالته — في مختلف أطوار تطوره الروائي. هذه، باختصار، هي الصور الكبرى على درب طويل، لا أعدو هنا أن أشير إلى بعض مراحله وممثِّليه، لا أدَّعي وفاءً بكل متطلباته ولا استقصاءً لكل جوانبه، وإنما هو تخطيط سريع ينتظر من يملؤه من الباحثين والنقاد، ويكسوه لحمًا وشحمًا وعصبًا، فليس هنا سوى الهيكل العظمي المجرد.
من أمثلة الكتابات التي تركز على البعد الاجتماعي في أدب محفوظ مقالةُ تريفور لي جاسيك عن «الثلاثية»، وقد ظهرت في مجلة «ميدل إيست فورام» (فبراير ١٩٦٣) (وأعيد طبعها في كتاب «منظورات نقدية عن الأدب العربي الحديث» من تحرير عيسى بلاطة (مطبعة القارات الثلاث، واشنطون دي. سي. ١٩٨٠). يقول لي جاسيك إن «الثلاثية» تتناول حياة تاجر مصري، وقور المظهر، ميسور، محافظ، وأسرته خلال الفترة الممتدة من ١٩١٩ إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومن الكتابات التي تركِّز على الدلالة السياسية تحليل تريفور لي جاسيك لرواية «الحب تحت المطر» وهي عمل متواضع القيمة — في كتاب «دراسات في الأدب العربي»، من تحرير ر. أوستيل (الناشر: آريس وفلبس، إنجلترا ١٩٧٥)؛ يرى لي جاسيك أن أهمية الرواية راجعة إلى تصويرها الحياة في القاهرة في الفترة ما بين حربَي ١٩٦٧ و١٩٧٣، فترة اللاسلم واللاحرب كما دُعيت. ثَمة حبكات معقَّدة كثيرة العدد في هذه الرواية القصيرة، توحي بالغليان السياسي والاجتماعي والأيديولوجي في مصر عبد الناصر؛ إذ تعيش في ظل الحرب. وثَمة إشارة إلى قبول مصر اقتراحًا أمريكيًّا بوقف إطلاق النار في منتصف السبعينيات — ١٩٧٣ على وجه التحديد — وتعبير عن الإعجاب بالفدائيين الفلسطينيين ومعالجة لرغبة الشباب في الهجرة من مصر؛ مما يجعل من محفوظ ما كانه دائمًا: صوت ضمير مصر.
ويذكر روجر آلن في مقدمة ترجمته لرواية «السمان والخريف» أن هذه الرواية، من بين كل روايات محفوظ المنشورة في عقد الستينيات، أقواها صلةً بحقائق زمانها ومكانها.
ومن الكتابات التي تركِّز على البعد السيكولوجي ما كتبته عن رواية «السراب» هيلاري كليباتريك في كتابها «الرواية المصرية الحديثة»، مطبعة إثيكا، لندن ١٩٧٤، بالرغم من أن كتابها — كما يدل عنوانه الفرعي — أميل إلى علم الاجتماع الأدبي. تغلب على «السراب» في رأيها نغمة الاستبطان، وتختلف عن سائر روايات محفوظ القاهرية من حيث المهاد والشخصيات؛ فهي عن الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، تمتزج في عروقها دماء مصرية وتركية. وشكل الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية، تتركز فيها الأضواء على البطل كامل رؤبة لاظ (أيُّ اسم هذا! إن محفوظ أستاذ في اختيار الأسماء الغريبة، ويتذكر المرء — في مرحلة لاحقة — أمثال محتشمي زايد وعلوان فواز محتشمي في روايته «يوم قُتل الزعيم»). ثَمة غياب لخلفية حية كتلك التي نجدها في «خان الخليلي» و«زقاق المدق»؛ مما يوحي بأن محفوظًا أراد أن يقدِّم دراسة حالة دون أن يدع شيئًا يشتِّت الانتباه عن ذلك. وقد وجَّه نقادٌ مصريون — مثل عز الدين إسماعيل وغيره — النظر إلى البعد الأوروبي لأزمة كامل لاظ، وهو أوضح من أن يحتاج إلى فضل بيان.
