بنشكلة وعلماؤها
وعلى مسافة خمسين كيلومترًا من طرطوشة مدينة بني
كارلو Benicarlo، وسكانها ثمانية آلاف ولها حصن قديم، وفيها كنيسة بديعة لها قبة
جرس مثمنة مزينة بالزليج الأزرق، وإلى الشمال من هذه البلدة حصن بنشكلة Peniscola١ ويسمى هذا الحصن بجبل طارق
بلنسية؛ لأنه جزيرة متصلة بالبر بلسان من الرمل، وقد بقي هذا الحصن في أيدي العرب إلى
سنة ١٢٣٣، فاستخلصه منهم جاك الأول ملك أراغون. وقد دخل الفرنسيس هذا الحصن سنة ١٨١١،
وقد أقام أحد البابوات بهذا الحصن، وهو البابا بندكتس الثامن الذي أعلن مجمع كونستانزا
إسقاطه من البابوية، فجاء بكرادلته إلى هذا الحصن وأقام به سبع سنين إلى أن مات، وذلك
سنة ١٤٢٤.٢
ثم إن الخط الحديدي ينحرف عن الساحل مصعدًا في الوادي الذي بين جبال «إيرته Irta» وجبال «أتاليا القلعة Atalya
Alcala»، وعلى مسافة
٧٢ كيلومترًا من طرطوشة قلعة «شيبر Chiber»،٣ وهي التي يظن المستشرق دوزي أنها الرابطة التي كان
يقول لها العرب: رابطة «كشطالي»، وقد ورد ذكرها في كتاب الشريف الإدريسي، وقال: إنها
رابطة منيعة على نحر البحر الشامي يسكنها قوم أخيار. وعلى مسافة ٧٨ كيلومترًا من طرطوشة
بلدة يقال لها: «طوربلانكه Torreblanca» بيوتها أشبه
بأبراج وعلى شمالها قرية يقال لها البلاط، في مستنقع من الأرض، ثم قرية اسمها
«أوروبيزه Oropésa»، ومن هناك تبدأ بمشاهدة جنان
البرتقال، ويستقبلك جبل فيخترقه الخط الحديدي في نفق وعلى مسافة ١١٠ كيلومترات من
طرطوشة بلدة بني قاسم Benicasim، وهي ذات موقع بديع،
وفيها برتقال ونخل، وقبة كنيستها مزخرفة بالزلِّيج، وعلى مسافة ١٢ كيلومترًا من هناك
مدينة «قسطلون البلانة Castellondelaplana»، وهي مدينة
سكانها ٣٨ ألف نسمة، وهي مركز مقاطعة، كما أنها مركز تجارة عظيمة للبرتقال، ولها فرضة
على البحر يقال لها: «غراو Grao» تتصل بخط حديدي إلى
البلدة وإلى هذه البلدة ينسب مصور شهير اسمه «ريبالته Ribalta» وله تصاوير محفوظة في هذه البلدة أحدها في الكنيسة
الكبرى.
وفي هذه البلدة أيضًا تمثال للملك جايم الذي بناها وهو من ملوك أراغون. ثم يمر القطار
الحديدي بمكان اسمه المجر Mijiares على جسر ثلاث عشرة
قوسًا فوق قناة قسطلون المشتقة من النهر. وقد تقدم لنا الكلام في الجزء الأول من هذا
الكتاب في ما علقناه على كلام الشريف الإدريسي نقل ما ورد في دليل بديكر عن الجسر وهذه
القناة؛ فإنه قال: إنها تحفة بديعة من بدائع هندسة العرب تسقي تلك الأراضي منذ ستمائة
سنة.٤
ومن هناك تفيض إلى بلدة يقال لها: «فيلا
ريال Villareal»، وهي بلدة عدد سكانها ستة عشر ألف نسمة، وكنيستها ذات قبة
مصنوعة بالزليج، ولها قبة جرس مثمنة، وموقع هذه البلدة من أجمل المواقع، وفيها بساتين
البرتقال يتخللها بعض النخيل، والنساء هناك تستقي بأباريق غريبة الشكل ترجع إلى عهد
قديم.
