كلية السينما
كان الحديث الآن قد استحوذَ على اهتمام كيسي، فسأل: «ماذا تقصد؟»
ويل: «أقصدُ أنني أعتقد أنني فهمت لماذا تعد هذه الاجتماعات قليلة الجدوى.» كان ويل يحاول أن يكون مُهذَّبًا. «وهذا هو ما يجب أن نتحدَّث عنه اليوم.»
تحدَّثت صوفيا بعد ذلك، موجِّهةً السؤال إلى كيسي. «أيمكننا تأجيل مناقشة القضايا المُدرَجة في جدول الأعمال حتى الأسبوع المقبل؟»
بدا أنَّ سائر الحاضرين في القاعة يشاركونها قلقها، وظنَّ ويل أن اقتراحه على وشك أن يُرفَض.
استعرضَ كيسي القائمة الموجودة أمامه. وقال: «حسنًا، أعتقد أن معظم البنود يمكن أن تنتظر. ولكن، علينا أن نتحدَّث عن المنتج الذي سنطرحه في الخريف والمواعيد النهائية لإعداد الميزانية.»
قاطعه ويل، محاولًا بكل ما في وسعه إنقاذ محاولته لإصلاح الأمور. فقال: «حسنًا، إليكم اقتراحًا آخر، سأمنحكم ثلاثين دقيقة لمناقشة تلك القضايا في نهاية الاجتماع.»
اعترضَ تيم قائلًا: «نصف ساعة؟!» وأضافَ: «كُنْ واقعيًّا يا ويل.»
لجأَ ويل إلى أسلوب التوسل والاستجداء. فقال: «أرجوكم. افعلوا هذا من أجلي.»
ونظرًا لمصداقية ويل لدى الفريق على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وافقوا على طلبه.
منحه كيسي الإذن قائلًا: «تفضَّل.» وأضافَ: «هات ما عندك.»
نهضَ ويل واقفًا، وتحرَّك إلى صدر القاعة. ثم طرحَ سؤالًا: «كم شخصًا هنا يفضِّل الذهاب إلى السينما على حضور اجتماع؟»
لم يرفع أحدٌ يدَّه في البداية. ظلَّ الجميع في أماكنهم واكتفوا بالنظر بعضهم إلى بعض.
قال ويل: «أنا جادٌ فيما أقول.» وكرَّر السؤال: «أيهما تفضِّلون: فيلمًا أم اجتماعًا؟ أريدُ إجابة.»
وببطءٍ، ردَّد كلُّ فرد في الاجتماع: «فيلم»، فيما عدا تيم الذي قال: «هل أنت ثمل؟ أنا أفضِّل الذهاب إلى عيادة طبيب الأسنان على حضور اجتماع.» فضحكَ الجميع.
ويل: «حسنًا. ماذا لو قلت لكم إن الاجتماعات بطبيعتها أكثر تشويقًا وإمتاعًا من الأفلام؟»
كالعادة، كان تيم أول مَنْ يرد. فأجابه قائلًا: «مرةً أخرى، أعتقدُ أنك أسرفتَ في الشراب.» فضحكَ الجميعُ من جديد.
تابعَ ويل. فأضافَ قائلًا: «انظروا إلى الأمر من هذه الزاوية. تستغرق مشاهدة الفيلم أو حضور الاجتماع ساعتَين تقريبًا، وقد يزيد هذا الوقت أو يقل بمقدار عشرين دقيقة. أليس كذلك؟»
أومأ بعضُ الحاضرين بالإيجاب، ومن ثَم تابعَ ويل.
«ولكن الفيلم نشاط سلبي. فلا يمكنك مقاطعة أحد الممثلين وتقديم النصح له. أما الاجتماع، فهو نشاط تفاعلي بمعنى الكلمة. فلا يتوقف الأمر عند إمكانية المشاركة فحسب، بل ينتظر الآخرون منك ذلك.»
كان الجميعُ يستوعبون الفكرة، ولكنهم لم يربطوها بقضية أكبر. ليس بعد.
تابَعَ ويل حديثه. وقال: «الأفلام ليست وثيقة الصلة بحياتنا. ولا تتأثر أفعالنا بعد خروجنا من دار السينما بما انتهى إليه الفيلم. أليس كذلك؟»
انتظرَ ويل ليرى إيماءاتٍ أكثر قبل أن يواصل كلامه.