ومن الكتابات التي تركِّز على البعد الفلسفي والديني مقدمة فيليب ستيوارت لترجمته رواية «أولاد حارتنا». يرى ستيوارت أن أعمال محفوظ المنشورة بعد ١٩٥٩ تعود، المرة تِلو المرة، إلى خيوط الوهم والواقع، والهلوسة والاستنارة الصوفية، كما في أقصوصة «زعبلاوي» التي تُلقي ضوءًا على شخصية جبلاوي. إن حارة الجبلاوي تقع على تُخوم القاهرة وصحراء المقطم، يخيِّم عليها حضور الجبل (لاحظ أن اسم «جبلاوي» معناه ساكن الجبل)، ومن فوقه السماء الدائمة التغير، وإن كانت دائمًا في وعي أولاد الحارة، بالرغم من أن كثيرًا من الأحداث تجري في غُرف مظلِمة، وأفنية مزدحِمة، وأزقَّة ضيِّقة. وهذه الإشارات إلى السماء، كغيرها من تفاصيل الرواية، ليست عشوائية، وإنما تومئ إلى المعنى الأعمق للكتاب. وعلى الغلاف الخلفي للترجمة الإنجليزية يقارن الناشر — هاينمان — «أولاد حارتنا» بأعمال من طراز مسرحية برنارد شو «العودة إلى متوشالح»، ورواية كازانتزاكس «المسيح يعاد صلبه»، ورواية أورويل «مزرعة الحيوان»، مع إشارة إلى ابتعاث الرواية لشخصيات آدم وحواء، وقابيل وهابيل، وموسى والمسيح ومحمد، و«موت الله» بتعبير نتشه (لنلاحظ أنه قد جاء في حيثيات منح محفوظ جائزة نوبل الصادرة عن الأكاديمية السويدية: «موضوع الرواية غير العادية «أولاد حارتنا» (١٩٥٩) هو البحث الأزلي للإنسان عن القيم الروحية.» مجلة «القصة»، يناير ١٩٨٩).
وجون رودنبك في مقدمته للترجمة الإنجليزية لرواية «الشحاذ» — وهي تجربة وجودية يغلب على معالجتها، في تقديري، العجلة وعدم الإقناع — يقول إن «الشحاذ» صرخةٌ غنائية معقَّدة مُفعَمة بالعاطفة ضد كل ما يجنح بالإنسان إلى الاغتراب، كما حدث لعمر الحمزاوي المحامي الشهير الغني، إنها عن أمور مهمة، مهمة في أماكن غير العالم العربي وحده، ومن هنا كان طابعها الإنساني العام.
ومايكل وود في مقالة له عنوانها «مصادفات الحياة» عن رواية «الطريق» — وهي من ترجمة محمد إسلام، ومراجعة مجدي وهبة، ملحق التايمز الأدبي ٢٤ يناير ١٩٩٢ — يصف رواية محفوظ بأنها بالغة الجودة، تضرب بسهم في «طاعون» كامو. إنَّ حبكتها أشبه بتلك الأفلام السوداء التي عرفتها السينما الحديثة، تثير أسئلةً كثيرة عن الهوية الأخلاقية والنفسية والقومية. وصابر هو اليتيم القاتل الزاني الذي لا يفتأ يبحث عن الكرامة والشرف والحرية وسلام النفس.
ومن الكتابات التي تركِّز على تقنيات محفوظ وأسلوبه الفني مقدمة تريفور لي جاسيك للترجمة الإنجليزية لرواية «اللص والكلاب»، يصفها لي جاسيك بأنها رواية سيكولوجية، أقرب إلى الانطباعية منها إلى الواقعية، تتحرك بسرعة قصة بوليسية وقصدها. هنا يستخدم محفوظ تقنية «تيار الوعي» للمرة الأولى (ليس ذلك صحيحًا؛ م. ش. ف.) كي يبرز العذاب الذهني لشخصيته الرئيسية التي تتأكلها المرارة والرغبة في الانتقام من الأفراد والمجتمع الذي أفسده وخانه.
