الاجتماع المُرتقَب
عندما وصلوا، كان جيه تي هاريسون جالسًا بالفعل، لكنه لم يُحيِّ أحدًا في القاعة. كان يتحدَّث عبر هاتفه المحمول وبدا مبتهجًا على نحو ملحوظ.
وعندما استقرَّ الجميعُ في مقاعدهم في تمام الساعة العاشرة، أنهى جيه تي هاريسون حديثه مع الطرف الآخر على الخط بحماس: «يجب أن أنهي المكالمة الآن. نعم، كان من دواعي سروري أنا أيضًا أن أتحدَّث إليك. شكرًا. إلى اللقاء.»
تمنَّى ويل أن يستمر مزاج جيه تي هاريسون على هذا المنوال في الاجتماع، وظنَّ أن ذلك كان إشارة جيدة لما هو متوقَّع خلال الساعتَين القادمتَين. لكنه لم يكن كذلك.
فما إن أغلق جيه تي هاريسون هاتفه، التفت إلى كيسي ونظر إليه للمرة الأولى. وبدا أن مزاجه الإيجابي قد اختفى فجأة. وقال: «صباح الخير»؛ وخلت نبرة حديثه من أي ود أو فتور.
ردَّ كيسي بنفس النبرة التي تحدَّث بها جيه تي هاريسون، وبدأ الاجتماع. قال كيسي: «حسنًا، لدينا موضوعان للمناقشة وساعتان للانتهاء منهما، لنبدأ إذن. لماذا لا تبدئين أنتِ يا صوفيا؟»
تنحنحت صوفيا. وبدت متوترة على نحو غير مسبوق. فقالت: «المسألة التي بحثناها هي: هل يجب أن نبدأ في تصميم مزيد من الألعاب التقليدية أم لا؛ تلك الألعاب التي تستهدف ذلك النوع من الأطفال الذين يمثلون الشريحة الأسرع نموًّا في السوق.»
لم ينتظر كيسي حتى تُكمِل. وقال: «إذن بماذا تُوصين؟»
نظرت إليه صوفيا مندهشة. ثم تمتمت قائلة: «حسنًا، كما ذكرتُ لك يوم الجمعة، أنا لست متأكِّدة أن …»
قاطعها كيسي. فقال: «أعلم. ولكن إذا كنتِ ستقدمين توصية الآن، فماذا ستكون؟ أنا لا أبحث عن إجابة صريحة عن هذا السؤال. أريد فقط أن أعرف وجهة نظرك.»
بدا أن صوفيا ليس لديها ثقة في إجابتها. وذلك حين قالت: «حسنًا، أظن أنه يجدر بي القول إننا ينبغي أن نفكِّر في بعض الألعاب الجديدة التي تلقى رواجًا كبيرًا في السوق، ولكن في الوقت نفسه يجب ألَّا نتمادى كثيرًا في التخلي عن منتجاتنا القديمة.»
ابتسمَ كيسي، ثم ردَّ على رئيسة المبيعات. وقال: «مهلًا يا صوفيا، أنت لستِ بصدد دعاية انتخابية، أيجب أن نتوسَّع أم لا؟»
فلم تعرف صوفيا ماذا تقول. ونظرت إلى فريقها.
حاولَ تيم مساعدتها. فقال: «حسنًا، لقد كنت في فريق عمل المشروع مع صوفيا، ولكننا لم نتفق بالضرورة. أنا شخصيًّا لا أعتقد أننا يجب أن نتوسَّع؛ وليس هذا بسبب الخوف من إضعاف منتجاتنا القديمة، بل لأن ذلك سيجعلنا في وضع منافسة مع أقسام أخرى في شركة بلاي سوفت.»
قال ويل: «ومَنْ يهتم بذلك؟»
صارَ كيسي قلقًا فجأة من أن يوجِّه مساعِده حديثًا غاضبًا ومطوَّلًا. لكنه رأى أن محاولة التدخُّل ربما تجعل الأمور أسوأ. ومن ثَم طلب توضيحًا.
