ماذا يشغل «أحمد»؟!
قال «أحمد»: يشغلني جدًّا «بيتر» … فأنا أعتقد أن جماعة «سايبرسبيس» والذين أطلقنا عليهم اسم «شبكة الموت» لن يتركوه حيًّا … فقد كان هو وسيلة الاتصال بينهم وبيننا، وأنتم تعرفون كيف تعارفوا وطريقة عملهم.
فهد: نعم فقد تعارفوا عن طريقة شبكة الإنترنت، واتفقوا على هدفٍ واحد رغم أنهم من دول عديدة.
ريما: نعم … اتفقوا على أن أموال العرب وثرواتهم ليست من حقهم، بل هي ملك العقول التي صنعت التكنولوجيا التي أخرجت لهم هذه الثروات، وجعلت لها أهمية وثمنًا.
إلهام: ومنذ ذلك الحين وهم يعقدون اجتماعاتهم عبر شبكة الإنترنت، ويطاردون رجال الأعمال العرب، ويتجسَّسون عبر الشبكة على أسرار صفقاتهم وأعمالهم.
أحمد: نعم … وبذلك يصبحون صيدًا سهلًا لهم … فيبتزُّون أموالهم.
لكن من المهم ألَّا ننسى أن فكرة تواجدهم بُنيت على شبكة الإنترنت، فكيف سيتخلون عنها، وبهذه السرعة؟
لم يكمل «أحمد» حديثه فقد شعر كل منهم بوَخْز في رسغه، وبالنظر إلى شاشات ساعاتهم عرفوا أن جديدًا هناك سيُعرض عليهم على شاشات الكمبيوتر.
وفي قاعة المعلومات المركزية التفُّوا جميعًا حول شاشة الكمبيوتر العملاقة، فقد ظهرت في أعلى الشاشة جهة اليمين علامة الشياطين تُضيء وتختفي، ثم أُضيئت الشاشة ليظهر عليها مجموعة لقطات لمحطات أقمار صناعية في أماكن مختلفة من العالم.
وخرج صوت من سماعات الكمبيوتر يقول: هناك حادثة عادية تحدُث في أي مكان في العالم، هي أن يقتحم مجهولون محطة أقمار صناعية … وتكون الدوافع مختلفة. ولكن الغريب هذه المرة أنها وقعت في أكثرَ من دولة على مستوى العالم في وقت واحدٍ.
علَت الدهشة وجوه الشياطين وتبادلوا نظرات الاستفهام، وحلَّقت في سقف الغرفة الكثير من الأسئلة. لماذا محطات الأقمار الصناعية بالذات؟ وما الدافع وراء اقتحامها؟ وما نوع الاقتحام؟ وكيف تم؟ وهل هناك علاقة بين مجموعة الحوادث المتفرقة في وقت واحد؟ ولماذا في وقت واحد؟
كعادتهم حين يجتمعون، فإنهم يشتركون حتى في التأمُّل؛ لذا فقد انتبهوا جميعًا حينما سمعوا «أحمد» يفكر بصوت عالٍ في أقرب الأسباب التي جعلت هذه الحوادث تتم في يوم واحد؛ فهو يرى أنه عمل منظَّم، وأن هناك صلة بين مدبِّري هذه الحوادث؛ فإما أنها صلة مباشرة — أي تخضع لرأس مدبِّر واحد — أو صلة تضامنية، مثل التي جمعت بين أعضاء جماعة «سايبرسبيس».
إلهام: ألا نستطيع أن نربط بين اختفاء جماعة «سايبرسبيس» من على شبكة الإنترنت، وبين هذا الاقتحام لمحطات الأقمار الصناعية؟
ريما: هذا احتمال بعيدٌ جدًّا، وأعتقد أن انشغالك «بشبكة الموت» هو الذي أوجد هذا التصور عندك!
أحمد: لا يا «ريما» … فلا شيء مُستبعدٌ في دنيا الجريمة … فما بالك إذا كان هؤلاء المجرمون هم جماعة ﺑ «شبكة الموت»؟!
عثمان: أعتقد أن ما تقصده «إلهام» هو أنهم يبحثون عن وسيلة أخرى أكثر أمنًا ويُسرًا للاتصال فيما بينهم.
إلهام: نعم هذا ما أقصده.
أحمد: رغم جرأة الفكرة وخطورتها إلا أننا يجب أن نضعها في الحسبان.
إلهام: على كل حالٍ، يجب علينا أن نجمع معلوماتٍ كافيةً عن كل عملية على حدة لتحديد نوع العلاقة بينها، ومعرفة الغرض من الاقتحام، وعلى إِثر صوت إشارة صادرة من جهاز الكمبيوتر، وجَّه «أحمد» جهاز التحكم عن بُعد، فظهر على الشاشة أحد خُبراء المنظمة، يُلقي عليهم تحية المساء، ويخبرهم أن هناك الجديد من الأخبار عن عملية الاقتحام … سوف يعرضها عليهم.