إن قراءاتي لروايات محفوظ لسنوات عدة ولَّدت لديَّ انطباعًا بأن القاموس اللغوي الذي يستعمله في أعماله ليس واسع النطاق، وأنه بتطور تقنياته الروائية ابتدع لنفسه أسلوبًا مُحكَمًا يتميز بالإيحاء بحيث كان الأداة المُثلى التي استخدمها للتعبير عن تعليقاته الساخرة على المجتمع الذي يعرفه كل المعرفة … وأسلوب محفوظ إنما يعكس مهارات كاتب محترِف حريص، قضى جزءًا كبيرًا من حياته في الوظيفة الحكومية، وكاتب يكتب على نحوٍ منتظِم، بل ويمكن القول على نحوٍ روتيني.
وليس من الصعب أن نلاحظ — في كل هذه الحالات — أن طابع العمل المحفوظي هو ذاته الذي كان يُملي — في أغلب الأحيان — منظور الناقد؛ فلا شك أن أعمالًا مثل الروايات الفرعونية الثلاث — «عبث الأقدار»، «رادوبيس» و«كفاح طيبة»؛ وربما جاز أن نضمَّ إليها عملًا لاحقًا عن إخناتون هو «العائش في الحقيقة» — تتطلب منظورًا تاريخيًّا ودرسًا للتوازيات بين الماضي والحاضر، وما قد يكون لهذه الأعمال من دلالات معاصرة يسقطها محفوظ على الواقع الراهن. ولا شك أن روايات المرحلة القاهرية — «القاهرة الجديدة»، «خان الخليلي»، «زقاق المدق»، «بداية ونهاية»، «الثلاثية» — تتطلب منظورًا اجتماعيًّا واهتمامًا بالتركيب الطبقي للمجتمع المصري منذ مطلع هذا القرن. ولا شك أن أعمالًا من طراز «أولاد حارتنا» و«زعبلاوي» و«الطريق» تتطلب ناقدًا فلسفيًّا مهمومًا بالقضايا الفكرية التي تُثيرها هذه الأعمال. ولا شك — أخيرًا — أن أعمالًا تجريبية مثل «اللص والكلاب» وأقاصيص ما بعد ١٩٦٧ — التي كثيرًا ما تنحو منحًى سيرياليًّا أو قريبًا من العبثية للتعبير عن أثر الهزيمة المزلزِل — تتطلب دراسة للتقنيات التي صار محفوظ يجنح إليها، وإيغاله في الحداثة وجنوحه إلى القصد والتركيز والشعر، بعد أن كان في أعماله الواقعية — بل الناتورالية — أستاذًا للوصف المسهِب والرسم المفصَّل للشخصيات والمواقف على طريقة دكنز أو بلزاك.
ومن النقاط التي أبرزها نقادُ محفوظ الطابعُ الإنساني العام لأعماله — من وراء اللون المحلي القوي — مما يجعل قراءتها ذات تشويق مزدوج. يقول تريفور لي جاسيك في مقدمة ترجمته لرواية «زقاق المدق»: «إنه يعالج مشاكل أبدية تشترك فيها كل البشرية؛ الحياة والموت، الشباب والتقدم في السن، العلاقة بين الله والإنسان، بين الآباء والأبناء، الأزواج والزوجات، ومشكلات الولاء لفلسفات سياسية واجتماعية.»
