الاختطاف!
كان التوءمان مقيدَين في الكابينة الخلفية للسيارة، و«أحمد» جالس أمام عجلة القيادة وبجواره «إلهام»، وكان الحديث متصلًا بينهما، ولم يمسَّ مفتاح التشغيل أو عصا تغيير السرعة … ولم تلمس قدماه غيرَ الدواسة. ومع ذلك تحركت السيارة، وسط دهشته هو و«إلهام». ولم يظهر على وجهي التوءمين أي رد فعل، مما يدل على أن ما حدث ليس جديدًا بالنسبة لهما، ولم يقف الأمر عند مجرد تحركها فقط، بل إنها انحنت عند أول منعطف بمهارة، وتفادت أكثر من عائق بسلاسة، وكأنَّ من يقودها سائق ماهر. وهنا صاحت «إلهام» قائلة: التوجيه عن بُعد … وحوادث اقتحام محطات الأقمار الصناعية، أليس كذلك؟
أحمد: المهم إلى أين نحن ذاهبون؟
إلهام: هل عجلة القيادة معطَّلة؟
أحمد: حتى ولو كانت تعمل … فلن أغير اتجاهها.
إلهام: هل تظن؟
أحمد: نعم.
والتفت خلفه يسأل التوءمين، فلم يُجب أحدٌ منهما، فسأل «إلهام» عما يمكن عمله؟ — وكانت هي الأخرى مندهشة لما يحدث — فطلبت منه أن يختبر عجلة القيادة … فلم يجد لها علاقة بالسيارة، وتحت سفح جبل «فاسرنجرات» توقَّفت. ومن خلفها تحركت سيارة أخرى كانت تختفي بين الأشجار، حتى جاورتها؛ فنزل منها التوءمان مما جعل «إلهام» تنظر إلى «أحمد» وتبتسم.
وانتبهت على صوتِ باب السيارة يُفتح، وأمرٍ يصدر لها بالنزول هي ومَنْ معها، وبعد مسيرة عشرة أمتار، ظهرت طائرة هليكوبتر كانت تختفي أيضًا بين الأشجار فدُفع فيها الشيطانين دفعًا، وأُغلق خلفهما الباب.
وكان يجلس أمام عجلة القيادة شابان، ما إن التفتا إليهما حتى بهَتا، فقد كانا التوءمين.
فتساءل «أحمد» قائلًا: ألم نصعد وحدنا؟
إلهام: نعم.
أحمد: ألم يقودانا حتى باب الطائرة فقط؟
إلهام: نعم.
أحمد: فما الذي أتى بهما إلى هنا؟!
إلهام: أتظن أن هناك موجات كهرومغناطيسية تؤثر على تركيزنا ووعينا؟
أحمد: هذا يتطلب أن تضعِي جهازًا بجوار جمجمتك؛ ليكون التأثير مباشرًا على المخ.
إلهام: مثل التليفون المحمول؟
أحمد: نعم.
بعد أن صعدت الطائرة، دارت دورة واسعة حول قمة جبل «فاسرنجرات» أحد جبال القمة البيضاء. كان المنظر رائعًا من أعلى، إلا أن «أحمد» لم يستمتع به طويلًا ففي رأسه آلاف الأسئلة. فلماذا يتركه مختطفوه هو و«إلهام» بلا حراسة؟ … أليس في مقدروهما الآن الانقضاض عليهما، واختطاف الطائرة؟! وحين سأل مختطفَيْه هذا السؤال أجابه أحدهما قائلًا: وماذا بعد الاختطاف؟ وإلى أين سنقود الطائرة؟ إنها مجهَّزة للتوجيه عن بُعد، إذا تعرضت للاختطاف.
أحمد: وإن طلبت منك تحت تهديد السلاح تغيير مسارك؟
القائد: تحت أمرك، ولكن إلى أين؟
فأخرج سلاحه وقال له: إلى نادي «إيجل كلوب».
فقال القائد مبتسمًا: نحن بالفعل ذاهبون إلى هناك.
ومن بين قمم الجبال … رأى «أحمد» قطار الكابل الصلب (التلفريك) يصعد إلى قمة الجبل، ويدخل في محطة معدَّة له، فطلب من قائد الطائرة إنزاله عليها.
