المقدمة
١
يمكن التقرير مبدئيًّا، بأن طبيعة المشكلة موضوع هذا البحث، تجمع بين الفكر العقائدي والفكر الفلسفي، مرتبطَيْن بتطور زمني يجعل التاريخ عنصرًا ثالثًا وأساسيًّا في المشكلة إلى جانبهما؛ فهي مشكلة عقائدية؛ لأنها تتناول الإيمان دينيًّا عند المصري القديم في عالم آخر، يخالف عالمنا هذا في ماهيته ومواصفاته وطبيعته، مخالفة شبه تامة، وهذا الاعتقاد يشكِّل — بشكل خاص عند المصريين القدماء — الجزء الأكبر من معتقَداتهم الدينية، بحيث يستحيل فَهم فكرهم السياسي والاجتماعي والديني، وحتى العلمي والعَملي، بدون تأسيس هذا كله على عقيدتهم في الخلود.
وهنا تكمن الأهمية الكبرى والقصوى لهذه العقيدة عندهم، حتى أكد البعض أنه لا يمكن فهم أو تصور مصر القديمة بوضوح، دون تصور عالمها الآخر؛ لأن الاعتقاد في هذا العالم قد نفذ إلى كل فكرة وكل سلوك، وصبَغ كل شيء مصري قديم بصِبْغته، وما كان ليحدث تقدم أو تخلف اجتماعي، أو تغيرات سياسية أو اقتصادية، أو فكرية، أو حتى معمارية أو فنية، دون أخذ هذا المعتقد كعامل أول وأساسٍ مشترك، مؤثِّر ومتأثر بعلاقة جدَلية قائمة ومستمرةٍ بينه وبين هذه المتغيرات.
كما أن تصوراتِ المصريين القدماء عن هذا العالم، تُعطي انطباعًا واضحًا عن أسلوب تفكيرهم، وعن أخلاقياتهم ونُظمهم الاجتماعية، في تلك العصور السَّحيقة، بل إنه لولا اهتمامُ المصريين القدماء بعالَمِهم الآخر، ما وصل إلينا شيءٌ البتة عن تاريخهم؛ فهم لم يُدوِّنوا ما دوَّنوا، ولم يهتموا بتسجيل ما سجَّلوا؛ إلا بسببِ — ومن أجلِ — أملهم العظيم في الخلود.
أما اعتبار المشكلة مشكلةً تاريخية أيضًا، فهذا أمرٌ لا يحتاج إلى تفصيل، باعتبار خضوع المسألة بكُلِّيتها لظروفٍ تاريخية محددة، أو باعتبار أن عقيدة الخلود — كأي عقيدة أخرى — قد مرت بمراحلَ تطوُّرية، عبر فترات زمنية، تأثر فيها تطورُها بعدة عواملَ هي في حقيقتها أحداث تاريخية، لا يمكن فصلها عنها بأيٍّ من الأحوال.
وإن الباحث المدقِّق في فلسفة ابن خَلْدون، يستطيع أن يكتشف عدة مواضع تبين أنه كان من أوائل الذين اكتشفوا القيمة الفلسفية للتاريخ، وضرورةَ اعتماد المعرفة بأسرها على الفَهم التاريخي.
وبِناءً على ذلك تكون الفلسفةُ أو الفَهمُ الفلسفي لطبيعة المشكلة هو الفَهمَ السليم؛ باعتبار أن الفلسفة ستصبح الرابطَ بين الدين والتاريخ، فهي تدخل في صميم كِلَيهما، وهي — إذا أخذنا بالآراء النازعة في اتجاه الدين والتاريخ — تقوم على الدين والتاريخ، وإذا أخذنا بالآراء التي تَلزم جانب الفلسفة، فإن الدين والتاريخ يقومان على أسس فلسفية، فتصبح الفلسفةُ عنصرًا أو عاملًا مشتركًا، يمكن بواسطتِها إمساكُ الموضوع من جميع أطرافه بشمولية، تصب نتائجها جميعًا في قوالِبَ من الفَهْم الفلسفي لها، فلا تصبح الدراسة مجردَ سرد تاريخي، ولا مجرد عرض لمفاهيمَ عقائدية، وإنما تصبح علاقةَ تأثير وتأثرٍ بين الجوانب الثلاثة، أدى لبزوغ أفكارٍ كانت دون مبالغة، أولَ بوادر التفلسف في تاريخ الإنسانية.
