الفيلسوف
كان دافيد هيوم يسمي فرنكلين الفيلسوف الأول، ويشفع ذلك أحيانًا بقوله عنه: إنه أول فيلسوف وجه أنظار القارة الأوروبية إلى عالم الفكر في الديار الأمريكية.
وكانت الأندية الأدبية في باريس تسميه الفيلسوف أو الدكتور ولا تردفه بالاسم فيفهم السامع أنهم يعنون فرنكلين.
وكانت كلمة «الفيلسوف» كالاسم الغالب عليه بعد عودته إلى بلاده في أخريات أيامه.
ولم يكن ملقبوه بهذا اللقب مخطئين من وجهة العرف، ولا من الوجهة العلمية في عصره؛ فقد كان فرنكلين فيلسوفًا بكل معاني الكلمة، إلا هذا المعنى الحديث الذي غلب على الفلسفة بعد عصره، وبعد شيوع التفرقة بين المعارف الإنسانية، ثم شيوع التخصص في كل معرفة منها. ونريد به الفلسفة التي غلبت على بحوث «ما بعد الطبيعة» وقضايا المنطق النظري وكادت تنحصر فيها. فهذا هو مجال الفلسفة الذي لم يكن فيه فرنكلين من زمرة الفلاسفة، ولم يرد أن يكون منها، ولا نخاله كان مستطيعًا أن يكونه لو أراد؛ لأنه مجال لا تألفه طبيعته، ولا يألفه تفكيره، ولا يرجى منه أن يأتي فيه بما يفيد.
كان فرنكلين فيلسوفًا بمعنى الكلمة القديم، وهو محبة الحكمة ورياضة النفس على اتباعها في أحوال الحياة اليومية، ولعله عرف هذه الفلسفة عملًا قبل أن يعرفها علمًا واطلاعًا؛ لأنه نشأ في بيئة المتطهرين، وعرف بالقدوة والبداهة أن الأخلاق المثلى نظام من نظم الحياة الدنيوية.
وكان فرنكلين فيلسوفًا بمعنى يوافق معنى الكلمة الحديث، وهو استخراج العلل، والنظريات الفكرية لكل مبحث من مباحث العلم والاختراع التي اشتغل بها منذ شبابه، فكان يقدر الرأي والعلة ثم يبني عليهما الاختراع، أو كان يخترع ما يخترع ثم يعمم الرأي والعلة على المتشابهات من الظواهر الطبيعية، ولولا هذه الفلسفة العلمية لما جمع بين البرق والشرارة الزجاجية في نظرية واحدة.
وكان فيلسوفًا بمعنى الكلمة الذي شاع في كل زمن وجعل الفلسفة ضربًا من التصوف العقلي يوحي إلى صاحبه التقشف والزهد في المظاهر الفارغة التي يفتن بها المتكالبون على الحياة، ولم يكن فرنكلين متقشفًا أو زاهدًا في دنياه، ولكنه كان يطلب الشيء لمعناه لا لمظهره، ولأنه هو يبتغيه لا لأن الناس يبتغونه بالمحاكاة والتقليد.
أما الفلسفة التي تستغرق صاحبها فيما وراء الطبيعة وفي الجدل حول مباحثها، فلم تكن من فلسفات فرنكلين؛ لأنه كان ينفر من النظريات التي لا يحسها ولا يدركها، وكان ينفر من الجدل كما قال في مفكراته، وإن كانت مطالعته لسقراط قد أكسبته قدرة عظيمة في فنون الحوار، وكادت تنحرف به إلى شقاشق الجدل في بواكير حياته الفكرية.
وارتأى أن قبول العقل للعقيدة هو السند الوحيد الذي يكسبها حق الإيمان بها، وأنه لا حق للاعتقاد حيث يكون العقل بلا عمل وبغير مشاركة فيه.
