مقدمة (٢)
ظهر هذا الكتاب منذ بضع عشرة سنة، فتناوله الأدباء والعلماء بالتقريظ والانتقاد في الصحف العربية وغيرها، وجاءتنا كتب أهل العلم من أقطار العالم الإسلامي ينشطوننا ويستحثوننا، وفيهم من جاهر صريحًا أنه لم يكن يظن تأليف مثل هذا الكتاب ممكنًا، لقلة المآخذ المساعدة على ذلك، فزادنا تنشيطهم ثباتًا على هذا العمل حتى ظهر الكتاب في أجزائه الخمسة.
وكان له وقع خاص عند أدباء اللغات الأخرى، فأخذوا في نقله كله أو بعضه إلى ألسنتهم، فنقل إلى أهم اللغات الشرقية — نعني الفارسية والأوردية والتركية، ظهر مطبوعًا فيها كلها — ونقل إلى أهم لغات أوربا — نعني الإنجليزية والفرنسية — وقد ظهر جزؤه الرابع في الأولى وسيظهر جزؤه الأول في الثانية، وتضاعف الإقبال على الطبعة العربية حتى نفذت نسخ هذا الجزء منذ بضعة أعوام، ونحن نتحين الفرص لإعادة طبعه، فلم نتمكن من ذلك إلا الآن.
وما برحنا منذ صدور الطبعة الأولى ونحن نجمع ما يمر بنا من الفوائد التي يحسن إدخالها في هذا الكتاب عند إعادة طبعه، فاجتمع لدينا من ذلك شيء كثير أضفناه إلى هذه الطبعة، ونظرنا فيما وصل إلينا من انتقادات المنتقدين أو ملاحظات الملاحظين مما نشر في الصحف أو الكتب أو جاءنا في الكتب الخصوصية، وتدبرناها كلها بإخلاص وروية فأصلحنا ما صح عندنا وأغفلنا الباقي — وهو الأكثر — وإنما توهم المنتقدون خطأه، لأنهم نظروا فيه من وجه غير الذي نظرنا منه نحن، أو أننا اطلعنا عليه في مصادرَ لم يطلعوا عليها، فاكتفينا في هذه الحال يذكر المصدر الذي عولنا عليه في ذيل الصفحة.
فجاءت هذه الطبعة أكبر من الأولى وأوفر مادة وأحسن ترتيبًا وأكثر صورًا وأشكالًا، وفي ما أضفناه له من الصور أو الخرائط ما يزيد البحث إيضاحًا، فعسى أن يقع عملُنا هذا موقعَ الاستحسانِ، وحسبنا أننا قمنا ببعض الواجب في سبيل آداب هذا اللسان.