٢
وهنا يعِنُّ السؤال الأهم حول هذه الدراسة، وهو:
لماذا البحث في عقيدة الخلود بالذات؟
-
الارتباط المتكامل بين العقيدتين الإلهية والأخروية، ارتباطًا يصعب فَصمُه، مما يجعل البحثَ في إحداهما مستقلًّا عن الأخرى في ديانةٍ ما، مسألةً شائكة ومعقدة وصعبة إلى حد كبير.
-
إن الأولوية لدى العقائديِّين، لا زالت للعالم الآخر؛ لأنه يحمل معنى الخلود، وبقياس منطقيٍّ بسيط يمكن القول: إنه لو لم يكن هناك خلود لمات الله. ولربما كان «لوثر» يقصد هذا عندما قال: إذا لم تعتقد في اليوم الآخر، ما ساوى إلهك عندي شيئًا.٨
وهذا هو السبب الأول لاختيار عقيدة الخلود؛ لمعالجتها في هذا البحث.
كما أن العالم الآخر عالم غيبي، لا دليل عليه سِوى ما ورد عنه في بعض السطور في بعض الصَّحائف المقدسة، دون بعضها في دياناتٍ أخرى، فأصبح موضوعًا مختلِفًا عليه، وعلى ماهيته ومواصفاته، بل وعلى وجوده أصلًا، بين الغيبيِّين أنفسهم، مما يجعله موضوعَ تصديقٍ وتكذيب؛ ليستمر قلقًا بين الوجود والعدم. هذا رغم ارتباطه ارتباطًا وثيقًا، بالسلوك الخلقي والشخصي والاجتماعي للإنسان، حتى إن بعض الديانات الحية كالمسيحية والإسلام، ترى أن عدم الإيمان بالحياة الأخرى، معناه الانهيار الكامل للنظام الأخلاقي الدنيوي برُمَّته، بل وانهيار الإيمان بالله ذاته.
-
الإيمان أو اللاهوت الفيزيقي Thelogie physique: الذي يعتمد على الغائيَّة في الطبيعة.
-
الإيمان أو اللاهوت الخلقي Thelogie morale: الذي يَعتمد على الغائية الخَلقية للسلوكيَّات البشرية.
والأمر الواضح والمأخوذ على مكتبتنا العربية، هو إقلالها الشديد في الدراسات الموضوعية، حول العقائد السابقة على الإسلام، وبذلك تُعاني نقصًا وفقرًا شديدًا في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بعقائد الحضارات القديمة وما تيسر لنا منها، وجدناه يعامل هذه المعتقدات إما باعتبارها مثيولوجيا خالصة، من منطق التسفيه والتكفير. بل إن بعضها كان يعاني من سطحية شديدة في البحث لا تراعي أبسط شروط البحث السليم؛ كمُراعاة الفارق الزمني، وما يستتبعه من فوارقَ في مختلِف الإمكانات المتاحة، مثلًا.
ويُلاحَظ على هذه الدراسات العقائدية العربية، اقتصارُ كل منها في الغالب على البحث في ديانة معينة، يتم تناولها في مجملها، دون بيان واضح للخطوط الفاصلة بين معتقد ومعتقد، داخل هذه الديانة المدروسة.
علمًا أن المترجَمات التي تناولَت العقائد القديمة، وخاصة عقائد مصر الفرعونية، لم تتناول عقيدة الخلود منفصلةً عن بقية فروع الديانة، انطِلاقًا من قاعدةٍ هي أن هذه العقيدة بالذات هي لُبُّ الديانة المصرية وأساسها وجوهرها، فجاءت مختلِطةً ببقية عقائدها؛ مما جعل الحديثَ عنها، مستقلةً، أمرًا صعبًا.
