المشكلة الثانية: غياب البِنية الملائمة للسياق
بصرف النظر عن نوع المؤسسات التي أعمل معها وحجم المؤسسة ومجال عملها وموقعها الجغرافي، فهناك أمرٌ واحد يثير ثائرة الجميع فيما يتعلق بالاجتماعات. وإليكم مثالًا على ذلك:
فلنقل إنَّ الاجتماع موضع النقاش هو اجتماعٌ عادي للفريق من اجتماعات يوم الاثنين، ومن المقرَّر أن يستمر من الساعة التاسعة حتى الساعة الحادية عشرة صباحًا. ويُعِد رئيسُ الاجتماع جدول الأعمال، الذي لا يزيد عن كونه قائمة تحتوي على خمسة بنود أو ستة ويبعث بها إلى الجميع، مطالبًا إياهم بالإدلاء بآرائهم أو تعليقاتهم أو إضافاتهم. ولكنه بالطبع لا يتلقى من كل ذلك شيئًا.
يبدأ الاجتماع في تمام الساعة التاسعة تقريبًا، ويبدأ بمناقشة البند الأول في جدول الأعمال (والذي لا يكون بالضرورة البند الأكثر أهمية). ويستغرق هذا الموضوع أول ساعة من الاجتماع؛ لأن الناس يعرفون أنهم موجودون طوال الوقت، ويمكنهم أن يجدوا شيئًا ما ليقولوه.
ثم يستغرق الموضوع الثاني (الذي لا يكون بالضرورة الموضوع الثاني من حيث الأهمية) خمسًا وأربعين دقيقة أخرى. وتبقى خمس عشرة دقيقة للموضوعات الثلاث الأخيرة (والتي ربما تكون أهم الموضوعات أو لا)، أضِفْ إلى ذلك أية قضايا إدارية أو تخطيطية أو استراتيجية أخرى قد يقرِّر أحدُ الأشخاص أنها بحاجة للنقاش.
ينتهي الاجتماع في الساعة الحادية عشرة والثُلث، ويكون الشعور بالضيق قد دبَّ في نفوس الجميع لأسباب متباينة:
يشعر أحدُ الأعضاء بالاستياء لأن الاجتماع تجاوز الوقت المحدَّد؛ لأن هذا يعني أن هذا العضو سيتأخَّر الآن عن اجتماعه التالي، وأن ذلك سيؤخِّره يومًا كاملًا.
ويغضب عضو آخر لأن قضيته لم تُطرَح للمناقشة على مائدة الاجتماع حتى نهايته، عندما لم يعد باقيًا سوى القليل من الوقت والقليل من الاهتمام.
ويعتقد عضو آخر أن الاجتماع كان مرَكزًا على مناقشة الأمور الإدارية، ولم يركِّز على القضايا الاستراتيجية المهمة مثل الوضع التنافسي وتوحيد العلامة التجارية … في حين يعتقد العضو الجالس أمامه أن الاجتماع شمل تبادلًا للرأي بدرجة كبيرة، ولم يخصِّص وقتًا كافيًا لحل المشكلات الملحة المتعلقة بالتخطيط مثل التحكم في النفقات وسياسة الإجازات.
وأخيرًا، يستاء عضوٌ آخر في الفريق لأنهم فشلوا مجدَّدًا في تحديد تاريخ نهائي لنزهة العاملين بالشركة.
ويغادر رئيسُ الاجتماع منزعجًا بسبب استياء فريقه، ومشدوهًا لأن هذا العدد من الأشخاص (أعضاء الفريق) تثير استياءهم كلُّ هذه الأمور المختلفة. ويتعهَّد بأن يكون الاجتماع القادم عمليًّا بدرجة أكبر، واستراتيجيًّا أكثر، وأن يكون أقصر، وأن يُحدَّد فيه موعدٌ للنزهة.
ربما لا يكون ذلك بالضبط هو حال الاجتماعات في مؤسستك. ولكن هذا المثال يعرض الكثير من المشكلات التي كثيرًا ما أواجهها في الشركات التي أتابعها. ويؤدي كلُّ ذلك إلى فوضى كبيرة يمكن أن نطلق عليها فوضى «الاجتماعات الدسمة».
