المشكلة الأولى: غيابُ الصراع
الاجتماعات ليست مملة بطبيعتها. فالاجتماعات في الأساس، هي تفاعلات ديناميكية تشمل مجموعات من الأشخاص يناقشون موضوعاتٍ وثيقة الصلة بسُبل عيشهم. فالسؤال إذن هو لماذا تكون الاجتماعات مملة غالبًا؟ والإجابة هي لأننا نستبعد العامل الوحيد المطلوب لجعل أي نشاط بشري مثيرًا وهو: الصراع.
لقد حضرت دورة تدريبية في كتابة السيناريو في الجامعة على سبيل الهواية، ولقد كتبت بعض السيناريوهات بنفسي. وفي أثناء دراستي وممارستي للمهنة، تعلَّمتُ شيئًا عن الصراع أعتقد أنه وثيق الصلة تمامًا بالاجتماعات.
وكما تعرفون، يمثِّل الصراع محور كل الأفلام العظيمة. إنه جوهر الدراما وهو السبب في انجذاب الجماهير إلى أية قصة. ومهما كان نوع الصراع — صراع الإنسان مع الإنسان (مثل الصراع بين شخصية لوك سكاي ووكر مع شخصية دارث فيدر في فيلم «حرب النجوم»)، أو صراع الإنسان مع الطبيعة (مثل شخصية تشيف برودي مع سمكة القرش في فيلم «الفك المفترس»)، أو الصراع الدائر في نفس الإنسان (مثل شخصية جون ناش الذي يكافح ضد مرضه النفسي في فيلم «عقل جميل»)؛ فبدونه نفقد الإثارة.
ولكن ما العلاقة بين الأفلام والاجتماعات؟ لتفكِّر في الأمر على النحو الآتي. تستغرق معظم الأفلام ساعتَين من الزمن تقريبًا، تقل أو تزيد حوالي عشرين دقيقة. والعديد من اجتماعاتنا تمتد إلى ساعتَين تقريبًا، تقل أو تزيد عشرين دقيقة.
الآن تخيَّل إذا طرحت سؤالًا كهذا في قاعة مليئة بالتنفيذيين: «ما الذي تستمتعون به أكثر: الاجتماعات أم الأفلام؟» سيعتقدون أنك ربما تمزح معهم. ومع ذلك، يجب أن تكون الاجتماعات أكثر إثارة من الأفلام؛ لأنها تحتوي على قدر كامن ومتأصِّل من الحماس والمشاركة أكبر مما في الأفلام. أعلم أن الأمر سيبدو منافيًا للعقل لو انتقلت إلى هذا الفصل دون أن تقرأ عن شركة «يب سوفت وير» أولًا، ولذا دعوني أوضِّح السببَ وراء إيماني بصحة ذلك.
الاجتماعات مقارنةً بالأفلام
أولًا: الاجتماعات أنشطة تفاعلية، والأفلام ليست كذلك، حيث يمكنك مقاطعة شخص أثناء اجتماع قائلًا: «أعتقدُ أنك ينبغي أن تعيد النظر في قرارك …» ولكن لا يمكنك مقاطعة ممثِّل يظهر على الشاشة قائلًا: «لا تدخل البيت أيها الغبي. سوف تُقطَع رقبتك!» فعندما تذهب لمشاهدة فيلم، تكون متلقيًا سلبيًّا، وليس مشاركًا.
ثانيًا: الاجتماعات لها علاقة مباشرة بحياتنا، والأفلام ليست كذلك. فالقرارات التي تُتخذ في اجتماع يكون لها تأثير على كيفية استغلالنا لوقتنا وطاقتنا في المستقبل القريب. ولكن في نهاية الفيلم، لا يحدث تغيير ملموس في حياتنا. لسنا مطالبين بتغيير مسار أفعالنا بأية طريقة استنادًا إلى نهاية الفيلم.
ولذلك، يصبح السؤال: لماذا نستمتع بنشاط سلبي بطبيعته وليس وثيق الصلة بحياتنا، ونكره نشاطًا آخر تفاعليًّا ووثيق الصلة بحياتنا؟ والإجابة: هي أن كتَّاب السيناريو والمخرجين أدركوا منذ زمن بعيد أنك إذا تجاهلت إذكاء الصراع في قصتك، فلن يرغب أحدٌ في مشاهدة فيلمك. وأدركوا أيضًا أنه في الدقائق العشر الأولى من الفيلم يتعيَّن عليهم توظيف الصراع ليأسروا مشاهديهم، حتى يكونوا مستعدين للاندماج في المشاهدة لساعتَين أخريين.
البِنية
يكمن مفتاح بث الدراما أو الصراع في أي اجتماع في بِنية الاجتماع أو أسلوب تنظيمه من البداية. ويحتاج المشاركون لاستثارتهم نوعًا ما في الدقائق العشر الأولى من الاجتماع، حتى يفهموا ويقدِّروا القضية موضع المناقشة.
