العُيُون
تلك الأحداق القائمة في الوجوه كتعاويذ من حلك ولجين.
تلك المياه الجائلة بين الأشفار والأهداب كبحيرات تنطَّقن بالشواطئ وأشجار الحور.
العيون، ألا تدهشك العيون؟
العيون الرمادية بأحلامها.
والعيون الزرقاء بتنوعها.
والعيون العسلية بحلاوتها.
والعيون البنية بجاذبيتها.
والعيون القاتمة بما يتناوبها من قوة وعذوبة.
•••
جميع العيون.
تلك التي تذكرك بصفاء السماء.
وتلك التي يركد فيها عمق اليموم.
وتلك التي تريك مفاوز الصحراء وسرابها.
وتلك التي تعرج بخيالك في ملكوت أثيريٍّ كله بهاء.
وتلك التي تمر فيها سحائب مبرقة مهضبة.
وتلك التي لا يتحول عنها بصرك إلا ليبحث عن شامة في الوجنة.
العيون الضيقة المستديرة، والعيون اللوزية المستطيلة.
وتلك الغائرة في محاجرها لشدة ما تتمعن وتتبصر.
وتلك الرحيبة اللواحظ البطيئة الحركات.
وتلك التي تطفو عليها الأجفان العليا بهدوء كما ترفرف أسراب الطيور البيضاء على بحيرات الشمال.
وتلك الأخرى ذات اللهيب الأخضر التي تلوَّى شعاعها كعقافة كلَّاب على القلب فتحتجنه، وغيرها، وغيرها، وغيرها.
العيون التي تشعر.
والعيون التي تفكر.
والعيون التي تتمتع.
والعيون التي تترنم.
وتلك التي عسكرت فيها الأحقاد والحفائظ.
وتلك التي غرزت في شعابها الأسرار.
•••
جميع العيون وجميع أسرار العيون.
تلك التي يظل فيها الوحيُ طُلعة خبأة.
وتلك التي تكاثفت عليها أغشية الخمول.
وتلك التي يتسع سوادها أمام من تحب وينكمش لدى من تكره.
وتلك التي لا تفتأ سائلة: «من أنت؟» وكلما أجبتها زادت استفهامًا.
وتلك التي تقرر بلحظة «أنت عبدي!»
وتلك التي تصرخ: «بي احتياج إلى الألم، أليس بين الناس من يتقن تعذيبي؟»
وتلك التي تقول: «بي حاجة إلى الاستبداد، فأين ضحيتي؟»
وتلك التي تبتسم وتتوسل.
وتلك التي يشخص فيها انجذاب الصلاة وانخطاف المصلي.
وتلك التي تظل مستطلعة خفاياك وهي تقول: «ألا تعرفني؟»
وتلك التي يتعاقب في مياهها كل استخبار، وكل انجذاب، وكل نفي، وكل إثبات.
العيون، جميع العيون، ألا تدهشك العيون؟
•••
وأنت ما لون عينيك، وما معناهما، وإلى أي نقطة بين المرئيات أو وراءها ترميان؟
قم إلى مرآتك!
وانظر إلى طلسميك السحريين، هل درستهما قبل اليوم؟
تفرس في عمق أعماقهما تتبين الذات العلمية التي ترصد حركات الأنام، وتساير دورة الأفلاك والأزمنة.
في أعماق أعماقهما ترى كل مشهد وكل وجه وكل شيء.
وإذا شئت أن تعرفني، أنا المجهولة، تفرَّس في حدقتيك يجدني نظرك في نظرك على رغم منك.