الانفجار الرهيب!
شعر «أحمد» أن الطريق إلى «أنماس» يستعدُّ لاستقبال حدَث خطير، فعلى جانبي الطريق وقفت سيارات المراقبة، وخلف عجلات قيادتها يجلس سائقوها في حالة استعداد؛ ممسكين بأجهزة اتصال حديثة، ومن فوق السيارات طائرات الهليكوبتر تمسح المنطقة ذهابًا وإيابًا.
فعبَّر عن دهشته ﻟ «إلهام» قائلًا: إن جماعة «سايبرسبيس» لهم نفوذ كبير!
قالت «إلهام»: والحدَث الذي سيقع الليلة وضحت أهميته من هذه الاستعدادات، وعلينا الآن — وليس بعد الآن بدقيقة — أن نأخذ وضع الاستعداد للانقضاض.
أحمد: معك حق، وسأقوم بالاتصال ﺑ «فهد» و«عثمان» للتنسيق معهما. وعندما همَّ بالضغط على زرِّ الاتصال بساعة يده، شعر بها تَخِزه في رسغه، فعرف أنها رسالة من المستعمرة … وعليه تلقِّيها، وكانت تقول: اللآلئ كلها في العقد، نحن لسنا بين أيديهم، ولكننا تحت أعينهم.
سأله «أحمد»: وماذا عن البرج؟
قال «عثمان»: إنه مفاجأة الليلة، واتفقا سويًّا على فتح قناة اتصال بالشفرة بينهما لإدارة العملية كلٌّ من موقعه. وكان هذا يتطلب عدم اقتراب «أحمد» أو «إلهام» من المستعمرة أكثر من ذلك؛ ليكونا بعيدين عن مرمى النيران المباشر لأعوان «سايبرسبيس»، وكانت هذه مهمة «إلهام»، التي اقتربت من الفتاة الصينية إلى حدِّ الالتصاق، ثم قالت لها بلغة إنجليزية بارعة: أنا فتاة مثلك، وسأسْدِي لكِ في هذه الظروف الحرجة نصيحة، فهل تسمعينها مني؟
فتظاهرت الفتاة بالسذاجة، وأجابت وهي تومئ برأسها قائلة: نعم.
قالت «إلهام»: أنا عضوة منظمة، ومحترفة لأكثر من رياضة من رياضات الاشتباك، وإذا أردت أن ألقيكِ من السيارة وهي سائرة … فسأفعل.
ولم تُكمل «إلهام» حديثها، فقد انحرفت بالسيارة في زاوية ضيقة للغاية حتى كادت تنقلب بهم، في الوقت الذي سددت فيه ﻟ «إلهام» ضربة بسيف يدها، أطاحت بها من على مقعدها، إلى المقعد الخلفي، ثم دارت بالسيارة حول نفسها أكثر من دورة، وبسرعة كبيرة فلم تتمكن «إلهام» ولا «أحمد» من حفظ توازنهما، فطارا من السيارة … غير مصدِّقَين لما حدث.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل جعلت تدور بالسيارة حولهما محاولة صدمهما، ولولا رباطة جأش «أحمد» لوقع هو و«إلهام» أمام السيارة. إلا أنه رأى أن ما تفعله سيكون من مصلحتهما، لكي تنشغل هي بمطاردته، فيعطي بذلك فرصة ﻟ «إلهام» للتدخل وإنهاء الصراع لصالحهما.
فاستجمع «أحمد» كل قواه وأسلم ساقيه للريح، ومن خلفه سيارة الفتاة الصينية تزمجر وصوت فراملها يعلو على صوت محركها. وما لم تحسب له حساب، هو تسلقه لأحد الأشجار في سرعة ومهارة أدهشتها، حتى إنها لم تستطع عرقلته قبل الوصول إلى قمَّتها. وفي هذه اللحظة كانت «إلهام» قد حسبت حساباتها، فجرت في اتجاه السيارة … حتى أصبحت أسفل الشجرة القاطن فوقها «أحمد». وهنا نزلت الفتاة من السيارة، ووقفت تستعد للانقضاض عليها، ومظهرها يوحي بأنها إنسانة ذات قدرات خاصة، مما أثار لدى «إلهام» رغبة عارمة في الاشتباك معها، وردِّ ما فعلته فيها.