الاجتماعات الدَسِمة
إنَّ كبرى المشكلات المتعلقة ببنية الاجتماعات التي تواجه مَن يترأسون الاجتماعات هي الميل إلى طرح جميع أنواع القضايا التي يجب مناقشتها على مائدة اجتماع واحد، وذلك مثل طَبْخة دسمة ورديئة تحتوي على كثير من المكونات العشوائية. ونظرًا لرغبة المسئولين عن إدارة الاجتماعات في تقليل الوقت المُهدَر، يقرِّرون أنهم سيعقدون اجتماعًا كبيرًا واحدًا للفريق، إما مرة كلَّ أسبوع أو مرة كلَّ أسبوعَين. ويجلسون في قاعة لمدة ساعتين أو ثلاث أو أربع ساعات يناقشون فيها كلَّ شيءٍ — استراتيجيات المبيعات، وسياسات الإنفاق، وعمليات الدمج المحتمَلة، وبرامج تقييم الموظفين، والميزانيات والترويج للمنتجات — حتى يتمكَّن الجميع من العودة إلى مهام «العمل الفعلي».
ولن يؤدي هذا للأسف إلا إلى أن يكون الاجتماع غير ذي جدوى ومثيرًا لاستياء الجميع. لماذا؟ لأن البعض يريدون أن يكون الاجتماع مفصَّلًا وسريعًا، وأن يمثِّل تبادلًا فعالًا للبيانات والمعلومات التكتيكية. ويعتقد آخرون أن الاجتماع يجب أن يكون تفاعليًّا وأن يركِّز على القضايا الاستراتيجية، وأن يقدِّم التحليل والبيانات الكافية لاتخاذ قرارات مهمة. ويودُّ آخرون أن يسترخوا ويلتقطوا أنفاسهم ويتحدَّثوا بموضوعية عن ثقافة الشركة والموظفين. ويريد آخرون اتخاذ قراراتٍ واضحة والمضي قدمًا في تنفيذها. تُرى مَن منهم على حق؟ الإجابة هي أنهم جميعًا محقون. وهذا هو المهم.
أنواع الاجتماعات الأربعة
يجب أن تكون هناك اجتماعات متنوعة لأغراض مختلفة، ويؤدي كلٌّ منها دورًا حيويًّا ومهمًّا. وأقترح أن تنظر كلُّ مؤسسة في اتخاذ شيءٍ كالهيكل الآتي الذي يتضمَّن أربعة أنواع أساسية للاجتماعات:
النوع الأول: الاجتماع اليومي
أشعر بالتردد في البدء بهذا النوع؛ لأنه ليس بالضرورة أن يكون عمليًّا لكل المؤسسات. ولكن فيما يخص تلك المؤسسات التي تستطيع تطبيق هذا النوع، فإن الاجتماعات اليومية مؤثِّرة وفعالة. وحتى تلك المؤسسات التي لا يمكنها تطبيقه من المهم لها أن تعرف الأساس المنطقي له.
الاجتماع اليومي هو شيءٌ تبنَّيتُه وعدَّلتُه بعد أن أخذته عن صديق لي يُدعَى فيرني هارنش، الذي كتبَ كتابًا عظيمًا بعنوان «إتقان عادات روكفلر» الذي يشير فيه إلى نوع مماثل من الاجتماعات باسم «تجمع الفريق». ويتطلب الاجتماع اليومي أن يجتمع أعضاءُ الفريق، وهم واقفون نحو خمس دقائق كلَّ صباح لتقديم تقرير عن أنشطتهم التي سيقومون بها في ذلك اليوم. خمس دقائق. وهم واقفون. هذا هو كلُّ ما في الأمر.
إنَّ غرض الاجتماع اليومي هو مساعدة أعضاء الفريق في تجنب اختلاط الأمور عليهم حول كيفية ترجمة الأولويات إلى أفعال على أساس منتظم. ويتيح هذا نقاشًا سريعًا للتأكُّد من أن جميع القضايا يجري التعامل معها في يوم معين، والتأكُّد من أن أحدًا لا يتعدى على مسئوليات غيره، وأن الجميع على وفاق. والغرض الآخر الذي لا يقل أهمية هو أنه يغني عن الرسائل الإلكترونية غير الضرورية والمُهدِرة للوقت للتنسيق بين أعضاء الفريق.
يمكن أن يكون الاجتماع اليومي غير عملي بالنسبة إلى الكثير من المؤسسات التي يعمل فيها أعضاءُ الفريق في مواقع مختلفة، أو في مناطق بينها فروق في التوقيت. وفي حين أن الاجتماع اليومي يمكن إجراؤه عبر الهاتف، فليس من الحكمة دائمًا بذل كل ما في وسعك لتحقيق هذا الأمر في مؤسسة لا يناسبها هذا النوع من الاجتماعات. ومع أن الاجتماع اليومي ليس أمرًا أساسيًّا لجميع فرق العمل، فإنه يمكن أن يمثِّل أداة عظيمة الأهمية للكثير من المؤسسات التي تسعى إلى تنسيق جهود موظفيها التنفيذيين تنسيقًا أفضل.
