بَينَ عَامَين
بين شطَّي الماضي والمستقبل يجري نهر الحياة ثملًا بعقيقه الفخم؛ ليَصُبَّ في بحر الأبدية حيث لا جديد ولا قديم؛ وخيالات البشر تتهادى بين جماجم الموت وأغراس الحياة مخفية طي ضلوعها كثيرًا من الآمال، وكثيرًا من الكلوم.
فإلى بحر الأبدية، أيها العام الراحل!
وأنت أيها العام الجديد، إلينا!
•••
وطئت الأرض طفلًا جميلًا، فنبهت في قلوب الشيوخ الحنان، وكنت صلة حب بين أرواح الخلصان.
امتزجت نسيماتك بدقائق الأثير فأصبح مغردًا لامعًا، وامتشقت حسام الصبح ضاربًا أعناق جيوش الظلام، فسالت منها الدماء في المشرق، وملأت كتائب النور الأرض والسماء.
وداست أعقابك على هام الأيام، فأفنت قديمها، وغدا اليأس أملًا، والنواح تهليلًا.
هي الإنسانية طفلة في هرمها كلما ذاقت عذابًا رجتْ حظًّا، ولئن مزقت أحشاءها الضغائن والأحقاد، فموجات الحب العظيم ما برحت غامرة فؤادها.
فاسمَعْ هتافها متخللًا أصوات الصباح: رحماك، أيها العام، رحماك!
لقد كتبتْ اسمَك يدُ الزمان على باب الوجود، فساعدنا لننقش أسماءنا على باب السعادة!
كنا بالأمس نلمس الأوتار فتسيل عليها الدموع مرخية قواها، فما تسمعنا سوى شكوى المذلة وأنين العبودية. أما اليوم، فنريد أن نُنعش أرواح العيدان لنوقع أسمى المبادئ على أعذب الألحان.
رحماك أيها العام الجديد! الإنسانية تتألم؛ فارفق بها!
•••
رحماك، أيها الطفل الحبيب!
تعال نُعطك القبلات السنوية الثلاث؛ فعلى جبهتك قبلة الرجاء، وعلى ابتسامتك قبلة الوداد، وعلى يديك قبلة الالتماس والتوسل.
جبهتك مستودع الأفكار، وابتسامتك عبير الأزهار، ويداك رمز القوة المنتقلة أبدية من أدهار إلى أدهار.
هذه أمانينا نلقي بها عند قدميك؛ فلا تدسها فتلاشينا، بل ضمَّها إليك فتحيينا.