كيسي: «ماذا تقصد؟»
أخذَ ويل نفَسًا عميقًا. ثم قال: «ما أقصده هو أنه سيجري تقييمنا كقسم. وهذا يعني أننا يجب أن نحقِّق نموًّا في عائداتنا وحصتنا من السوق. فما دامت الشركة تقيِّم أداءنا بهذه الكيفية، يجب أن ندير عملنا بهذه الطريقة.»
لم يدِرْ أحدٌ وجهَه ناحية ويل في الحقيقة، ولكن الحضور ألقوا نظرة سريعة على جيه تي هاريسون ليروا كيف سيرد. ولكن، فيما عدا كيسي الذي تدخَّل ليستحث نقاشًا حواريًّا.
كيسي: «هل يتفق أحدُكم مع ويل؟»
كان الصمت يسود القاعة، باستثناء صوت احتكاك القلم بالورق أثناء تدوين جيه تي هاريسون لملاحظاته.
تحدَّثت صوفيا مجددًا. فقالت: «أنا أتفق معه. أعتقدُ أن علينا القيام بما يتحتَّم علينا أن نفعله.»
لم يفقد كيسي حماسه أو شجاعته بسبب المناقشة الجَدلية المحتمَلة. فتابعَ قائلًا: «حسنًا، أريد أن أسمع رأي الجميع حول هذه المسألة، ولكني سأكون صادقًا فيما يتعلق بوجهة نظري.» ونظرَ في ساعته، ثم استمر: «الساعة الآن العاشرة وسبع دقائق. أنا لا أؤيد هذا النوع من التوسُّع، ولكن ليس بسبب المنافسة الداخلية المحتمَلة. فما دامت الشركة تنظر إلى أمورها المالية على مستوى الأقسام بشكل بحت، أعتقد أن ويل وصوفيا محقان. وبالمناسبة، أتمنَّى أن يتغيَّر ذلك ونبدأ في النظر إلى الشركة نظرة شاملة ككيان واحد يومًا ما في المستقبل.»
كان جيه تي هاريسون يدوِّن ملاحظاته بسرعة أكبر الآن.
تابعَ كيسي. فقال: «يستند اعتراضي على التوسُّع إلى ضرورة الحفاظ على تميُّزنا التنافسي ومكانة منتجاتنا. أعتقدُ أننا إذا فقدنا تركيزنا، فسنصبح كالآخرين. ومن ثَم، لن يكون لدينا أية ميزة على الإطلاق.»
الآن تدخَّل تيم. وقال: «ولكن الأرقام تقول إننا يجب أن نفعل ذلك. فالسوق بوجه عام سوف ينمو بنسبة ١٥٪ على مدى السنوات الخمس القادمة. في حين سينمو السوق الذي نستهدفه بنسبة ٢ أو ربما ٣٪.»
طرحَ مات سؤالًا فقال: «ولكن ما عدد المبادرات الأخرى التي يمكننا اتخاذها؟» ثم أضافَ: «أعلم أنكم سمعتموني أقول ذلك من قبلُ، ولكنني أخشى ألَّا نستطيع الحفاظ على نفس مستويات الجودة لدينا حاليًّا.»
التفت كيسي إلى رئيسة قسم الموارد البشرية. وقال: «ماذا تعتقدين يا ميشيل؟»
كانت ميشيل تحس بالخجل الشديد. ومن ثَم، قالت: «لا أدري بالضبط. ولكن بالنسبة إلى الموظفين، أعتقد أن بعض الأشخاص سيتحمسون. وسيشعر بعضهم بالإحباط. لا سيَّما الموظفون القدامى.» ثم طلبت ميشيل طلبًا أذهل الجميع. وذلك حين قالت: «أودُّ أن أستمع إلى رأي جيه تي هاريسون في هذا الشأن.»
التفت الجميعُ إلى زائرهم كما لو كانوا يحضرون مباراة تنس وأن الكرة ضُربِت نحوه لتوها.
واصلَ جيه تي هاريسون تدوين ملاحظاته حتى أتمَّ جملته، ثم نظر إلى أعلى. وقال: «لا أدري.»
قالت ميشيل: «ولكن من المؤكَّد أن لديك بعض الأفكار بهذا الشأن.»