وإني لأرتفع بخيالي وراء نظم السيارات، ووراء الشموس الثوابت، وأسبح في هذا الفضاء الذي لا نهاية له، وهذه الشموس التي يدور حول كل منها أسراب من السيارات، كسيارتنا الأرضية إلى غير نهاية، فتلوح لي هذه الكرة الصغيرة التي نعيش عليها كأنها العدم حتى في خيالي الكليل، وأرى نفسي إلى جانبها أقل من العدم، فأحس أنني شيء ضئيل لا شأن له ولا خطر، وأحس كذلك أنه لمن الغرور البالغ أن أتوهم أن ذلك الخالق الكامل يحفل بهذا (اللاشيء) الذي يسمى الإنسان، وأنه تحق له من الإنسان العبادة، ولكنه هو جل وعلا فوق ذلك بما لا تحصره العقول.
غير أن الناس جميعًا ينطوون على شعور طبيعي يميل بهم إلى القداسة أو إلى التعبد لقوة عظيمة وراء الأبصار، وقد وهب العقل للإنسان بين الأحياء فارتفع به فوق سائر الحيوان الذي نعرفه في دنيانا، ومن ثم يبدو لي أنني مطالب بالواجب عليَّ — كإنسان — أن أتوجه بالصلاة والتعظيم إلى ذلك الكائن العظيم.
وأدرك على هذا أن الإله الصمد قد خلق أربابًا لا عداد لها تعلو على الإنسان علوًّا كبيرًا، وتفهم من أسباب كماله ما لا يفهم، وتعيد إليه الثناء والجزاء على النحو المعقول.
كما أنه بين الناس لا يبالي المصور القدير ما يلقاه من ثناء الجهال والأطفال مبالاته بثناء العارفين وذوي الدراية بالتصوير — كذلك الأرباب التي يخلقها الإله الأعظم قد تبقى ولا تفنى، وقد ترتفع من مقام إلى مقام، ويخطر لي أن كل رب منها له الحظ الأوفر من الحكمة والقدرة، وأن كلًّا منها جعل له منظومة شمسية تدور عليها أسراب من السيارات، وإلى هذا الرب الذي أبدع منظومتنا أتجه بالثناء والتقديس؛ لأنه خليق أن يشتمل على شيء من الطبائع التي أودعنا إياها، ولأنه منحنا العقل الذي ندرك به حكمته في خلقه، فهو لا يزهد في ثناء عباده، ولا يرضى عن الجهل بفضله والاستهانة بمجده.
وأفهم لأسباب كثيرة أنه صالح، ويسعدني أن أظفر بالود من كائن على هذه الصفة من الحكمة والخير والصلاح، فعليَّ إذن أن أنظر فيما يرضيه، وأبحث عما يوليني منه العون والرعاية.
وأفهم أنه يرضى عن إسعاد خالقه، كما يرضى عن الإقرار بفضله والتوجه بالدعاء إليه، ولا سعادة في الحياة بغير فضيلة، فمما يرضيه إذن أن أتحلى بالفضيلة، فيسعد بمخلوقه السعيد.
ولما كان قد خلق في هذه الدنيا كثيرًا من الأشياء التي لا غرض لها فيما يبدو منها غير إسعاد الناس؛ فإني لأومن أنه لن يغضب على أبنائه الذين ينعمون بتلك الأشياء، ويمتعون أنفسهم بالرياضات الحسنة والمسرات البريئة، وأنه لن يكون من المسرات البريئة ما فيه ضرر لإنسان.
إنني أحبه إذن لصلاحه، وأعبده إذن لحكمته، وعليَّ ألا أغفل عن حمد هذا الرب؛ لأنه حقه الذي لا أملك جزاء له غيره، وعليَّ أن أصحح العزم على التحلي بالفضيلة واغتنام السعادة لأرضيه بما فيه رضاي.
هذه العقيدة الساذجة مستمدة على ما يظهر من فلسفة أفلاطون الذي كان يفترض وجود الأرباب الصغار للتوسط بين إله الكون والإنسان وتعليل ما يحدث في العالم من الشر والأذى، وقد أعجبت فرنكلين في سذاجة الشباب فدان بها واصطحبها في أطوار حياته يعدلها ويكملها، ويعرضها على مقاييسه العلمية كلما تقدم فيها خطوة من الزمن والخبرة، فآمن بخلود الروح وحسابها بعد الموت؛ لأنه قاسها على خلق المادة فرأى أن الأرواح أحق بالصيانة والبقاء من المصنوعات المادية، وأن الله علمنا من حكمته أنه قادر على خلق مادة جديدة لكل جسم وكل شيء، ولكنه يتجنب الشتات والبعثرة ولا يصنع شيئًا ليزيله ويفنيه، فليس من حكمة القصد في الخلق أن توجد الأرواح لتئول إلى الزوال والفناء.