ومن جوانب محفوظ التي أبرزها دنيس جونسون-ديفيز قَصصه القصير الذي نجنح أحيانًا إلى أن ننساه في غمرة اهتمامنا بالروايات الطويلة. وبالرغم من أن هذه القصص منذ المجموعة الأولى «همس الجنون» ١٩٣٨، حتى المجموعة الأخيرة «السهم» ١٩٩٤، جزءٌ أصيل من إنجازه؛ يرى صديقي الروائي محمد جبريل أن محفوظ أفشل كاتب قصة قصيرة في العالم (محادثة شخصية معي عبر التليفون)، وهذا هراء؛ فإن قصة لا تجاوز سبع عشرة صفحة من طراز «زعبلاوي» لا تقل أهمية عن أهم رواياته (كتب الناقد الإسرائيلي ساسون سوميخ تحليلًا جيدًا لهذه القصة في «مجلة الأدب العربي»، المجلد الأول ١٩٧٠، الناشر: بريل، لايدن). يقول دنيس جونسون-ديفيز في مقدمة ترجمته لمجموعة من أقاصيص محفوظ تحمل عنوان «الزمان والمكان» — عشرون قصةً ظهرت ما بين ١٩٦٢–١٩٨٨ — إن مجاميع محفوظ القصصية التي تبلغ أربع عشرة مجموعة — (كتب هذا في ١٩٩١، وقد زاد عددها عن ذلك منذ ذلك الحين) تحوي بعضًا من أجمل ما كتب. وإحدى قصصه القصيرة «الحاوي خطف الطبق» تظهر في كتاب «فن الحكاية» الصادر في سلسلة بنجوين ١٩٨٦ جنبًا إلى جنب مع أقاصيص لأساتذة مشهود لهم، مثل بورخيس وبكيت وكامو وجرين وماركيث. حقًّا — الكلام هنا لي — إن أقاصيص محفوظ الأولى التي بدأت تظهر على صفحات «الأهرام» في مطلع الستينيات، وتجدها في مجموعة «دنيا الله» ١٩٦٣ وما أعقبها، كانت تعاني من لون معيَّن من التصلب التعبيري، وكأن الروائي الطويل النفس ما زال يجاهد مع تقنيات هذا الشكل الذي هجره منذ زمن طويل تغيَّر فيه طابع القصة القصيرة، بل تغيَّر مفهومها ذاته، وانتقل من قالب البداية والوسط والنهاية الموباساني الصارم إلى آفاقٍ أخرى، أرحب وأكثر حريةً. لكن محفوظ سرعان ما تمكَّن من صنعته القصصية، وقدَّم حشدًا غزيرًا من الشخصيات والمواقف والأجواء ولقطات دالة كثيرة في مجاميعه؛ مما يجعل الاهتمام بقصصه القصير واجبًا لا يقل أهميةً عن الاهتمام بالروايات التي قامت عليها شهرته.
جانبٌ آخر من جوانب محفوظ — وإن يكن في تقديري أضعف جوانبه — أبرزته جوديت روزنهاوس، هو جانب الكاتب المسرحي، وذلك حين تُرجمت مسرحية محفوظ «المطاردة» مع مقدمة (مجلة الأدب العربي، المجلد التاسع ١٩٧٨، الناشر: أ. ج. بريل، لايدن، هولندا).
تنحو روزنهاوس في مقدمتها نحوًا تفسيريًّا يشرح رمزية النص، قائلةً إن المسرحية تعالج — فيما يلوح — تلك المشكلة الأزلية التي ما فتئت تطارد الإنسان مذ كان؛ مشكلة الموت. ومثلما يصور جيكس في ملهاة شكسبير (كما تهواه) — المقارنة لي — حياة الإنسان على أنها سبع مراحل، يصور محفوظ — الكلام لروزنهاوس — شخصيتين تمُرَّان بست مراحل: (١) الشباب. (٢) مطلع الرجولة. (٣) الزواج. (٤) منتصف العمر. (٥) الشيخوخة. (٦) التجدد. أحد الشخصين يرتدي الأبيض، والآخر يرتدي الأحمر. وثَمة في الخلفية رجلٌ أسود الملبس مُنذِر بالشؤم، كالموت في مسرحيات الأخلاق القروسطية بعباءته السوداء ومِنجله والجمجمة التي تعلو بدنه النحيل. وتنتهي المسرحية باختفاء الأحمر والأبيض من على خشبة المسرح، وتنتهي المناظرة بينهما — فهما صوتان لمحفوظ ذاته — بتوفيق جزئي بين أفعال الإنسان ومطامحه في الحياة من ناحية، واتجاهه الذهني إزاء واقعة الموت من ناحية أخرى. إنها ليست بالنهاية السعيدة، ولكنها أيضًا ليست بالنهاية التشاؤمية أو المُرة.