وربما يقتضي ذلك ممَّن يقود الاجتماع توضيح مخاطر اتخاذ قرار سيئ، أو إبراز تهديد من المنافسين يلوح في الأفق. ويمكن تحقيق ذلك أيضًا بتذكير المشاركين بواجبهم في تحقيق الرسالة الكبرى للمؤسسة، وتأثيرها على العملاء أو الموظفين أو المجتمع ككل. وإذا كان ذلك يبدو صعب المنال أو مفتعلًا، فكِّر في المثال الآتي:
تخيَّل مسئولًا قياديًّا يبدأ اجتماعًا يدور حول التحكم في النفقات:
سيكون المشهد الافتتاحي النمطي: «حسنًا يا رفاق، لقد تجاوزنا ميزانيتنا بنسبة ١٢٪، وبناءً على ما لديَّ من معلومات، فنحن ننفق أموالًا طائلة على الرحلات. ولكي نستطيع المضي قدمًا، يجب أن يكون لدينا قدر أفضل من التحكم والمراقبة حتى نتمكَّن من الوفاء بتوجيهات الشركة المقرَّرة في الميزانية …»
وربما يكون المشهد الافتتاحي أكثر إثارة كالآتي: «حسنًا يا رفاق، نحن هنا اليوم لبحث تخفيض النفقات. وربما لا يبدو ذلك أمرًا محبَّبًا. ولكن فلتضعوا في اعتباركم أن هناك أناسًا كثيرين في الخارج تتوقَّف حياتهم على الطريقة التي ننفق بها أموال الشركة. ويتمنَّى منافسونا أن نبعثر أموالنا هنا وهناك باستهتار. وهم بالتأكيد يبحثون عن وسائل لتقليص نفقاتهم غير الضرورية. وعملاؤنا ليسوا على استعداد لدفع أموال أكثر لشراء منتجاتنا لتعويض افتقارنا للانضباط. وعائلاتنا تفضِّل أن ترى زيادة في أجورنا بدلًا من رؤيتها في ميزانية الرحلات والترفيه لدينا. إذن فلنتباحث في هذه القضية بنوع من الإصرار والتركيز؛ لأنني بالتأكيد أريد أن أكون على يقين أننا نستغل مواردنا بالطريقة التي يريدها مستثمرونا ومساهمونا …»
وفي الحقيقة، لا يتوقَّع الموظفون مشاهدة مسرحية «هاملت»، ولكنهم بالتأكيد يبحثون عن سبب للاهتمام. وهذا هو ما يجب أن يوفِّره لهم المسئول الذي يقود الاجتماع.
لكن المدهش في الأمر هو أن معظم قادة الاجتماعات يبذلون مجهودًا كبيرًا لتحاشي أو تقليل الدراما ويتجنبون الصراع الصحي الذي ينتج عنها. وهذا لا يؤدي إلا إلى فقدان اهتمام الموظفين.
فالسؤال إذن، هل أنا أناصر إثارة الصراع والمواجهة بين أعضاء الفريق لخلق الإثارة أثناء الاجتماعات؟ في الحقيقة، الإجابة هي نعم. وأشجِّع قادة الاجتماعات، وكذلك المشاركين، أن ينقِّبوا عن مواطن الصراع.
التنقيب عن الصراع
عندما تجتمع مجموعةٌ من الأذكياء للحديث عن قضايا مهمة، فإنه من الطبيعي والمثمر ظهور الاختلاف. إنَّ حل هذه القضايا هو ما يجعل الاجتماع مثمرًا وجذَّابًا ومشوقًا أيضًا.
والواقع أن تجنب القضايا التي تستحق البحث والاختلاف لا يجعل الاجتماعات مملة فحسب، بل إنه يضمن أن القضايا لن تُحل. وهذا يقود إلى الإحباط. والمدهش في الأمر أن الإحباط غالبًا ما يظهر بعد ذلك في شكل صراع شخصي لا طائل منه، أو صراعاتٍ على النفوذ.
ولذا، ينبغي لمَن يدير أيَّ اجتماع أن يجعل من أولوياته السعي للكشف عن أية قضايا مهمة يختلف حولها أعضاءُ الفريق. وعندما يحجم أعضاءُ الفريق عن المشاركة في تلك المناقشات، يجب أن يجبرهم مَن يدير الاجتماع على القيام بذلك. وذلك حتى إذا جعله الأمر غير محبوب لفترة مؤقتة.
عندما أعملُ مع التنفيذيين وفِرق عملهم، أجبر نفسي على التنقيب عن الصراع قدر استطاعتي. وعندما أفعل ذلك، فمن المؤكَّد أن الكثير من التنفيذيين سيأتون إليَّ بعد ذلك ويقولون لي بحرارة: «شكرًا لأنك جعلتنا نتصدَّى لهذه القضية. كان التوتر يسود اجتماعاتنا لأننا كنَّا نتجنَّب التطرق إليها، وكان الكل يدرك أنها مشكلة.»