هذه عقيدتي.
أومن بإله واحد خالق للكون كله، وأومن بأنه يديره بحكمته، وأنه حقيق بالعبادة ولا شيء أرضى له من صنع الخير لمخلوقاته الأخرى.
وأومن بخلود الروح، وأن الإنسان يحاسب بالعدل بعد موته على ما صنع في هذه الدنيا. وهذه عندي هي أصول الإيمان في الدين الصحيح، وهي في موضع الإجلال عندي حيث وجدتها في كل نحلة وملة.
وكفى بهذا حجة لمن ينفي عن فرنكلين شبهة المغالطة في العقيدة التي استقر عليها، فإن المرء ليغالط في كل شيء إلا في الطبع الذي يتأصل منه وراء الوعي والمشيئة.
ومن تناسق هذه الشخصية البسيطة أنها تطرد في آرائها وخلائقها، فما بدا منها دليل على ما استتر، ومن عرف رأيًا لها في مسألة خطيرة، أوشك أن يعرف سائر آرائها في المسائل الأخرى، وهذه الفلسفة الدينية التي آمن بها فرنكلين تغنينا عن الإسهاب في تفصيل فلسفته الأخلاقية، بل ربما كان الأصلح أن نقول: إن فلسفته الدينية قائمة على قواعده الأخلاقية؛ لأنه يقيم الفضيلة على قواعد المصلحة العليا: مصلحة الفرد ومصلحة النوع بأسره، فهي مطلوبة؛ لأنها صالحة باقية، والرذيلة مكروهة لأنها فاسدة زائلة، ومن وازن بين مسرات الفضيلة وآلامها خرج من الموازنة بإيثارها على الرذيلة؛ لأن آلام الرذيلة أكثر من مسراتها، وكثير من مسراتها زائف مدخول يجني الضرر على صاحبه أو على غيره، خلافًا لمسرات الفضيلة التي تصح في جوهرها ولا يخشى منها الضرر على أحد.
ولم يكن فرنكلين مثاليًّا حالمًا في رأي من آرائه، ولكنه لم يكن كذلك من الإباحيين المستهترين بالمبادئ والقيم الأدبية، بل كانت له خطة يروض نفسه على اتباعها ويحاسب نفسه على التقصير فيها، وقد بلغ بهذه الخطة مرتبة الاعتدال، ولم يبلغ بها مرتبة العصمة بطبيعة الحال، فهي في شئون الآدميين ضرب من المحال.
كان خاطئًا ولم يكن إباحيًّا، وكان من خطاياه ما عرفه الناس بغير اختياره، ومنها ما عرفوه من كلامه؛ إذ اعترف بانقياده للشهوات في شبابه، وعاب على نفسه أنه انقاد لهذه الشهوات حتى اندفع إلى عشرة بعض النساء ممن لا أخلاق لهن ولا كرامة، وجملة ما يفهم من وصاياه ومن معاذيره في شئون الأخلاق الاجتماعية أنه يحارب الفساد، ويحسب منه رياء المجتمع في التمييز بين المفسدين، فإنه يأخذ المرأة بالذنب ويعفي شريكها منه، وقد ينسى الحقائق في سبيل المراسم والتقاليد، وعليه اللوم إذا فسد من بنيه وبناته من هو مستعد للصلاح ومن هو صالح لأن يكون عضوًا من أعضاء المجتمع كالعضو السليم في البنية الحية.
