الاجتماع الاستراتيجي الشهري
عندما عادَ ويل إلى قاعة الاجتماعات بالطابق العلوي، كان الجميع يتخذون أماكنهم. ثم لاحظَ فجأة تغيُّرًا في الجو العام بالقاعة. سادَ القاعة جو من الحماس والجدية.
تحدَّث كيسي أولًا. وقال: «حسنًا، فلنستمر.» ثم نظرَ إلى ويل.
قال ويل: «حسنًا. في حلقة الأسبوع الماضي …» فضحكَ الجميعُ من دعابة ويل الذي تابعَ قائلًا: «سألني مات عن كيفية تحديد وقت المناقشة في الاجتماعات الأسبوعية التكتيكية بخمس وأربعين دقيقة. وكان هذا مَدخلًا رائعًا إلى النوع التالي من الاجتماعات لدينا. الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية.»
ثم اتجه إلى السبورة وكتبَ هذه العبارة تحت عبارتَي «التقارير اليومية»، و«الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية.»
ويل: «عندما تكون في منتصف اجتماع تكتيكي أسبوعي ويقول شخصٌ ما: لنتحدَّث عن ذلك المنافس الجديد في السوق، أو: أعتقد أننا يجب أن نبحث فكرة عمل مشروع مشترك مع شبكة «إي إس بي إن» التلفزيونية الرياضية، أو: لنُعِد النظر في استراتيجيتنا الإعلانية؛ تكون تلك هي اللحظة التي يجب عليك فيها مقاومة هذه الرغبة.»
أرادَ مات توضيحًا فسألَ: «الرغبة؟»
قال ويل: «نعم، الرغبة في الدخول في حوار مثير ومهم ليس له أيُّ تأثير حقيقي على قدرتك على تحقيق أهدافك قريبة الأجل.»
اعترفت صوفيا: «ولكن تلك فقط هي …» وتردَّدت ثم تابعت: «أقصد أن تلك هي أفضل أجزاء الاجتماع.»
ضحكَ الجميع؛ لأنها كانت على وشك أن يزل لسانها.
قال ويل الذي عاد إليه نشاطه من جديد: «وهذا هو ما أقصده!» ثم أردفَ: «تلك الموضوعات هي بالتأكيد أكثر الموضوعات تشويقًا. إنها ما يدفعكم إلى دخول عالم الأعمال في المقام الأول. ذلك حيث تشترك في مناقشات تستطيع فيها أن تستخدم مهاراتك التحليلية وخبرتك وبصيرتك لحل مشكلة كبيرة.»
واصلت صوفيا بإصرار: «صحيح، إذن ما الخطأ في أن نتناول هذه الموضوعات في الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية؟»
ردَّ ويل: «هناك بالفعل مشكلتان جسيمتان.»
وهكذا استرعى ويل انتباه الجميع مجددًا.
تابعَ ويل: «أولًا: لا يوجد لديكم وقتٌ كافٍ أثناء اجتماعات الفريق الأسبوعية للخوض في قضية كبرى. ومن ثَم، يدور الحوار على عجل، وينتهي قبل أن يكتمل، ولا يخرج بنتائج عملية، ولا يرضى عنه أحدٌ في النهاية.»
وتمهَّل ليعطيهم فرصة للاعتراض. لكن أحدًا لم يعترض، ومن ثَم تابعَ. فقال: «ثانيًا: حتى إذا كان لديكم وقتٌ كافٍ، فمن المستحيل تقريبًا على الأشخاص تحويل مسار تفكيرهم من قضية تكتيكية إلى قضية استراتيجية.»
أومأ كيسي وقال: «هذا أمرٌ متعلق بموضوع السياق الذي ذكرته من قبل.»
ردَّ ويل: «صحيح تمامًا.» لم يكن ويل واثقًا أنهم جميعًا فهموا هذه النقطة، ولذا استخدم تشبيهًا. فقال: «تخيَّلوا أن لديكم جهازَي تلفزيون موضوعَين جنبًا إلى جنب، وأنكم تحاولون مشاهدة فيلم «سائق الآنسة ديزي» وفيلم «الجميع يحبون ريموند» في الوقت نفسه.»
راقَ التشبيهُ للجميع، ولكنه لم يكن كافيًا. فأضاف ويل: «أو تخيَّلوا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يناقش حفلَ إضاءة شجرة الكريسماس الخاصة بالبيت الأبيض وقضايا الإرهاب والأمن القومي في الوقت نفسه. هذا أمرٌ غير منطقي إطلاقًا.»
