النصف الأول
كانت اجتماعات الفريق تنعقد في تمام العاشرة صباح كلَّ اثنَين، فيما كان يُسمَى «قاعة اجتماعات مجلس الإدارة بالطابق العلوي»، وهي قاعة اجتماعات كبيرة وحديثة تطل على خليج مونتيري.
عقدَ ويل العزم على ألَّا يتأخر، ومن ثَم فقد وصلَ قبل بدء الاجتماع بخمس دقائق. لكنه بدأ يقلق بعد مضي أربع دقائق ونصف لعدم حضور أي شخص، وظنَّ أنه ربما يكون قد أخطأ المكان. وعندما كان على وشك أن يغادر، دخلَ كيسي القاعة، ثم تبعه كلٌّ من صوفيا وكونر اللذين كانا يناقشان أمورًا خاصة بالمبيعات والتسويق. وبمجرد أن رأوا ويل، توقَّفوا وحيَّوه بحرارة.
سألَ كونر: «كيف حال الفتى الجديد؟»
فابتسمَ ويل.
وقالت صوفيا مازحة: «أتعلم أنك إذا استقلت الآن فلن تضطر لإدراج هذه الوظيفة في سيرتك الذاتية؟» ضحكَ الجميع، وتحدَّثوا لبعض الوقت عن دراسة ويل والأفلام التي صدرت مؤخرًا وطموحاته بعد أن تخرج.
وبعد بضع دقائق، دخلَ مات وميشيل. وقدَّم مات نفسه إلى ويل. فقال مخاطبًا إياه: «كيف حال الفتى الجديد؟»
مازحَ كونر زميله. فقال له: «هذا ما قلتُه أنا أيضًا! ألم تستطع أن تأتي بشيءٍ مبتكَر؟ من المفترض أنك المخترع هنا.»
ردَّ مات: «لقد تركتُ التلاعب بالكلمات لكم أنتم يا رجال التسويق.»
فضحكوا بصوتٍ أعلى مما تستحق المزحة في رأي ويل، ولكن هذا هو الحال في الشركات الكبرى.
سألَ كيسي: «أين تيم؟»
أجابَ مات: «لقد لقيتُه منذ بضع دقائق.» ثم أضافَ: «قال إنه سيتأخَّر عن الاجتماع قرابة نصف الساعة، وإن بإمكاننا أن نبدأ من دونه. إنه ينجز بعض الأمور الخاصة بالموازنة بالتعاون مع قسم تكنولوجيا المعلومات.»
نظرَ ويل إلى كيسي ليرَ كيف سيكون رد فعله على هذه الأخبار. ولكن لم يصدر كيسي أيَّ رد فعل يُذكَر. واكتفى بقوله: «حسنًا، لنبدأ.»
دوَّن ويل وقت بدء الاجتماع وهو الساعة ١٠:١٢ صباحًا في دفتر ملاحظاته. وقرَّر أنه سيسجِّله في محضر الاجتماع الذي سيكتبه ويوزِّعه فيما بعد.
قال كيسي: «إليكم جدول الأعمال الذي أعددتُه. وأظن أن الجميع قد تلقَّوا محضر اجتماع الأسبوع الماضي كما جرت عادتنا.»
فأومأ الجميع برءوسهم، ولكنهم تحاشوا النظر إلى كيسي مباشرة. وكان ويل على يقين أن ذلك يعني أن أحدًا لم يقرأ المحضر. وتذكَّر أنه قد رأى السلوك نفسه في الجامعة عندما كان الأستاذ يسأل الطلاب عن رأيهم في فصول الكتاب التي كان عليهم أن يراجعوها.
واصلَ كيسي الكلام، وهو يفحص بعينَيه جدول الأعمال الذي يمسكه بيده. فقال: «يمكننا أن ندع البند الأول جانبًا مؤقتًا. سوف نتحدَّث عن الموازنة عندما يأتي تيم. لنبدأ بالبند الثاني. ستبدأ ميشيل بإخبارنا عن برنامج تدريب الإدارة والنزهة الصيفية. وبعدها يعطينا مات آخِر الأخبار عن تطوير المنتج الجديد. وبعد ذلك، تُحدِّثنا صوفيا عن المبيعات.»
رفعَ كونر يدَّه وتحدَّث. «لقد أحضرتُ معي المواد الخاصة بترويج المنتجات والإعلان التي كنت أعمل على إنجازها مؤخرًا، وأنا مستعد لإطلاعكم عليها إذا رغب أحدكم في ذلك.»
وافقَ كيسي على ذلك بعد أن جالَ ببصره في الحاضرين ورأى معظمهم يومِئون برءوسهم موافقين.
وفي أثناء انتظارهم حتى تفتح ميشيل الكمبيوتر الخاص بها، بدأت صوفيا حديثًا جانبيًّا. فقالت: «لا أعتقد أننا سنتنزه في المدرسة الثانوية مجددًا، أليس كذلك؟ أعتقد أن النزهة كانت أفضل كثيرًا عندما ذهبنا إلى الشاطئ.»
ردَّ مات. فقال: «أظن أن الأغلبية تود أن نذهب إلى الشاطئ. ولكن هناك حديقة جديدة في كارمل أحسبها تناسبنا.»