كل ما أرجوه في ضعة وانكسار أن تتشفعوا لي لدى الحاكم أن يعفيني من الغرامة التي تحكمون بها عليَّ. فهذه خامس مرة — أيها القضاة الأجلاء — أساق فيها أمامكم لتهمة واحدة. وقد عوقبت مرتين؛ لأنني عجزت في المرتين عن سداد الغرامة المقررة. وربما كان هذا موافقًا لحكم القانون فلا أناقش فيه، ولكن القوانين أحيانًا تخطئ فيتقرر إلغاؤها من أجل ذلك، وغيرها يجثم ثقيلًا على كواهل الرعية في بعض الأمور، فيجعل من حق السلطان أن يرفع أحكامها أو يخففها.
فاسمحوا لي أن أقول: إن هذا القانون الذي أدان به مناقض للعقل في ذاته وقاسٍ بالنسبة إليَّ خاصة من جهة أخرى — أنا التي قضيت ما قضيت من حياتي في جيرتي غير عادية ولا باغية على أحد، وأتحدى عداتي — إن كان لي عداة — أن يذكروا اسم رجل أو امرأة أو طفل أسأت إلى أحد منهم، فإذا تركنا قضاء هذا القانون جانبًا فلست أفهم ما هي الجناية التي أعاقب عليها.
لقد ولدت خمسة أولاد أصحاء مخاطرة بحياتي، وقد ربيتهم بجهدي وكسبي دون أن أثقل على المدينة بمنحة أو معونة، وكنت خليقة أن أحسن تربيتهم فوق ما أحسنت لو لم تؤخذ مني تلك الغرامات الثقيلة التي فرضت عليَّ. أفيحسب من الإجرام في طبائع الأشياء أن أزيد عدد السكان في وطن لا يزال في حاجة إليهم؟ أخال أنني أُحمد على هذا ولا أُلام، وما حدث مني أنني أغويت زوج امرأة أو أغريت أحدًا من الفتيان، وما عوقبت قط على جريمة من هذا القبيل ولا اقترفت ما يشكوه أحد قط، اللهم إلا أن يكون مكتب العقود قد خسر الرسوم التي يتقاضاها على الزواج.
على أنني أسأل: هل يحسب هذا من خطئي وتقصيري؟ إنني ألجأ إلى عدالتكم وقد تفضلتم فقلتم: إنني مالكة لقواي العقلية، ولا تعوزني سلامة الفكر والإدراك، وإنني لأكونن على غاية من الغباء لو رفضت الزواج وآثرت الحالة التي أنا عليها الآن على الحياة الزوجية، وقد كنت ولا أزال راغبة في تلك الحياة ولا أشك في صلاحي لها وحسن قيامي بمطالبها؛ إذ كنت على نصيب من النشاط والقصد، ولست بالعقيمة ولا بالقاصرة في تدبير شئون الدار، وأعود فأتحدى كائنًا من كان أن يزعم أنني رفضت طلبًا للزواج، بل حدث على نقيض ذلك أنني تقبلت الطلب الوحيد الذي تقدم به أول خاطب لي وأنا بعد عذراء، ووثقت به وبإخلاصه فعبث بي وهجرني وفي جوفي جنين.
وأرجو أن تعلموا جميعًا أن هذا الخاطب قد أصبح قاضيًا في هذا الإقليم، ولكم وددت لو كان جالسًا اليوم بينكم على منصة القضاء عسى أن يوصيكم بالرفق في توقيع الجزاء عليَّ، وكنت إذن لا أبالي أن أذكر ما ذكرت من أمره. ولكنني أقول الآن مضطرة أنه ليس بالعدل ولا بالمساواة في الجزاء، وأنه ليس من الإنصاف أن يكون المسيء إليَّ والمتخلي عني والسبب الذي أوقعني في كل جريرة — آمنًا مترقيًا إلى مناصب الشرف في الدولة التي تدينني بوصمة العار والمسبة.
ولقد يقال لي: إن الخطيئة خطيئة الدين إن لم يكن لهيئة التشريع حكم فيها. فإن تكن خطيئة دين فدعوها إذن لرب الدين، وقد حظرتم عليَّ أن أدخل كنيستكم. فما بالكم لا تقنعون بهذا الحرمان.