تحدياتٌ حتمية
إنَّ أحد التحديات الأكيدة التي ستواجهك في سعيك لإنجاح الاجتماع اليومي هو جعل أعضاء الفريق يلتزمون به مدة تكفي لأن يصبح جزءًا من روتينهم اليومي. فسيكون من السهل تمامًا على أعضاء الفريق المشغولين أن يعزفوا عن الاجتماع اليومي قبل أن يجربوه ليروا مدى جدواه.
والسبيل إلى التغلب على ذلك هو الحفاظ على تثبيت مكان انعقاد هذه الاجتماعات وتوقيتها. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من المهم للغاية عدم إلغاء أي منها، حتى لو لم يكن في الشركة سوى اثنَين من أعضاء الفريق التنفيذي في يوم معين.
ومن التحديات الأكثر شيوعًا الخاصة بالاجتماع اليومي هو حصره في خمس دقائق فقط. وإذا تجاوزت الاجتماعات وقتها المحدَّد قليلًا لأن أعضاء الفريق يتبادلون حديثًا وديًّا نوعًا ما، فلا بأسَ بذلك. ولكن إذا تخطَّت هذه الاجتماعات الوقت المحدَّد لأن أعضاء الفريق يحاولون التعامل كلَّ صباح مع قضايا يجب أن تُناقش في الاجتماع التكتيكي الأسبوعي، فهذه مشكلة. وما سيحدث في النهاية هو أن الجميع سوف يسأمون هذا الاجتماع اليومي للفريق التنفيذي.
إنَّ إحدى الطرق لتجنب ذلك هي منع الناس من الجلوس في أثناء الاجتماعات اليومية. والأهم من ذلك، يجب أن يكون الفريق منضبطًا في إنهاء الجلسات قبل مرور عشر دقائق على الأكثر.
وأخيرًا، لتجنب هذه العقبات المُحتمَلة، يجب أن تلتزم الفِرق بإجراء الاجتماعات اليومية لمدة محدَّدة من الوقت — ربما شهرَين — قبل تقييم نجاحها من عدمه.
النوع الثاني: الاجتماع التكتيكي الأسبوعي
يحتاج كلُّ فريق إلى عقد اجتماعات منتظمة تركِّز بشكل حصري على قضايا تكتيكية ذات أهمية مباشرة. ولا يهم إذا ما كانت هذه الاجتماعات تُعقَد كلَّ أسبوع أو أسبوعَين. ولكن ما يهم هو حضور الجميع دائمًا، وأن يُدار هذا الاجتماع بنوع من الانضباط والاتساق البنيوي.
يجب أن يستغرق الاجتماع التكتيكي الأسبوعي ما بين خمس وأربعين دقيقة وتسعين دقيقة، بِناءً على عدد مرات انعقاده، ويجب أن يتضمَّن بعضَ العوامل المهمة، وفي ذلك ما يأتي:
عَرض الستين ثانية
هذا العرض عبارة عن جلسة سريعة لاستعراض التقارير، حيث يشير كلُّ عضو إلى البندَين أو البنود الثلاثة التي تشملها قائمة أولوياته أثناء الأسبوع. ويجب ألَّا يستغرق كلُّ عضو في الفريق أكثر من دقيقة (نعم، ستين ثانية!) ليصف سريعًا ما لديه. وهكذا يستطيع حتى الفريق الكبير الحجم أن ينجز ذلك في عشر دقائق تقريبًا.
إنَّ عروض الستين ثانية مهمة للغاية؛ لأنها تمهِّد لبقية ما سيحدث في الاجتماع. فإعطاء جميع المشاركين فكرة عن الأنشطة الفعلية التي تجري في المؤسسة، يجعل من السهل على الفريق التعرف على البنود المكرَّرة والثغرات، وغير ذلك من القضايا التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا.
تقييم التقدُّم المُحرَز
المكوِّن الأساسي التالي للاجتماع التكتيكي الأسبوعي هو إعداد التقارير الروتينية التي تقدِّم المعلومات المهمة أو المعايير: العائدات، والنفقات، ورضا العملاء، وعملية الجرد، وما شابه ذلك. وتتوقَّف القضايا التي تُدرَج في التقارير على مجال عمل المؤسسة ووضعها بالطبع. والمهم هنا أن نعتاد التقييم استنادًا إلى المعايير الأساسية للنجاح؛ لا إلى جميع المعايير المتاحة. ربما تكفي أربعة أو ستة معايير. ويجب ألَّا يستغرق ذلك أكثر من خمس دقائق، حتى عند السماح بطرح أسئلة سريعة لتوضيح الأرقام. وعلى الجانب الآخر، يجب هنا تجنب المناقشات المطوَّلة للقضايا الأساسية.