قالت صوفيا: «أهي تلك الحديقة الواقعة بالقرب من شارع سانت ماري؟»
أومأ مات بالإيجاب. وقال: «تعيش عائلة زوجتي في هذا الشارع. أعتقدُ أن الحديقة جميلة وكبيرة بما يكفي لتسعنا.»
بعد أن انتهت ميشيل من فتح الكمبيوتر الخاص بها، تدخلت في الحوار. فقالت: «لقد فكَّرتُ في هذه الحديقة، ولكني وجدتُها محجوزة بالفعل. ومن ثم، لم يكن أمامي سوى المدرسة الثانوية. في العام القادم سوف أحجز إحدى حدائق كارمل مبكرًا.»
وظلَّ الحوار دائرًا على الرغم مما قالته ميشيل. استمع ويل غير مصدق إلى أعضاء الفريق التنفيذي الذين أمضوا نحو خمس عشرة دقيقة في مناقشة مزايا المدرسة الثانوية وعيوبها مقارنة بالشاطئ والحديقة. وتحدَّثوا عن نظافة الحمامات وأماكن انتظار السيارات، والحاجة إلى التحقق من ملاءمة الطعام لبعض أبنائهم الذين يعانون حساسية من الفول السوداني.
أخذَ ويل يدوِّن ملاحظات كثيرة واستمر في ذلك فقط ليقاوم رغبة مفاجئة في إطلاق تعليق فَج.
ولحُسن الحظ، تدخَّل كيسي. فقال: «حسنًا، كفانا حديثًا عن النزهة. ماذا عن موضوع برنامج تدريب الإدارة؟»
وطوال الدقائق الثلاثين التالية، استعرضت ميشيل خططها. شملت خططها كلَّ شيءٍ، بدءًا بالشركة الاستشارية التي كانت تعتزم تكليفها بتنظيم برنامج التدريب وتكلفته المُحتمَلة، وحتى المكان المقترح إجراء التدريب به. ولم يقاطعها أحد من زملائها بتوجيه سؤال أو طرح تعليق.
سألت ميشيل: «هل من أسئلة؟»
لم يرد أحد. حتى تحدَّث مات معربًا عن أن لديه تساؤلًا. فقال «نعم. هل عليَّ أن أشارك في هذا البرنامج؟»
ضحكَ الجميع. وقذفت صوفيا زميلها الساخر بلفافة من الورق.
أرادَ كيسي الانتقال إلى الموضوع التالي. فقال مخاطبًا إياهم: «لنتحدَّث بجدية، هل هناك حقًّا أية أسئلة بخصوص الموضوع الأول؟»
تحدَّث كونر بعد ذلك. فقال: «أنا أتساءل فقط إن كنَّا بحاجة إلى القيام بذلك. إنَّ مبلغ ٧٥ ألف دولار الذي سيتكلَّفه التدريب يكفيني لشراء خمسة إعلاناتٍ تجارية عالية الجودة. وبالنظر إلى وضع أسهم الشركة مؤخرًا …»
فقاطعه كيسي مبتسمًا: «أعلم. أعلم. إننا جميعًا بحاجة إلى المال. ولكن هذا شيءٌ يتحتَّم علينا أن نقوم به، ونحن لن ندع جانبًا يطغى على آخر.»
فُوجِئَ ويل أن كونر لم يستمر في الدفاع عن رأيه.
شكرَ كيسي ميشيل لوقتها ومجهودها، وهنا وصلَ تيم.
وفي دقائق قدَّم المدير المالي وصفًا تفصيليًّا لموازنة الشركة للسنة المالية القادمة. تحدَّث تيم عن كل قسم بالتفصيل: المبيعات والتسويق وتطوير المنتجات والحسابات والإدارة، كما لو كان يتحدَّث في جلسة منفردة مع كل رئيس من رؤساء الأقسام، وتابعه الآخرون وهم يغالبون النعاس.
في أثناء الاجتماع، أمضى الفريقُ عشر دقائق في مناقشة ما إذا كان على الشركة البدء في التخلص بنفسها من مستنداتها الخاصة بدلًا من الاستعانة بشركة من الخارج للقيام بهذه المهمة، وذلك من شأنه أن يوفِّر على الشركة ٧٢ دولارًا في الشهر.
مرة أخرى، راحَ ويل يدوِّن ملاحظاته لتشتيت انتباهه عما يحدث وهو يرقب الوقت الذي يمر ببطء شديد يُحس فيه بثقل الدقائق والثواني. وأخيرًا، وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة في مناقشة الأمور المالية، دعا كيسي إلى فترة من الراحة مدتها عشر دقائق. ويعني هذا أن الفريق لن يكون لديه بعد عودته من الراحة إلا ثلاثون دقيقة فقط لمناقشة المنتجات الجديدة والمبيعات وربما الدعاية أيضًا.
أحسَّ ويل أنه لم يشعر بمثل هذا القدر من الملل منذ السنة الأولى التي درسَ فيها رياضيات التفاضل والتكامل. وكان لسان حاله يقول: «والمذهل أن هؤلاء الأشخاص يعملون في مجال بيع الألعاب التي تعد من وسائل الترفيه. ربما كان جيه تي هاريسون محقًّا على الرغم من كل شيء.»