يا سيِّدة البحَار
أسمعت ما طيرته عنك البروق وما قالته فيك الأنباء؟ لوزيتانيا! أبلغك ما بلغنا وتعرفت ما يكتبون؟
قولي!
أتمردت أرواح الكهرباء في الفضاء، وثارت قوات العناصر في أعماق السماء! أم هجمت أسد البحر على الأسلاك الممدودة تحت الماء طالبة من معارف البشر لداء خفي شافي الدواء؟
قولي! أسمعت بما أذاعته عنك الأنباء؟
لوزيتانيا، أجيبي!
أنت التي خضعت لها رقاب الأمواج أعوامًا، ولثمت المياه موطئ قدمها شهورًا وأيامًا، أنت التي ذاب لحر أنفاسها جليد البحار القاصيات، وابتسمت لقدومها شموس السواحل الدانيات، أيتها الهازئة بهيجان العواصف، وثورات اللجج، وغضب البراكين، يا صلة العمران النشيطة بين العالمين!
يقال إنك غارقة يا ذات الدلال السائر، ويذاع أنك مندحرة يا قاهرة العنصر القاهر، أصحيح ما يقولون وما هم مذيعون؟ تقعين صريعة نيران الجبار العنيد؟ تتضاءل منك القوى إزاء بطشه فيذوب منك حتى صلب الحديد؟
أنت التي قطعت المسافات الشاسعات ببسالة باسمة، وملأت وحشة البحار الواسعات بزفرات الإنسان وأصواته، أنت الآملة بكل شيء لأنك يائسة من كل شيء، أيتها المرأة المتنمرة، كيف لم تجيبي على صواعق الإنسان بصواعقك المنتقمة؟
ألا تذكرين يوم غادرت العالم الجديد تحملين للأجسام طعامًا، وتنقلين للنفوس غذاءً، وتمثال الحرية يحييك بقبسه المحيي ويتمنى لك سفرًا سعيدًا؟ يوم شيعتك أنظار وقلوب وقد أودعتك أموالًا وأسرارًا وأرواحًا غاليات، ألا تذكرين؟ كيف لم تصوني وديعتك سائرة بها إلى مرفأ الأمان سالمة؟ كيف لم تحرصي على ما ضممت إلى قلبك، أيتها العاشقة الصامتة؟
لوزيتانيا! لوزيتانيا! لقد ذقت رعشة الموت، يا ضحية الحياة! وعرفت معنى الأبدية، يا أثر الفكر الزمني!
هل من دمعة تصل إليك مخترقة مياه البحار؟ هل من قبلة تهبط نحوك مداعبة ما لديك من الأسرار؟ لكن قد كفنك السكوت الدائم والجمود المتحرك الذي لا قبلات لديه، ولا دعابة، ولا عبرات.
لوزيتانيا! لوزيتانيا!
سوف ينتقم لك البشر من البشر، سوف يقيم التاريخ لك ولأخواتك جميل الآثار، سوف تنظم لك الأناشيد، ويعزف لذكرك طروب الآلات.
وإذا سئلت في أعماق الهاوية عن الإنسان الذي أبدعك واستخدمك قولي إنه ما زال كبير المطامع، موفور الغرور، إنه في غروره قد أحبك وبكاك، وإذا سألتك روح الهاوية مذهولة: إذن كيف فتك بك؟ أجيبي بما يقولونه في ربوعنا من أن الذي قضى عليك ليس التحالف الملقب بالإنساني، بل المبطاش المنعوت بالجرماني …