جدول الأعمال المتغيِّر وفقًا لمستجدات الاجتماع
بمجرد الانتهاء من عرض الستين ثانية وتقييم التقدم المُحرَز (اللذين لا يستغرقان في العادة أكثر من خمس عشرة دقيقة من زمن الاجتماع) يحين وقت الحديث عن جدول الأعمال. هذا صحيح. على عكس المتعارف عليه في الاجتماعات، فإن جدول أعمال الاجتماع التكتيكي الأسبوعي يجب ألا يجري إعداده قبل الاجتماع، ولكن فقط بعد الانتهاء من عرض الستين ثانية، وغير ذلك من الأنشطة المعتادة لتقديم التقارير.
ويعد هذا الأمر منطقيًّا لأن جدول الأعمال يجب أن يتوقَّف على ما يقوم به كلُّ فرد بالفعل، والتقدُّم الذي تحرزه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها، وليس على أفضل تقديرات المسئول عن إدارة الاجتماعات في الثماني والأربعين ساعة السابقة للاجتماع. وليس من الحكمة محاولة التكهن بالبنود التي تستحق إدراجها على رأس أولويات جدول الأعمال قبل أن تتوفر تلك البيانات الأساسية.
يجب إذن أن يتحلَّى المسئولون عن إدارة الاجتماعات بما يمكن تسميته «التلقائية المنضبطة»، التي تقضي بأن عليهم أن يقاوموا إغراء إعداد جدول الأعمال مسبقًا، وعليهم بدلًا من ذلك أن يتركوا جدول الأعمال يتبلور في أثناء الاجتماع نفسه. ومع أن ذلك قد يعني التضحية ببعض السيطرة، فإنه يضمن أن الاجتماع سيكون وثيق الصلة بالموضوع وفعالًا.
إنَّ اتباع طريقة جدول الأعمال المتغيِّر وفقًا لمستجدات الاجتماع ليس أمرًا صعبًا للغاية؛ لأنه سيكون من السهل التعرف عندئذٍ على الموضوعات المهمة. فحتمًا ستطفو على السطح بعضُ القضايا التي تحتاج إلى مناقشة مثل: «هل يتوجَّب علينا زيادة الإعلانات هذا الشهر لإعطاء دَفعة للمبيعات؟» و«هل يجب أن يتحدَّث قسم التسويق أو تطوير الأعمال إلى محلِّلين بخصوص قضايا المنتجات لدينا؟» و«هل علينا التمهل في التوظيف أم الإسراع فيه؟» و«ماذا سنفعل إزاء التجاوز في النفقات؟» أسئلة من هذا القبيل. القضايا التكتيكية التي يجب التعامل معها لضمان أن الأهداف القريبة المدى ليست في خطر.
هناك هدفان جوهريان للاجتماع التكتيكي الأسبوعي: حل القضايا وتعزيز الوضوح. ويجب التعرف على العقبات وإزالتها، كما يجب أن يتفق الجميع.
تحدياتٌ حتمية
هناك عددٌ من العقبات المحتمَلة التي قد تحول دون عقد الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية.
إحدى هذه العقبات هو إغراء إعداد جدول أعمال مسبق، إما على نحو رسمي أو غير رسمي. وفي حين أن هذا الأمر مفهوم وفقًا للعادات السائدة، فإنه ليس من الحكمة. وهذا لأنه من المهم أن يحضر أعضاءُ الفريق إلى الاجتماع التكتيكي الأسبوعي ولديهم نوعٌ من الحيادية والانفتاح، ومن المهم أيضًا أن ندع الأنشطة الحقيقية والتقدُّم صوب الأهداف يحدِّدان ما يجب مناقشته.
من المشكلات الشائعة الأخرى ميل أعضاء الفريق إلى الخوض في تفاصيل كثيرة للغاية أثناء عروض الستين ثانية. وهذا يجعل الآخرين يفقدون اهتمامهم، ويقلِّل بدوره قدرة الفريق على التعرُّف على القضايا الجديرة بالبحث والحَل. والسبيل إلى تجنب هذه المشكلة هو تقييد أعضاء الفريق بستين ثانية، وتعد هذه مدة كافية لتقديم ملخص سريع للأنشطة الأساسية، وأيضًا للإجابة عن سؤال أو اثنَين لأغراض التوضيح. إذا كان هذا الأمر صعب التصديق، انظر بإمعان في ساعة يدك لمدة ستين ثانية. وستدرك أن هذه المدة أطول مما تبدو، وأن الكثير من المعلومات يمكن عرضها فيها.
