اغتيال في المترو السريع!
أعلن مُكبِّر الصوت وصول المترو السريع، الذي يربط بين ولايات «واشنطن» و«ميريلاند» إلى محطة «كريستال سيتي» وأبطأ المترو من سرعته، استعدادًا للدخول إلى المحطة.
وكان «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» قد قرَّروا القيام بجولة في ولاية «فرجينيا» الجميلة المليئة بالحدائق والغابات … وقد استقَر رأيهم على أن يقوموا بجولتهم بالمترو؛ فهو أسرع وسيلة، وكذلك اختصارًا للوقت … بعد ثلاثِ دقائق … بدأ المترو بالتحرُّك مغادرًا محطة «كريستال سيتي» أو مدينة «الكريستال» لأن معظم مبانيها من الخارج قد صُمِّمَت من الزجاج، فإذا رأيتَها تحت وهج أشعة الشمس، بدت كأنها نجفةٌ من الكريستال المضاء …
والمترو الجديد يعمل بالكمبيوتر، وتصل سرعته داخل المدينة إلى ١٠٠ كيلومتر في الساعة، وهو يربط بين ثلاث ولايات هي «فرجينيا» و«ميريلاند» و«واشنطن» وهي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية … وقد بدأ سَيْره منذ فترةٍ قصيرة، وقد كانت فرصة للشياطين أن يتعرَّفوا على هذه الولايات وأيضًا تجربة المترو الجديد.
وبدأ المترو يُقلِّل من سرعته تدريجيًّا … استعدادًا لدخول محطة «جيفرستون». وكان الشياطين يتبادلون الحديث عن الأماكن التي يَرونَها من نافذة المترو السريع، وبعد ثلاثِ دقائق … وهي فترة وقوف المترو في أي محطة … لفَت نظر «أحمد» شيءٌ ما حدث … فقبل مغادرة المترو المحطة مباشرة، وقبل أن تُغلق الأبواب الأوتوماتيكية … قفز رجلٌ داخل المترو الذي بدأ التحرُّك … وقد كان منظر الرجل الذي جلس على المقعد الذي على يسار «أحمد» غريبًا؛ فقد كان تنفُّسُه سريعًا ويبدو عليه الارتباك. وأدرك «أحمد» بحُكم خبرته أن الرجل مُراقَب … أو مُطارَد رغم محاولته أن يبدو عاديًّا … وقد لفَت منظرُه انتباهَ بقية الشياطين.
وعندما أُعلِن دخول المترو إلى محطة «المترو سنتر»، وهي تُعتبَر أكبر محطةٍ للمترو حيث تتكوَّن من أربعة طوابق، بكل طابقٍ خطٌّ منفصلٌ للمترو … فُتحَت الأبواب، نظر الرجل إلى الباب بإمعانٍ شديد … وما هي إلا لحظاتٌ حتى وقف مكانه … ثم أسرع في اتجاه مؤخِّرة العربة، ووجد «أحمد» نفسه يتبع الرجل الذي اختفى وسط الركَّاب … وبعد لحظاتٍ دخل عربة المترو التي يجلس فيها «عثمان» و«إلهام» رجلان يسيران ببطءٍ بين مقاعد المترو ويتفحَّصان الركاب … كان أحدهما ضخم الجثة يحمل مُسدَّسًا على جانبه الأيسر والآخرُ نحيلٌ وطويل القامة، وبعد أن تخطَّيا «عثمان» … و«إلهام» وقفا … فقد أحسَّا أن في الأمر شيئًا …
وفي العربة التي تليها كان «أحمد» يُحاوِل أن يجد الرجل المضطرب دون جدوى، حتى وصل إلى نهاية المترو … ولكنه في آخر عربةٍ وجد دورة المياه مُغلقةً ومشغولة. وصل «عثمان» و«إلهام» ووجدا «أحمد» يجلس على المقعد المواجه لدورة المياه … وكان الرجلان اللذان سبقا «عثمان» يقفان أمام أحد أبواب العربة.
أحمد: أعتقد أن صاحبنا مختبئ في دورة المياه …
عثمان: هل رأيتَه وهو يدخل؟
أحمد: لا … ولكنني بحثتُ عنه في جميع العربات، ولم أجده، والمترو لم يقف منذ غادرنا آخر محطة، وهذا يعني أنه هنا ما دام ليس موجودًا في باقي العربات.
إلهام: ولكنه لن يمكُثَ بداخلها طويلًا؛ فسوف يخرج، وسيكون الرجلان في انتظاره …
أحمد: وسنكون نحن أيضًا بانتظاره!