هذه فقرات من مقاله الذي نشره في صحيفة الجنتلمان (عدد أبريل سنة ١٧٤٧) وسماه دفاع مسز بولي بيكر، وأراد أن يعرض فيه مظلمة من مظالم المجتمع تلام عليها المجتمعات قبل ملامة الأفراد، وأن يقدم الاهتمام بالحقائق ودواعي الفطرة على الاهتمام بالمراسم والتقاليد، ومن كان يحسب نفسه بسجل يومي مكتوب عما زاد أو نقص من الفضائل المطلوبة، لا يظن به أن يبيح الجماح والانطلاق من نظام الحياة الاجتماعية، وإنما هو عارف بالمعاذير حيث ينبغي أن تعرف، وعارف بمواطن اللوم على المجتمع حيث ينبغي أن يلام.
كان خاطئًا يقع في الخطيئة، ولكنه لا يبيحها، ولا يعفي نفسه من الملامة عليها والعمل على استدراك جرائرها كما سيأتي في الكلام على فرنكلين الإنسان، وكان يحب السرور، ولا يرى فيه حرجًا من الدين ولا من الأخلاق، بل يراه واجبًا من الواجبات التي ترضي عنه خالق الكون وما فيه من مسرة وجمال، وشرطه في السرور ألا يضر أحدًا ولا يسف بالكرامة إلى مباذل الشهوات، فإن لم يكن فيه ضرر ولا إسفاف ولا ابتذال فهو حق للإنسان، بل واجب عليه.
ومما عرف عنه أنه قضى زمانًا لا يذوق الخمر خفيفها ولا ثقيلها، وكان رفاقه في مطبعة العاصمة الإنجليزية يدعونه إلى شرب الجعة معهم فيأبى معتذرًا ويسمونه من أجل ذلك بالأمريكي شارب الماء، وقد نظم في شبابه نشيدًا لمجلس الشراب يشترك مع المجلس في غنائه ولا يشترك معه في شرابه، وما حرمها على نفسه لأنها حرمت عليه بحكم الدين أو القانون، ولكنه حرمها لأن سرورها مشوب غير خالص من العقبات وغير مأمون فيه أن يسترسل مع الشارب إلى الإفراط والإدمان.
لقد كان فرنكلين فيلسوفًا بكثير من معاني هذه الكلمة في وضعها الأول ووضعها الحديث: كانت له عقيدة مفكر في الدين، وكانت له نظريات باحث في العلم، وكانت له مبادئ مبتدعة في السياسة، وكانت له آداب مرعية في نظام المعيشة، وكانت حياته الخاصة والعامة مدروسة من الوجهة الفكرية مروضة من الوجهة النفسية، وبعض أولئك كفيل بحسبانه في زمرة الفلاسفة المعدودين. إلا أنه فيلسوف يصعب على مؤرخي الفلسفة أن يضعوه تحت عنوان واحد من عناوين المدارس الفلسفية غير مستثنى منها مدرسة البرجمية التي ظهرت في وطنه بعد وفاته بأكثر من مائة سنة وقيل عنها: إنها المدرسة النموذجية للأمريكيين، وقيل عنه: إنه رائدها الأول من العلماء المفكرين.
نعم لا استثناء للبرجمية من مدارس الفلسفة التي يحاول المؤرخ الفلسفي أن يضع فيها فرنكلين؛ لأن ميزان الحقيقة عنده غير ميزان الحقيقة في المدرسة البرجمية، ولأنه قد يحتوي البرجمية ولا تحتويه. وإنما تزول هذه الصعوبة إذا أردنا أن نضع الفاصل بين فرنكلين وبين كل مدرسة فلسفية أو دعوة فكرية، فحيث لا عمل لا فلسفة لفرنكلين، وحيث لا توجد الفكرة المفهومة، فلا عمل كذلك لفرنكلين. وبهذا ينفصل أحيانًا عن الواقعيين كما ينفصل عن المثاليين، وأصدق ما يكون تعريف الفيلسوف هنا تعريف الإنسان في مذهب أرسطو، وهو الحيوان الناطق المدني بالطبع، فهو حي يفكر لا ينسى وشائج القربى بينه وبين أبناء نوعه، وذلك هو فرنكلين الفيلسوف.
وذلك أيضًا هو فرنكلين الإنسان.