ومع أننا يجب أن نكون على وعي بهاتَين المشكلتَين الخطيرتَين، فإن التحدي الأكثر شيوعًا وخطورة الذي يعترض نجاح الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية هو إغراء الدخول في مناقشات حول القضايا الاستراتيجية بعيدة المدى. لماذا يمثِّل ذلك مشكلة خطيرة يجب تجنبها؟
أولًا: لا يتوفر الوقتُ الكافي في الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية لمناقشة القضايا الكبرى بطريقة ملائمة؛ لأن الموضوعات المهمة والمعقَّدة تحتاج وقتًا كافيًا من أجل تبادُل الآراء والتحليل وحتى التحضير والإعداد. علاوةً على ذلك، فحتى أفضل التنفيذيين لا يمكنهم التنقل بسهولة بين الموضوعات التي تتباين في درجة أهميتها، مثل اتخاذ قرار بشأن تغيير سياسة السفر بالطيران على درجة رجال الأعمال، أو حسم مسألة الاندماج مع أحد المنافسين. وهذا يشبه زوجَين يحاولان مناقشة ما يجب عليهما القيام به إزاء مشكلات طفلهما السلوكية في الوقت نفسه الذي يحاولان فيه تحديد ما يتناولانه في العشاء.
هناك مشكلة أخيرة متعلقة بخلط الموضوعات الاستراتيجية والتكتيكية أثناء الاجتماعات وهي ميل المسئولين عن إدارة الاجتماعات بطريقة خاطئة إلى إعادة النظر في القرارات الاستراتيجية عندما تواجههم معوقاتٌ تكتيكية محتومة. يتطلب قَصْرُ الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية على موضوعاتٍ محدَّدة قصيرة الأجل أن يركِّز الأشخاص على حل المشكلات بدلًا من التراجع عن قراراتٍ بعيدة المدى اتُّخِذَت بالفعل.
إنَّ السبيل إلى التغلب على هذا التحدي هو الانضباط. فعندما تُطرَح قضايا استراتيجية، من الضروري أن يطرح المسئول عن إدارة الاجتماع هذه القضايا جانبًا ويدرجها على قائمة القضايا المرشَّحة للبحث أثناء اجتماع آخر هو: الاجتماع الاستراتيجي الشهري.
النوع الثالث: الاجتماع الاستراتيجي الشهري
يعد هذا النوع من الاجتماعات الأكثر تأثيرًا وأهمية لأي فريق. كما أنه الأكثر إمتاعًا. ففيه يبحث أعضاء الفريق التنفيذي القضايا المهمة التي سيكون لها تأثير جذري على سير العمل، ويحلِّلون هذه القضايا ويتناقشون حولها واتخاذ القرارات بشأنها. وتتيح الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية للتنفيذيين الخوض في موضوع محدَّد أو موضوعَين دون الالتفات إلى الوقت أو المخاوف التكتيكية.
تختلف مُدَّة الاجتماع الاستراتيجي الشهري بحسب الموضوع أو الموضوعات محل النقاش. ومع ذلك، فمن المفضَّل تخصيص ساعتَين على الأقل لكل موضوع حتى تتاح الفرصة للمشاركين للدخول في مناقشة مفتوحة ومطوَّلة.
وسواءٌ قرَّرت الفِرقُ عقد هذه الاجتماعات مرةً في الشهر أو مرة كل أسبوعَين، فإن ذلك لا يهم. المهم هو إجراء هذه الاجتماعات الاستراتيجية بانتظام حتى تكون بمنزلة «قائمة انتظار» تُدرَج عليها القضايا الاستراتيجية الحسَّاسة التي تبرز أثناء الاجتماعات التكتيكية الأسبوعية. وهذا يمنح التنفيذيين الثقة الكافية لتأجيل القضايا الحسَّاسة، مُدركين أنه سيجري التعامُل معها في النهاية.
الاجتماعات الاستراتيجية الطارئة
في بعض الحالات، تُثار قضية تكتيكية أو استراتيجية في الاجتماع التكتيكي الأسبوعي، ولا يمكن تأجيلها حتى يحين موعد الاجتماع الاستراتيجي الشهري. ولكن، لا يعني هذا أنه يجب مناقشتها في الاجتماع التكتيكي الأسبوعي.
