الصراع … في الفضاء!
حقَّق الشياطين انتصارًا رائعًا عندما حملوا معهم «رجل المستقبل» الذي استطاع دكتور «بالم» أن يصنعه. لقد دخل الشياطين في صراع مع هذه العصابة الغريبة التي استطاعت أن تبث أحد أعوانها، ليشترك مع الدكتور «بالم» في اختراعه المذهل؛ فقد استطاع «بالم» أن يصنع رجلًا آليًّا مُطابقًا له في الشكل تمامًا، حتى إنَّه كان من الصعب أن يقوم أحد بالتمييز بينهما. ولقد أطلق عليه اسم «بالم ٢». أما الدكتور «بالم»، فهو «بالم ١». إن وجه الخلاف بينهما، هو أن «بالم ٢» لم يكن يتأثَّر بشيء، فليست له عواطف الإنسان. فهو لا يغضب ولا ينفعل، لكنه يمكن أن يتصرَّف ويفكر كما يفكر الإنسان تمامًا؛ تبعًا للجهاز الدقيق الذي وضعه مخترعه دكتور «بالم». لقد كان صراعًا عنيفًا، انتهى بأن أخذ الشياطين «بالم الأصل» و«بالم الصورة»، وانطلقوا بطائرتهم الخاصة إلى المقر السري.
كان الشياطين سعداء بانتصارهم، والطائرة تُحلق على ارتفاع ٤٠ ألف قدم، غير أن الأكثر سعادةً، كان دكتور «بالم» نفسه؛ فقد اكتشف أمام صراع الشياطين مع العصابة أنه كان ضحيَّة، وأنَّه كان سيتسبَّب في قيام عصابة خطيرة باكتشافه المثير. كان «بالم ١» يضحك سعيدًا … وكان «بالم ٢» ينظر لهم بوجه جامد … لكن فجأة، جاء صوت كابتن الطائرة يقول: إنَّنا أمام عاصفة شديدة سوف تضطرُّنا إلى الهبوط قليلًا، وسوف نطير على ارتفاع ٢٠ ألف قدم فقط!
نظر الشياطين إلى بعضهم، فقد كانوا يخشون أن تتغيَّر الأحوال الجوية، فيضطرون إلى الهبوط في أي مكان. لكنَّ قلقهم لم يستمر؛ فقد كان «بالم» يتحدث إليهم عن مراحل اختراعه، وعن أول يوم ظهرت فيه ملامح «بالم ٢». استغرق الشياطين في الاستماع إلى العالم «بالم»؛ فقد كان يملك القدرة على السرد والحكاية، بجوار أن الاختراع كان مثيرًا في حد ذاته! قال «بالم» سعيدًا: كانت مراحل التطوُّر مثيرة، لكنَّها كانت تحدث ببطء شديد …
صمت لحظةً، ثم قال: إنَّ هذه التجربة كانت تحتاج إلى نفقات كثيرة، بجوار أنه لا بُدَّ من تكرارها؛ حتى يمكن إضافة أفكار أخرى إليها، لكني — في نفس الوقت — كنت أخشى أن أقول شيئًا لأحد …
فجأةً، توقف عن الكلام؛ فقد ارتجَّت الطائرة بعنف، وكاد الشياطين يقعون من مقاعدهم، إلا أنَّهم كانوا يربطون الأحزمة منذ كلام قائد الطائرة. انتظروا قليلًا ليعرفوا السبب، ولم تمضِ دقيقة، حتى كان صوت قائد الطائرة يقول: لقد نزلنا في مطب هوائي! …
بعد قليل، اعتدلت الطائرة، وعاد كلُّ شيء إلى طبيعته. قال دكتور «بالم» مبتسمًا: لا بأس؛ إنَّها رحلة مثيرة، وإن كانت أقلَّ إثارة من صراع العصابة!
قال «أحمد»: بل الأكثر إثارة هو اختراعك العظيم! …
هزَّ «بالم» رأسه شاكرًا، ثم قال: هل تسمعون بقية الحديث؟ …
قال «مصباح»: بالتأكيد … إن ما نسمعه لا يمكن أن يرقَى إليه أي حديث آخر.
ابتسم «بالم» مرَّة أخرى: إن أخطر ما حدث في التجربة، هو ذلك اليوم الذي بدأت فيه عمليَّة التجميع، ثم ظهور صديقي العزيز «بالم ٢».
قال «خالد»: إنها لحظة غريبة!
