بُكاءُ الطفل
سمعت الطفل يضحك فاختلجت روحي الأثيرية في جسدي الترابي. إن صوت هذا الرضيع ليرجِّع صدى أصوات الملائكة، وضحكته البريئة المطربة لتحث المفكر على اكتناه الأسرار الأزلية الغامضة.
ثم سمعت الطفل يبكي فهلع قلبي فرقًا، وشعرت بشيء كبير يذوب فيه. أوَّاه من بكاء الأطفال! إنه أشد إيلامًا من بكاء الرجال!
سمعت الطفل يبكي، ورأيت العبرات تتحدر على وجنتيه الورديتين، فكانت تلك اللآلئ الذائبة جمرات نار تكويني.
ظل الطفل يبكي ودلائل العجز واليأس بادية على محياه الوسيم. ظل يبكي بكاء متروك منفرد لا يحبه في الدنيا أحد. الطفل الحبيب يبكي، فكيف أعيد التألُّق إلى عينيه؟ كيف أسمع في ضحكته صدى أصوات الملائكة مرة أخرى؟
•••
فدنوت منه متوسلة، وضممته إليَّ بذراعي التي لم تضم يومًا أخًا أو أختًا صغيرة، وأجلسته على ركبتي حيث لا يجلس سوى الأطفال الغرباء، ورفعت عقارب شعره عن جبهته الظاهرة بيد ترتجف كأنما هي تلمس شيئًا مقدسًا.
… ثم وضعت على تلك الجبهة شفتيَّ ساكبة في قبلة كل ما يحوم في جناني من شفقة وانعطاف. ترى من ذا ينبه الانعطاف والشفقة بمقدار ما يفعل الطفل الباكي؟
صمت الطفل حائرًا لأنه شعر بأن روحًا تناجي روحه. صمت هنيهة، ثم عاد فحدَّق فيَّ بعينين ملؤهما الحزن والتعنيف معًا. أتعرفون كيف تحزن عيون الأطفال؟ أتعلمون كيف تعنف أحداق الصغار؟ حدِّق فيَّ سائلًا عن أعز عزيز لديه وقال بصوت هادئ كأصوات الحكماء: ماما، ماما!
•••
صغيرك يناديك فلماذا لا تجيبين، يا أم الصغير؟ لست بالعليلة؛ لأني رأيتك منذ حين تميسين بقدك تحت قبعتك، والجواهر تطوق العنق منك. أنت صحيحة الجسم، فلماذا لا تسرعين؟ ألا تحرقك دموع الطفل الذي لا ترين؟ ألا يوجعك الشهيق الذي لا تسمعين؟
عودي من نزهاتك الطويلة، وزياراتك العديدة، وأحاديثك السخيفة، عودي واركعي أمام الصغير واستميحيه عفوًا.
لقد خلقت امرأة قبل أن تكوني حسناء، وكيفتك الطبيعة أمًّا قبل أن يجعلك الاجتماع زائرة.
تعالي واسجدي أمام السرير، سرير الصغير!
اسجدي أمام هذا المهد الذي لعبت بين ستائره طفلة، وحلمت به فتاة، وانتظرته زوجة، فما خجلت أن تهمليه أُمًّا.
اسجدي أمام المهد؛ فإن المهد محجتك القصوى!
اسجدي أمام السرير، ولا تدعي رب السرير يبكي لئلا تملأ قلبه مرارة الوحدة، حتى إذا ما شب رجلًا تحولت المرارة كرهًا وصرامة.
اسجدي أمام السرير وناغي الصغير! إن دموع الأطفال لأشد إيلامًا من دموع الرجال.