وبدلًا من ذلك، يتعيَّن على التنفيذيين عقد اجتماع مخصَّص لمناقشة تلك القضية. ويجب توضيح أن هذا الاجتماع لا يمت بصلة للاجتماع التكتيكي الأسبوعي حتى يتمكَّن التنفيذيون من إعداد أذهانهم بما يناسب طبيعة هذا الاجتماع، ويخصِّصوا وقتًا كافيًا للتحليل والمناقشة المناسبَين. وإذا كان كلُّ ذلك يتطلب من التنفيذيين تعديل جداولهم في وقتٍ متأخر من ذلك اليوم أو البقاء في الشركة حتى المساء، فلا مانعَ في ذلك. وإذا كانت القضية حاسمة حقًّا، فالأمر يستحق مثل هذه التضحية.
ومن نواحٍ عديدة، يعد هذا الاجتماع الاستراتيجي المخصَّص أهم اجتماع يمكن عقده في أية مؤسسة. ذلك أنه يوضح أن أعضاء الفريق التنفيذي يعرفون كيفية التعرف على تلك القضايا الاستراتيجية النادرة التي تستحق عناية فورية حتى على حساب القضايا المُلِّحة والقضايا التكتيكية الأقل أهمية التي تطفو على السطح كلَّ يوم. وتحاول الشركات الكبرى حل هذه القضايا بنوع من التركيز والسرعة وهذا يسمح لهم بهزيمة المنافسين الذين تعيقهم رتابة اجتماعاتهم، أو أولئك الذين ينتظرون وقوع كارثة قبل الخوض في موضوع مهم.
إذا كان من الممكن عقد هذه الاجتماعات الاستراتيجية عندما تطرأ قضية ما، إذن فلماذا أطلقتُ عليها الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية؟ لأننا إذا لم نخطِّط لعقد اجتماعاتٍ منتظمة للحديث عن الموضوعات المهمة، فسنجد أننا ننظر إلى الخلف بعد أربعة شهور ونتساءل عن سبب أننا لم نجرِ أية مناقشاتٍ استراتيجية على الإطلاق. فاختيار عقدها بانتظام يعد من الخطوات المهمة لضمان عدم إهمالها.
تحدياتٌ حتمية
من أكثر التحديات شيوعًا في تطبيق الاجتماعات الاستراتيجية الأسبوعية أو الاجتماعات المخصَّصة لمناقشة مسألة معينة هو الفشل في تخصيص وقت كافٍ لها. ففي خضم الجداول اليومية وضيق وقت التنفيذيين، تصبح فكرة تخصيص ثلاث ساعاتٍ أو أربع لمناقشة قضية أو قضيتَين أصعب مما يبدو عليه الأمر نظريًّا. لكنها مهمة للغاية. فأحيانًا يستغرق الأمر خمسًا وأربعين دقيقة من المناقشة في بداية الاجتماع الاستراتيجي الشهري فقط لاكتشاف السبب الجوهري الحقيقي لمشكلة ما.
وهناك تحدٍّ آخر يتعلق بإدراج عدد من البنود في جدول الأعمال بما يفوق الحد. هذا خطأ يقع فيه التنفيذيون الذين يريدون مناقشة كل قضية مهمة. ولكن لسوء الحظ، فإن ذلك يُقلِّل من مستوى المناقشة حول القضايا الأكثر أهمية.
والسبيل إلى تجنب هذَين التحدَيين هو التأكُّد من تخصيص وقت كافٍ لكل قضية. وهذا يعني أنه إذا كانت هناك ثلاث قضايا يلزم حلها، فلا بد أن يكون الاجتماع أطول كثيرًا مما كان سيكون عليه لو كان مخصَّصًا لمناقشة قضية واحدة فقط. وأكرِّر مرة ثانية أنه إذا كان ذلك يعني أن يقتصر عمل كل المَعنيين في ذلك اليوم على هذا الأمر، فلا بأسَ بذلك.