ردَّ «بالم»: بالتأكيد. لقد أصابتني حالة من الذهول؛ فلم أكن أتصوَّر أن يصل اختراعي إلى هذه اللحظة، حتى إنَّني فكَّرت بعدها أن أتخلَّص منه.
نظر له «عثمان» مبتسمًا، وقال: هل يمكن أن تتخلَّص من صديق عزيز؟ …
قال «بالم ١»: صدِّقني؛ لقد كانت لحظةً غريبة!
فجأةً أضيئَت لمبة حمراء في أعلى الطائرة، فقال «باسم»: هناك شيء غير عادي!
أُطفئت اللمبة، ثم عاد الضوء من جديد، فقال «أحمد»: نعم، هناك شيء غير عادي! …
تركهم واتجه إلى مُقدمة الطائرة؛ حيث يوجد طاقم القيادة. كانوا يجلسون في هدوء، وإن كانت أعينهم مُعلَّقة بشاشة الرادار. همس «أحمد»: هل هناك شيء؟ …
ردَّ قائد الطائرة في هدوء: إنَّنا مطاردون …
فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: متى بدأت المطاردة؟ …
قال الكابتن: منذ خمس دقائق …
سأل: أين نحن الآن بالضبط؟ …
أجاب الكابتن: إنَّنا فوق المحيط الأطلنطي، ونقترب من خليج «بسكي». …
قال «أحمد»: نحن إذن في طريقنا إلى فرنسا. سكت لحظةً، ثم قال: إن أمامنا حوالي نصف ساعة، حتى ندخل في حدود فرنسا. هناك إذن متَّسع من الوقت.
سكت قليلًا، ثم قال: سأعود إليكم حالًا.
انصرف بسرعة مُتَّجهًا إلى الشياطين، الذين كانوا ينتظرون عودته.
سأله «خالد»: هل …؟ وقبل أن يُكمل سؤاله، كان «أحمد» قد قال بلغة الشياطين: ربَّما ندخل في معركة جوية! … صمت لحظة، ثم قال: إن «بالم» يجب ألا يعرف شيئًا.
نظر إلى «بالم»، ثم تحدَّث إليه بالإنجليزيَّة: سوف نستأذنك لحظةً؛ إنَّ لدينا عملًا قد يستغرق عدَّة دقائق فقط.
ابتسم «بالم» وهو يقول: لا بأس. إنَّني أثق في تفكيركم تمامًا …
انسحب الشياطين إلى مؤخرة الطائرة؛ حيث عقدوا اجتماعًا سريعًا. شرح «أحمد» الموقف الذي تتعرَّض له الطائرة، وعملية المطارَدة، ثم قال في النهاية: إنَّ الطائرة المُطارِدة ربما تكون قد أقلعت من قاعدة بحريَّة. ومن المؤكد أنَّها تابعة للعصابة؛ فهي لا يمكن أن تُسلم ببساطة في ضياع دكتور «بالم» أو اختراعه.
سكت، فقال «خالد»: هل يمكن أن نتعرَّض لقذائف أو صواريخ مثلًا؟! …
قال «أحمد»: لا أظن. إنَّهم سوف يُحافظون على طائرتنا؛ لأنَّها تحمل ما يريدون الحصول عليه، وهو دكتور «بالم» وربَّما نحن أيضًا؛ فهزيمتهم قد كشفت قوَّة من يقوم بصراعهم. سكت لحظةً، ثم قال: إن المهمَّ في العمليَّة كلها، أن نصل إلى «باريس». والذي أخشاه، أن يضطرُّونا إلى الهبوط في مكان خاص بهم.
قال «باسم»: إنَّهم لن يستطيعوا ذلك؛ لأننا لن نستجيب لهم …
قال «أحمد»: بل إنَّهم يستطيعون؛ ولذلك ينبغي أن تكون لدينا خُطَّة إنقاذ «دكتور بالم» وشبيهه. لقد فكَّرتُ في أن نقوم بعمليَّة إسقاط على شواطئ خليج «بسكي»، داخل الحدود الفرنسيَّة. إن ذلك يحدث على فترات متعاقبة؛ حتى نستطيع أن نُضلِّلهم. إنَّنا خمس، يُضاف إلينا دكتور «بالم ١» و«بالم ٢». يمكن أن أقفز ومعي «بالم ١»، ويقفز «خالد» ومعه «بالم ٢»، ثم يقفز «باسم» و«إلهام» معًا، ثم «عثمان» وأحد بحارة الطائرة. في هذه الحالة لن يستطيعوا اكتشاف «بالم»؛ لأنه يمكن أن يكون أي واحد. وفي هذه الحالة تستمر الطائرة في طريقها للنُّزول في أحد مطارات فرنسا، في باريس أو غيرها. وهذا يتوقَّف على تصرُّف الكابتن «ن» قائد الطائرة، وفي الأرض نستطيع أن نُحقِّق كلَّ شيء.