كان كيسي متأكِّدًا أن تعليقًا كهذا لا يخرج إلا من ويل، ولذا أدهشه أن جاء من ميشيل مرة أخرى. نظرَ الفريقُ إليها كما لو كانت تلقي بنفسها على قنبلة.
ولكن بدلًا من وقوع انفجار، حدثَ ما هو أسوأ. فقد جاءَ ردُّ جيه تي هاريسون دون تأثر: «لا، أنا لا أدري حقًّا.» وواصلَ الكتابة.
كان كيسي هادئًا ورابط الجأش على نحو ملحوظ. وقال: «حسنًا إذن. يبدو أننا بحاجة إلى اتخاذ قرار هنا يا رفاق. فليخبرني أحدكم ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث إذا قرَّرنا التوسُّع.»
وعلى مدى الدقائق الخمس والأربعين التالية، بحثَ الفريق أفضل السيناريوهات وأسوأها، وردودَ أفعال المنافسين على كل قرار مُحتمَل. وقد أخذوا في الاعتبار أرقام المبيعات للسنة الماضية، والتصوُّرات الخاصة بنصف السنة القادم، وتقارير المحلِّلين عن وضع السوق.
وتجادلوا أخذًا وردًّا. واستعانوا أحيانًا بالبيانات، وأحيانًا أخرى لم يستعينوا إلا بالحدس. تحدَّث كلُّ عضو بالفريق، وكان بعضهم يغيِّر رأيه عندما تُقدَّم له وجهات نظر ومعلومات جديدة. واتضح أن صوفيا ومات على طرفَي نقيض في هذا الموضوع.
أخيرًا، عندما بدا أن المناقشة قد وصلت إلى نهايتها، أنهى كيسي الجدال. فقال: «حسنًا، يمكننا أن نستغرق ستة أسابيع أخرى لإجراء مزيدٍ من البحث والتحليل، ولكني أعتقد أن هذا غير ضروري. لقد أمضينا سنوات في هذا السوق، ولدينا ما يكفي من المعلومات. أعتقد أننا نعرف كلَّ ما نحتاج لمعرفته لاتخاذ هذا القرار.»
ثم نظرَ في أرجاء القاعة. وقال: «حسنًا، هذا ليس تصويتًا، لكنني أودُّ أن أعرف وجهة نظر كل فرد.» فأدلى كلٌّ منهم برأيه.
ثم التفت كيسي إلى ويل. وسأله: «ماذا عنك؟»
تردَّد ويل وبدا محرجًا بعض الشيء. وردَّ بقوله: «لم أعتقد أنني سأصوِّت.»
ابتسمَ كيسي. وقال: «حسنًا، لقد سمعتَ كلَّ ما قلناه. لو كنت في مكاننا، ماذا كنت ستفعل؟»
فاجأ ويل الجميع بإجابته. وقال: «كنت سأتوسَّع على الأرجح.»
عندئذٍ نظر كيسي إلى جيه تي هاريسون مترقبًا لرده. ولكن الأخير هزَّ رأسه كمَن أرادَ أن يقول «لا رأي لي في هذا الأمر.»
أومأ كيسي ونظرَ في أرجاء القاعة كما لو كان يحلِّل الآراء المختلفة. ثم قال: «حسنًا. يجب أن أقرَّ أنني غيَّرت رأيي مرتَين في الساعة الماضية. ولكني أثق بقوة في هذا القرار. وعلى كل فرد هنا أن يسانده بصرف النظر عن رأيه الخاص.»
ثم نظرَ إلى مات وصوفيا. وقال: «هل توافقان على ذلك؟»
أومأ كلاهما بالإيجاب.
أضافَ كيسي: «نحن لن نتوسَّع. في الواقع، سوف نتوقَّف عن إنتاج بعض الألعاب التي ننتجها حاليًّا.»
رفعَ بعضُ الحاضرين حواجبهم دهشةً.
تابعَ كيسي: «بدلًا من ذلك، سوف نركِّز على الاستحواذ على جزءٍ من حصة منافسينا في أسواقنا الرئيسية، وترسيخ أوضاعنا في مواجهة المنافسين الجُدد المحتمَلين. اغفروا لي ما سأقوله، ولكن يجب أن نكون أكثر اقتصادًا ودهاءً. وإذا نجحنا في ذلك، أعتقد أننا سنشهد نسبة نمو في إجمالي الدخل تبلغ ٤٪، وأكثر من ١٠٪ زيادة في الأرباح.»