في أثناء عملي، وجدتُ أن معظم التنفيذيين تكون لديهم بنود تكتيكية وإدارية زائدة عن الحد في جداول أعمالهم، وهو ما ينشأ غالبًا عن إدمان الأدرينالين؛ الحاجة إلى البقاء تحت الضغط مشغولين بالأنشطة المستمرة. ولذا، فإنهم من البداية يعارضون قضاء يوم كامل في الاجتماعات لمناقشة الاستراتيجية؛ لأنهم يخشون التأخر عن أداء أنشطتهم الأساسية اليومية. ولكن، بمجرد أن يجبِّروا أنفسهم على تخصيص وقتٍ للمناقشات الاستراتيجية، فإنهم يسعدون في الغالب بأنهم قاموا بذلك، ويفاجَئُون بأنهم لم يفتهم أي شيءٍ مصيري حقًّا بسبب بقائهم بعيدين عن مكاتبهم فترة الظهيرة.
من التحديات الأخرى التي قد تعترض نجاح الاجتماعات الاستراتيجية هو الفشل في البحث والإعداد مقدَّمًا. ذلك حيث يكون مستوى مناقشة استراتيجية ما، والقرارات الناتجة عنها، أفضل كثيرًا إذا قمنا ببعض العمل التمهيدي. وهذا يقضي على الاعتماد الشائع على اتخاذ القرارات وفقًا للأهواء الشخصية. والسبيل إلى تأكيد حدوث هذا الإعداد هو أن يكون أعضاء الفريق على دراية — قدر الإمكان — مقدَّمًا بالقضايا التي ستُناقَش أثناء الاجتماع الاستراتيجي الشهري أو الاجتماع الاستراتيجي الطارئ. وبالطبع يتعيَّن على المسئولين عن إدارة الاجتماعات أيضًا أن يطلبوا من أعضاء فِرقهم أن يأتوا إلى الاجتماعات وهم على أهبة الاستعداد تمامًا.
أخيرًا، أعتقد أنني سأكون مُهْمِلًا إذا لم أذكر تحديًا أخيرًا هو: خشية الصراع. لا يمكن أن تكون الاجتماعات الاستراتيجية الشهرية أو الاجتماعات الاستراتيجية الطارئة مؤثرة إن لم يكن لدى أعضاء الفريق استعدادٌ للدخول في جدال فكري حُرٍّ وبَنَّاء. وينطبق ذلك أيضًا على النوع الأخير من الاجتماعات: اجتماع التقييم رُبع السنوي الذي يُعقَد خارج الشركة.
النوع الرابع: اجتماع التقييم رُبع السنوي المُنعقِد خارج مقر الشركة
لقد اكتسبَ اجتماعُ التنفيذيين خارج مقر الشركة سمعة سيئة على أنه مضيعة للوقت وغير مثمر، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الوصف حقيقيًّا. فسواءٌ كان التنفيذيون يلعبون الجولف أو يلهون حول الأشجار أو يعيدون اكتشاف الطفولة بداخلهم، فإن العديد من الاجتماعات التي تُعقَد خارج مقر الشركة لا تعود على الشركة بكثير من النفع.
هذا أمرٌ سيئ، ليس فقط بسبب التضحية بالوقت والمال والمصداقية، بل بسبب الدور الحيوي الذي يجب أن تمارسه الاجتماعات المُنعقَدة خارج مقر الشركة ضمن قائمة الاجتماعات الأخرى التي تخدم الشركة.
موضوعات واجبة النقاش
-
تقييم شامل للاستراتيجية: يتعيَّن على التنفيذيين إعادة تقييم توجُّههم الاستراتيجي، ليس بصفة يومية كما يفعل الكثيرون، بل ثلاث مرات أو أربع في السنة. ذلك حيث تتغيَّر مجالات العمل وتظهر مخاطر جديدة من المنافسين تستدعي التعامل معها بطرق وأساليب مختلفة. لكن مراجعة الاستراتيجيات مرة أو مرتَين سنويًّا لا تكفي في العادة لمواكبة ما يطرأ من تغيُّرات.
-
تقييم وضع الفريق: يتعيَّن على التنفيذيين تقييم أنفسهم وسلوكياتهم كفريق بانتظام، والتعرف على الاتجاهات والميول التي قد لا تخدم الشركة. ويتطلب ذلك غالبًا تغيير الأماكن حتى يتمكَّن التنفيذيون من التفاعل فيما بينهم على المستوى الشخصي بدرجة أكبر ويذكِّروا أنفسهم بالتزاماتهم الجماعية نحو الفريق.