عُني النُّقاد المصريون، كما هو طبيعي، بتقديم الترجمات الإنجليزية لأعمال محفوظ، وذلك من منظور الناطق بالعربية، الخبير بتراثها وخلفيتها واستخداماتها اللغوية، فنجد مثلًا فاطمة موسى محمود في تعليق لها على ترجمة تريفور لي جاسيك لرواية «زقاق المدق» (مجلة الأدب العربي، المجلد السابع ١٩٧٦، الناشر: أ. ج، بريل، لايدن، هولندا) تأخذ على المترجِم عددًا من الأخطاء، مثل حسبانه كلمة «طابونة» (بمعنى مخبز) اسم علم لرجل، وتسميته المعلم كرشة وزوجته «مستر ومسز كرشة»؛ هذه كلها هفواتٌ ثانوية يمكن تلافيها — بل ينبغي تلافيها — وإن كنا نلاحظ أن الناقدة لا تقدِّم أيَّ بديل أفضل لما تنقده، إنما التناول الأعمق لمشكلات ترجمة محفوظ هو ما نجده في مقالة لجون رودنبك، ذلك المراجع المدقق الذي كان مديرًا لمطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي يحدِّثنا في مقالته «فن الترجمة» (مجلة كايرو توداي، يناير ١٩٨٩) عن تجربته في مراجعة ترجمات محفوظ قبل النشر. ويوجِّه رودنبك النظر إلى قضية عامة هي عزوف الناشرين الإنجليز عن نشر ترجمات للرواية العربية اعتقادًا منهم — وأحسبهم في ذلك ليسوا مخطئين — أنها لن تجد جمهورًا كبيرًا يعوِّض تكاليف الإصدار، دع عنك أن يعود على الناشرين بربح مُغرٍ أو حتى معقول. ويذكر أن دار هاينمان للنشر ألغت في نهاية أغسطس ١٩٨٨ سلسلة «كُتاب عرب» التي كانت قد شرعت في إصدار مجلدات منها، وأن فيليب ستيوارت مترجم «أولاد حارتنا» لم يتقاضَ عن ترجمته سوى مائتَي جنيه مصري، ورفض أساتذة جامعة أوكسفورد — ألبير حوراني وفريدي بيستون — أن يسجِّلا ترجمته، مع دراسة نقدية، لدرجة الدكتوراه اعتقادًا منهما أن الأدب العربي الكلاسيكي هو وحده الجدير بالدرس الأكاديمي، وأنه مما لا يُعقل أن يبدِّد دارسٌ وقته في الكتابة عن الأدب العربي الحديث. هكذا انضافت الإهانة إلى الأذى، ولم يكن غريبًا بعد ذلك أن يصدف كثير من المترجمين المحتملين عن ترجمة محفوظ. لكن هذا كله قد تغيَّر، بطبيعة الحال، بعد نوبل، وإمساك الجامعة الأمريكية في القاهرة — بيدٍ حازمة وتنظيم محكَم — بحقوق ترجمة كل أعمال كاتبنا وكفاءتها في طبعها وتسويقها، وقبل ذلك كله اختيارها وترجمتها ومراجعتها وتحريرها بما يلائم القارئ الأجنبي.
-
مقالة إدوارد فوكس عن محفوظ (مجلة «لندن ماجازين»، فبراير–مارس ١٩٩٠).
-
مراجعة جورج كيرنز لرواية «قصر الشوق» (مجلة ضاعَ مني اسمها، خريف ١٩٩١).
