الفقاعة العملاقة!
شعر «أحمد» بجلبة وبأصوات أقدام تأتي من بعيد، فمسح المكان بعينه، فوجد فقاعة زجاجية كبيرة غير شفافة مقلوبة وقاعدتها مفتوحة، فبحث عن مكان مناسب لها، وطلب من الشياطين الثلاثة مساعدته في زحزحتها إلى هذا المكان وشرح لهم ما ينوي عمله، ثم بحث بين مكونات أحد الروبوتات الملقاة على الأرض، عن مولِّد ليزر، ولكن أصوات الأقدام اقتربت إلى حدٍّ يُنذر بالخطر … فطلب من «عثمان» مساعدته في قلب تلك الفقاعة العملاقة، فلم يتمكَّنا حتى مع مساعدة «إلهام» و«فهد»، فطلب من «فهد» أن يشبك يديه، ثم وضع عليهما إحدى قدميه، ودفع نفسه لأعلى … ليهبط على حافتها، فاهتزَّت بشدة وبقية الشياطين يدفعونها من أسفل لتزداد سعة الاهتزاز مع زيادة اقتراب صوت الأقدام، وزيادة توتر أعصابهم.
وقبل أن تنقلب على فتحتها، كان الشياطين الأربعة يقفون متجاورين في مركز السقوط وعلا صوت اصطدام حافتها بالأرض، فأظلمت الدنيا على الشياطين وهم بداخلها، وساد الصمت، وانقطعت صلتهم بالعالم الخارجي.
عندئذ شعرت «إلهام» بخطورة موقفهم، فهذه الفقاعة لا تسمح بمرور الصوت، معنى ذلك أنهم لن يعرفوا ما يجري بالخارج، وبالتالي لن يستطيعوا تحديد ميعاد خروجهم. هذا بالإضافة إلى أنها لا تسمح للهواء بالمرور، معنى هذا أن كمية الأكسجين حولهم لن تكفيهم إلا لدقائق معدودة. وعندما همَّت أن تصرح بذلك للشياطين قال لها «أحمد»: أعرف ما يدور في ذهنك، وأنا أشعر بسخونة الجو هنا، ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر، فلا يمكن أن نفِرَّ ونترك كثيرًا من الألغاز هنا لم تُحل.
وعلا صوت اصطدام أجسام معدنية بجدار الفقاعة، فقال «عثمان»: لقد وصلوا وهم يبحثون عنا الآن.
ازداد الجو سخونة … وبدأ الأكسجين يقل داخل الفقاعة، فقد شعروا بالدقائق تمر بطيئة، والكل ينظر ﻟ «أحمد» في انتظار قراره. فما كان منه إلا أنه قال: إذا وصلَتِ الأمور إلى درجة الموت اختناقًا، فسأفضِّل وقتها تسليم أنفسنا لهم.
وفي هذه اللحظة … مرَّ شعاع ليزر بجوار رأسه ليثقب الفقاعة مرتين، وهو داخل، ثم وهو خارج.
مما أعطى فرصة للشياطين ليسمعوا ما يدور بالخارج، وقد كان هناك نقاش حول وجود هذه الفقاعة في هذا المكان، وهل كانت مقلوبة هكذا؟ وعن احتمال وجود الشياطين تحتها، ومر شعاع ليزر آخر في منتصف الفقاعة، فأشار «أحمد» لهم أن ينبطحوا أرضًا قبل مرور المزيد من الأشعة.
ولولا الظلام حولهم لاكتشفَتْهم الأعين التي كانت تتلصَّص عليهم من خلال الثقوب، وصدر أمرٌ للموجودين بإبعاد الفقاعة فورًا من المكان.
وجلس الشياطين القرفصاء ينظرون ما ستُسْفر عنه اللحظات القادمة، و«أحمد» يعد مولد الليزر الذي خلعه من أحد أجهزة الروبوت، ليستخدمه كسلاح للدفاع عنهم. وبالثقوب المنتشرة على جدار الفقاعة، بدأ رجال العصابة يثبِّتون خطافات حديدية استعدادًا لرفعها، وكان «أحمد» كلما ثبتوا خطافًا … سلط حوله شعاع ليزر … فيلين الجزء المحيط بالخطاف، وهكذا فعل مع كل خطاف. وحينما همَّ رجال العصابة برفع الفقاعة، انفلتت كل الخطافات من الثقوب؛ لأنها لم تجد حافةً تتشبَّث بها.
وسمع الشياطين أصوات جلبةٍ ونقاشٍ حاد، فعرفوا أن صبرهم قد نفد وهناك احتمال أن يتصرفوا بحماقة، ولكن ما حدث كان عكس ذلك … فقد انصرفت المجموعة كلها، وتأكد «عثمان» من ذلك من خلال أحد الثقوب. وبعد التأكد من عدم وجود أحد سلط «أحمد» شعاع ليزر على جدار الفقاعة ورسم به دائرة كبيرة، ففتح فتحة باتساعها، بالكاد تكفي لخروجهم فرادى.