ولا تزال مياه المَجَرِّ تتوزَّع على تلك البساتين إلى مدينة «بوريانة Buriana» التي يصدر منها برتقال كثير. وانظر ما قال
الإدريسي عن بوريانة؛ فقد ذكر أنه من حصن بَنَشْكَلَة إلى عقبة أبيشة٥ سبعة أميال، وقال: إن هذه العقبة جبل
معترض عالٍ على البحر، والطريق عليه لا بد من السلوك على رأسه، وهو صعب جدًّا، ونحن نظن
أن هذا الجبل هو الذي تقدم ذكره قبل الوصول إلى قرية بني قاسم، وأن الخط الحديدي يخترقه
بواسطة نفق، ثم يقول: إن منه إلى مدينة بوريانة غربًا ٢٥ ميلًا، ويقول: إن مدينة
بوريانة Buriana مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب
والأشجار والكروم، وهي في مستوٍ من الأرض، وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة
أميال.٦ ويقول الإدريسي: ومن بوريانة إلى مرباطر — وهي قرى عامرة وأشجار ومستغلات
ومياه متدفقة — ٦٠ ميلًا، وكل هذه الضياع والأشجار على مقربة من البحر، ومنها إلى
بلنسية ١٢ ميلًا.٧
هوامش
(١) ينسب إلى بنشكلة هذه من أهل العلم أبو الحسن علي بن سعيد البنشكلي، ذكره ابن
الأبَّار في التكملة. وقال: إنه كان مقرئًا أخذ عنه محمد بن المعز بفتح الميم
اليفرني من أهل ميورقة.
وينسب إلى بنشكلة أيضًا أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن خلف بن تقي القيسي، سكن دانية، سمع من أبي محمد البطليوسي، وأبي علي الصدفي، وأبي محمد بن عتاب، وكان فقيهًا حافظًا مشاورًا مدرسًا، غلب عليه علم الرأي، توفي نحو الخمسين وخمسمائة (عن ابن الأبار).
وينسب إلى بنشكلة أيضًا أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن خلف بن تقي القيسي، سكن دانية، سمع من أبي محمد البطليوسي، وأبي علي الصدفي، وأبي محمد بن عتاب، وكان فقيهًا حافظًا مشاورًا مدرسًا، غلب عليه علم الرأي، توفي نحو الخمسين وخمسمائة (عن ابن الأبار).
(٢) قال الحميري في الروض المعطار: بنشكلة حصن
بالأندلس بالقرب من طركونة منيع على ضفة البحر، وهو عامر آهل، وله قرى وعمارات
ومياه كثيرة، وبه عين ثرة تريق في البحر، ويقابل مرسى بنشكلة من بره العدوة
جزائر بني مزغناي بينه وبينها ستة مجارٍ.
وذكر في الروض المعطار «أنيشة»، وأظنها محرفة، وحقيقتها أبيشة بالباء لا بالنون؛ لأنها بالإسبانيولي أبيشة Abiccha، فقال: إنها موضع على مقربة من بلنسية وبالقرب من بنشكلة، وعرفها بقوله: وعقبة أبيشة جبل معترض عالٍ على البحر والطريق عليه، ولا بد من السلوك على رأسه وهو صعب جدًّا. انتهى. وتعريفه هذا منقول بحرفه عن «نزهة المشتاق» للشريف الإدريسي، وكذلك تعريفه لبلدة لَقَنْت منقول بالحرف عن الإدريسي وغير ذلك. ثم ذكر في الروض أنه في أبيشة كانت الوقيعة بين المسلمين من أهل بلنسية وبين النصارى، واستشهد فيها الأديب المحدث العلامة أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي مصنف كتاب «الاكتفاء» في سير النبي ﷺ والثلاثة الخلفاء، وكانت هذه الوقيعة في سنة ٦٣٤، وكان خطيبًا راوية ناظمًا ناثرًا، ورثاه الكاتب أبو عبد الله بن الأبار القضاعي بقصيدة طويلة أولها:
أحسن فيها ما شاء، وفيها:
وفيها:
وفيها:
