من كوة الحياة
… وقفت عند كوة الحياة لا أدري لماذا أقف ومن ذا أوقفني هناك. وإذ بالناس في السبيل يمرون، فأخذت أتفحص الوجوه منهم والحركات؛ لعلِّي أعثر على ما يجعلني مختلفة عنهم وهم مختلفين عني، ولعلِّي أدرك ما هذا الذي يطلب مني رغم حداثتي وحيرتي وجهلي وقلة اختباري، فصرت أعجب بالناس وأغبطهم على ما لديهم وليس لي أن أفوز بمثله، وأتعزَّى بمظاهر الكآبة عندهم؛ لتكون تلك المظاهر صلة، ولو واهية، بيني وبينهم، على أني لم أزدد إلا شعورًا بحيرتي وعجزي، لم أزدد إلا شعورًا بأني خيال لا ضرورة له إزاء تلك الأقوام الفرحة الضاحكة — مع أن هذا الخيال يُطلب منه شيء كثير لا يدري ما هو، فظننت لحظة أني وصلت إلى قرارة اليأس، وأني شربت كأس المرارة حتى الثمالة، ثم أوحي إلي بأن هناك وجودًا غير ملموس يدعى السعادة، وشعرت باحتياج محرق إلى التعرُّف إليها، والتمتع بها، ففهمت أنه ليس أقسى على النفوس في انفرادها وسكوتها وعجزها من تلقي ذلك الوحي العنيف، والشعور بذلك الاجتياح العميق …