تأثير ويل
عندما وصلَ كيسي إلى الشركة يوم الاثنين، وجدَ على مكتبه رسالة من جيا تقول:
«لقد اتصل ويل بيترسون، ورتَّبتُ معه مقابلة في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم.»
فذهبَ كيسي على الفور إلى مكتب جيا وطلبَ منها سيرة ويل الذاتية.
ردَّت جيا: «سوف يرسلها لي عبر البريد الإلكتروني خلال دقائق، وسوف أرسل إليك نسخة منها بمجرد أن تصلني.»
شكرها كيسي، واستدار ليغادر، ثم توقَّف. وقال: «بالمناسبة، أنا لم أرَ ويل منذ سنوات. كيف يبدو الآن؟»
ردَّت جيا: «هل تقصد على الهاتف؟»
أومأ كيسي برأسه موافقًا.
قالت جيا: «كان لطيفًا. بل كان في الواقع في غاية اللطف. وأنا متشوقة جدًّا للقائه.»
قضى كيسي معظم اليوم في قاعة الاجتماعات مع صوفيا وكونر وأعضاء الفريقَين العاملين معهما في الحديث عن الأوضاع التنافسية والترويج للمنتجات. وسرعان ما جاءت جيا تلوِّح عند الباب وفي يدها سيرة ذاتية.
اعتذرَ كيسي وتركَ اجتماع العمل الطويل هذا، وسارَ مع جيا باتجاه مكتبه حيث كان ويل ينتظر، وألقى كيسي نظرة سريعة على السيرة الذاتية أثناء سيره إلى المكتب. وسأل مساعِدته: «هل من شيءٍ ينبغي أن أعرفه عنه؟»
ردَّت جيا: «لا. ولكن مظهره لا يوحي بأنه مساعِد إداري.»
ضحكَ كيسي. وقال: «ماذا تقصدين بذلك؟»
قبل أن تتمكَّن جيا من التوضيح، انتهت المناقشة عندما وصلا إلى المكتب حيث كان ويل بيترسون ينتظر.
للوهلة الأولى، لم يكن هناك شيء لافت للنظر في ويل. فلم يكن طويلًا أو قصيرًا. ولم يكن بدينًا أو نحيلًا. وكان شعره فاتح اللون ولكن ليس بالدرجة التي تجعله أشقر. إن ويل بيترسون هو واحد من الناس الذين يصعب على الشرطة أن تعلن أوصافهم على شاشات التلفزيون إذا هربوا من السجن أو ارتكبوا جريمة ما.
ولكن أي شيءٍ عن غياب الملامح المميزة لدى ويل كان سرعان ما يتلاشى بمجرد أن يتحدث مع أي شخص. وكما أحبَّ والده أن يصفه، كان «من أكثر الأطفال ثقة في النفس وأكثرهم قبولًا لدى الناس.» وكلُّ شخص عَرِفَ ويل قال إن به شيئًا جذَّابًا جدًّا.
قال ويل: «مرحبًا سيد ماك دانيال. أشكرك على مقابلتي اليوم.»
وبمجرد أن صافحه كيسي، شعر بأنه سيعيِّنه. فقال: «تفضَّل يا ويل، يمكنك أن تناديني كيسي، كم أنا سعيد لرؤيتك مرة أخرى. أعتقد أننا لم نلتقِ منذ عشر سنواتٍ تقريبًا عندما شاهدتُك تلعب الكرة في المدرسة الثانوية.»
بدا على ويل شيءٌ من الحرج. وقال: «نعم، كنتُ المهاجِم الوحيد في الملعب الذي يقل طوله عن ست أقدام.»
ردَّ كيسي: «وكنت تراوغ كلَّ صبي في المدرسة إذا لم تخُنِّي الذاكرة. ذكرَ والدك أنك كنت أكثر مَنْ درَّبهم اجتهادًا.»
قال ويل: «حسنًا، عندما لا يكون المرءُ موهوبًا بالفطرة …»
رفضَ كيسي تواضع ويل. وردَّ بقوله: «أنت تشبه والدك كثيرًا. هل أخبرك من قبل كيف نشأت صداقتنا؟»
ردَّ ويل: «لم يقل سوى إنه وقفَ يومًا إلى جانبك في وقت شدة، وإنك من أقرب الناس إليه.»
شعرَ كيسي ببعض الخجل من هذه المجاملة.
ثم استطرد ويل. وقال: «وإذا كنت تعرف والدي، فلا بد أنك تعرف أنه ليس من عادته أن يقول مثل هذه الأشياء.»
شعرَ كيسي بالارتباك بسبب هذه الإطراءات بدرجة جعلته يغيِّر الموضوع. وتغيِّرت نبرة الحوار فجأة ليأخذ طابع المقابلة الشخصية، وإن كانت ودية في الوقت نفسه. قال كيسي: «ويل، هلَّا حدَّثتني عن آخِر أنشطتك، وفي رأيك ما الذي يدعوني لقبول تعيينك؟»
فسأله ويل: «ماذا أخبرك أبي وأمي عني؟»
فأجابه كيسي: «ليس كثيرًا في الحقيقة. ذكرا فقط أنك درست السينما والتلفزيون في جامعة جنوب كاليفورنيا. وأنَّ لديك بعضَ الإلمام بعالَم إدارة الأعمال.»