-
مراجعة جورج آلن لرواية «السكرية» (مجلة ورلد لترتشار توداي، شتاء ١٩٩٤).
-
مقالة لفيليب كنيدي (جامعة أوكسفورد) عن تفكيك النفس في رواية نجيب محفوظ «المرايا» (مجلة الأدب العربي، مارس ١٩٨٨، الناشر: أ. ج. بريل، لايدن، هولندا).
-
مراجعة روجر آلن لرواية «الحرافيش» (مجلة ورلد لترتشار توداي، خريف ١٩٩٤).
-
مراجعة آلان دافيس لرواية «ليالي ألف ليلة» (في مجلة «هدسون رفيو»، صيف ١٩٩٥).
-
مراجعة جون هيوود لمجموعة محفوظ التي سمَّاها المترجِم دنيس جونسون-ديفيز «الزمان والمكان وقصص أخرى» (مجلة ورلد لترتشار توداي، شتاء ١٩٩٣).
-
عرض ميريام كوك لكتاب هارتمت فاهندريش «نجيب محفوظ» (بالألمانية)، وهو صادر في ميونخ ١٩٩١، مجلة الأدب العربي، مارس ١٩٩٣).
-
عرض وليم هتشنز لكتاب منى ميخائيل «دراسات في قصص محفوظ وإدريس القصيرة»، وهو صادر عن مطبعة جامعة نيويورك في ١٩٩٢، مجلة ذا ميدل إيست جورنال، ربيع ١٩٩٥.
-
عرض هيلاري كيلباتريك لكتاب متى موسى «روايات نجيب محفوظ الأولى: صور لمصر الحديثة» (وهو صادر عن مطبعة جامعة فلوريدا في ١٩٩٤).
كان فوز محفوظ بجائزة نوبل — وقد أذيع نبؤه في القاهرة في الواحدة والنصف من عصر الثالث عشر من أكتوبر ١٩٨٨ — نقطةَ تحوُّل، كما هو طبيعي، في مسار الاهتمام النقدي بعمله. هكذا انطلق كوراس النقاد (العبارة للويس عوض في ١٩٦٤) في الصحافة الأدبية على كلا جانبَي الأطلنطي يتغنى بمديحه، حتى ليتساءل المرء أين كان كل ذلك مخبوءًا قبل نوبل؟ كتبت «نيويورك تايمز بوك رفيو»: «لقد اخترع نجيب محفوظ، من الناحية الفعلية، الرواية من حيث هي شكل عربي.» وكتبت «لوس أنجلوس تايمز بوك رفيو»: «إن جائزة نوبل اعتراف بالدلالة العالمية لقصصه.» وكتبت «فانيتي فير»: «إنه حكَّاء من الطبقة الأولى في أي لغة.» وكتبت «واشنطون بوست»: «إن عمله مُشرب بحب مصر وشعبها، ولكنه أيضًا أمينٌ خالٍ من العاطفية المُغرِقة بصورة كاملة.» وكتبت «تورونتو جلوب»: «إن قصصه هي، في آن، بسيطة وحاذقة، جادَّة وقائمة على التورية الساخرة، واقعية ورمزية، محلية وعالمية.» وكتبت «نيوزداي»: «محفوظ هو أهم كاتب فرد في الأدب العربي الحديث.» وكتبت «ببلشرز ويكلي»: «محفوظ أستاذ في بناء مشاهد درامية وتصوير شخصيات معقَّدة من حيث العمق.» وكتب «نيوزويك»: «إنه دكنز مقاهي القاهرة.»
أودُّ الآن أن أتوقَّف وقفةً قصيرة عند ثلاثة من نقاد محفوظ، كلهم أديب بارز بحقه الخاص، له إبداعاته الروائية أو الشعرية، إلى جانب مساهمات نقدية — ولو على شكل مراجعات قصيرة في الصحافة الأدبية — هم د. ج. إنرايت، وجون فاولز، ونادين جورديمر.