وبالفعل خرج الشياطين تتقدمهم «إلهام»، ولم يتبقَّ منهم أحد بالداخل إلا «أحمد» الذي سمع صوتَ مَنْ يقول للشياطين: أهناك المزيد بالداخل؟
وفي سرعة قال الثلاثة: لا.
الرجل: إذن ارفعوا أيديكم مستسلمين.
ثم نادى على رجل معهم يُدعى «مايكل» فأمره بتفتيشهم، ثم وضع القيود في أيديهم إلا أن طريقة حديث الرجل لم تعجب «إلهام». فانتظرت حتى وجَّه لها الحديث، وأصبحت عيناه في عينيها، فنظرت خلفه وابتسمت، كأن هناك مَن يحميها، فدفعه فضوله وخوفه للالتفات خلفه، فعاجلته بضربة قوية أسقطت المسدس من يده بجوار «فهد» الذي ركله بعيدًا، وهنا خرج «أحمد» من الفقاعة، موجهًا بندقية الليزر إليهم، طالبًا منهم التسليم. ورغم أنه قبض عليهم جميعًا إلا أنه كان يعرف أنها ليست آخر المعارك، فالعمل يتم تحت رقابة إلكترونية دقيقة، وهناك من يتابع ما يحدث دون تدخُّل، ولكن يملك التدخل وقتما يريد.
كان عليه اتخاذ قرار سريع لتأمين المجموعة من جهة، والوصول إلى حل لغزِ هذا المعمل والقبض عن طريقه على «سايبرسبيس» من جهة أخرى. ولم تكن لديه قاعدة أفضل من الفقاعة الزجاجية، التي قاد إليها مجموعة رجال المعمل، وتركهم في حراسة «فهد» الذي سد بهم الفتحة الكبيرة التي دخلوا منها، وجلس على الأرض موجهًا مسدسه إليهم، وبصعوبة تحرَّك بين شظايا وحطام أجهزة الروبوت التي كانت مُلقاة على أرض المعمل، ومن خلفه «إلهام» و«عثمان» وفي ذهنهم هدف واحد، هو معرفة ما بالأنبوب العملاق، قبل التفكير في استدعاء «سايبرسبيس».
لم يكن الأنبوب محاطًا بأية أجهزة تأمين أو حراسة ظاهرة، ولكن الحذر دفع الشياطين للتأكد من عدم وجود حوائط إلكترونية أو ستارة مَوْجية، تنصح مَنْ يخترقها، فأخرج «عثمان» كرته الجهنمية، وأطلقها لتصطدم بالأنبوب وتعود دون حدوث أي رد فعل.
إلا أن هذا لم يكن مؤشرًا لعدم وجود هذه الستائر، بل من الممكن أن يكون عملها متوقفًا على الاصطدام بأجسام بشرية، أو خلايا حية … أو أي أجسام معدنية … وكُرة «عثمان» لا هذا ولا ذاك، بل هي من المطاط الخالص … فتبادل الشياطين نظرات متسائلة عمن سيُقدم على ذلك الاختبار، وهل من الصواب القيام به؟ ودارت برأس «أحمد» فكرة لم يستطعِ التخلص من إلحاحها عليه، فقرَّر أن يصارح بها «إلهام» و«عثمان» فلوَّح لهما ببندقية الليزر، مما دفع «إلهام» لرفع صوتها في انزعاج قائلة: لا يا «أحمد» … فقد يكون به غازات قاتلة، أو أجسام مشعَّة.
عثمان: لا أظن ذلك.
ثم التفت إلى «أحمد» قائلًا: نفِّذ يا «أحمد».
إلا أن «أحمد» رأى أنه قد لا يجانبه الصواب في قراره، بما قد يسبب كارثة دون أن يقصد، فآثر العودة للبحث عن البرج الذي حملهم لهذه القاعدة، وقد كان الوصول سهلًا حيث تتبَّع شظايا أجهزة الروبوت، ورأى عن بُعدٍ شابَّين متطابقي الطُّول والحجم، يدخلان من باب المراقبة لهم. فشعر أن البرج سيتحرك، فطلب من «عثمان» العودة للبقاء مع «فهد»، ولحق هو بالبرج ومن خلفه «إلهام». ولسهولة دخوله البرج وخروجه منه ظن أنه مراقب، وأن هناك من أعطاه الفرصة للتحرك بحرية للوصول إلى هدفٍ ما.
لكن لم يعبأ كثيرًا بذلك، بل قرَّر استخدام أول سيارة يقابلها.