وذكر في الروض المعطار «أنيشة»، وأظنها محرفة، وحقيقتها أبيشة بالباء لا بالنون؛ لأنها بالإسبانيولي أبيشة Abiccha، فقال: إنها موضع على مقربة من بلنسية وبالقرب من بنشكلة، وعرفها بقوله: وعقبة أبيشة جبل معترض عالٍ على البحر والطريق عليه، ولا بد من السلوك على رأسه وهو صعب جدًّا. انتهى. وتعريفه هذا منقول بحرفه عن «نزهة المشتاق» للشريف الإدريسي، وكذلك تعريفه لبلدة لَقَنْت منقول بالحرف عن الإدريسي وغير ذلك. ثم ذكر في الروض أنه في أبيشة كانت الوقيعة بين المسلمين من أهل بلنسية وبين النصارى، واستشهد فيها الأديب المحدث العلامة أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي مصنف كتاب «الاكتفاء» في سير النبي ﷺ والثلاثة الخلفاء، وكانت هذه الوقيعة في سنة ٦٣٤، وكان خطيبًا راوية ناظمًا ناثرًا، ورثاه الكاتب أبو عبد الله بن الأبار القضاعي بقصيدة طويلة أولها:
ألمَّا بأشلاء العلا والمكارمِ
تقدُّ بأطراف القنا والصوارمِ
سقى الله أشلاءً بسفح أبيشة
سوافح تزجيها ثقال الغمائمِ
أضاعهمُ يوم الخميس حفاظهم
وكرُّهمُ في المأزق المتلاحمِ
سلام على الدنيا إذا لم يلُحْ بها
مُحَيَّا سليمان بن موسى بن سالمِ
(٣) أشار ابن الأبَّار إلى قرية اسمها شيبر قال: إنه ينتسب إليها أبو الحجاج يوسف
الشيبري الزاهد، صحب أبا عبد الله بن مجاهد، وسلك طريقه، وشهر بالصلاح والورع،
وله في ذلك أخبار عجيبة، توفي سنة ٥٨٧ أو نحوها وقد قارب
الثمانين.
(٤) من الآثار الإسلامية الباقية في هذه البلدة كتابة على قبر نقلها لاوي
بروفنسال في كتابه الموسوم ﺑ «الكتابات العربية في إسبانية»، وهي أحد عشر سطرًا
بالخط الكوفي المجوف المنقوش في الحجر:
وقد ذكر لاوي بروفنسال أن لفظة غصن —
وهو اسم المدفونة — غير ظاهرة تمامًا كسائر الكتابة، وإنما يرجح أن الاسم هو
غصن، وهو لائق باسم امرأة.
بسملة … يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ
اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا
يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ. هذا قبر غصن ابنة فرج،
توفيت ليلة الأربعاء لستة خلت لشوال الذي من سنة ثلاثة وخمسين
وأربعمائة، فرحم الله من دعا لها بالرحمة، آمين رب العالمين، وصلى الله
على محمد.
(٥) ينسب إلى قرية لبرقاط من عمل أبيشة عبيد الله بن عيشون المعافري، سكن بلنسية،
وستأتي ترجمته بها.
(٦) ينسب إلى بوريانة محمد بن أحمد بن عثمان، سكن بلنسية. قال ابن الأبار في
التكملة: كان من جلة الأدباء ومشاهير الشعراء، وعمر وأسنَّ، وكان يصحب أبا محمد
القُلُني ويحضر مجلسه، وقد أخذ عنه أبو عبد الله بن نايل، وأنشدني أبو الربيع
بن سالم قائلًا: إن أبا عامر البرياني أنشده لنفسه في الصنم الذي
بشاطبة:
بقية من بقايا الروم معجبة
أبدى البناة بها من علمهم حكما
لم أدر ما أصمروا فيه سوى أمم
تتابعت بعدُ سمَّوْهُ لنا صنما
كالمبرد الفرد ما أخطا مشبهه
حقًّا لقد برَّد الأيام والأمما
كأنه واعظ طال الوقوف به
مما يحدِّث عن عاد وعن إرما
فانظر إلى حجر صلد يكلمنا
أشجى وأوعظ من قسٍّ لمن فهما
(٧) يقول الحميري في الروض المعطار: إن بُريانة — بضم أولها وكسر ثانيها وتشديد
الياء — هي مدينة جليلة عامرة بقرب عقبة أبيشة، وإنها كثيرة الخصب والأشجار
والكروم، وهي في مستوٍ من الأرض، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال، وهي قريبة من
بلنسية.