خاتمة ونتائج
وبنهاية هذا الباب، نكون قد خلصنا إلى وضعِ تصور شامل لتاريخ مصر الفرعونية، كان
أهم
ما يميزه عن تاريخ بقية الأمم القديمة، أنه كان صَنعة الشعب، أكثرَ مما هو تاريخ ملوك،
ويمكن هنا إيجازُ أهم نتائجه فيما يلي:
- أولًا: إن عقيدة الخلود والإصرار عليها، أدَّيَا إلى قيام ثورة شعبية كبرى في نهاية الدولة القديمة، تبعتها ثورات، وإن هذه الثورة الأولى جاءت نتيجة الظلم، الذي عاناه الشعب في بناء دار الخلود لملوكهم المؤلهين في الأسرة الرابعة وما بعدها.
- ثانيًا: إن هذه الثورة لم تتم بعد سقوط الأسرة السادسة، ولم تكن مجرَّدَ فوضى أمنيَّة، ناتجةٍ عن انهيار المركزية الملكية، وعدم قدرتها على السيطرة على البلاد، وإنما هي بدأَت قبل سقوط الأسرة السادسة، وكانت هي السببَ الأول والمباشِرَ في سقوط الأسرة السادسة، والدولة القديمة برُمَّتها.
- ثالثًا: ولأن هذه الثورة لم تكن مجرد فوضى عامة، فقد ظهرَت لها أهداف محددة، واتِّجاهات واعية متعددة، صبَّت كلُّها في مَصبٍّ واحد، رايته الخلاص من الظلم والطغيان على المستويَيْن السياسي والاجتماعي.
- رابعًا: إن الثورة حملَت أيضًا معنى الثورة على المعتقَدات الدينية السائدة، التي كانت في حقيقتها ديانةَ ملوك، وديانة التسلط والقهر، ديانة التبرير للطغيان، وبالتالي كان لا بد أن تَحمل الأفكارُ الثورية محاوَلاتٍ للبحث عن الخلاص الديني، وقد تَمثل ذلك — كما سنرى — في ظهور آلهة جديدة، تهتم بالجماهير ومشاكل الفقراء والمغمورين، أكثرَ مما تهتم بالملك وحكومته.
- خامسًا: إن اكتشاف هذه الثورة، واكتشاف موعدها الأقرب إلى الصحة، أدى بالباحث إلى تصحيح بعض التواريخ الخاصة ببعض القطع الأدبية، مثل بردية «نفر رحو» والنصائح إلى «مري كا رع»، ذلك التصحيح الذي جاء نتيجة حتمية لتحكيم المنطق، مع دلائلَ وشواهدَ أدَّت بالباحث إلى ذلك التصحيح.