الحصان الفضي!
بدأَت الأمور تأخذ اتجاهًا جديدًا، بعد اكتشاف «إلهام» أن هذه السيدة التي تتحدث على شاشة التليفزيون … ليست هي أرملة «جاك» بالرغم من الشَّبَه الكبير بينهما … واكتشاف «عثمان» للرجل الذي كان يطارد «جاك» في المترو.
وقال «بو عمير»: هناك أكثر من خيطٍ يجب علينا أن نتبعه لكي نستكمل البحث … فهناك «الحصان الفضي» … وهناك السيارة السوداء، وصاحبها الذي يملك فندقًا في «فرجينيا» … والرجل الذي كان يطارِد «جاك» في المترو … ورقم تليفون جمعية رعاية الهنود إذا كان له أهمية في البحث …
رشيد: أعتقد أن الكمبيوتر الذي زوَّدَنا به رقم «صفر» يستطيع أن يساعدنا في تجميع الخيوط، أو على الأقل تسهيل خطة البحث …
أحمد: أعتقد أن «رشيد» على حق، سأقوم وأغذِّي الجهاز بالمعلومات، ونرى ما سيُقدِّمه لنا من استنتاجات.
وفعلًا ذهب «أحمد» و«إلهام» إلى غرفة الكمبيوتر الجديد، وبدأ في إعطائه جميع معلومات وتفاصيل القضية في محاولةٍ للعثور على تحديد موقفٍ يساعدهم على السير.
وكان ردُّ الجهاز مفاجأة للشياطين؛ فرقم التليفون الذي كان يخص جمعية رعاية الهنود كان وراءه خيط من أهم خيوط القضية؛ ﻓ «الحصان الفضي» كان اسم أحد أعضاء هذه الجمعية. وعندما ذكر «جاك» اسم «الحصان الفضي» لم يكن يقصد حصانًا من الفضة كما تصوروا، وإنما كان يقصد رجلًا يحمل هذا الاسم … وعلى ضوء هذه المعلومة قرَّر الشياطين أن تكون هذه النقطة بداية الانطلاق في بحثهم.
وانطلق «أحمد» و«عثمان» إلى هذه الجمعية لمحاولة العثور على الرجل الذي يحمل هذا الاسم، وكانت الجمعية على بُعد نصف ساعة من مقر الشياطين، وكان يمكن ﻟ «أحمد» أن يصل في نصف هذا الوقت بسيارته السريعة، ولكنه فَضَّل ألا يلفت انتباه البوليس الذي يُراقب الطرفَين هناك بوسائلَ متعدِّدة. وعندما وصل «أحمد» و«عثمان» وجدا الجمعية تشغل مبنًى من دورٍ واحد له مدخلٌ أمامي كبير وآخرُ جانبي … وغادر «أحمد» و«عثمان» السيارة، وقصدا المدخل الكبير، وتوجَّها إلى الداخل. ولم يجدا أي شخص لسؤاله عن «الحصان الفضي» وسارا في ردهات المبنى دون جدوى، ثم قرَّرا العودة، ولكنهما لمحا شبح شخصٍ في نهاية الممر، فسارع «أحمد» و«عثمان» إليه، وعندما لحقا به في الحديقة كان الشبح رجلًا ضخمًا في حوالي الأربعين من العمر، يرتدي ما يُشبه ملابس رعاة البقر … وينسدل شعره الأسود الداكن على كتفَيه، وكان يبدو شديد الارتباك، فسأله «أحمد» عن «الحصان الفضي».
فقال الرجل: لا أعرف أي «حصانٍ فضي» تقصد.
أحمد: أرجو أن تهدأ وتتأكَّد من أننا لن نؤذيه!
الرجل: إذن ماذا تريدان منه؟
أحمد: نحن أصدقاء «جاك» ونريد أن نسأله بضعة أسئلة فقط …
الرجل: وكيف أعرف أنكما لن تضُرَّاه؟
عثمان: اسمع أيها الصديق، إن مَن قتل «جاك» يبحث الآن عن «الحصان الفضي»؛ لأنه يعلم أسرار القضية … فهو في خطر.
تردَّد الرجل قليلًا ثم قال: حسنًا سأدُلُّكما على مكانه.
أحمد: إن سيارتنا أمام الباب الرئيسي.
الرجل: المسافة ليست طويلة … اتبعاني …
وسار «أحمد» و«عثمان» خلف الرجل داخل الحديقة المحيطة بالمبنى، ومن بين الأشجار ظهر عن بُعد كوخٌ صغير … وله مدخنةٌ جانبية فأشار الرجل إلى الكوخ، وقال: هنا يختبئ «الحصان الفضي».
ثم أكمَلوا السير حتى وصَلوا إلى الكوخ، فدقَّ الرجل الباب بطريقة يبدو أنها مُتفَق عليها … ثم أخرج مفتاحًا فتح به الباب ودخل وتَبِعه الشياطين، كان الكوخ دافئًا مرتبًا لكن لا يبدو أن أحدًا يسكنه، وبعد ذلك دق الرجل جرسًا كان مُعلقًا بالحائط، وهنا فُتحَت فتحةٌ في أرضية الكوخ وصَعِد منها رجلٌ في الخمسين من عمره، أشيب الشعر … ذو ملامحَ حادة، ضخم … ويبدو أنه كان قويًّا في شبابه، صَعِد وهو صامت ينظر نظراتٍ متسائلة ناحية «أحمد» و«عثمان».