استوعبَ الجميعُ ملاحظاته.
تابعَ كيسي. واستدرك قائلًا: «ولكن ذلك لن يكون بالأمر السهل. وسيتوجَّب علينا إجراء بعض التغييرات في مواقفنا.»
أرادت ميشيل توضيحًا فسألت: «مثل ماذا؟»
أجابت صوفيا قبل أن يتمكَّن كيسي من ذلك. فقالت: «كأن يقوم عددٌ أقل من الأشخاص بقدر أكبر من العمل.»
قاطعَ كونر قائلًا: «وهذا يعني العمل لساعاتٍ أطول.»
«أخيرًا.» كان ذلك تيم الذي قالها، وما إن نطق بها حتى بدا وكأنه أراد أن يرجع عنها.
أرادَ كيسي أن يستحثَّه تيم. ومن ثَم، سألَه: «هل تود أن تضيف شيئًا؟»
توقَّف تيم وابتسم. ثم قال: «لا.»
فضحكَ الجميع.
تيم: «لكني أعتقد أنك ستضطرني إلى ذلك، ومن ثَم سأضيف. لا أريد أن أكون صعب المراس بهذا الشأن. وإن كان ليس هناك ما يمنع أن أكون كذلك.»
ضحكَ الجميع مجددًا على أسلوب تيم التهكمي.
كيسي: «أعتقد أن التساهل أصبح يسود الأمور هنا إلى حد ما. هذا هو كل ما في الأمر. وأظن أن ذلك كان مقبولًا في الماضي. ولكن الآن بعد أن صرنا جزءًا من شركة عامة، ربما يجب على بعض الأشخاص أن يشعروا بالضغط الذي تشعر به شركة عامة. وهذا هو الوقت المناسب لإجراء التغيير.»
كان الحاضرون يومِئُون برءُوسهم موافقين.
واصلَ كيسي الاجتماع. وقال: «حسنًا، سوف نرتِّب لاجتماع استراتيجي آخر لتحديد أي المنتجات سنتوقَّف عن إنتاجها، وكيف نمضي قدمًا. صوفيا، أيمكنكِ أن تتعاوني مع ويل لتحديد موعد لعقد الاجتماع في هذا الأسبوع؟»
أومأت صوفيا ودوَّنت ملاحظة بذلك.
قال كيسي: «حسنًا، لنتحدَّث عن مسألة رعاية دورة اتحاد لاعبي الجولف المحترفين.»
عندئذٍ رفعَ جيه تي هاريسون يده قائلًا: «لديَّ سؤال.» ونظر إلى كيسي، ثم تابعَ: «كيف تبدو أرقام مبيعاتكم الشهر الماضي؟»
باغتَ سؤاله كيسي، فتجمَّد في مكانه بلا حراك. ومن ثَم، أرادَ ويل أن ينهض ويفيقه من غيبته.
بدأ جيه تي هاريسون يكرِّر السؤال، ولكن كيسي قاطعه بهدوءٍ. فقال: «سمعتُ السؤال. ولكن اجتماع اليوم يدور حول الاستراتيجية. نحن نتحدَّث عن أرقام المبيعات والمعايير في اجتماعنا التكتيكي الأسبوعي.»
ودون جفول قال جيه تي هاريسون: «معذرةً؟»
لم يكن كيسي واثقًا ممَّا إذا كان جيه تي هاريسون غاضبًا منه لعدم الإجابة عن سؤاله الأول، أو ما إذا كان الأمر ملتبسًا عليه بشأن الفرق بين الاجتماعات الاستراتيجية والتكتيكية.
اختارَ كيسي الخيار الثاني. فواصل حديثهَ: «في اجتماعنا التكتيكي الأسبوعي، نستعرض أرقام مبيعاتنا، ونرى ما الذي يقوم به كل شخص، ونحل المشكلات التكتيكية حتى نتمكَّن من المضي قدمًا.»