-
أين تخيَّل المصريون القدماءُ موقعَه في الكون؟
-
زمن وجوده؛ بمعنى: هل هو موجود حاليًّا بجانب عالمنا هذا؟ أم فيما وراءه؟ أم سيكون بعد زوال منتظَرٍ لعالمنا المحسوس؟ أم أنه صورة مستقبَلية له بعد تغيير أو تبديل سيتم فيه؟ … إلخ.
-
العلاقة الجدلية القائمة بينه وبين أطراف العقيدة الشاملة المرتبطِ بها، وبينه وبين نَظيرِه في ديانات مختلفة، وعلاقات التأثير والتأثر التي يُحتمَل قيامها على هذه العلاقة.
وإن كل هذه الأسباب السالفة، تدعو إلى إضافة بحث جديد، يتناول هذا المعتقد بشكل مستقلٍّ — قدر ما يمكن — عن بقية المعتقدات؛ شرحًا وتفصيلًا.
ومع كل ما سلف، تأتي أسبابٌ أكثرُ أهمية لاختيار الديانة المصرية؛ لدراسة عقيدتها في الخلود، لعل أولها إشارةُ كثير من الباحثين إلى سَبق الديانة المصرية للفلسفات التي تلَتْها تاريخيًّا، بحيث يصبح من واجب الباحثين تناوُلُ هذه الديانة بقدر أكبر من الاهتمام.
والأخطر ما أكَّده بعضُ الباحثين، حول قوة تأثير عقيدة الخلود الفرعونية وعمقها فيما تلاها، حتى وصل هذا التأثير في مَدِّه ومَداه إلى اليوم، وهو ما يُعبِّر عنه جون ولسن بقوله:
وبِناءً على ذلك، تأخذ الديانة المصرية القديمة وعقيدتُها في الخلود شكلًا جديدًا، هو سرُّ الاهتمام ببحثها؛ وهي أنها ليست مجردَ ديانة تمثل بداية الأطوار التطورية للعقل البشري، وإنما أيضًا لأنها ديانة أثَّرَت في العقلية البشرية، وعاشت حية فيها من خلال عقائدَ أخرى، أخذَت عنها وتأثَّرَت بها.
وإن هذا التعارض في الآراء، يعد سببًا وجيهًا جديدًا يضاف إلى مجموعة الأسباب؛ ليجعل البحث في عقيدة الخلود الفرعونية أمرًا مطلوبًا؛ لحل هذا التعارض، والوصول بالأمر إلى حقيقته، على الوجه الأقرب إلى الصحة واليقين.
٣
وتَنقُلنا هذه الأسباب إلى سؤال جديد وهام، هو:
لماذا أعتبر موضوع البحث مشكلة؟ وللإجابة نقول:
وإذا كان هذا هو رأيَ علماء المصريات؛ فقد بات واضحًا من البداية أن عوائقَ الدراسة في تلك الديانة القديمة كانت جَمةً وكثيرة، خاصة إذا عَلِمنا أن عقيدة الخلود — موضوعَ البحث — هي أساسُ هذه الديانة، والقاسم المشترك بين عقائدها المختلِفة المتضاربة، فنالها من التضارب نصيبٌ أوفى وأكبرُ من نصيبِ أي عقيدة أخرى في هذه الديانة؛ لأنها حملت من أصناف هذا التضارب أنواعًا تتعدَّد بتعدُّد العقائد التي شاركَت فيها. ولم تَكمُن العوائقُ فقط في هذا التناقض والتضارب داخلَ ديانة مصر القديمة، بل أيضًا في دخول عقائدها مراحلَ تطوريةً ليس لها سُنة ولا قانون؛ فقد كانت طَورًا إلى الأمام وطورًا إلى الخلف، فطورًا ارتبط هذا التطورُ منطقيًّا مع عهده وعصره، ومع التسلسل التاريخي العامِّ لحضارة مصر الطويلة، وأطوارًا خرج هذا الارتباطُ عن كل حدود الفَهم والمنطق تمامًا!