قال ويل: «ولكن الاجتماعات — من الناحية النظرية — وثيقة الصلة بحياتنا. فالقرارات التي تُتخذ في نهاية أي اجتماع يكون لها تأثير مباشر على الطريقة التي نُمضي بها وقتنا ونوجِّه بها طاقتنا بعد أن نغادر قاعة الاجتماعات.»
الآن أومأ الجميع برءُوسهم موافقين.
واصلَ ويل: «ولذا، أعتقد أنَّ الأنشطة التفاعلية الوثيقة الصلة بحياتنا، مثل الاجتماعات، أكثر تشويقًا من الأنشطة السلبية التي لا تمس حياتنا، مثل الأفلام.»
أوحت النظراتُ التي ارتسمت على وجوه الجميع بالتسليم بأن ويل قد أثارَ نقطة مهمة.
التقطَ ويل أنفاسه. وكانت ثقته بنفسه تتزايد الآن. واستفسر قائلًا: «إذن لماذا — في رأيكم — نفضِّل مشاهدة الأفلام على حضور الاجتماعات؟» توقَّف لحظة، ثم تابعَ. «هذا سؤالٌ يحتاج إلى إجابة.»
ردَّ مات أولًا. وكانت نبرة صوته توحي بأن الإجابة واضحة. فقال: «لأن الاجتماعات مملة على عكس الأفلام.»
أومأ ويل. وسألَه: «ولِمَ ذلك؟»
لم يكن لدى أيٍّ منهم — فيما يبدو — إجابة حاضرة، ولذا قدَّمها ويل إليهم. فقال: «لأن كُتَّاب السيناريو أدركوا منذ زمن بعيد أن هناك عنصرًا ضروريًّا لإضفاء الإثارة على أي فيلم، ونحن بحاجة إلى هذا العنصر في اجتماعاتنا.» ثم توقَّف للحظة قبل أن يكشف عن هذا العنصر. ثم أضافَ: «إنه الصراع.»
كانت علاماتُ الحيرة لا تزال مرتسمة على وجوه أعضاء الفريق، ولكن لم يكن يساور ويل أيُّ شك في أنه نجحَ في إثارة اهتمامهم. تابعَ ويل: «أتعلمون؟ منذ أسابيع قليلة كنت مقتنعًا أن مشكلة هذه الاجتماعات، ومشكلة الاجتماعات بوجه عام، تكمن في أنها طويلة للغاية. لكنني أدركتُ بعد ذلك أنه حتى الأفلام الطويلة يمكن أن تكون شيِّقة طالما كان هناك صراع قوي بما يكفي لجذب انتباهك.»
اعترضت صوفيا قائلة: «انتظر لحظة.» وتابعت: «الصراع ليس عنصرًا أساسيًّا في جميع الأفلام.»
قَبِلَ ويل اعتراضها. وقال: «ولكن الأفلام الجيدة تحتوي على صراع، اذكري لي فيلمًا لا ينطوي على صراع في صميم أحداثه.»
لم يكن لدى صوفيا إجابة مباشرة، ولذا جرَّب ويل طريقة أخرى: «حسنًا، فليكتب كلُّ فرد اسم الفيلم المفضَّل لديه.»
بدا التردد على وجوه أعضاء الفريق التنفيذي، كما لو كانوا يتساءلون «هل أنت جاد؟»
ويل: «هيا. اكتبوا.»
وكقاضٍ طيب كبير السن يستجوب محاميًا شابًّا في إحدى المحاكمات، شجَّع كيسي ويل قائلًا: «أتمنَّى أن يساعدك هذا على إحراز تقدُّم.»
طمَّأنه ويل: «بالتأكيد.»
أومأ كيسي، وبدأ الجميع في الكتابة. وبعد دقيقة تقريبًا، طلبَ ويل منهم إعلان إجاباتهم، واحدًا تلو الآخر.