-
تقييم وضع الموظفين: يجب أن يتحدَّث التنفيذيون العاملون في الأقسام المختلفة ثلاث مرات أو أربعًا سنويًّا عن الموظفين الرئيسيين داخل الشركة. ويجب أن يعرف كلُّ عضو في الفريق التنفيذي الموظفين الذين يعتقد زملاؤهم أنهم يؤدون أداءً متميزًا والآخرين الذين لا يرقى أداؤهم إلى المستوى المطلوب. ويتيح ذلك للتنفيذيين تقديم نظرة مختلفة ربما تغيِّر حقًّا معتقداتهم المستندة إلى خبراتٍ ووجهاتِ نظر مختلفة. والأهم من ذلك هو أنه يتيح لهم التعاون في إدارة الموظفين ذوي الأداء المتميز والاحتفاظ بهم، ويعملون لتطوير الموظفين الأضعف أداءً بالكيفية نفسها.
-
تقييم أوضاع المنافسين والأوضاع السائدة في مجال العمل: تتسرَّب المعلومات الخاصة بالمنافسين واتجاهات الصناعة تدريجيًّا بمرور الوقت. ولذا، من المهم للتنفيذيين أن يبتعدوا عن روتينهم اليومي وينظروا إلى ما يحدث حولهم نظرةً أشمل ليتمكَّنوا من استكشاف الاتجاهات التي قد لا توضِّحها المعلومات المتناثرة. وحتى أفضل التنفيذيين يمكنهم أن يضلوا الطريق عندما يغرقون في مهامهم اليومية.
تحدياتٌ حتمية
هناك مجموعة متنوعة من التحديات يمكنها صرف الفريق عن عقد اجتماعاتٍ رُبع سنوية خارج مقر الشركة تتسم بالفعالية. ولا يعد أيٌّ منها خطرًا بمفرده، ولكنها يمكنها معًا إعاقة فعالية هذه الاجتماعات المهمة، وتؤدي إلى فشلها في النهاية.
إنَّ أحد هذه التحديات هو الميل إلى إثقال هذه الاجتماعات بما لا تحتمله من أنشطة تتمثل عادةً في تكدس العروض التقديمية والأحاديث المطوَّلة المشبعة بالتفاصيل. الهدف من التقييم رُبع السنوي الذي يُعقَد خارج الشركة هو مناقشة وضع الشركة وليس تزويد التنفيذيين بعروض تقديمية وتقارير.
هناك تحدٍّ آخر وهو إغراء تقليل نفع هذه الاجتماعات وذلك بعقدها في مواقع خلَّابة تتطلب سفرًا طويلًا، وإدراج الكثير من الأنشطة الاجتماعية ضمن برنامج الاجتماع. إن الهدف من الخروج من الشركة ليس إمتاعَ المشاركين، بل السماح لهم بالابتعاد عن الأمور التي يمارسونها يوميًّا والتي يمكن أن تُشتِّت انتباهَهم. ولذلك، فإن إمضاءَ ساعة في فندق مريح أو مركز مؤتمراتٍ يكفي عادةً للوفاء بالغرض. إنَّ السفر إلى منتجع في جزيرة أروبا أو هاواي لا يقضي على التشتت، بل يستبدل بالإزعاج الناتج عن أمور مثل الاضطرار للقيام بمهام العمل اليومي نوعًا آخر كممارسة الغوص ولعب الجولف.
من المشكلات المهمة الأخرى دعوةُ أشخاص من خارج الفريق لحضور الاجتماع. ومع أن ذلك ربما يكون مُغريًا للكثير من الأسباب مثل توفير مدخلات أكثر أو المشاركة والتعارف، فإنها فكرة سيئة لسبب واحد: إنها تغيِّر ديناميكية الفريق. فإضافة مشاركين ولو حتى موظف واحد ليس عضوًا بالفريق، بصرف النظر عن مدى حب الناس له وإحاطته بظروف العمل، يمكن أن يُلغي أحد أهم أسباب عقد الاجتماعات خارج مقر الشركة، ألا وهو: تعزيز وحدة الفريق.
ربما يكون الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو الاستعانة بمساعِد من خارج أعضاء الفريق، شريطة أن يكون شخصًا يثق فيه الفريق، ويفهم طبيعة عمل المؤسسة، ويهدف إلى المساعدة على إنجاز أهداف الفريق، وليس أهدافه الشخصية. والفائدة العُظمى للاستعانة بمثل هذا المساعِد أنها تسمح للقيادي المسئول عن إدارة الاجتماعات بالمشاركة الكلية في المناقشات دون الانشغال بلعب دور أكثر مُوضوعية ودعمًا.
(يُرجى ملاحظة أن الجدول البياني التالي يختلف قليلًا عن «سبورة ويل» التفاعلية في الحكاية الرمزية المستعان بها في هذا الكتاب؛ لأنه ليس مبنيًّا على مقارناتٍ بالأفلام والتلفزيون.)