«بالم ٢» في خطر!
في لمح البصر، كان قد قفز في اتجاهه، فرأی ما أدهشه، حتى إنه توقف لا يدري بالتحديد ماذا يمكن أن يفعل! لقد كان المنظر الذي أمامه غریبًا تمامًا، ولم يخطر له على بال. في نفس الوقت، فإنه لم يكن قد صادفه من قبل، وإن كان يعرفه. لقد كان هناك كلب ضخم، يرقد فوق صدر دکتور «بالم»، الذي لم يكن يُبدي أي حركة، وكأنه مُغمًى عليه. قال في نفسه: هذا نوع من الكلاب المدرَّبة، التي لا تحتاج إلى معاونة، والتي تستطيع أن تقبض على فريستها حتى يحضُر قائدها.
لقد مرَّت لحظات قبل أن يُقرر في النهاية استخدام الإبَر المخدرة، فهي الحلُّ الوحيد لهذا الموقف. فهذا النوع من الكلاب شَرِس تمامًا بما يكفي لئلا يشتبك معه، بجوار أن اشتباكه معه سوف يلفت النظر؛ فسوف يُصدِر الكلب أصواتًا تجعل أفراد العصابة يقتربون بسرعة. أخرج حُقنة مُخدِّرة، وكانت هذه الحركة كافية ليقفز الكلب في اتِّجاهه، وكأنه قد فهم ماذا ينوى «أحمد» أن يفعله. لقد كانت الحركة فُجائيَّة، حتى إنَّه لم يستطع تکملة ما فکَّر فيه؛ فقد ألقى الحقنة جانبًا، واشتبك مع الكلب في معركة. كان كلبًا غريبًا فعلًا، فهو لم يُصدِر أيَّ صوت، بجوار أنه كان يشتبك مع «أحمد» وكأنه إنسان! لقد ألقى بنفسه على «أحمد» الذي تلقَّاه بحركة طائرة أطاحت بالكلب بعيدًا. وأحس «أحمد» بثقل الكلب من هذه الحركة، إلا أنه عاد بسرعة في قفزة واحدة ليصطدم ﺑ «أحمد»، فأوقعه على الأرض، ثم بقفزة أخرى سريعة، فأصبح فوقه! فتح فمه، وأمسك يد «أحمد» الذي استطاع بكلتا يديه أن يُزيحه، إلا أنه أعاد الكرة. فکر «أحمد» بسرعة أن يستخدم مُسدسه؛ حتى ينتهي منه، لكنه خشي أن يلفت ذلك نظر العصابة، فأمسك الكلب من رقبته بكلتا يديه، وضغط عليها بقوَّة، إلا أن الكلب أنشب أظافره في صدر «أحمد» الذي ألقى بنفسه على الأرض؛ حتى يتحاشی هذه الأظافر الحادة! في نفس الوقت، ضرب الكلب ضربة قوية جعلته يرتمي بعيدًا عنه، وعندما قفز واقفًا، كان هناك أحد الرجال أمامه. سدَّدَ إليه لكمة قويَّة أطاحت به، وعندما استدار إلى الكلب لم يجده؛ فقد عاد الكلب مرة أخرى إلى حيث يوجد «بالم»، الذي لم يتحرَّك من مكانه. أخرج الرجل مُسدَّسه، إلا أن «أحمد» كان أسرع منه؛ فقد قفز في اتجاهه، وسدَّدَ له قدمًا قوية أطاحت بالمُسدَّس. في نفس الوقت، كانت قدمه الأخرى قد أخذت طريقها إلى الرجل، حتى إنه صرخ. فکر «أحمد»: هل حدث شيء لدكتور «بالم»؛ حتى إنه استسلم في مكانه لا يتحرَّك؟!
هاجمه الرجل مرة أخرى، وعندما اشتبك معه، وقعت عينه على رجل آخر. ضرب الأول يمينًا خُطَّافية، في نفس الوقت الذي هاجمه فيه الآخر، فضربه «أحمد» ضربة قوية جعلته يتراجع في قوَّة. كان الأوَّل قد انضمَّ إليه هو الآخر، ولم يكن أمام «أحمد» إلا أن يستدعيَ الشياطين. ضغط على جهاز الإرسال ضغطة واحدة، في نفس الوقت الذي كان يستعدُّ فيه لملاقاة الرجلين. وقف الاثنان أمامه في انتظار لحظة اشتباك. فکر «أحمد» بسرعة: هل يستخدم المسدَّس ليقضيَ عليهما؟
لكنه فكر في نفس الوقت: إنهما سوف يفعلان نفس الشيء، وقد تكون النتيجة سيئة!