فقال الرجل: إنهما صديقان ﻟ «جاك» وقد حضرا لمساعدتك.
أحمد: نحن فعلًا أصدقاء ﻟ «جاك» ونحن على يقين من أنه لم ينتحر، وقد تحدَّث تليفونيًّا بصديق وقال: ابحثوا عن «الحصان الفضي»، وكان لا بد لنا أن نجدك لنعرف لماذا قُتل.
جلس الرجل على أريكةٍ منخفضة، وأشعل غَلْيونًا غريب الشكل ذا أنبوبةٍ طويلة يبدو أنه صُنع من عظام الحيوانات، ثم قال ببطء: لا يُوجد أحدٌ في هذا العالم يعرف «جاك» مثلما عرفتُه أنا … فقد كنتُ أنا أوَّل من تعرَّف عليه حينما جاء إلى أمريكا منذ أعوامٍ ليتلقى تعليمه … وقد لاحظتُ هدوءه وتفوُّقه منذ العام الأول للدراسة … وكنتُ أُتابعه وأُشجِّعه؛ فقد كنتُ أعمل في الجامعة كعامل نظافة، ولأننا كنا وحيدَين نشأَت بيننا صداقةٌ قوية، وكنا نلتقي في عُطلات نهاية الأسبوع، وكنتُ أدعوه كثيرًا إلى معسكرات الهنود، فأصبح صديقًا لنا. وحتى بعد أن تزوج وأُبعدتُ أنا عن العمل في الجامعة لأسبابٍ لا أعرفها، لم تنقطع علاقتنا وإنما كان دائم السؤال عني … ويزورني من وقتٍ لآخر.
ثم صمت الرجل وترقرقَت الدموعُ من عينَيه، وسكت ثم قال: إن جاك لم ينتحر … فقد قُتل ولا بد أن أعرف القاتل وأنتقم لصديقي.
ثم نظر ناحية النافذة مرةً أخرى وقال: ولكن قاتل «جاك» قويٌّ جدًّا … ومن الصعب الوصول إليه.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» نظرة تساؤل، فهل يعرف «الحصان الفضي» قاتل «جاك» فعلًا؟!
أحمد: هل تعرف من قتل «جاك»؟
نظر الرجل ناحية «أحمد» دون أن يرُد …
عثمان: إذا كنتَ تعرفه حقًّا فأخبرنا ونحن نتولى المهمة …
الرجل: اسمع يا صديقي … إنكما صغيران، ولستما على دراية بهذه البلاد، وإنني أخشى عليكما من هذا الرجل، فابتعدا عن هذا الموضوع واتركاني أحاول.
أحمد: اطمئن، وثِق بنا، وقُص علينا ما حدَث.
نظر الرجل إلى «أحمد» ثم إلى «عثمان» وقال: منذ حوالي شهر اكتُشفَت في الجامعة جثة فتاةٍ مقتولة بتأثير جرعةِ مخدراتٍ قوية، وهذا الأمر شائع في أمريكا وفي وسط الشباب بالذات … ولكن كان هذا الحادث مفاجأة لصديقي «جاك»؛ فقد كانت هذه الفتاة إحدى تلميذاته وهو يعرفها جيدًا ويعرف أنها لا تتعاطى أي نوعٍ من المخدرات … وقد كان موتها مفاجأةً دفعَتْه إلى إعلان الحرب على هذه المخدِّرات ومُروِّجيها داخل الجامعة، والتعاون مع البوليس في مثل هذا الأمر، ثم زارني منذ نحو عشرة أيام …
وصمتَ لحظاتٍ ثم مضى يقول: كان مكتئبًا وحزينًا، وعندما سألتُه عن السبب علمتُ أنه تعرَّض لنوع من الضغط لكي يُوقِف حملته على تُجار المخدرات داخل الجامعة، ولكنني شجَّعتُه على الاستمرار في حربه ضد هذه السموم التي تقضي على الشباب … ولكن هذه النصيحة كلَّفتْه حياته …
أحمد: لقد نصحتَه بما يُمليه عليك ضميرك … أكمل حديثك من فضلك.
الرجل: ومنذ خمسة أيامٍ زارني زيارةً سريعة، وكان مرتبكًا، وأخبرني أنه مُطارَدٌ من أشخاصٍ لا يعرفهم، وطلب مني أن أُخفيَه عندي في الكوخ … حتى أُرتِّب له مكانًا آمنًا، ولكنني عندما عُدتُ لم أجده، كان قد ذهب وكانت هذه هي آخر مرة رأيتُه فيها …
أحمد: إذا كان هؤلاء الأشخاص قد عرفوا مكان الكوخ، فلا بد أنهم أدركوا أنه صديقك، وأنه قد روَى لك ما حدث.
الرجل: إنني على استعدادٍ أن أواجهَهم وأنتقم منهم …
وفجأةً سمع الجميعُ صوتَ سيارة تقف في الخارج، ونظر «عثمان» من النافذة … كانت هناك سيارةٌ سوداء تتوقف أمام الباب الجانبي للمبنى وينزل منها رجلان، كان أحدهما الرجل النحيف الشاحب الوجه الذي كان يُطارِد «جاك» في المترو، والذي كان يقف بجوار المرأة التي ادَّعَت أنها زوجة «جاك» في النشرة الإخبارية!