وقد كانت هناك سيارة شيروكي تتبع المقر، فقفز فيها ومن خلفه «إلهام» وانطلق يقطع الطريق إلى «نيوشاتيل» حيث يقع نادي «إيجل كلوب» على قمة جبل «فاسرنجرات»، ولاحظ عن بُعدٍ سيارة تتبعهما فشعر بسعادة شديدة، ونشاط يدب في أوصاله، فها هو مُقدم على الاحتكاك المباشر ببشَرٍ؛ فقد سَئِم صراع الآلات. وحتى لا يلفت نظرهم إلى أنه لاحظهم لم يغيِّر من سرعة سيارته، ولكن انحرف مع أول منحنًى قابله، ثم نظر اشتباك فروع بعض الأشجار الكثيفة الخُضرة، واندفع فيما بينها، وأوقف موتور السيارة ونزل منها يقفز على أصابعه كراقصي الباليه، ومن خلفه «إلهام» لا تقل عنه مهارة.
وتابعا السير إلى أن وصلا إلى الطريق الرئيسي فافترقا … كلٌّ في جانب … ولمحا عن بُعد السيارة التي كانت تتابعهما تقترب بسرعة، فاتَّخذا من شجرتَين متقابلتين موقعًا للانقضاض … وحين أصبحت السيارة في مركز سقوطهما، هبطا كالصاعقة على مَنْ بالسيارة، وبعد صراع قصير … كادت فيه السيارة أن تصطدم بإحدى الأشجار، استسلم من بها، وكانت المفاجأة المثيرة لهما أن الشابَّين توءَمان، وعلى الجانب الأيمن من الطريق، انحرف «أحمد» بالسيارة متوقفًا، وبدأ استجوابهما وبالطبع لم يدليا بمعلومات مباشرة، ولكنه استطاع أن يصل إلى كل ما يهمه وما يريده بسهولة.
وعرف أنهم سيدَعونهم يتحركون بحرِّيةٍ … حتى يصلوا إلى كل مَنْ خلفهم ويحركهم، وفي هذا الوقت فقط سينقضُّون عليهم، فدفع هذا الكلام «إلهام» أن تتصل ﺑ «فهد» و«عثمان» لتطمئنَّ عليهما. في الوقت الذي حاول فيه «أحمد» عن طريق الكمبيوتر الخاص به أن يتصل ﺑ «بيتر» على شبكة الإنترنت أيضًا للاطمئنان عليه، ولمعرفة الجديد لديه؛ فعرف منه أن أخوَين له في مصر قد دعوَاه إلى قضاء إجازته الصيفية بين أحضان الطبيعة والآثار وأجمل شواطئ الدنيا، وأنه وافق من حيث المبدأ فسأله عن جماعة «إس. إس» أو «سايبرسبيس»، وإن كانت هناك رسائل أو اتصالات بينهم عبر الشبكة، استطاع «بيتر» الدخول عليها في الفترة الأخيرة، فعرف منه أنهم عقدوا اجتماعًا أطلقوا عليه «الأخير» على الشبكة، واتفقوا فيه على استدراج الصيد للثلاجة، وأنه لم يستطعْ تخمين مَنْ هو الصيد؟ ولا ما المقصود بالثلاجة؟ … هنا فقط عرف «أحمد» أن استدراجهم للفيلَّا كان مخططًا له.
أيضًا أخبره «بيتر» أن هناك حادثًا ما أو مناسبة هامة لهم، سيجتمعون لأجلها فيما يسمى ﺑ «التاج».
وكانت هذه آخر معلومة يبثها «بيتر» قبل أن ينتهي اللقاء بينهما، وقد تركت «أحمد» في حيرة وتحفُّز، وأصبح من المهم معرفة أين سيجتمعون؛ فهو لا يعرف ماذا يعنون ﺑ «التاج»!
وما المناسبة التي سيجتمعون لأجلها؟ وهنا شعر أنه يحتاج ﻟ «إلهام» … فعاد إليها وكانت تحرس التوءمين فطلبت منه تقييدهما، ثم سألته عما تم فحكى لها، فرأت أن المقصود بالتاج، هو مكان يجتمع فيه الصفوة، أما المناسبة … فلها أكثر من تفسير، الأول … القبض عليهم، والثاني … الانتهاء من «بيتر». أما الثالث … فهو احتمال إزاحة الستار عن عمل علمي ضخم أو اكتشاف أو اختراع أو نجاح تجربة!
أحمد: إذا كان الأمر كذلك … فأنا أرجح التفسير الثالث.
إلهام: نجاح تجربة؟
أحمد: نعم.
إلهام: لقد دمَّرنا لهم المعمل.
أحمد: إلا أضخم أنبوبة اختبار.
إلهام: تقصد أنها أهمُّ ما في العمل؟
أحمد: إن كل ما في المعمل يخدُمُها، ويكفي المستوى غير العادي لأجهزة حمايتها!
إلهام: وماذا يكون داخل هذا الأنبوب؟
أحمد: أحدث ما توصلت إليه الهندسة الوراثية.