قرطاجنة
وقال الشريف الإدريسي: ومدينة قرطاجنة هي فرضة مدينة مرسية، وهي مدينة قديمة أزلية، لها مرسى تُرسَى بها المراكب الكبار والصغار، وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع، ولها إقليم قليل ما يوجد مثاله في طيب الأرض وجودة نمو الزرع فيه. ويحكى أن الزرع فيه يثمر بسقي مرة واحدة.
وجاء في نفح الطيب عن خصب الأرض في قرطاجنة أن الزرع في بعض أقطارها يكتفي بمطرة واحدة، ونقل عن صاحب «مَباهج الفكر» في حق قرطاجنة: وهي على البحر الرومي، مدينة قديمة، بقي منها آثار، ولها فحص طوله ستة أيام وعرضه يومان معمور بالقرى.
وجاء في دليل بديكر أن قرطاجنة هذه بلدة سكانها نحو من خمسين ألفًا، ولها أحسن مرفأ في سواحل إسبانية، وهي أعظم موقع حربي إسباني على شواطئ البحر الرومي، وفيها حصنان مبنيَّان على صخور بركانية شامخة، وهما مالكان للمرسى، وكان معدل عدد البواخر التي ترسو في ميناء قرطاجنة ١٣٨٠ في السنة، محمولها ما يقرب من مليوني طن. ويرفأ إليها أيضًا نحو من ٣٥٠ سفينة شراعية في دور السنة، وهذا كان في السنين التي سبقت الحرب العامة بقليل.
وكانت قرطاجنة في أوائل أيام الرومانيين تعد أعظم مدينة وأغنى مدينة في إسبانية، ثم تدنَّت أحوالها بعض الشيء في زمان «طاراكوا» الروماني، ولكنها بقيت مدينة تجارية عظيمة، وفي سنة ٥٨٩ بعد المسيح في زمن الإمبراطور موريس أجريت فيها تحصينات لوقايتها ممن كان يغير عليها من الإفريقيين، ولما استولى العرب على إسبانية كانت ذات شأن، وكان فيها مركز إمارة مستقل، وكان استرجاع الإسبانيول إياها سنة ١٢٤٣ المسيحية، إلَّا أن العرب طردوا الإسبان منها واستردُّوها، ثم عاد الإسبان فاستولوا عليها نهائيًّا في زمن جاك الأول ملك أراغون. ومن قرطاجنة هذه خرج الغزاة الإسبانيون الذين استولوا على وهران في بلاد الجزائر، وذلك سنة ١٥٠٩.
ولم نعثر على أسماء رجال من أهل العلم منسوبين إلى قرطاجنة، ولا شك في أنها كانت كغيرها من مدن الأندلس في الاعتناء بالعلم والأدب؛ لأن الحركة العقلية في الأندلس كانت عامة؛ فإن لم نكن عثرنا على أسماء علماء منسوبين إلى بعض البلاد فيكون ذلك لفقد الوثائق لا غير. وقد وجدنا مترجمًا في تكملة الصلة لابن الأبَّار محمد بن حسن بن محمد بن خلف بن حازم الأنصاري، من أهل قرطاجنة عمل مرسية، أصله من سرقسطة، ولِّي القضاء في قرطاجنة زيادة على أربعين سنة، وكان له حظ من الفقه والأدب، وتوفي سنة ٦٣٢.