سكت «أحمد»، ونظر الشياطين إلى بعضهم. قال بعد لحظة: لقد عرضت وجهة نظري، وأنتظر مناقشة الخُطَّة. كان قد مضى نصف الوقت في الحوار، وبسرعة كان الشياطين قد وافقوا على خُطَّة «أحمد»، فقال: سوف أُبلِغ الكابتن «ن» بالخُطَّة؛ حتى يُحقِّق السرعة المطلوبة للإنزال، وحتى يضع خُطَّته هو الآخر؛ لاستمرار الطيران.
عاد الشياطين إلى منتصف الطائرة؛ حيث يجلس «بالم ١» و«بالم ٢». في نفس الوقت الذي استمر فيه «أحمد» في طريقه إلى مُقدِّمة الطائرة؛ حيث يوجد طاقم القيادة. شرح للكابتن «ن» خُطَّة الشياطين. غير أن الكابتن لم يكن منتبهًا تمامًا؛ فقد تركَّزَت عينيه على شاشة الرادار، فقال: إنَّهم يضطرُّوننا إلى النزول في الخليج.
قال «أحمد»: إذن، لقد حانت لحظة الإنزال. ومن جديد، بدأ يشرح خطَّة الشياطين، وكان الكابتن يُصغي بانتباه، فقال في النهاية: إنها خُطة طيبة.
نظر إلى أحد أفراد الطاقم بجواره، ثم قال: كابتن «م»، سوف تصحب الزُّملاء في رحلة الإنزال. وفي لحظة، كان الكابتن «م» قد انصرف للاستعداد. في نفس الوقت، قال الكابتن «ن»: سوف أستمرُّ في الطيران، دون أن أُحقِّق ما يُفكِّرون فيه. إن النقطة «ﻫ»، هي أصلح نقطة لأوَّل إنزال؛ لأنَّها تقع على شاطئ الخليج مباشرةً، بعد حوالي نصف كيلو متر. وهذه منطقة طيبة. نظر لحظةً إلى «أحمد»، ثم أكمل: أظنُّ أنكم حدَّدتم فترات الإنزال!
ردَّ «أحمد»: نعم، بما يكفي لأن نكون على اتِّصال ببعضنا، وأن نستطيع التجمُّع بسرعة. قال كابتن «ن»: إذن، سوف أُصدِر لكم إشارةً إلى أول إنزال؛ فاستعِدُّوا …
انصرف «أحمد» بسرعة، إلى حيث يوجد الشياطين. كانوا جميعًا قد استعدُّوا، ولبسوا المظلات، غير أن دكتور «بالم»، الذي كان يُساعده «خالد» في تثبيت حمَّالات المظلَّة، نظر إلى «أحمد» متسائلًا. فردَّ «أحمد» بابتسامة هادئة. حتى إن «بالم» قال: إنَّني أثق فيكم تمامًا؛ فقط أريد أن أعرف. نظر له «أحمد» لحظة نظرة هادئة، فقال «بالم»: لقد فكَّرتُ في ذلك؛ إنني أعرف أنهم لن يسكتوا. سوف يُطاردوننا إلى آخر العالم. فهذه فرصة ذهبية لهم …
قال «أحمد» في إصرار: لكنَّهم لن يستطيعوا …
ابتسم «بالم»، وقال: إنَّني أثق في ذلك تمامًا!
كان كلُّ شيء قد أُعد، وأصبح الشياطين في انتظار إشارة كابتن «ن». وقفوا في طابور مزدوج بجوار الباب، الذي سوف يُفتح مع الإشارة التي يُعطيها الكابتن. كان «أحمد» بجواره دكتور «بالم ١»، و«خالد» بجوار «بالم ٢»، و«باسم» و«إلهام» معًا، ثم «عثمان» وكابتن «م». مرَّت لحظات قلقة، نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم ضغط أحد الأزرار الدقيقة فيها، وهمس: إنَّنا نقترب من اللحظة. فجأةً، أُضيئت اللمبة الحمراء، فنظر الشياطين إلى بعضهم. كانوا في حالة انتظار للقفز، إلا أن باب الطائرة لم يفتح … لقد كان هناك شيء ما …