شعرَ ويل بشيءٍ من الارتياح لرد كيسي، ودخلَ في صلب الموضوع مباشرةً. وقال: «حسنًا. هذا صحيح. لقد التحقت بجامعة جنوب كاليفورنيا للحصول على درجة الماجستير في السينما والدراسات الإعلامية، وأحاول الآن أن أختار بين الاتجاه إلى الجانب الفني أو التخصص في إدارة الأعمال. وقد أمضيتُ عامًا في دراسة علم النفس قبل أن أدرسَ في كلية السينما. وعملتُ قبل ذلك لمدة ثلاث سنوات في وكالة إعلانات في المدينة، وكنت أقوم بكل شيءٍ بدءًا من الأعمال البسيطة الخاصة بالإذاعة والتلفزيون، حتى إدارة القسم الإبداعي.»
قال كيسي: «يبدو أنكَ قد نلت عدة ترقيات.»
أومأ ويل برأسه موافقًا، ثم عادَ بالحوار سريعًا للرد على سؤال كيسي. فقال: «فيما يتعلق بالسؤال عما يدعوك إلى تعييني، أنا لست متأكدًا تمامًا. ولكنني عندما بدأتُ العمل في وكالة الإعلانات، توليتُ عملًا إداريًّا لبضعة أشهر لصالح الشريك الإداري. كان يقول لي عادةً إن ما أسديه إليه من مشورة أفضل مما يسديه إليه مستشاروه الذين يتقاضون ٥٠٠ دولار في الساعة.»
ضحكَ كلاهما.
قال كيسي: «حسنًا. أولًا، لا يشغلني كثيرًا مدى أهليتك للوظيفة. والواقع أن مؤهلاتك تفوق هذه الوظيفة بكثير. وتلك هي المشكلة. هل أنت واثق من أنك تريد أن تتولى هذا العمل؟»
ابتسمَ ويل. وقال: «حسنًا، ليس هذا بالتأكيد ما أطمح إليه في الحياة، إن كان ذلك هو ما تقصده. ولكن بعد أربع سنواتٍ قضيتُها في الجامعة، أحتاج فترة من الراحة. وإن فكرة قضاء بعض الوقت مع صديق لي في كارمل، حيث أعمل قليلًا وألعب بعض الجولف وأكتب قليلًا؛ تبدو لي فكرة رائعة.»
ظهرَ الاهتمام على كيسي. وقال: «تبدو لي أيضًا فكرة رائعة. ربما عليَّ أن أشغل هذه الوظيفة بدلًا منك.»
ضحكا مرة أخرى. ثم استطردَ كيسي: «ولكن يجب أن أخبرك أن الأشهر القليلة المقبلة ربما تشهد عملًا أكثر من المعتاد، ولذا ربما لا تتاح لك فرصة الاستمتاع بالجولف أو الكتابة بالقدر الذي تريده في الوقت الحالي. نحن الآن غارقون حتى الأذنَين في عملية دمج الشركتَيْن. أظن أنك تعلم بأمر الصفقة التي عقدناها مع شركة «بلاي سوفت»، أليس كذلك؟»
ويل: «نعم، وأعلم أنكم تواجهون صعوباتٍ منذ ذلك الحين، على الأقل فيما يتعلق بسعر الأسهم.» تمنَّى ويل ألا يكون كلامه قد أزعجَ كيسي، ولكنه استطاع لبرهة أن يلمح أمارات الأسى تكسو ملامح كيسي.
ردَّ كيسي قائلًا: «وهذا هو السبب في أننا نمر بوقت حرج الآن، فإلى جانب طرح منتجات جديدة، أعتقد أننا بحاجة أيضًا إلى تحقيق إيرادات أكبر لمنتجاتنا الحالية، ناهيك عن حاجتنا إلى تنظيم صفوفنا كشركة.»
شعرَ ويل بالارتياح حتى إنه راحَ يضغط على كيسي قليلًا. سأل ويل: «ماذا تقصد بتنظيم صفوفكم؟»
تطلَّع كيسي خارج النافذة وقال: «حسنًا.» ثم أضافَ قائلًا: «أعتقد فقط أننا سنتعرض لمزيد من الفحص الدقيق أكثر مما نحب. وأشعر أن شركة «بلاي سوفت» ستراقب النفقات لبعض الوقت.»
شعرَ ويل ببعض المراوغة من جانب كيسي، لكنه رأى أن يتجاوز هذه النقطة. وسألَ: «إذن كيف يمكنني مساعدتك؟»
لم يكن لدى كيسي إجابة حاضرة. فقال: «لا أعرف. ولكن إذا استطعت أن تؤدي المهام التي كانت تؤديها جيا حتى تعود من إجازتها فستكون هذه بداية جيدة. ونظرًا لخبراتك غير التقليدية، لا تتردد في التدخل في أي أمر قد يبدو خارج نطاق عملك الإداري.»
سيظل ويل دائمًا يتذكَّر هذه المقابلة لسببَيْن. أولًا: لأنه لم يكن يتصوَّر النتائج المصيرية التي ستترتب على الملاحظة الأخيرة لكيسي. وثانيًا: لأن هناك أمرًا قرَّر ويل أن يخفيه عن رئيسه الجديد؛ أمرًا قد يجعل الشهور المقبلة حافلة بالإثارة، ربما أكثر مما ينبغي.