قال ويل: «حسنًا. هل لدى أي منكم شك في أن هذه الأفلام مشحونة بالصراع؟»
فسأل مات: «ماذا تعني بالصراع بالضبط؟»
بدأ ويل يلقي عليهم خطابًا، من نوعٍ ما. فقال: «حسنًا، أنا لا أعني بالضرورة حربًا أو عراكًا بالأيدي أو حتى مشادة كلامية، إذا كان ذلك هو ما تقصده. ليس الصراع إلا موقفًا مشحونًا بالتوتر يحتاج إلى حل. قد يكون الصراع بين شخصَين، مثل فيلم «روكي». وقد يكون عن شخص يتحدَّى الطبيعة، مثل فيلم «الفك المفترس» أو فيلم «العاصفة». والكثير من أفضل الأفلام يدور حول الصراع الداخلي لإحدى الشخصيات. والواقع أن معظم الأفلام — حتى أفلام الحركة — تتناول في النهاية الصراع الذي يدور داخل إحدى الشخصيات. ولكن بغض النظر عن قصة الفيلم، يجب أن يكون هناك شيءٌ معرَّض لخطر فقدانه في النهاية. جائزة، أو البقاء على قيد الحياة، أو سلامة العقل، أو النجاح، أو حتى السلام النفسي.»
وبعد هنيهة من الصمت، تحدَّث تيم. فقال: «إذن أين الصراع في فيلم صوت الموسيقى؟»
وقبل أن يتمكَّن ويل من الرد، هاجمت صوفيا المدير المالي بحِدَّة. فقالت مخاطبةً إياه: «هل تمزح؟ أولًا هناك شخصية «كريستوفر بلامر» القبطان الذي يتحدَّى النازيين. ثم هناك ماريا التي تتنافس مع البارونة لكسب ود الكابتن.» ثم تابعت ساخرة. «ويجب ألَّا تنسى الهروب الفعلي من النمسا.»
تدخَّلت ميشيل. فأضافت: «وهناك أيضًا الصراع بينها وبين الأطفال في البداية قبل أن يتقبَّلوها.»
وافقَ ويل وأضافَ. «وربما كان الصراع الداخلي لماريا وهي تحاول التفكير في رسم مسار حياتها؛ هو أهم هذه الصراعات جميعها.»
اعترفَ تيم قائلًا: «حسنًا، حسنًا، أنا أصدقك.» ثم أردفَ: «أتعلمون؟ الواقع أنني لم أشاهد هذا الفيلم قط، فأنا لا أحبُّ الأفلام الغنائية.»
اندهشت صوفيا، وسخرت منه دون رحمة. فقالت: «ألم تشاهد فيلم صوت الموسيقى من قبل؟ أنت شخصٌ أحمق حقًّا، أليس كذلك؟»
فضحكوا جميعًا.
قرَّر تيم أن يعترف بالحقيقة. فقال: «إنني لم أشاهد حتى فيلم الأب الروحي.»
وعندئذٍ ثارت ثائرة كلِّ مَن في القاعة.
دافعَ تيم عن نفسه. «إنني لا أميلُ إلى أفلام المافيا بوجه عام.»
أوضحَ كيسي: «ولكن فيلم الأب الروحي ليس مجرد فيلم من أفلام العصابات.» ثم أضافَ: «هناك عددٌ لا يحصى من أفلام المافيا، ولكن فيلم الأب الروحي أكبر من ذلك.»
كان ويل مستمتعًا بذلك، ولعب دور الأستاذ. وقال: «إذن ماذا كانت نقطة الصراع في فيلم الأب الروحي؟ لماذا يصعب على المرء التوقف عن المشاهدة بمجرد بدء عرض الفيلم؟»
أجابَ كيسي بحماس ودون تردد. فقال: «إنه مايكل كورليون ومحاولته أن يظل بعيدًا عن المافيا، ثم انغماسه تدريجيًّا في شئون العائلة حتى صار من الصعب عليه أن يفر. إنه لمن الرائع أن تشاهد هذا الفتى الوسيم بكل ما يحمله من النوايا الطيبة، وهو يقاوم إغراءَ الانتقال إلى جانب الشر.»
كان سائرُ الحاضرين في القاعة يومِئُون ويستحضرون الفيلم في أذهانهم.
ابتسمَ ويل. وقال: «وهذا، سيداتي سادتي، هو سبب حبنا للأفلام. فنحن لا نحبُّ الأفلام بسبب المؤثرات الخاصة، أو أسماء الممثلين اللامعين، أو الفشار. أو حتى العنف. إنه الصراع. والدراما الإنسانية. هذا هو ما يستحوذ على اهتمامنا.»
رفعَ مات يده وانتظر حتى سمحَ له ويل بالحديث. بدا الأمر كما لو كان ويل قد صار أستاذًا فجأة، وكان تلاميذه متعطشين للمزيد من المعرفة.