الحقيقة هي أن الشيء الأوحد الأكثر إيلامًا من مواجهة موضوع مزعج هو التظاهر بعدم وجوده. وأعتقد أن الفشل في التعامل مع إحدى القضايا — والتهامس بشأنها في الأروقة — وعدم التعامل معها مباشرةً يسبِّب عناءً أكثر من وضعها على مائدة الاجتماع ومحاولة إيجاد حَلٍّ نهائي لها.
بالطبع، إن مطالبة الناس بالاشتراك في صراع ليسوا معتادين عليه يمثِّل تحديًا. لكني وجدتُ طريقة بسيطة لجعل هذه المهمة أسهل.
منح الضوء الأخضر للصراع في الاجتماعات
بعد أن يعلن المسئول عن إدارة الاجتماع للفريق أنه يتوقَّع المزيد من الصراع — ومن المهم للغاية أن يجعل هذا الأمر واضحًا — ستكون هناك لحظة فاصلة عندما يخاطر أعضاءُ الفريق للمرة الأولى بالدخول في جدال نشط. وبصرف النظر عن مدى الإعداد الذي تلقوه من أجل ذلك، فسوف يشعرون ببعض التوتر.
وعندما يحدث ذلك، يمكن للقائد تقليل التوتر وزيادة احتمالية استمرار الصراع بمقاطعة الأعضاء وتذكيرهم بأن ما يقومون به أمر جيد. ومع أن هذا الأمر يبدو سهلًا، بل أبويًّا، إلا أنه مؤثِّر بطريقة ملحوظة.
وربما يستحق الأمر تقديم لمحة عن كيفية نجاح ذلك الأمر، وذلك باستخدام شخصياتٍ من القصة الرمزية التي عرضناها:
يقدِّم كونر خطته الإعلانية للعام القادم.
وبعد ذلك، تغامر صوفيا وتخبر كونر: «لست متأكدة أنني أوافق على خطتك الإعلانية الجديدة.» وفجأة، تتوتر قليلًا.
يصيب التوتر كونر هو الآخر. ومن ثَم، يرد قائلًا: «حسنًا. ما هو مبعث قلقك؟»
صوفيا: «حسنًا، لا أعتقد أنها تتلاءم مع مسألة توحيد علامتنا التجارية التي ناقشناها الشهر الماضي، وأخشى أن يلتبس الأمرُ على العملاء.»
يرتسم شيءٌ من الضيق على وجه كونر الآن. ويقول: «حسنًا، الشركة التي تعاملت مع توحيد علامتنا التجارية استعرضت الإعلانات الأسبوع الماضي، ولم يبدُ أن لديهم اعتراضًا عليها.»
احمرَّ وجه صوفيا نوعًا ما. وقالت: «حسنًا، ربما لم يولوا الأمر الاهتمام الكافي. أو ربما أنهم ليسوا على دراية كافية بعملائنا.»
يتنهَّد كونر الآن. وقبل أن يرد، يتدخَّل كيسي. فيقول: «قبل أن تواصلا، وأنا بالتأكيد أريدكما أن تواصلا، أودُّ فقط أن أقول: إن هذا بالضبط هو ما كنت أقصده عندما تحدَّثتُ عن حاجتنا إلى بدء الدخول في مزيد من الصراع. ومع أن الأمر يمكن أن يسبِّب لك بعض الضيق يا كونر؛ أن تضطر إلى إعادة النظر في العمل الذي كنت تقوم به، فإنها مهمة صوفيا والجميع أن يسألوك إذا كان في رأيهم أن هذا سيجعل النتيجة النهائية أفضل.»
وبناءً على خبرتي، فإن تأثير تعليقات كيسي سيكون كما يأتي:
سيذهب عن كونر وصوفيا قدرٌ كبير من التوتر الشخصي غير الضروري الذي كانا يشعران به. وسيتيح لهما ذلك الاحتفاظ بحماسهما الفكري حول القضية موضع النقاش، وسيستمر كلٌّ منهما في الدفاع عن موقفه دون أن يكون مشتتًا أو محبطًا بسبب مخاوفه من الرفض الشخصي.
وللأسف، فإنه حتى لو تعلَّم المسئولون عن إدارة الاجتماعات كيف يتقنون فن إدارة وتوجيه اجتماعات مثيرة مليئة بالصراع الحماسي المشوِّق، فإنهم سيفشلون مع ذلك، إذا كان هذا هو آخِر ما في جُعبتهم. وذلك نظرًا لوجود مشكلة كبرى أخرى متعلقة بالاجتماعات.