انتبه الجميع، وساد الصمت، ولم يعُد هناك غيره يتكلم.
قال: في مساء الثلاثاء الماضي، تقدم ستةُ رجال من عدَّة دول مختلفة إلى شركة واحدة لها فروع في هذه الدول الستة، للاشتراك في خدمة التليفون المحمول. والملفت للنظر هنا أنهم تقدموا في ساعةٍ واحدة وفي نفس الدقيقة من نفس اليوم.
وهذه الشركة، لها قناة اتصال خاصة، على أحد أقمار الاتصال الأوروبية.
ولهذه القناة وحدات استقبال في كل محطات الأقمار الصناعية التي تعرضت للاقتحام وإلى مزيد من التفاصيل، أترككم على خير … مركز أخبار ومعلومات المقر.
اختفت صورة الرجل من على الشاشة، لتظهر رسالة من رقم «صفر» يطلب منهم محاولة تفسير ما حدث منطقيًّا.
أحمد: إنهم جماعة «سايبرسبيس» يحاولون إيجاد طريقة للاتصال فيما بينهم بديلًا عن شبكة الإنترنت.
رقم «صفر»: وما دليلك على ذلك؟
أحمد: هذه الدِّقة في التوقيت بالإضافة لوجود المبرر المنطقي.
رقم «صفر»: ولنفترض أنهم هم، فلماذا يكون هدفهم وسيلةَ اتصالٍ فقط؟
أحمد: ليس هناك غير ذلك التجسُّس!
رقم «صفر»: لا … هناك التوجيه … أي يكون هدفهم هو التحكم عن بُعدٍ في توجيه جهاز ما أو شيء من هذا القبيل.
أثارت فكرة رقم «صفر» خيال الشياطين وأشعلت فضولهم؛ فبعد إنهاء اتصاله، علت الهمهمة بينهم، وتداخلت الأصوات … وتحولت القاعة إلى ساحة تضم عدة فرقٍ، منهم من يستدعي قناة معينة على شاشة الكمبيوتر ومنهم من دخل في حوار جدلي مع زميله.
وانتبهوا جميعًا إلى «أحمد» وهو يغادر القاعة، وصوت «إلهام» خلفه يعترض على انصرافه قبل إتمام المناقشة. فتدخَّل «عثمان» مُبديًا عدم رضائه عما يحدث … مذكرًا إياهم بروح النقاش للرأي الآخر.
التفت إليه «أحمد» مبتسمًا وهو يقول: أنا لا أنسحب من نقاشٍ، بل أنا ذاهب لإعداد كوب من الشاي شعرت بحاجة إليه.
إلهام: وكوب لي يا «أحمد».
عثمان: وأنا.
أحمد: لا أنتِ ولا هو ولا أنا.
وضحك الجميع عندما رأوه يعود مرة أخرى إلى القاعة، رافعًا يده معترضًا على استغلالهم له … ولكنه لم يكن الأمر كذلك … بل السبب فكرة طرأت على رأسه، جعلته يشخص ببصره فيهم للحظات، حتى ساد الصمت القاعة، ثم قال لهم: ماذا لو تحوَّلتْ أجهزة الاتصال في جيوبنا إلى أجهزة تصنُّت، وأجهزة شوشرة إلكترونية؟ ماذا يحدث لو أن تليفونك المحمول تحول إلى آلةٍ قاتلة؟!
غلب الصمت والترقب على الشياطين وهم يستمعون ﻟ «أحمد» مما ساعده على الاستطراد في أفكاره فقال: تصوروا معي … «عثمان» مثلًا يركب سيارته ويقودها بسرعةٍ ما في مكان مزدحم داخل المدينة، فيسمع إشارة تنبيه من تليفونه المحمول. وعندما يقوم بتلقِّي الرسالة تخرج من التليفون موجات كهرومغناطيسية تُحدِث خللًا في درجة تركيزه … وتختل عجلة القيادة في يده، والباقي أنتم تعرفونه.
وأنا لا أقصد «عثمان» بالذات، فهذا ما أتوقَّع حدوثه مع كل من يستعمل تليفونًا محمولًا ولهم عنده مصلحة … أو لهم معه ثَأْر.
قالت «إلهام» في انزعاج: أتتوقَّع أن يكونوا قد نجحوا في الوصول إلى ما تقوله؟
أحمد: هذا ممكن جدًّا.
إلهام: إذن «بيتر» في خطر!