فاعترض الرجل قائلًا: رجالنا في كل مكان على سفح الجبل، ولن تُفلت منا، ابقَ معي إلى نهاية الرحلة ولن تندم، وها نحن قد وصلنا. وعلى «باب النادي» كان مستر «كول» يقف منتظرًا «أحمد». وبمجرد هبوطه من الطائرة، توجَّه إليه فاتحًا ذراعيه فاحتضنه، و«أحمد» يجاريه في كل ما يفعل، ثم سار معه ليقدمه إلى مجموعة من الرجال شديدي الأناقة وتبدو عليهم الفخامة، وقد لاقت «إلهام» ترحيبًا شديدًا، وأحاطت بها نظرات الإعجاب، مما دفع «أحمد» لأن يعجِّل بسؤال مستر «كول» قائلًا: ما الذي يحدث مستر «كول»؟!
كول: لا أفهم مستر «زايد»، هل أنت غير مرتاح في «أنماس»؟ دعنا … نبحث لك عن مكان آخر … وليكن بجوارنا هنا على أطراف «نيوشاتيل».
شعر «أحمد» أن الرجل صادقٌ في كلامه، وأنه لا يعرف شيئًا عما يتم، فلم يوضح له شيئًا عما يحدث في الفيلَّا، ولكنه سأله عن طريقة إحضاره إليهم قائلًا: لقد أتينا مختطَفين.
كول: كيف؟ تقصد احتياطات الأمن الزائد؟ ثم أكمل قائلًا: مستر «أحمد» … أنت رجل مال، وهذا يدفع البعض للتصرف بشكل غير لائق، ونحن علينا أن نحميك من كل هذا. وخزت الساعة في رسغ «أحمد» فلم يستطع التصرف، رغم أنه يعلم أن هناك رسالة له، فأكمل حديثه مع مستر «كول»؛ إلا أن وخز الساعة ازداد بشكل ينبئ عن أن الرسالة عاجلة وملحَّة.
فطلب الذهاب إلى دورة المياه، بعد أن أشار ﻟ «إلهام» ليخبرها عن الرسالة، فجلست متوترة تنتظر عودته لتطمئن إن كان هناك خطر أم لا، إلا أن حيرتها ازدادت بعد عودته … فقد كان هادئ القسمات؛ مما لا يدل على أن هناك شيئًا هامًّا، ولولا أنها تعرف حكمته وقوة أعصابه؛ لصدقت ما تقوله ملامحه … لذا فقد ظلت متوترة، حتى استطاعت أن تنفرد به وتسأله عن الرسالة. فعرفت أنها من «فهد»، وأنه يحتاجهم معه هو و«عثمان»، وقد كانت الرسالة عاجلة ولم يوضح فيها موقفهم الحالي.
ورغم انشغالهم بالرسالة إلا أنهم لاحظوا أن أعضاء النادي ينسحبون فُرادى، حتى مستر «كول» اختفى فجأة ولم يعُد له وجود.
ولم يتبقَّ غيرُهما والحارسان الواقفان على بوابة النادي الرئيسية والبوابة الأخرى مغلقة، فآثر أن يسألهما عما يحدث، فدفعاه للداخل ولم يجيباه عن شيء، ومن هنا نبتت فكرة استخدام العنف معهما، فقد خرجت إليهما «إلهام» تحاول مغادرة النادي، وحين حاول أحدهما دفعها، رآها تطير في الهواء، ولم يشعر بعدها إلا وهو ملقًى على ظهره على بُعد أمتار كثيرة، وزميله يتأوَّه بين يدي «أحمد» وعلى زلَّاجات الجليد جلسا، ثم دفعا الأرض بالعصا، وهبطا منحدرًا جليديًّا أسفل النادي، حتى أصبحا على قارعة الطريق، فأسلما ساقَيهما للريح، حتى سمعا صوت سيارة تقترب منهما، فأشارا لها إلا أنها لم تتوقف، وحاولا مع غيرها وغيرها، فلم يجدا بدًّا من العودة للجري مرة أخرى، إلا أن سيارة فاخرة سارت بجوارهما، وعرضت عليهما سائقتها أن توصلهما؛ كانت فتاة خمرية اللون، ذات ملامح صينية، وتعجبت «إلهام» لذلك، فالصين دولة شيوعية، ولا يعيش أبناؤها حياة البذخ هذه، فما الذي أتى بهذه إلى «سويسرا» وأركبها هذه السيارة؟! ولم تتحادث مع نفسها كثيرًا، فقد قررت الركوب معها، وبالطبع تبعها «أحمد» مضطرًّا مُحترمًا لقرارها، فالتفتت إليهما الفتاة مبتسمة، ولم يسعدهما الحظ برؤية ابتسامتها طويلًا … فقد دخلت السيارة في نفَق مظلم وغابت فيه لفترة بين ترقب «إلهام» وتحفُّز «أحمد».
إلا أنها خرجت إلى النور مرة أخرى، ولكن بعيدًا عن «نيوشاتيل».