رأى «أحمد»، الذي كان يتابع الموقف من مخبئِه، ألا يتدخل إعمالًا لمبدأ تكافؤ الفرص من جهة. ومن الجهة الأخرى … لاحظ أن هناك من يترقب نتيجة ما يدور، دون تدخُّل، مما يعني أنهم واثقون في قدرات هذه الفتاة، وينتظرون انتهاء المعركة للقبض عليها، وعلى مشط قدمها دارت «إلهام» أكثر من مرة، وفي كل دورة ترسل قدمها الأخرى قذيفة لتطيح بالفتاة، حتى أصابها الإعياء وآثرت الاستسلام لها.
وهنا هبطت طائرة هليكوبتر كانت تحلِّق في سماء المنطقة بالقرب منهما، وخرج رجل يأمر «إلهام» بحمل الفتاة إلى داخلها، فانحنت «إلهام» لتحملها، وسارت بها بضع خطوات وهو من خلفها يسير في حذرٍ، شاهرًا مدفعه الرشاش، ومن أعلى الشجرة هبط عليه «أحمد» كما تهبط الصاعقة من السماء، وقبل أن يطلق النيران من مدفعه، أطلق «أحمد» قدمه قذيفة قوية ليسقط المدفع من يده، ثم ضربة أخرى قوية، فأطاح به بعيدًا وانشقت الأرض في هذه اللحظة عن مجموعة من الرجال يجرون في اتجاههم، وقبل أن يصلوا كان هو و«إلهام» والفتاة يحلِّقون فوقهم بالطائرة. وقبل أن يُفيقوا من ذهولهم، حصدتهم نيران مدفع «أحمد». والفتاة الصينية تراقب ما يحدث في دهشة وذهول … رغم ما بها من إعياء؛ فطلب منها «أحمد» أن تدلَّهم على طريق المستعمرة، وهدَّدها إن راوغَتْهم فليس لها إلا الموت.
قبل أن تجيب … لمح «أحمد» البناء الأنبوبي الذي يكمُن به بعض الأشخاص في المستعمرة … يظهر عن بُعد، فتمنَّى لو كان معه في هذه اللحظة «فهد» و«عثمان» لتمكَّن وقتها من تدميره، والقبض على كل مَنْ بالمستعمرة، ورأى أن يناقش هذا الأمر مع «إلهام»، ولكن الوقت لم يمهله؛ لذلك فقد سمع عن بُعد أزيز طائرة هليكوبتر تلاحقه، فطلب من «إلهام» الاختفاء في قاعدة الطائرة ومعها المدفع الآلي.
ودار حول المكان أكثر من دورة وكأنه يستكشفه، حتى لحقت به الطائرة الأخرى وطلب منه قائدها التسليم، فأطلق عليه رصاصتين من مسدس، فهبط بالطائرة لأسفل، ودار بها دورة واسعة، عائدًا إليه مرة أخرى، وسيلٌ من نيران مدفعه ينهمر على «أحمد» الذي أخرج منديله من نافذة الطائرة يطلب الأمان، ثم هبط وخلفه الطائرة الأخرى لتقف بعيدًا عنه بمسافة كبيرة.
وانتظر قائدها حتى هبط «أحمد» منها رافعًا يديه، فنزل هو الآخر وفي يده مدفعه، والآخر مال عليه يفتشه، وبمهارة شديدة خرجت «إلهام» من مكانها، وصوَّبت مدفعها إليه.
وبطلقة واحدة … أردته قتيلًا، وأصبح لديهما طائرتان، في نفس الوقت الذي اجتمع فيه كل أعضاء الجماعة «سايبرسبيس» في المستعمرة، ومعهم مستر «كول»، وبعض من أقطاب عصابات المافيا.
كان المعمل قد استعدَّ لهذا الحدث الجلَل الذي لا يعرف عنه «فهد» شيئًا.
فهو يراقب ما يحدث به، من مَخبئه في هيكل إنسان آلي.
كانت سعادته غامرة، حين وخزت رسغَه ساعةُ يده، وتلقَّى رسالة «أحمد» وعرف منها ما حدث.
فاتفق مع «عثمان» أن يستغلَّا وجود كل العاملين بالمستعمرة في المعمل لحضور لحظة الإعلان عن مفاجأة الحفل فخرجا من مخبئِهما، يجمعان ما يلزمها من أسلحة.
وحول المعمل … زرعا الكثير من الألغام المعدَّة للتحكُّم عن بُعد.
وأدمجا دائرة تليفزيونية مغلقة بأجهزة الاستقبال المحلية للمستعمرة، وبسرعة البرق، وفي مهارة الفهود تسلَّلا وسط زحام العمال خارجين منها.
ولم يصدقا أنهما حُرَّان، فأطلقا ساقَيهما للرياح، حتى ابتعدا بالقدر الكافي.