توقَّف كيسي، وعندما لم يرد جيه تي هاريسون، تابعَ الحديث. فقال: «وكما ترى، اجتماع اليوم هو اجتماع استراتيجي، وهذا يعني أننا سنلتزم بموضوعَيْن حتى ننتهي منهما تمامًا.»
والآن توتَّر جيه تي هاريسون نوعًا ما. وقال: «حسنًا، أيمكنك أن تحقق لي مطلبي وترني كيف تبدو مبيعاتكم؟»
كانت صوفيا على وشك أن تتدخل وتعطي الرجل ما أراده من معلومات، ولكن قبل أن تنطق بكلمة، ردَّ كيسي.
«بالتأكيد يا جيه تي. ولكن علينا القيام بذلك بعد الاجتماع. فلدينا ساعتان فقط هنا، ويجب أن نستغل كلَّ دقيقة.» وابتسمَ بلطف، ولم تبدُ على وجهه أية إشارات للدفاع عن النفس أو التراجع على الإطلاق. ثم قال: «أتمنَّى أن يكون هذا الأمر مقبولًا.»
على مدى الثلاث ثوانٍ ونصف التالية، بدا وكأن الهواء قد اختفى من القاعة. فلم يتنفس أحد. وبينما كان جيه تي هاريسون على وشك الاعتراض، التقط قلمه وأخذَ يكتب من جديد.
سيقول ويل لوالدته لاحقًا إنَّ ما فعله كيسي كان من أكثر الأشياء المبهرة التي رآها في حياته.
ثم التفت كيسي إلى رئيس قسم التسويق، وهو واثقٌ من نفسه. وقال: «حسنًا يا كونر، ماذا لديك لتعرضه لنا؟»
لم يتحدَّث كونر مباشرةً، لكنه بدلًا من ذلك انتظر ليرى إن كانت المشادة قد انتهت بالفعل. وعندما بدا من الواضح أن جيه تي هاريسون قد تراجعَ، بدأ كونر الحديث.
«حسنًا، لقد أجرينا بعض التحليل لنقارن بين فعالية إعلاناتنا المطبوعة ورعاية إحدى دورات اتحاد لاعبي الجولف المحترفين. ومع أننا لم نصل إلى أية إجابات حاسمة، فقد فوجئنا عندما وجدنا أن تكلفة الرعاية ليست باهظة كما كنَّا نتوقع.»
لم يفوِّت تيم هذه الفرصة للحديث عن التكاليف. فسأل: «كم تتكلَّف؟»
تنحنح كونر. ثم قال: «ما بين مائتَين وثلاثمائة ألف دولار.»
ضحكَ تيم بصوت عالٍ. وقال: «أليس ذلك باهظًا؟»
دافعَ كونر عن وجهة نظره. وردَّ بقوله: «ليس عندما تنظر إلى الميزانية الحالية للإعلانات لدينا. أقصدُ أن الأمر سيتكلَّف أموالًا أكثر بالتأكيد، ولكن المهم هو إلى أي مدًى سيكون فعَّالًا.»
أفاقت صوفيا الآن من المشادة التي جرت بين كيسي وجيه تي هاريسون، وانضمَّت إلى المناقشة. فقالت: «لا تسئ فهمي. فأنا أحبُّ أن أرى أننا نجذب اهتمامًا أكثر من لاعبي الجولف والمتاجر الملحقة بنوادي الجولف. ولكن فكرة تقليل الإعلانات تفزعني حقًّا.»
سألها كونر: «لماذا؟»
ردَّت صوفيا: «حسنًا، يا كونر. أنت وأنا نشكو باستمرار لأن تغطيتنا الإعلانية ليست كافية. فإذا اختفينا من الصورة، ألا يعني ذلك أننا ندعو منافسينا الجُدد إلى الدخول في منطقتنا؟»
وجَّه ويل سؤالًا إلى صوفيا. فقال: «أنتِ تفترضين أن دعايتنا الحالية فعَّالة. إلى أي مدى تثقين في ذلك؟»
صوفيا: «لست واثقة تمامًا بأية حال. لكنني لا أرى أية جهة أخرى تتراجع عن الدعاية، ولذا فأنا لا أحبُّ أن نكون نحن الوحيدين.»