وقد أدى ذلك بدورِه إلى تناقضِ ما وصل إليه علماءُ المصريات مع بعضهم البعض في تفسير النص الواحد أو الحدثِ الواحد، أو في نسبة هذا النصِّ أو الحدث التاريخي إلى زمنه الصحيح — تبعًا لتناقُض موضوع بحثهم ذاتِه — كما كانت تفسيراتهم في بعض الأحايينِ متضاربة، بل واختلَفوا أحيانًا حول مراحِلَ بكاملها من مراحل هذا التاريخ العتيد! بل إن مُحاولة وضع هذه الأمور في نِصابها، قد دفَع الباحثَ إلى بحثِ مسائلَ لم تكن من قبل في عِداد المشاكل، وبالتالي خلق مشاكل جديدة تحتاج إلى حل، خلقًا أجبرَتْه عليه خُطَّته، وإصرارُه على الوصول بالأمور إلى وضعها الأقرب إلى الصحة؛ كمشكلة الإله أوزير التي واجهته لدى قراءته في أولَيَات المصادر، ذلك الإله الذي كان قاضيًا للحساب في عقيدتين تنافرَتا كلَّ التنافر؛ نتيجةً حتمية لتنافر المصالح الطبقية، فقد كانت أولهما عقيدة الملَكية الرسمية، والثانية عقيدة الشعب الجماهيرية.
٤
- أولًا: تنقية عقيدة الخلود الفرعونية من عَلائقها بالمعتقَدات الأخرى التي تشابكَت معها؛ حتى يُمكِنَ دراستها مستقلة منذ مَناشئها البدائية الأولى، وعبر مراحلها التطورية؛ حتى يمكنَ تكوينُ تصوُّرٍ أوضحَ عن الخلود الفرعوني، مع محاولة التفسير والتعليل، وفَهم الأسباب والنتائج، عندما يَستدعي المقامُ ذلك.
- ثانيًا: وضع فصول مستقلة لبيان هذه الارتباطات بين عقيدة الخلود وبين بقية العقائد؛ لإيضاح العلائق بينها متى وُجِدت، وبخاصة العقيدة الإلهية، وما تَحويه من آراء في الوجود؛ باعتبارها اعتقادًا ملازمًا لعقيدة الخلود.
- ثالثًا: محاولة اكتشاف مَلامح السبق أو التأثير للدِّيانة المصرية في فلسفات وعقائدِ
الأمم التالية، دون إفاضةٍ تبعد البحثَ عن موضوعه الأساسي، بمعنى محاولة العثور على ما
يُمكِن اعتبارُه أصولًا أُولى، بدأَت ظهورَها عند المصريين؛ لِتَصب بعد ذلك في العقائد
التي
تلَتْها، اعتمادًا على أساسَيْن جوهريَّين:
- الأساس الأول: العَراقة التي تميزَت بها ديانةُ مصر القديمة وقِدَمها التاريخي.
- الأساس الثاني: أنه لا يمكن استبعاد هذا التأثير المصري فيما عاصرَه أو تلاه؛ إعمالًا لمبدأ الاتصال الدائم والقائم باستمرارٍ للفكر البشري، فليس هناك ما يمنع مِن حدوث تبادُلٍ ثقافي بين مصر وجاراتها، وهذا ما يُرجَّح حدوثه في عصر الإمبراطورية المصرية التي امتدت من الجندل الرابع في العمق الأفريقي، وحتى الفرات الأسيوي شمالًا وشرقًا، في عصر الدولة الحديثة.
ومن ثَم الانتهاء من هذه المحاولة بوضعِ ما قد يتم اكتشافه حول تأثير هذه العقيدة المصرية فيما تلاها في شكل واضح، وبحثه قدر الجهد، وبقدر ما تسمح به طبيعةُ البحث، أو تركه على صورته الواضحة تلك، لمن يستطيع أن يتابع السير على النهج، إذا لم يتَّسِع مجال دراستنا لبحثه تفصيلًا، أو إذا قصرَت القدرة، ولم تستطع استطاعتُنا استكمالَ بحثه.
- رابعًا: ولعل الموضوع الأساسي والرئيسي هو استنطاق التاريخ ما اختَفى وراء غِمار أحداثه الظاهرة، حولَ تأثير العوامل السياسية والاجتماعية على العقل المصري القديم، بحيث دفعَتْه إلى تصوراته عن عالم الخلود، ونتائج هذا الارتباط بين الحدث السياسي أو الاجتماعي، وبين تطور هذا المعتقَد ومَفاهيمه.