وفي ظل شجرة توقفا، وقام «عثمان» بالاتصال ﺑ «أحمد»، الذي اتخذ قراره بالهبوط بعد ما شرحوا له ما حدث، ومن خلفه هبطت الطائرة التي تقودها «إلهام».
عن طريق أجهزة الاستقبال الخاصة بهم، والمزودة بشاشة تليفزيونية، شاهدوا المعملَ، وكلَّ ما يتم به.
وكان ميعاد إزاحة الستار عن مفاجأة الحفل قد اقترب؛ فساحة المعمل تعجُّ بالرجال.
وفي دائرة واسعة تحيط بالبناء الأنبوبي العملاق، اصطفَّت المقاعد، وقد امتلأت عن آخرها، عدا الصفوف الأمامية، والتي رأى «أحمد» أنها مُعدَّة لجماعة «سايبرسبيس» وزعماء المافيا.
لم يمضِ وقت طويل، حتى دبَّ في القاعة نشاط غير عاديٍّ.
ونهض كل الجالسين يقفون احترامًا لمجموعة من أكثر الرجال أناقة، وقد كان بينهم مستر «كول».
علق «أحمد» قائلًا: التاج اكتمل، ولدينا كل اللآلئ.
قال «فهد»: هل سنضرب ضربتنا الآن؟
إلهام: لا … بل ننتظر حتى نرى مفاجأة الحفل، وكان هذا رأي المجموعة كلها.
أمام الجميع، وقف مستر «كول»، ممسكًا بمكبر صوت، يحيِّي فيه كل الموجودين، ويخصُّ بالذكر جماعة «سايبرسبيس» التي موَّلت هذا المشروع العملاق، الذي يعتبر من أعظم نتائج أبحاث الهندسة الوراثية.
ويثني على رجال عصابات المافيا الذين قدموا عونًا كبيرًا لهم، وسهَّلوا لهم الكثير من المهام.
ولكن فجأة، توقف عن الكلام، ونظر للواقفين حوله في قلقٍ.
وانطلقت من بينهم رصاصتان، سقط على إثرهما صريعًا.
وعمَّت الجلبة المكان، وشعر «أحمد» أن الأمر سيخرج من بين أيديهم، وعليهم التصرف قبل هروب «سايبرسبيس» منهم، فخاطبهم عبر أجهزة اللاسلكي، فتردد صوته بين جنبات القاعة، عن طريق نظام صوتي خاص يقول: أرجو أن يلزم كلٌّ منكم مكانه في هدوء، فبيننا حدَث هام.
وكانت هذه الكلمات سببًا في الحيرة والفزع في نفوس كل الموجودين، وهموا في الانصراف من المكان، إلا أنه هددهم أن في هذا ضررًا لهم. فلم يستمع أحد لما يجري، فما كان من «عثمان» إلا أن فجَّر لهم أول لغمٍ في المعمل حتى يصدقوا تهديدهم.
فلم يدفعهم هذا إلا إلى مزيد من الفوضى والتزاحم على ترك المكان.
رأى «أحمد» أن ينتظروهم عند منفذ الخروج، ليصطادوهم تباعًا حسب ترتيب خروجهم.
إلا أن انتظارهم طال ولم يخرُج أحد فثارت ثائرتهم، وأمرَهم «أحمد» أن يفجِّروا كل الألغام التي زرعوها في المعمل، وانطلقت أصوات الانفجارات المتتابعة، وتحوَّل المعمل إلى جحيم، وارتجَّت الأرض فجأة تحت أقدام الشياطين، حين انفجر البناء الأنبوبي، وارتفعت في سماء المنطقة ألسنة اللهب وسُحب الدخان، وتناثرت جثث رجال العصابة، وعلا صوت صراخ رهيب لكائن عملاق ما لبث أن خَفَت، ووقف الشياطين ينظرون لما حدَث في ذهول، غير مصدقين أنهم لم يستطيعوا القبض على أحد من «سايبرسبيس»، فقد احترق الجميع في أتون اللهب المشتعل، الذي نتج عن انفجار البناء الأنبوبي والذي لم يعرفوا ماذا كان به، وما هذا الإنجاز العلمي الضخم الذي وصلوا إليه؟ وما مصدر هذا الصراخ الرهيب الذي سمعوه؟! ومن جوار الطائرة، أرسل «أحمد» رسالته إلى رقم «صفر» يقول له فيها: «تمت العملية بنجاح، تم تدمير الهدف، ونطمع في إجازة قصيرة في «نيوشاتيل».»
فرد عليهم قائلًا: «أُهنئكم على ما قُمتم به، ونحن في انتظاركم؛ فلدينا مهمة أخرى. رقم «صفر».»