اضطراب
حتى سن الرابعة عشرة، كان ويل صبيًّا صعبَ المراس. ومع أنه كان يبدو بوجه عام شخصًا حسَّاسًا ومهذَّبًا، فقد كان دائمًا يختلق المشكلات لمدرسيه ومدربيه وزملائه من الطلبة. وكانت هذه المشكلات تدور عادة حول ملاحظاتٍ غير مناسبة وتعليقاتٍ غير مهذَّبة صدرت عن ويل في مواقف حساسة، وعلى نحو غير متوقع فيما يبدو.
ومع أن والديَّ ويل وإخوته الكبار وأصدقاءه المقربين أصبحوا يتقبلون هذا الجانب الغريب والمُستهجَن من شخصية ويل، فقد عانى كثيرًا بسبب ذلك. فقد كان يحصل على درجاتٍ منخفضة. ولم تكن الفتيات يعرنه اهتمامًا. فضلًا عن نصيبه الوافر من المشاجرات بالأيدي.
وذات يوم، طلبَ أحدُ مدرسي اللغة الإنجليزية في مدرسة «سانت جود» الثانوية من ويل أن يأتي إلى بيته بعد المدرسة لمقابلة زوجته التي تعمل طبيبة نفسية. وبعد ساعة واحدة فقط، استطاعت تشخيص حالة ويل ووصفتها بأنها نوع من الاضطراب النفسي. وقالت إنه أذكي اجتماعيًّا من أن يتصرف بالطريقة التي وصفها زوجها. ومع أنها لم ترَ من قبل أعراضًا مماثلة، فقد أدركت أنه يعاني نوعًا من الوسواس القهري أو متلازمة توريت. أو كليهما.
لحسن الحظ، لم تكن مشكلة ويل خطيرة للدرجة التي تصيبه بالعجز. ولكن لسوء الحظ، كانت حالته متوسطة فقط لدرجة لم تسمح بتشخيصها مبكرًا وهو طفل. سيظل ويل طيلة حياته ممتنًّا لهذا المدرس الذي تعلَّم من زوجته ما يكفي ليعرف أنه لم يكن صبيًّا سيئًا بطبيعته، بل كان يعاني اضطرابًا نفسيًّا.
كان ويل يَعي أن تعليقاته غير مهذَّبة، شأنه شأن معظم الأشخاص الذين يعانون اضطرابات مماثلة، ولكنه كان فيما يبدو عاجزًا تمامًا عن السيطرة على سلوكه. وكان مع ذلك يجد راحته في ثلاثة أحوال على وجه التحديد: عندما يشارك في إحدى الألعاب الرياضية، وعندما يستغرق في مشاهدة فيلم، وعندما ينصرف أثناء ساعات الدراسة إلى كتابة الخواطر. ولذا، لعبَ ويل كثيرًا من مباريات كرة السلة، وشاهدَ كلَّ ما وصلت إليه يداه من أفلام، ودوَّن عددًا لا حصر له من الخواطر.
ومنذ اللحظة التي تلقَّى فيها والدَا ويل مكالمة من الطبيبة النفسية التي شخَّصت حالة ابنهما، شعرا بارتياح كبير لسببين اثنين. أولًا: أصبح في مقدورهما الآن أن يعزوا معاناته إلى سبب آخر غير أنه شخص عصبي المزاج. والسبب الثاني والأهم: هو أنهما علما أن هناك علاجًا فعَّالًا متاحًا لحالة ابنهما. وفي غضون أيام من التشخيص المبدئي، بدأ ويل تناول الأدوية ومتابعة حالته مع اختصاصي نفسي. وفي غضون أسابيع قليلة بدأ سلوكه في التغيُّر، ولكن لحُسن الحظ دون أن تتغيَّر جوانب شخصيته الأساسية.
وقد تحسَّنت درجاته وعلاقاته بأصدقائه وأداؤه الرياضي، وحتى علاقاته مع الفتيات، تحسُّنًا كبيرًا. وعند تخرجه في مدرسة «سانت جود»، كان ويل معروفًا بأنه واحد من أكثر الطلاب ذكاءً وانضباطًا وجاذبية في المدرسة. وواصلَ نجاحه في الكلية، وفي السنوات الثلاث التي أمضاها في الدعاية والإعلان، وأثناء دراسته العليا. وخلال تلك المدة، لم يفُتْ ويل قط تناول جرعته اليومية من الدواء.
ولكن ويل — شأنه شأن كثير من الأشخاص الذين يعتمدون على الأدوية للمحافظة على صحتهم النفسية — قرَّر أن الوقت قد حان لمواجهة الاضطراب النفسي بنفسه. وكانت الأشهر التي قضاها بين التخرج وبداية العمل وقتًا مناسبًا للبدء بذلك.
ولذا، فقبل ثلاثة أسابيع من مقابلته مع كيسي، قرَّر ويل ألا يستمر في تناول الدواء الذي اعتادَ تناوله. وفي غضون أسابيع قليلة فقط، سيشعر بالأعراض الكاملة لانخفاض تركيز الدواء في المخ.