- خامسًا: البحث عن الحقيقة الكامنة وراء آراء الباحثين المتضاربة حول الديانة المصرية القديمة؛ هل كانت هذه الديانة في جوهرها ساذَجةً فطرية كما اعتقد البعض؟ أم كانت فكرًا عميقًا قويًّا كما ذهب البعض الآخر؟ وهل كان تَضاربُها الظاهرُ يعود إلى عقلية متخلفة؟ أم أنه كان وراء هذا الاضطرابِ أسبابٌ أدت إليه؟ وهل يمكن الوصول — تسللًا عبر هذا الاضطراب — إلى حقائق فكرية ثابتة يحتمل أن المصري القديم آمَن بها؟ وتُؤخَذ له لا عليه؟!
- سادسًا: إلقاء الضوء باستمرار حول كل نقطة تطوُّرية يمكن اكتشافها في السلسلة التطورية لهذه العقيدة، مع ربطها بأحداث عصرها ومُلابَساته؛ لبيان الأسباب والنتائج، حتى يُمكِن في النهاية رسمُ صورة واضحة للخطِّ التسلسُلي التطوري لهذه العقيدة، إبَّان سيرها خلال العصور المتوالية.
- سابعًا: ويؤدي هذا بنا إلى محاولة إعادة ترتيب النصوص التاريخية والدينية المصرية القديمة، وَفْق خُطة منهجية، تحاول اكتشاف الحقيقة وراء التضارب الظاهر؛ لإبراز أوجُه الاتفاق والاختلاف، والتأثير والتأثُّر المتبادَل بين هذه النصوص، وبين الظروف التاريخية؛ سياسية، أو اجتماعية.
- ثامنًا: الانتهاء من هذا كلِّه إلى هدف يجمع كلَّ هذه الأهداف معًا، وهو الكشف عن طريقة وأسلوب العقل البشري، في حِقْبة قديمة من حِقَب التاريخ الإنساني، والقوانين التي حكَمَت تطورَه الفكري، وتصوراتِ المصري القديم للعالم الآخر، مكانًا وزمانًا ومواصفاتٍ وماهيةً.
٥
لهذا؛ وبدفع من مثل هذه الرؤى، يمكن أن يتحول «المحال» إلى «إمكان»، إمكان محدود في المحاولة، وفي القدرة عليها.
وقد رُوعيَ أن يسير هذا التطورُ مع عصور ثلاثة كبرى متتالية شكَّلَت عمر الحضارة المصرية، بدءًا بعصر الدولة القديمة، ومرورًا بعصر الدولة الوسطى، وانتهاءً بعصر الإمبراطورية أو الدولة الحديثة؛ ليوضع هذا كلُّه في موجز تاريخي في الباب الأول.
- الباب الأول: موجز تاريخ مصر القديمة:
وقد تم تقسيمه إلى:
- مقدمة: لشرح الخطوات المنهجية التي اتُّبِعَت لدراسته.
- فصل أول: مصر القديمة على ذمة التاريخ: وهو عَرض سريع لقصة مصر التاريخية، كما جاءت في كتب التاريخ لدى المؤرخين والأثريين وعلماء الحضارات.
- فصل ثانٍ: استقراء التاريخ: وخُصِّص لمناقشة مقارنة لما جاء في الفصل الأول، بهدف ترتيب أحداث التاريخ، ترتيبًا يُساير روح المنطق والعقل، وَفْق خطة تَهدِف إلى إبراز الأحداث التي تهم دراستنا، أو التي سنَعتمد عليها.
- خاتمة: تُلخِّص أهم النتائج التي ينتهي إليها البحثُ في بابه الأول.
-
الباب الثاني: فلسفة الديانة الفرعونية:
وقد تم تقسيمه إلى:
- مقدمة: لشرح الخطوات المنهجية التي اتُّبِعَت لدراسة هذا الباب.