وكتبت الروائية نادين جورديمر، الحاصلة على جائزة نوبل للأدب عام ١٩٩١، مقدمة للترجمة الإنجليزية ﻟ «أصداء السيرة الذاتية»، وهو كتابٌ صعب التصنيف، لا هو بالسيرة الذاتية ولا هو بالرواية، وإنما هو ما يقوله عنوانه: أصداءٌ متخلفة في نفس الكاتب من خبرات حياة كاملة، ولقطاتٌ حقيقية ومتخيَّلة تُلقي ضوءًا على بعض المشاكل الكبرى كعلاقة الروح بالجسد، وصراع الإنسان مع الزمن، وحوار الأجيال. ترى جورديمر أن محفوظ مهتم بقضايا الأخلاق والعدل والزمن والدين والذاكرة والنزعة الحسية والجمال والطموح والموت والحرية. وهو ينظر إلى هذا كله من خلال بؤرة دائمة التحول؛ كلبية حينًا، فكهة ودود حينًا آخر، توقيرية حينًا ثالثًا. وتقول: إنه مهما يكن من تفسيرات المرء لكتاب «أصداء السيرة الذاتية»، فمن المستحيل أن يقرأه الإنسان دون أن يكتسب — مع المتعة العظيمة والشعور بالعرفان — استبصارًا بالطبيعة البشرية، وأن يفوز بلمحة من تلك الملَكة النادرة التي أصبحت شِبه غائبة عن العالم الحديث؛ ملَكة الحكمة، لا مجرد المعلومات التي يزخر بها عالمنا. إن محفوظ يملك هذه الملَكة؛ إذ يواجه سر الوجود. إنما محفوظ ذاته زعبلاوي؛ رجل ذو بصيرة وتعاطف وقدرة على شفاء الأوجاع ومنح الراحة للمتعَبين.
أتقدم — في الختام — ببعض ملاحظات عامة عن نقاد محفوظ الإنجليز، من شأنها — فيما آمل — أن تساعد القارئ على الوصول إلى تقدير متوازن لإنجازهم ونواحي قصورهم، وتومئ إلى احتمالات المستقبل:
- أولًا: لا نكران أن قِسمًا ليس بالقليل من كتابات هؤلاء النقاد ليس له قيمة كبيرة للدارس العربي المتمرس، ولا يضيف جديدًا إلى معلوماته. ومن أمثلة ذلك تلخيص حبكات رواياته — انظر مثلًا تلخيص هيلاري كيلباتريك لروايات «القاهرة الجديدة»، «خان الخليلي»، «زقاق المدق»، «بداية ونهاية»، «الثلاثية»، «أولاد حارتنا»، «اللص والكلاب»، «السمان والخريف»، «الطريق»، «الشحاذ»، «ثرثرة فوق النيل»، «ميرامار»، في ختام كتابها «الرواية المصرية الحديثة: دراسة في النقد الاجتماعي» — كذلك لا يحتاج القارئ العربي إلى من يلخص له سيرة محفوظ منذ ميلاده بحي الجمالية إلى تعرُّضه للطعنة الغادرة؛ فهذا كله موثَّق ومسجَّل في كتابات غالي شكري وفؤاد دوارة وجمال الغيطاني ورجاء النقاش ومحمد سلماوي وغيرهم، ولا يحتاج إلى من يخبره بأن خان الخليلي وزقاق المدق وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية كلها أسماء أحياء وأماكن في القاهرة القديمة، وإن كان القارئ الأجنبي — كما هو واضح — بحاجة إلى مثل هذه المعلومات. علينا إذَن أن نضع في أذهاننا (قبل أن ننتشي بالحديث عن العالمية ومجاوزة المحلية … إلخ) أن هذا الذي يكتبه نقاد الإنجليزية موجَّه، في المحل الأول، لقاري الإنجليزية الغريب عن الثقافة العربية؛ ومن ثَم فإنه — في ضوء التطور النقدي العربي الذي بلغ، في مجال الدراسات المحفوظية، آمادًا بعيدة على أيدي نقاد مثل: محمود أمين العالم ومحمود الربيعي وجابر عصفور وفاطمة موسى محمود وإدوار الخراط وغالي شكري وعبد المحسن بدر وسيزا قاسم ورشيد العناني ونبيلة إبراهيم ويحيى الرخاوي ووفاء إبراهيم — لا بد أن يبدو أوليًّا، تبسيطيًّا، ذا فائدة تعليمية في المحل الأول.