وشعر «أحمد» أنه يريد أن يفهم ما يحدث، فسألها إن كانت تتحدث الإنجليزية؟ فوجدها تتحدثها بطلاقة … فسألها عن ذلك النفق الذي عبروه، فلم يكن به غيرهم، وقد كان مظلمًا مما يدل على أنه لا يُستعمل إلا لأغراض معينة.
فقالت الفتاة: أنا لا أعرف شيئًا عن ذلك، فكل ما أعرفه أنه موجود منذ فترة، ونحن نستخدمه لاختصار الطريق.
أحمد: أنتم مَنْ؟
الفتاة: نحن أهل المنطقة.
أحمد: وهل أنتِ من أهل المنطقة؟
الفتاة: لا … لقد أتيت للعمل.
أحمد: في أحد الفنادق؟
الفتاة: لا في نادي من الأندية المتميزة.
إلهام: إيجل كلوب؟
الفتاة: نعم.
أحمد: مع مستر «كول»؟
فترددت الفتاة قليلًا قبل أن تجيب، ثم قالت في حذرٍ: نعم.
أحمد: ولما تتحرجين من الإجابة؟ … أهي أسرار؟
الفتاة: أظن ذلك، فهو معروف لدينا باسم مستر «فولف»، لكني سمعت من يناديه ذات يوم باسم «كول» في أحد اجتماعاتهم بفندق القصر، ولم أرَ هذا الرجل مرة أخرى وقد سمعت أنه قُتل.
«إلهام» في دهشة: قُتل لأنه ناداه باسم «كول»؟!
شعرت الفتاة أنها انزلقت إلى الحديث عن أسرار يجب عدم البوح بها، إلا أنها — وتحت إلحاح الشياطين — أكملت قائلة: لقد كان الاجتماع مع مجموعة من الرجال من إحدى الدول العربية، ومن المفروض أن هناك صفقة ما ستتم بينهم، إلا أن مستر «كول» عرف أن هناك من حذَّرهم من التعامل معه، فالتقى بهم في الفندق تحت اسمه المعروف به هنا «فولف»، وطلب من جميع موظفيه عدم ذكر اسمه الحركي أمامهم، وفي الفندق — وهم مجتمعون — سمع أحد موظفيه الكبار يناديه ﺑ «كول» فلم يلتفت إليه إلا أنه بعد فترة كرَّرها ثانية، وناداه بنفس الاسم، وحينما لم يلتفت إليه … اقترب منه، وربَّت على كتفه يناديه ﺑ «كول»، وبعد ذلك ظهر على ضيوفهم من العرب عدم الارتياح، وعرف أنهم لن يتمُّوا صفقتهم معه، وشك في هذا الموظف الذي حاول الهرب أثناء الاجتماع، لكنهم ضيقوا عليه الخناق، ولم يعطوه فرصة للخروج. وفي آخر السهرة وبعد أن انفض الاجتماع، قادوه إلى المستعمرة … وقتلوه.
أحمد: المستعمرة التي في قرية «أنماس»؟
ولم تُجب عليه الفتاة، وحاولت أن تكتفي بما قالت، إلا أنها كانت قد فتحت عنده ألف طريق لألف سؤال.
فسألها قائلًا: ولماذا يقتلونه في المستعمرة، ولم يفعلوها هنا بين الجبال مثلًا؟
الفتاة: لكي يستجوبوه.
أحمد: وبالطبع لن يجيب بسهولة عما يريدون معرفته، ويستخدمون معه أساليب مختلفة لإقناعه.
الفتاة: هذا ممكن!
نظرت «إلهام» نظرة عميقة، وكأنها فهمت ما يدور في ذهنه.
قالت له باستنكار غير مصدقة: الأنبوب العملاق؟
أحمد: نعم.
إلهام: يحتفظون بجثة في محلول ما؟
أحمد: أو يحتفظون به حيًّا مع آخرين، ولكن بعد حقنه بعقار ما يدخله في غيبوبةٍ دائمة، ويستفيدون بجسده وأعضائه في أبحاث الهندسة الوراثية.
إلهام: أو تجارة الأعضاء.
وهنا … نظرت إليهما الفتاة في فزعٍ.
مما دفع «أحمد» لأن يسألها قائلًا: إنه نشاط المنظَّمة التي تعملين معها أليس كذلك؟
الفتاة: أنا لا أعمل مع منظَّمات.
إلهام: ولماذا إذن تحمليننا إلى «أنماس»؟
الفتاة: إنه طلب مستر «كول».
«أحمد» مندهشًا: إذن فقد كان يعرف أننا سنهرب؟!