- فصل أول: فلسفة الوجود الفرعونية: وهو عرضٌ عام لأهم أسس الديانة المصرية وفلسفتها في الوجود، مع محاولة المقارنة مع ما لحقها من فلسفات.
- فصل ثانٍ: عقيدة الخلود الفرعونية: وقد خُصِّص لشرح وتفصيل عقيدة الخلود المصرية منذ مَناشئها الأولى.
- فصل ثالث: مشكلة الإله أوزير: ورغم عدم وضوح المغزى والدلالة لهذا الفصل في البداية، فإن له أهميةً قصوى، فقد خصصناه لمناقشة موقف إله الموتى أوزير، مناقشة منطقية تاريخية مقارنة؛ لبيان مدى ارتباطه بالملكية الحاكمة من جهة، وجماهير الشعب من جهة أخرى، وما هي علاقته بالإله الرسمي «رع»، وما هو توقيت ظهوره الصحيح — أو على الوجه الأقرب إلى الصحة — كحاكمٍ لمملكة الموتى؛ وكقاضٍ للعالم الآخر، وقد تم وضع الخطوط العريضة لهذا الفصل بالذات بعد القراءات الأولية، التي أوضحَت بجلاء أن هناك اختلافًا كبيرًا وعميقًا بين الباحثين، حول الأمور المتعلقة بهذا الإله.
- خاتمة: تلخص أهم النتائج التي وصل إليها الباحث من بحثه في الباب الثاني.
-
الباب الثالث: عقيدة الخلود الفرعونية عبر مراحلها التطورية.
وقد تم تقسيمه إلى:
- مقدمة: تشرح الخطوات المنهجية التي اتُّبِعَت لدراسته.
- فصل أول: الآثار السياسية والاجتماعية في نشوء عقيدة خلودٍ فرعونية جماهيرية: وقد خُصِّص لمناقشة الآثار التي يمكن أن تكون الأحداثُ السياسية والاجتماعية قد ترَكَتها على العقلية المصرية؛ لتبدع عالمَ خلود جماهيريٍّ يدخله الجميع، وتأثير ذلك في الديانتَين؛ الشعبية والملكية.
- فصل ثانٍ: الآثار السياسية والاجتماعية في تطور عقيدة الخلود شعبيًّا وملكيًّا: ويتناول ما قد يكون للسياسة أو أحداث المجتمع من آثار على تطور عقيدة الخلود الشعبية، التي دخلَت في إطار الملكية.
- فصل ثالث: تطور عقيدة الخلود الفرعونية وسيادتها العالمية: وقد وُضِع لمناقشة الحد أو المدى الذي وصلَت إليه عقيدة الخلود الفرعونية في تطورها.
- خاتمة: تلخص أهم نتائج الباب الثالث، وأهم نتائج الدراسة بكاملها.
٦
ومما تجدر الإشارة إليه — بالإضافة إلى ما سبق — مصادر هذه الدراسة ومراجعها، التي سأورد أهمَّها وأكثرها؛ اعتمادًا في الحواشي بالطريقة التقليدية في مواضع الاستشهاد بها، بينما سأقوم بجمعها كلِّها في نهاية الدراسة، مرتبةً حسب الحروف الهجائية لأسماء مؤلِّفيها. إلا أن المصادر المصرية القديمة ذاتها كانت هي المعتمَدَ الأساسي، وعُمُدَ موضوعات بحثنا، ولما كانت العودة إلى هذه المصادر بلغتها القديمة أمرًا يفوق قدراتنا، فقد تم استخراج هذه المصادر مِن مراجعها الموثوقة بكلِّ الدقة المطلوبة — قدرَ القدرة والإمكان المتاح — وتصنيفها حسَب مقتضيات الحديث وسياقه.
ولعله من الأفضل إلقاءُ إطلالة سريعة على هذه المصادر الأساسية؛ لمعرفة ماهيتها باعتبارها أهمَّ الأعمدة المصدَرية.