قال أحدهما: ينبغي أن ترفع يديك؛ بدلًا من أن تفقد حياتك!
وقال الآخر: لقد خسرتَ الجولة، ويجب أن تستسلم.
فکر «أحمد»: إنَّهما يُعطيانه فرصة نادرة الآن؛ فهو يستطيع أن يستسلم ليُعطيَ فرصة لوصول الشياطين.
قال: فلنتَّفِق أوَّلًا.
قال الأول: قل شروطك.
ردَّ «أحمد»: اترکا زمیلي، واستدعيا الكلب؛ حتى لا يصيبه بسوء.
قال الآخر: ألقِ مُسدَّسك أولًا.
فکَّر «أحمد»: هذه فرصة!
مدَّ يده إلى مُسدَّسه، فصرخ الآخر: لا تفعل؛ ارفع يديك، ودعْني آخذ مُسدَّسك.
ابتسم «أحمد»، وقال: ليست هذه أخلاق الرجال؛ لقد طلبتما أن أستسلم، وقدَّمتُ شروطي، وليس من واجبكما أن تطلبا مني أن أُلقي مُسدَّسي.
قال الأوَّل: ارفع يديك قبل أن أستخدم المسدَّس. وفي لمح البصر، كان الرجل قد سحب مُسدَّسه.
فکَّر «أحمد»: لا بأس؛ إن مبدأ الحوار معهما يُعطيني فرصة لكسب الوقت.
قال: لا أظنُّ أن هذا من أخلاق النِّزال؛ لقد شهرت مُسدَّسك دون أن أُشهِر مُسدَّسي.
قال الرجل في غِلظة: لا داعي للكلام. إما أن ترفع يديك، وإلا فسوف أُفقِدك حياتك.
ابتسم «أحمد»، وقال: هذه ليست قضية هامة؛ إنني يمكن أن أفقد حياتي، لكنكما سوف تفقدان ما هو أهم منها!
ردَّ الآخر: لا داعيَ لهذا الكلام، فأنت لن تُؤثِّر علينا؛ سوف أعدُّ ثلاثة، ثم أُطلِق مُسدَّسي.
مرت لحظة صمت وترقُّب، ثم بدأ الرجل يعُد: واحد.
انتظر لحظة وهو يُسدِّد نظرة قوية إلى وجه «أحمد»، الذي كان يبدو هادئًا تمامًا. عدَّ مرة أخرى: اثنان! کان الرجل يبدو مُتوتِّرًا، بعد أن بقيت مرة واحدة فقط ثم يُطلِق الرصاص، غير أن «أحمد» ابتسم ابتسامة عريضة جعلت الرجل يصرخ: لا تَهزَأ بي!
لقد كان هناك ما جعل «أحمد» يبتسم هذه الابتسامة العريضة التي أثارت الرجل، وقبل أن يفتح فمه ليُعلن «ثلاثة»، كان «خالد» يطير في الهواء خلف الرجلين، ويضربهما معًا ضربة قوية جعلتهما يقعان على الأرض، في نفس الوقت الذي قفز فيه «أحمد» في اتِّجاه أولهما، ووقف «خالد» بجوار الآخر. ضرب «أحمد» الرجل الذي اشتبك معه يمينًا مستقيمة، جعلته يتراجع حتى اصطدمت رأسه بساق شجرة، فسقط فاقدًا الوعي. وبسرعة كانت عيناه على الكلب الذي يربضُ فوق صدر دكتور «بالم». كان كمَن يُشاهد معركة سينمائية؛ فهو لم يتحرَّك. أخرج «أحمد» إبرة مُخدِّرة، ثم ثبَّتها في فُوهة مُسدَّسه. أسرع الكلب بالحركة، إلا أن «أحمد» كان قد ضغط زِناد المسدَّس، فانطلقت الحقنة لتستقرَّ في صدر الكلب الذي هدأت حركته، ومرَّت لحظة سريعة، ثم سقط على الأرض بلا حَراك!