عندئذٍ تحدَّث جيه تي هاريسون. وسألَ: «كيف تقيِّمون تأثير الإعلانات الآن؟» وما أدهشَ الجميع — وأراحهم أيضًا — هو أن هذا التعليق لم يكن وراءه أيُّ دافع. لا تحديَ. ولا تشكيكَ. بل مجرد فضول فحسب.
ردَّ كونر بثقة كما لو كان يتحدَّث إلى تيم. وقال: «نحن نعيد تتبع أكبر قدر ممكن من طلبات الشراء التي تكون الإعلانات سببًا فيها، ولكن عددها لا يكفي لجعلها عينة إحصائية صالحة.»
أرادَ جيه تي هاريسون توضيحًا فسأل: «ولِمَ ذلك؟»
ردَّت صوفيا. فقالت: «لا يوجد عددٌ كبير من المستهلكين يشترون اللُّعبة منَّا مباشرةً، سواءٌ عن طريق الإنترنت أو عبر الهاتف. إن معظم مبيعاتنا تأتي من المتاجر الملحقة بنوادي الجولف أو من متاجر البيع بالتجزئة. ليس لدينا تواصل جيد مع العملاء.»
بدأت عجرفة جيه تي هاريسون تطفو على السطح مجددًا بصورة مفاجئة. فقال: «أنا لا أفهم ذلك. لماذا لا تجرون استبيانًا للعملاء وحسب؟ أو تطلبون من تجَّار التجزئة القيام بذلك في منافذ البيع؟»
راحت صوفيا توضِّح بثقة. فقالت: «لقد قمنا بذلك. ولكن واجهتنا مشكلتان. أولًا: تنظر المتاجر الملحقة بنوادي الجولف إلينا كما لو كنَّا قادمين من المريخ عندما نطلب منهم إجراء استبيان. إنهم ليسوا متخصصين في تحليل مطالب العملاء. أقصدُ أنهم يبيعون في نفس الوقت كثيرًا من تذاكر الدخول إلى الملاعب والملابس الرياضية وسندوتشات السجق الساخنة والبيض المسلوق.»
هزَّ كيسي رأسه وابتسم. وأضافَ: «نعم، كما أن هامشَ الربح من سندوتشات السجق الساخنة أكبر كثيرًا منه للألعاب.»
فضحكَ الجميع، بمَن فيهم جيه تي هاريسون.
تابعت صوفيا: «المشكلة الثانية هي أن معظم الأشخاص الذين نُجري عليهم الاستبيان يقولون إنهم سمعوا عن ألعابنا من صديق. إنه لأمر رائع أن تنتشر ألعابنا بهذه الطريقة الشفهية.»
وبدا جيه تي هاريسون مقتنعًا بمنطق صوفيا.
أعادَ تيم المناقشة إلى مسارها. فقال: «بصرف النظر عن كل ذلك، لم أفهم بعد كيف نفكِّر في إنفاق قدر كبير من الأموال على حدث واحد. أقصدُ ماذا سيحدث إذن إذا أمطرت السماء في ذلك اليوم؟»
تصدَّى كيسي لهذا السؤال. وقال: «الحقيقة هي أنه ليس حدثًا واحدًا. أقصد أنَّ هناك دعاية كبيرة قبل الدورة، وتغطية إعلامية كبيرة في أرجاء البلاد لمدة خمسة أيام قبل الحدث وبعده، وهذا يمثِّل دفعة كبيرة.»
تدخَّل ويل الآن. فقال: «هذا يشبه ما تفعله شركة إنتربرايز لتأجير السيارات.»
التفت الجميع فجأة ناحية ويل، الذي لم يكن قد قال الكثير حتى هذه اللحظة. وبدوا مرتبكين.
كرَّر ويل: «أنتم تعرفون شركة إنتربرايز.»
ذكرَ كونر شعار الشركة: «اتصل بشركة إنتربرايز، سننقلك إلى حيث تريد.» تذكَّر الجميعُ الإعلان، وقهقهوا من تعليق رئيس التسويق الخفيف الظل.