لقد قسم الآثاريُّون هذه النصوص — والتي تجمعها كلَّها رابطةٌ واحدة هي أنها كانت جنازية تُكتَب في التوابيت والمقابر — إلى أنواع، أعطَوْا لكل منها اسمًا مستمَدًّا من هُويَّتها، وأهمها لهذا البحث كانت:
(١) متون الأهرام
(٢) متون التوابيت
ويتألف منها أعظمُ وأكبر مجموعة من المصادر الدينية القديمة، وقد بدأ المصريون بتسجيل هذه المجموعة من الأدب الديني على الأوجُه الداخلية للتوابيت، مع بداية العصر المتوسط الأول بعد نهاية الدولة القديمة، وهي صيغ تُشابه متون الأهرام، وتتَّحِد معها في الغرض الذي ترمي إليه، غير أنها كانت أكثرَ مُلاءمة لحاجات غِمار الناس، رغم أن أغلبها عبارة عن مقتبَسات من الأهرام الملكية.
وعدا ذلك تُوجَد مصنفات أخرى نكتفي بالإشارة إليها دون اعتمادها، مثل كتاب الطريقين، وكتاب الموتى، وكتاب الموجودين في العالم السفلي، وكتاب البوابات؛ نظرًا لأن كل ما ورد بها فيما يتعلق بموضوع البحث، لا يخرج عما جاء في المصدرَين الأساسيَّين: متون الأهرام، ومتون التوابيت.
ونظرًا لما تقتضيه ظروف البحث وطبيعتُه؛ كان لا بد — بالإضافة لهذه المتون — من الأخذ بعين الاعتبار، بل وبكلِّ الاعتبار، بعض ما ترَكه المصري القديم من نصوص أدبية، لم يَقِل تقديرها عنده عن النصوص الدينية، والتي يمكن من خلال دراستها الخروج بأهم سمات الحياة السياسية والاجتماعية لعصور أحداثها، وبانتخاب واصطفاء ما يناسب طبيعة موضوعنا من هذه النصوص الأدبية، يمكن إضافة الأعمال الخمس التالية:
(٢-١) تحذيرات وإنذارات الحكيم «إبيور» إيبو العجوز
(٢-٢) وصايا إلى «مري كارع»
(٢-٣) قصة الفلاح الفصيح
وهي أيضًا من الآداب التي تَدفَّق ظهورها إبَّان مِحنة العصر المتوسط الأول، وتتكون من تسع شكايات تقدَّم بها فلاحٌ من قريةٍ بالفيوم، إلى مدير بيت الملك، بعد أن سلبَه أحدُ نبلاء الأقاليم تجارتَه ودوابَّه، وهي تُظهر الحالة السيئة التي ترَدَّت إليها البلاد وضعف الحكومة واختلال الأمن وانفِلات زِمامه، كما تُظهر نزعةً تقدُّمية جديدة، لأول مرة في تاريخ الملكية على ظهر الأرض.
(٢-٤) توجعات «نفر رحو» وتنبؤاته
ويعود تاريخها إلى نفس عهد الأعمال الأدبية السابقة — تقريبًا — وهي أيضًا تصور حال البلادِ البائسَ، ثم تتخذ منه موقفًا إيجابيًّا، فتَعِد بالخلاص على يد ملك عادل، يأتي لِيَرعى مصالح شعبه ورعيته بحنانٍ ومحبة، لا بقهر واستعباد.
(٢-٥) أغنية العازف على الهارب
وهي مجموعة أبيات شعرية تُبرِز لأول مرة في تاريخ الفكر المصري اتجاهًا ماديًّا، يكاد يكون إلحاديًّا، صاحَبَ حالةَ الصراع الاجتماعي الذي بدأ في نهايات الدولة القديمة.
أضع هذا كله بين يدَيْ قارِئي؛ راجيًا أن أضع أمامه أهدافَ البحث محقَّقة، في صورة توضح طريقة العقل البشري ومنهجه الفكري، في تلك العصور الموغلة في غابر القِدَم، وفق ما تستطيعه استطاعتي، وقدر ما أملك من قدرات.
ونَجد لذلك شبيهًا عند العبريِّين، فيقول الكتاب المقدس: إن لوحَيِ الشريعة اللذَيْن جاء بهما موسى كانا «مكتوبَين بإصبع الله.» انظر: الإصحاح ٣١ من سِفر الخروج.