أسرع «أحمد» إلى دكتور «بالم»، في نفس الوقت الذي كان «خالد» قد انتهى من مُهمَّته؛ فأوثق الرَّجُلين بعد انتصاره على الرجل الآخر، وانضمَّ إلى «أحمد».
كان «بالم» يرقد بلا حركة. أخرج «أحمد» زجاجة صغيرة بها سائل شفَّاف، ثم فتحها ومرَّ بها أمام أنفه. بدأ «بالم» يُفيق، واستنشق نَفَسًا عميقًا. وضع له «أحمد» قليلًا من السائل الشفَّاف في فمه، فابتلعه. مرَّت لحظة، ثم فتح عينيه وهو ينظر في دهشة ويهمس: أين الوحش؟!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنَّه يرقد هناك! ثم أشار إلى نقطة قريبة؛ حيث كان الكلب يتمدَّدُ على الأرض. قال «بالم» عندما رأی «خالد»: هل انضمَّ بقية الزُّملاء؟
ردَّ «خالد»: سوف ننضمُّ نحن إليهم.
وقف «بالم». كان لا يزال يشعر بالتعب، فقال: لقد كان ثقيلًا جدًّا!
ثم أخذ يشرح لهما کیف هاجمه الكلب فجأة، ودفعه على الأرض ثم رقد فوق صدره؛ بعدها لم يشعر بشيء!
تحرَّك الثلاثة في بُطء؛ فقد كان «بالم» يجرُّ رجليه، وكأنهما مربوطتان في حَجَر! شرح «خالد» ﻟ «أحمد» كيف تلقَّى الإشارة وعرَف أنَّه في مأزق، وقال في النهاية: إن بقية المجموعة قد تحرَّكت إلى النقطة «ل».
انحرفوا قليلًا عن طريقهم في اتِّجاه النقطة «ل»؛ حيث يوجد الشياطين وكابتن «م» و«بالم٢». قال «خالد»: ينبغي أن نخرج من الغابة. إنَّ على مشارفها تقع حقول العِنب في منطقة «بوردو»، وهي منطقة تُساعدنا كثيرًا؛ فأشجار العنب متشابكة بطريقة يمكن أن تفيدنا وتفيد حركتنا.
قال «أحمد» بعد قليل: إذا كانت العصابة تحاصر الغابة حصارًا کاملًا، وهذا ما أتوقَّعه، فإنَّ الخروج إلى منطقة «بوردو» سوف يكون صعبًا!
قال «خالد»: لكنَّها مسألة ضرورية؛ فهذا هو الحل الوحيد!
جاءت رسالة إلى «أحمد»؛ كانت الرسالة من «عثمان»، تقول: إن النقطة «ل» غير مأمونة، وهناك دوريات بحث حولها، وأنهم سوف ينتقلون إلى النقطة «ي»!
ردَّ «أحمد»: نحن في الطريق إليكم.
انحرفوا مرة أخرى، بعد أن نقل «أحمد» الرسالة إلى «خالد»، الذي نظر في ساعة يده وهو يقول: إنها تُشير إلى منتصف الليل الآن، وهذا يعني أن أمامنا وقتًا طيبًا لنخرج من الغابة.
مضت نصف ساعة؛ فجأة سمعوا أصوات أقدام تتحرَّك. نظر لهما «بالم»، وقال: إنهم عادوا مرَّة أخرى!
ابتسم «أحمد» و«خالد»، ولم يتوقَّفوا عن السَّير. كانت الأصوات تقترب أكثر، وإن كانت تبدو ضعيفة؛ فقد فهم «أحمد» أن هذه أصوات الشياطين؛ لأنهم يتجهون إلى نفس اتجاه النقطة «ي». فجأة توقَّفت الأصوات، وفجأة أيضًا جاءت رسالة: «بالم ٢» في خطر!
تلقَّى «أحمد» الرسالة، فشعر بالحزن؛ نقلها إلى «خالد» بلغة الشياطين وقال: ينبغي أن نخبر «بالم»؛ فهو وحده الذي يعرف متى يكون اختراعه في خطر!