أخذ المترو يُهدِّئ من سرعته لدخول محطة «كورت هاوس»، وتوقَّف المترو، وكم كانت دهشة الشياطين حينما وجدوا الرجلَين يغادران المترو! ولم تدُم دهشتُهم طويلًا حتى فُوجئوا بمفاجأةٍ أكبر … ففي لحظة انطلاق المترو فُتح باب دورة المياه، وانطلق رجلٌ مجهول غير الرجل الذي كانوا يتبعونه، وانطلَق من باب المترو إلى حيث المحطة.
أحمد: شيءٌ غريب! … أين الرجل الآخر؟ …
عثمان: لو كانت نوافذ المترو تُفتح لقلتُ إنه قد قفز منها!
إلهام: ربما كان …
ولم تُكمل «إلهام» كلمتها؛ فلقد صدَرتْ صرخةٌ مدوِّية من دورة المياه، فانطلق «أحمد» و«عثمان» بسرعة إليها، وفتح «أحمد» الباب فوجد سيدةً تقف مذهولةً تضع يدَيها على عينَيها وتُواصل الصُّراخ وأمامها عُلِّقَت … جثة الرجل الذي كانوا يتبعونه منذ دقائق … جثة الرجل الخائف.
كانت مفاجأةً كاملة؛ فكيف قامت هذه المجموعة باغتيال الرجل الذي كان مختنقًا بحبلٍ من النايلون وقد رُبط في سقف دورة المياه وعُلق فيه الرجل؟ وواضح أن الذين قاموا باغتياله … مجموعةٌ مُدرَّبة بحيث لم يشعر بهم أحد، ولم يأخذ منهم ذلك سوى دقائقَ قليلة.
أعلن سائق المترو أن المترو لن يُكمل رحلته إلى المحطة النهائية، وعلى الركَّاب أن يغادروه بسبب ما حدث … حتى يتسنَّى للبوليس أن يقوم بواجبه. إذا كان أي شخص من الركَّاب قد شاهد شيئًا يفيد البوليس، فعلَيه أن يتوجه إلى استعلامات المحطة.
وتوقَّف المترو وغادره الشياطين، وفضَّلوا أن يبقَوا بعيدين عن التحقيق، ويَروا ما ستُسفر عنه جهودُ رجال البوليس، واستقل الشياطين سيارة وعادوا إلى المقَر، وكان في انتظارهم «رشيد» و«بو عمير» و«زبيدة»، وبسرعة روَى لهم «أحمد» ما حدث في المترو …
فقالت «زبيدة»: إن هناك نشرةً إخبارية في الساعة الخامسة، وأعتقد أنهم سوف يتناولون موضوع اغتيال هذا الرجل في المترو …
بدأَت النشرة الإخبارية بمجموعةٍ من الإعلانات أولًا، ثم ظهر المذيع الذي أذاع بعض الأخبار السياسية، ثم ظهَرَت صورة للمترو وعلَّق المذيع قائلًا: أول حادثٍ للمترو السريع الذي افتُتح منذ فترةٍ قصيرة … فقد وُجد رجلٌ مُعلَّق في سقف دورة مياه العربة الأخيرة للمترو السريع ظُهر اليوم … وحتى هذه اللحظة لم نتلقَّ التقرير النهائي عن ظروف الحادث من المعمل الجنائي، والرجل القتيل يُدعى «جان سميث»، ويبلغ من العمر ٤٣ عامًا … ويعمل أستاذًا للكيمياء في جامعة «ميريلاند»، وهو رجلٌ لامع من أفضل الأساتذة خُلقًا … لذلك فإن ظروف موته تُحاط بأكثر من علامة استفهام، وفي نشرة السابعة سنُذيع عليكم لقاءاتٍ سريعةً مع زملائه في الجامعة، ومع زوجته إذا كانت حالتُها النفسية تسمح بالحديث، والقتيل متزوج منذ ثماني سنوات … وأبٌ لطفلَين أكبرهما في الخامسة من العمر … وإليكم هذه الفقرة الإعلانية ثم نوافيكم بتقرير المعمل الجنائي بعدها.
أحمد: لماذا يُقتل رجلٌ مثل «جاك سميث» وهو بعيدٌ عن كل الشُبهات وحياتُه رائعةٌ بهذا الشكل؟
عثمان: هناك أكثر من تبرير … ولكن لننتظر التعليق الإخباري …
ظهَر المذيع مرةً أخرى قائلًا: نذيع عليكم الآن تقرير المعمل الجنائي، الذي أكَّد أن «جاك سميث» الذي وُجدَت جثته في دورة مياه المترو السريع … قد مات منتحرًا بشنق نفسه في سقف دورة المياه.