أخذَ كيسي نفَسًا عميقًا وتحدَّث، كما لو كان قد أدركَ عبثية ما كان يفعله لوقتٍ طويل. وقال: «وإن محاولة التعامل مع قضايا استراتيجية في الاجتماعات الأسبوعية يعني تشتيت الانتباه عن التعامل مع القضايا قصيرة الأجل التي ينبغي حلها حتى يستمر سير العمل.»
لمست هذه الكلمات وترًا حسَّاسًا عند تيم. فقال: «بالضبط! إننا ننحرف عن المسار بدرجة كبيرة عندما نناقش ما سيحدث في ربع السنة القادم أو السنة القادمة لدرجة أننا لا نصل إلى أية نتائج بشأن بما يجب أن نقوم به الأسبوع المقبل. أو حتى غدًا.»
ضحكَ الجميع من مديرهم المالي الفظ الذي انفعلَ فجأة.
لم يشأ ويل أن يدع الحوار يفقد قوته. فقال: «ولهذا ينبغي أن ترغموا أنفسكم على تأجيل بحث تلك القضايا الاستراتيجية الطويلة الأجل حتى يتوفر الوقت الكافي لمنحها الاهتمام الذي تستحقه.»
وفجأةً خطرَ ببال كيسي سؤالٌ. فأضافَ: «ولكن ماذا لو لم يكن بإمكانك الانتظار حتى موعد الاجتماع الاستراتيجي الشهري القادم؟ فقد تكون هناك قضية بحاجة إلى اهتمام فوري.»
قال ويل: «لا بأس.» وكان ويل مرتاحًا لما يجري وفكَّر لحظة أنه ربما يجب أن يكون أستاذًا جامعيًّا. ثم تابعَ: «إذا كان لا يمكن لهذه المسألة أن تنتظر، يمكنكم عقد اجتماع استراتيجي في مساء اليوم نفسه. ويمكنكم أن تطلقوا عليه اسم …» ثم توقَّف ليفكِّر، وتابعَ: «اجتماع استراتيجي طارئ، لا أدري. عليكم فقط ألا تخلطوا بينه وبين الاجتماع التكتيكي الأسبوعي.»
أومأ كيسي ودوَّن إجابة ويل.
مات: «لديَّ سؤال. ما عدد الموضوعات التي تستطيع أن تتناولها في هذه الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية؟»
لم يتردَّد ويل وقال: «واحد أو اثنان. وربما ثلاثة إذا خصَّصت وقتًا كافيًا. المهم هو أن تنتقي الموضوعات المناسبة، وأن تحيط بتفاصيلها تمامًا.»
تيم: «إذن ينبغي أن يكون لديك جدول أعمال لهذه الاجتماعات.» ويبدو أن مسألة جداول الاجتماعات كانت تشغل ذهن تيم.
ردَّ ويل قائلًا: «الإجابة هي نعم. بالتأكيد. جداول الأعمال مهمة لمثل هذه الاجتماعات لأنك قد تحتاج للإعداد لها عن طريق القيام ببعض البحث. وعليك أن تتيح للآخرين فرصة بحث الموضوع المطروح مقدمًا. فهذا سيرفع كثيرًا من مستوى المناقشة، وسيقلص من تشعب الحوار الذي يميِّز معظم هذه الاجتماعات.»
رفعت ميشيل يدها وقالت: «أنت قلت ساعتَين أو ثلاثًا. فماذا عن قولك إنه يجب إنهاء هذه الاجتماعات في ساعتَين فقط؟»
فكَّر ويل في الأمر للحظات. ثم قال: «حسنًا، الاجتماعات اليومية والاجتماعات التكتيكية الأسبوعية يجب أن تتقيَّد بالوقت. ولكن الأمر يختلف في حالة الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية.»
توقَّف ويل، وأخذَ يدير في ذهنه أمرًا ما. وكان من الواضح أن ويل ينقِّح نظرياته أثناء تحدُّثه. فقال: «أتعلمون، حلقات الكوميديا الارتجالية تستغرق دائمًا ثلاثين دقيقة فقط. وإذا حدث يومًا ما أن امتدت حلقتك المفضَّلة إلى خمس وأربعين دقيقة، فستجد الأمر محيرًا. ويختلف الأمر في حالة الأفلام. فأنت لا تذهب إلى دار السينما وتقول: حسنًا، أعطني ثلاثًا وتسعين دقيقة بالضبط من الترفيه. الحقيقة أن من بين أفضل الأفلام أفلامًا طويلة. ومن بينها أيضًا أفلام قصيرة. أنا لا أعتقد أنه يجب عليكم أن تنشغلوا كثيرًا بمسألة الوقت الذي تقضونه في الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية أو تلك المخصَّصة لمناقشة مسألة معينة. في الحقيقة، أعتقد أنه ربما يجب عليكم تخصيص وقت طويل، كأربع ساعاتٍ مثلًا، لو أردتم مواصلة المناقشة.»