- ثانيًا: إزاء تكاثر التفسيرات السياسية والاجتماعية والدينية لأعمال محفوظ، نجدنا بحاجة إلى نقد للعناصر الشكلية فيها، من منظور جمالي، على نحو ما فعل محمود الربيعي في كتابه الرائع «قراءة الرواية: نماذج من نجيب محفوظ»، دار المعارف، القاهرة ١٩٧٤. وقد كان الربيعي بهذا الكتاب — كما لاحظ جابر عصفور — أقرب إلى مدرسة النقد الأنجلو-أمريكي الجديد، بإلحاحها على ضرورة القراءة الوثيقة للنص من رشاد رشدي وكل تلاميذه.
- ثالثًا: لا تخلو كتابات د. ج. إنرايت وحاييم رودن (صاحب كتاب «مصر نجيب محفوظ: خيوط وجودية في كتاباته»، الناشر: مطبعة جرينوود وستبورت ١٩٩٠) من تحيزات، لأسباب مختلفة، ضد الشخصية المصرية ذاتها، ومقولات مغلوطة عن العقلية الشرقية وإيمانها بالقضاء والقدر، وموقف الإسلام من المرأة، وما إلى ذلك. وقد أشارت الباحثة ماجي نصيف، في رسالتها للدكتوراه، إلى هذا.
- رابعًا وأخيرًا: أغلب الكتابات التي أشرت إليها تدور، وهو أمرٌ مفهوم، في فلك التقديم والتعريف، حيث إنها موجَّهة لقارئ يسمع بمحفوظ — في الغالب — للمرة الأولى، وتستخدم تقنيات النقد الروائي التقليدية من حديث عن البناء والحبكة والشخصيات والخيط واستخدام اللغة … إلخ. ومن المحتمل، مع تزايد المعرفة بأعمال محفوظ واتساع نطاق قرائه، أن يخرج النقد من مرحلة الشرح والتفسير الراهنة إلى مرحلة التحليل الدقيق الذي يستخدم مناهج الألسنية والبنيوية والتفكيكية وغيرها. وثَمة دلائل تومئ إلى أن هذا بدأ يتحقق فعلًا في أقسام الدراسات العربية بالجامعات البريطانية والأمريكية، وفي المقالات المنشورة بالدوريات العلمية والمجلات المتخصصة.
إن الطابع الإنساني الشامل لأعمال محفوظ، واهتمامها بقضايا كبرى من طراز الحيرة الوجودية، والبحث عن معنًى للحياة، والسعي وراء قيم العدل والحرية، والاشتراكية والتصوف باعتبارهما سبيلين إلى الخلاص الفردي والجماعي (لا أستطيع أن أصدِّق أن الاشتراكية قد بادت ومضى عهدها)، فضلًا عن براعته التقنية ومعرض الشخصيات الدكنزية التي لا تُنسى، والتي رسمها قلمه عبر أكثر من نصف قرن من الكتابة، وتجريبه المتواصل الذي استلهم أشكالًا قصصية تراثية من كتاب ألف ليلة وليلة ورحلات ابن بطوطة وغيرهما، فضلًا عن استلهامه الشكل الروائي الغربي، كلها أمور تكفل أن يدوم الاهتمام النقدي بعمله في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات، وأن تكون نوبل بداية — لا نهاية — لصناعة نقدية ثقيلة، كمًّا وكيفًا على السواء، تزيدنا معرفة بعمله وفهمًا له واستمتاعًا به.