تابعَ ويل: «حسنًا، يعرف الجميع هذا الشعار. الحقيقة هي أنني عندما عملت بالدعاية والإعلان، سمعتُ أن نسبة ضخمة من ميزانيتهم الإعلانية ذهبت إلى حدث واحد: دورة كرة السلة ضمن مسابقات الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات. لقد عقدوا صفقة طويلة الأجل مع الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات منذ سنوات، واعتقد الجميع أن ذلك مكلِّف جدًّا. ويعد هذا الآن أهم مصادر التعرف على منتجاتهم.»
أومأت رءُوس الحاضرين، باستثناء مات.
نظرَ كيسي إلى مهندسه، وقال: «ما رأيك؟»
ومن المدهش أن مات لم يعترض. فقد ردَّ مات قائلًا: «لا شيء. الأمر يبدو جيدًا من وجهة نظري.»
لكن كيسي كان يعرفه جيدًا. ومن ثَم قال: «تحدَّث يا مات. ماذا تقول إذا أخبرتُك أننا سنخفض ميزانيات تكنولوجيا المعلومات بنسبة ٥٪ من أجل رعاية افتتاح دورة بيكرزفيلد الكبرى المفتوحة؟»
اعتدل مات فجأة في جلسته. وقال: «حسنًا، أعترف أنني لا أوافق على هذه الفكرة. أعني أنك لا يمكنك استخدام مسابقة الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات كمثال؛ لأنك تتحدَّث عن واحد من أكثر الأحداث شعبية في البلاد. فضلًا عن أنه يستمر لمدة شهر.»
ردَّ كونر بسرعة، إن لم يكن بغضب. فقال: «صحيحٌ. ولكننا لا نتحدَّث عن منتج نحتاج إلى تسويقه في العالم كله. نحن نعرف عملاءنا. ومعظمهم من محبي الجولف. هل رأيت معدلات المباريات مؤخرًا؟ دعنا نتحلَّى ببعض الجرأة.»
ربما حدثَ ذلك لأن جيه تي هاريسون كان بالقاعة. أو لأن مات كان في حالة مزاجية سيئة. وأيًّا كان السبب، فلم يكن رد فعله تجاه ما قاله كونر جيدًا. ذلك أنه قال: «جرأة؟ أعتقد أننا بحاجة إلى قدر أكبر من الدراسة وقدر أقل من الجرأة. وإلى جانب ذلك، ماذا يحدث لجرأتنا إذا انسحبَ اللاعبُ الشهير تايجر قبل الدورة بأسبوع؟»
أدَّت النبرة التي تحدَّث بها مات إلى توقف المناقشة.
ابتسمَ كيسي ابتسامة عريضة. وقال: «حسنًا، هذا هو الحماسُ الذي أريده.»
وكانت هذه فرصة جيدة لكونر لتهدئة الموقف. ومن الواضح أنه قام بذلك بنبرة جادة تمامًا، وبأسلوب هجومي. فقال: «حسنًا يا مات. أنت تريد أن نقوم بذلك بطريقة تحليلية.» ومثَّل بيديه حركة بدء المعركة.
ضحكَ مات وبقية الحضور.
أرادَ كونر أن يعرب عن رأيه بجدية. فاستطردَ: «الحقيقة يا مات هي أنني أراهن على أن إنتربرايز لم تستطِعْ تبرير قرارها الخاص بالرابطة الوطنية لرياضة الجامعات بطريقة علمية. أعني، لنقم بكل التحليل الذي نريده، ولكن في النهاية سنضطر إلى اتخاذ قرار.»
أومأ مات برأسه بتأنٍّ. وقال: «أدركُ الآن لماذا لم أعمل بالتسويق.»
فابتسم الجميع لدعابة مات.
كانت ميشيل هي مَن تحدَّثت بعد ذلك. فقالت: «ولكن يجب ألا نستبق الأحداث هنا. أعتقد أنه بإمكاننا إجراء المزيد من التحليل قبل أن نعتمد على الحدس. أودُّ أن أعرف كيف سيتأثر هذا القرار بالقرار الذي اتخذناه في بداية اجتماعنا اليوم.»