اعترضَ تيم قائلًا: «أربع ساعات؟»
تدخَّل كيسي إنقاذًا للموقف. وقال لهم: «أتعلمون، سمعتُ منذ أيام خبرًا عن مايكروسوفت وعلمت أن فريقهم التنفيذي يعقد أحيانًا اجتماعاتٍ تمتد حتى الليل، أو حتى صباح اليوم التالي.»
أومأ ويل. وقال: «سترون أن هذه الاجتماعات الاستراتيجية ستكون ممتعة ومثيرة للغاية، لدرجة أن الوقت لن يكون له أهمية. وستجدون أن ثلاث ساعات أو أربعًا قد مرت دون أن تشعروا.»
تساءلَ مات: «ومتى ننجز عملنا؟» وبدا غير راضٍ فجأة.
وعندئذٍ، بدأ كيسي يتولى قيادة الاجتماع مما أسعد ويل كثيرًا. قال كيسي: «حسنًا يا مات. ما الذي يمكن أن يكون أهم للفريق التنفيذي من القضايا الثلاث التي طرحتها؟ ماذا كانت القضايا؟ مشروع مشترك، ومنافس جديد يمثل خطرًا …» ثم توقَّف محاولًا تذكُّر الموضوع الثالث.
ذكَّرته ميشيل. فقالت: «استراتيجية جديدة للتسويق.»
وكان مات يُومئ برأسه كما لو كان يقرُّ بوجهة نظر رئيسه.
أكدت ميشيل الفكرة. فقالت: «وبالإضافة إلى ذلك، مَن الذي سيهمه الوقت إذا كنت بصدد اتخاذ قرار سيمتد أثره لسنوات؟»
ضحكَ تيم كما لو كان شيء ما تبادر إلى ذهنه للتو. ثم قال: «نعم، أنا لا أهتم بمدة الفيلم، ما دام مثيرًا. لقد شاهدتُ فيلم «القلب الشجاع» خمس مرات. في الحقيقة، لقد شاهدتُه ذات مرة مرتَين في يومَين متتاليين. وكان ذلك أكثر من ست ساعات أمضيتُها جالسًا في حجرة مظلمة، وكنت مستعدًّا أن أشاهده للمرة الثالثة في اليوم التالي، لكني لم أستطع إقناع أي شخص ليأتي معي لمشاهدته.»
لم تستطع صوفيا مقاومة هذه الفرصة لتمزح مع مديرها المالي. فالتفتت إليه قائلة: «شاهدتَ فيلم القلب الشجاع خمسَ مرات، ولم تشاهد فيلمَي صوت الموسيقى، والأب الروحي؟ أنت غريب، بل غريب جدًّا يا تيم.»
ضحكَ تيم.
أعادَ كونر المناقشة إلى مسارها مرة أخرى. فطرحَ سؤالًا: «كيف تحدِّد الموضوعات التي يجب مناقشتها في الاجتماع الاستراتيجي الشهري؟»
انضمَّ ويل إلى الحوار مجددًا. فقال: «ربما يكون أفضل وقت لتحديد الموضوعات هو الاجتماع التكتيكي الأسبوعي. فعندما يثير أحدُنا قضية على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، يمكننا وضعها على قائمة الانتظار حتى موعد الاجتماع الشهري التالي.»
تابعَ كونر حديثه. فقال: «ولكن هناك احتمالًا أن يكون لديك موضوعات عديدة. فكيف ستحدِّد أيها يصلح للاجتماع الشهري؟»
تولَّى كيسي الإجابة عن هذا السؤال. فَردَّ قائلًا: «لديَّ شعور أن الموضوعات الأهم ستكون واضحة تمامًا. وإذا لم تكن واضحة، فربما نناقش الأمر لبضع دقائق لنرى ما هي الموضوعات الأنسب للمناقشة. ولكني لا أعتقد أن هناك قواعد ثابتة، فهو أمرٌ خاضع للآراء.»
ومع أنَّ ويل كان مرهقًا، فإنه كان يشعر بالحيوية مجددًا. فقد اشتركَ الفريق كله في الحوار، وكان يبدو أن كيسي قد استعادَ بعض ثقته. ولا يستطيع ويل إنكار شعوره بالارتياح لأن نظرياته بدت منطقية.
ولكن بقدر شعوره بالثقة في قدرة المجموعة على فهم نموذجه، بدأ ويل يتساءل أيضًا إن كان بإمكانهم تطبيقه قبل أن يتخذ جيه تي هاريسون الإجراء الذي كان يخطِّط لاتخاذه، أيًّا كان هذا الإجراء.