مات: «إذن، أوافقُ على أن كل أفلامنا المفضَّلة بها صراع. ما لا أفهمه هو لماذا يجب أن تحتوي اجتماعاتنا أيضًا على صراع. إنها بالتأكيد لن تكون مملة كما هي الآن. ولكن ما الاختلاف الحقيقي الذي سيحدثه ذلك على المدى البعيد؟»
أدارَ ويل السؤال في ذهنه، فقد كان يريد أن يجد الكلمات المناسبة.
لم يترك له كيسي الفرصة. وتدخَّل قائلًا: «مهلًا يا مات. لو أن هناك صراعًا، ألا تعتقد أننا سنتخذ قراراتٍ أفضل؟ وربما يسعى كلٌّ منا إلى طرح أفكاره وآرائه على طاولة النقاش.»
أضافَ ويل: «وهذه واحدة من المشكلات الكبرى المتعلقة باجتماعاتكم.» ثم تابعَ: «ففي كل مرة تُوشكون فيها على الخوض في مناقشة مهمة حول أحد الموضوعات التي يحتدم فيها الجدال، تتراجعون فجأة.»
أومأَ مات، ولكن كان لديه اعتراض جديد لويل.
مات: «حسنًا. ولكن كيف يمكننا أن نتفوَّق على النازيين والمافيا عندما يتعلق الأمر بالإثارة؟ أعني، ألن نكون في موقف أضعف؟ إنَّ احتمالات الفوز هنا ضئيلة نسبيًّا.»
هزَّ ويل رأسه بثقة. وقال: «لا. الاحتمالات هنا أكبر بكثير.»
نظرَ الفريق إلى ويل كما لو كان قد أعلن لتوه أن الأرض مسطحة. ولكنه كان يوجِّه انتباههم إلى حيث أراد.
ويل: «إنَّ القضايا التي من المفترض أن تناقشوها هنا أهم بالنسبة إليكم من قضية هروب عائلة «فان تراب» من النمسا بالنسبة إلى روَّاد السينما. بل إن القضايا التي تناقشونها هنا هي مصدر رزقكم وهي التي تحفظ لكم أعمالكم. ما الذي يزيد أهمية على ذلك؟»
لم يعترض أحد.
أعلنَ كونر فجأةً رغبته في الحديث، فدعاه ويل للتحدُّث.
سألَ كونر: «ماذا عن فيلم تومي بوي؟ أين الصراع في هذا الفيلم؟»
أجابت ميشيل مازحةً. فقالت: «لقد قال إنَّ الصراع في الأفلام الجيدة.»
ضحكَ الجميع، حتى دافعَ ويل عن كونر.
ويل: «تومي بوي هو أحد الأفلام المفضَّلة لديَّ، وكريس فارلي كان ممتعًا جدًّا.»
شعرَ كونر أن ويل ردَّ إليه اعتباره. فسأله: «إذن ماذا كان الصراع؟»
ابتسمَ ويل، وحلَّل الفيلم كما لو كان قد فاز بجائزة أوسكار لأحسن فيلم أجنبي. فقال: «حسنًا، أولًا، يحاول كريس فارلي أن يحافظ على الشركة التي بناها والده وأدارها حتى تُوفي فجأة. ثم يتعيَّن عليه أن يتصدَّى لتهديدات بو ديريك وروب لوي بتدمير شركته.»
فضحكَ الجميع، بمَن فيهم ويل، على هذا التحليل المتحذلِّق لفيلم كوميدي خفيف.
ودون أن يتأثر ويل، تابعَ محاضرته. وقال: «والأهم من هذا كله، كان عليه أن يشعر بنضجه وينمِّي تقديره لذاته حتى يصبح رئيسَ المؤسسة.»
ابتسمَ كونر منبهرًا ومستمتعًا بهذا التحليل.
تدخَّل كيسي فجأة. وكان متبرمًا وعصبيًّا. فقال: «حسنًا، أظن أنني الشخصُ المسئول عن حدوث ذلك.»
أومأ ويل، وتابعَ كيسي. «بالنظر إلى حقيقة أنني لا أميل إلى الصراع، كيف أجعل الصراع عنصرًا أساسيًّا في اجتماعاتنا؟»
أوضحَ ويل: «السؤال ليس كيف. بل متى.»