نقل إلى دكتور «بالم» نص الرسالة التي وصلت. اتسعت عينا «بالم»، وهتف: أين هو؟
أسرعوا في اتجاه النقطة «ي». وعندما وصلوا إليها، كانت «إلهام» تحاول أن تفعل أيَّ شيء ﻟ «بالم ٢»، في الوقت الذي كان فيه «عثمان» و«باسم» وكابتن «م» لا يستطيعون عمل شيء.
أسرع دكتور «بالم» إلى اختراعه الذي كان مُمدَّدًا على الأرض. كان يتحسَّسُه في الظلام، وقال: أريد بعض الضوء.
نظر الشياطين إلى بعضهم. إنَّ أي ضوء الآن يمكن أن يكشف وجودهم وسط هذا الظلام، فقال «أحمد»: هل هي مسألة ضرورية؟
رد دكتور «بالم»: بالتأكيد، وإلا فإنه سوف يكون عبئًا علينا، فلن يتحرك!
مرت لحظة قبل أن يقترح «أحمد» عمل خيمة سريعة منهم، فلا يتسرب منها الضوء. وبسرعة التفُّوا حول دكتور «بالم» واختراعه الممدَّد على الأرض، والتصقت أجسادهم فيما يُشبه الجدار. كانوا يُكوِّنون حلقة كاملة، ثم أخرج «أحمد» مصباحًا صغيرًا قدَّمه لدكتور «بالم»، الذي أضاءه على نقطة مُعينة في جسم «بالم ٢»، ثم أخرج من جیبه آلةً دقيقةً في حجم دبُّوس الإبرة، ثم بدأ يعالج نقطة خاصَّة، وقال: إنَّها خلية إلكترونية قد خرجت من مكانها، ولا بُدَّ أنه اصطدم بشيء!
تذكر «أحمد» بسرعة المنظر الذي رآه لحظة نزول المظلَّات، وقال في نفسه: لعل «بالم٢» هو الذي سقط فوق الشجرة.
نظر إلى «خالد»، فهزَّ رأسه. لقد كان استنتاج «أحمد» صحيحًا. ظلَّ دكتور «بالم» يُعالج الخلية الإلكترونية. كان يبدو عليه الاهتمام. مرت الدقائق بطيئة قلقة. في النهاية قال: يجب استبدال الخليَّة الفاسدة، بخليَّة أخرى جديدة.
سكت لحظة، ثم قال: للأسف، إنني لا أحمل معي قطع غيار له!
همس «أحمد»: وكيف يمكن أن نحصل عليها؟!
فكَّر «بالم» قليلًا، ثم قال: من المدينة التي نسفناها!
قال «عثمان» بسرعة: ألا يمكن الحصول عليها من مكان آخر؟!
قال «بالم»: يمكن … لكن كيف نستطيع الآن؟!
قالت «إلهام»: هل يمكن أن نُخفيَه في مكان حتى نحصل على قطعة الغيار هذه؟!
هزَّ «بالم» رأسه، وقال: نعم … لكنَّنا لو فقدناه، فإن ذلك سوف يحتاج إلى عمل طويل حتى نستطيع تصنيع واحد آخر، فالنموذج الأول هو الأهم، بعدها يمكن تصنيع نماذج كثيرة وبسرعة.
لم يكن أحد يستطيع عمل شيء الآن. أطفأ «بالم» المصباح، واستغرق في التفكير. ورَغم الظلام، إلا أن الشياطين كانوا يرون ملامح وجهه التي يملؤها الحزن! همس «أحمد»: هل يمكن أن تكتب لنا أوصاف الخلية الإلكترونية التي تريدها؟!
نظر له «بالم» قليلًا، ثم قال: هل يوجد …؟
وقبل أن يُكمل جملته، كان «باسم» قد قدَّم له ورقة وقلمًا. كتب «بالم» بعض المصطلحات العلميَّة، ثم قال: إن هناك شركة واحدة في أمريكا، هي شركة «فيوتشر إلِكْترونيك»، أو شركة «إلكترونيَّات المستقبل»، هي التي تقوم بتصنيع هذا النوع من الخلايا!
حمل الشياطين «بالم ٢»، الذي لم يكن ثقيلًا تمامًا، في نفس اللحظة التي اختفى فيها «أحمد»، وتحرَّك الآخرون في اتجاه مزارع العِنب، في محاولة للخروج من الغابة، لكن فجأةً تغيَّر كلُّ شيء؛ فقد نزلت طلقات الرصاص كالمطر من كل جانب!