لم تفهمها صوفيا. فسألت: «ماذا تقصدين؟»
ميشيل: «حسنًا، إذا قلَّلنا عدد الألعاب التي نوزِّعها، ألن يكون لذلك تأثير على الطريقة التي نعلن بها؟»
أومأ كونر، وقال: «بالتأكيد. أعني أننا إذا انتقلنا إلى الكروكيه والألعاب الأخرى …»
فقاطعه تيم بتهكم: «لا تنسَ الرماية. ربما يجب علينا رعاية دورة رماية؟»
حتى كونر ضحكَ على الدعابة التي كانت موجَّهة إليه. وقال: «نعم، حتى الرماية. ولكن إذا انتقلنا إلى هذه الألعاب، فسنحتاج إلى توجيه دعاية إلى القطاع الأكبر من السوق. ولكن إذا ركَّزنا أكثر في الجولف، فسيصبح مسار الرعاية أكثر جاذبية.»
اعترفَ كيسي قائلًا: «هذه نقطة جيدة. سيكون من الرائع أن نركِّز في رسالتنا وتطوير منتجاتنا. ولا بد أن أتوقَّع حينها توسُّعًا في الإنتاج.»
طرحت صوفيا سؤالًا، ولكنها وجَّهته إلى الجميع. فقالت: «إذن، هل سيحدِّد هذا القرار أيَّ الألعاب يجب أن نلغيها، أم يجب أن تحدِّد الألعاب التي نلغيها القرار الذي سنتخذه؟»
بُوغِت الجميعُ لحظة بهذا السؤال الصعب. وقبل أن يتمكَّن أحدٌ من التدخل، رنَّ جرس الهاتف المحمول لأحدهم.
لم يكن التأكيد على انتهاء الاجتماعات في الوقت المحدَّد الأمر الوحيد الذي يؤكِّد عليه كيسي، بل كان يصرُّ أيضًا على ألا يُحضر أيُّ شخص هاتفَه المحمول في الاجتماعات. ومن ثَم، كان الهاتف الذي رنَّ هو هاتف جيه تي هاريسون.
نظرَ هاريسون فورًا ليرى مَن المتصِل. ثم فتحَ الهاتف، واستدار في مقعده، وتحدَّث بنبرة أهدأ قليلًا من المعتاد.
لم يتحدَّث أحدٌ أثناء محادثة هاريسون المختصرة على الهاتف، وكان ذلك نابعًا من الفضول أكثر من كونه كياسة.
قال هاريسون: «مرحبًا.»
وأنصتَ إلى المتحدِّث عبر الهاتف للحظة.
ثم قال: «لا، أنا في اجتماع. ما الخطب؟»
وبعد هنيهة أخرى.
قال هاريسون: «لا. ليس الآن. سأطلبك من سيارتي. مع السلامة.»
أغلقَ جيه تي هاريسون هاتفه، وأمسكَ بمفكرته ومعطفه ونهضَ. ثم قال: «معذرةً. عليَّ أن أغادر.»
ثم تركَ القاعة دون استئذان كيسي.
لم يتحدَّث أحد لمدة خمس ثوانٍ كاملة.
ثم تحدَّث تيم قائلًا: «أراكَ المرة القادمة يا جوردون جيكو.»
استغرقَ الأمرُ لحظاتٍ حتى يستوعب الحضور ما قاله المدير المالي، ثم ضجَّ المكان بالضحك. ويُعزى جزءٌ من ذلك إلى إشارة تيم إلى المسئول التنفيذي النحيف من فيلم «وول ستريت» التي ساعدت على تلطيف الموقف.
كان كيسي أول من توقَّف عن الضحك. وقال: «حسنًا، فلننهِ هذه المناقشة.»
هدأت القاعة بالتدريج، حتى أضافَ مات بجفاء: «باستثناء أنه يشبه كابتن كيرك أكثر.»
كان صدور هذا التعليق من مات مضحكًا، وكونه واقعيًّا جعله مضحكًا جدًّا. وكان من الصعب السيطرة على الفريق الآن. ولذا، دعا كيسي إلى أخذ فترة استراحة. وقال: «لنَعُدْ بعد عشر دقائق.»