عملية إنقاذ!
كانت الساعة قد قاربت الثانية صباحًا … حينما ذهب «أحمد» إلى غرفته بعد يومٍ شاق، وتمدَّد على الفراش في الظلام يحاول أن ينام … ولكن دون جدوى، كانت الأسئلة تطوف برأسه تبحث عن إجابة … ولكنه أيقن أنه مُقبل على غدٍ مرهق، ويحتاج إلى جسدٍ مستريح وعقلٍ هادئ، فقام بعملية تركيزٍ نجح بعدها في أن يخلُد إلى النوم بعد دقائق.
وفي الصباح كان «الحصان الفضي» أول المستيقظين، وعندما خرجَت «زبيدة» إلى الصالة وجدَته يجلس أمام النافذة يقرأ الجرائد باهتمام، خرج بقية الشياطين من غرفهم، وقد أتمُّوا ارتداء ملابسهم وجلَسوا إلى المائدة ليتناولوا طعام الإفطار الذي أعدَّته «زبيدة».
وللبحث عن أفضل أسلوبٍ للعمل في المرحلة القادمة، اقترح «أحمد» أن ينقسموا إلى فريقَين … أحدهما يتجه إلى حيث اختُطفَت زوجة «جاك» الحقيقية، أما الفريق الآخر فيتابع رجال السيناتور «لودا» تاجر المخدرات، واقترح أن يكون الفريق الأول مُكوَّنًا من «بو عمير» و«رشيد» … والثاني «عثمان» و«إلهام» و«أحمد».
أما «زبيدة» فسوف تظل في المقر كحلقة اتصالٍ وربطٍ بين الفريقَين.
وكان «الحصان الفضي» يجلس معهم وقد بدَت عليه الدهشة؛ لأن هذه المجموعة من الشباب يقفون وحدَهم في مواجهة هذه العصابة القوية برجالها القتلة المحترفين، وهذا السيناتور الذي يحتمي بمنصبه المرموق.
نظر «الحصان الفضي» إلى «أحمد» الذي ظل وحده على المائدة يُكمِل إفطاره، في حين ذهب باقي الشياطين إلى غرفهم … وسأله بهدوء وبصوتٍ منخفض: من أنتم؟ ومن هي القوة التي تحميكم؟
أحمد: نحن مجموعةٌ من الشباب العربي … اجتمعنا لفعل الخير ومحاربة الشر في أي مكانٍ في العالم … وليست هناك أي قوةٍ أو سلطةٍ تحمينا … فنحن الذين نحمي أنفسنا، فأرجوك لا تقلق وثِق بنا … فقد تدرَّبنا على هذه المشاكل وواجهنا ما هو أصعبُ منها …
ابتسم «الحصان الفضي» ﻟ «أحمد» ابتسامة أبٍ لابنه … ثم خلع تميمةً كان يلبَسُها في رقبته، وقام من مكانه وألبسَها ﻟ «أحمد» قائلًا: نحن نعتقد أن من يرتدي هذه التميمة لا يُصيبه الشر أو الأذى …
أحمد: شكرًا لك يا سيدي …
وقام «أحمد» من مكانه، واتجه إلى غرفته وارتدى ملابسَ أخرى بسيطة لتساعده على الحركة، وفتح دولابًا وأخرج حقيبةً صفراء متوسِّطة ووضعها على الفراش، ثم فتحها، كان بالحقيبة خمسة مسدساتٍ مختلفة الأحجام، اختار «أحمد» واحدًا منها ووضعه على الفراش … ثم أخرج عُلبةً من الطلقات ووضعها بجانب المسدَّس … ثم أخرج سكينًا صغيرًا وأغلق الحقيبة وأعادها إلى مكانها … ربط «أحمد» السكين فوق قدمه اليمنى، وارتدى الحزام الذي يحمل المسدَّس تحت ثيابه … ثم اتجه إلى المرآة ليتأكد من أنه نجح في إخفاء المسدس جيدًا، ثم اتجه إلى غرفة الاتصال وبدأ في إرسال تقرير إلى رقم «صفر».
كان باقي الشياطين قد أتمُّوا استعدادهم وتقابلوا في الصالة يتحدَّثون مع «الحصان الفضي» ويسألونه عن حياة الهنود الحُمر وعن عاداتهم، وكان الرجل سعيدًا جدًّا بالحديث معهم … في حين دخل «أحمد» ليُبلغَهم أن رقم «صفر» قد وافق على أن يقوم «بو عمير» و«رشيد» بعمليتهم؛ أي بالعملية الثانية، فطلب مزيدًا من المعلومات قبل القيام بالمواجهة …
وعلى الفور وقف «بو عمير» و«رشيد» وسلَّما على بقية الشياطين، واتجها إلى جراج المقر حيث كانت سيارة «بو عمير» «الفيراري» الحمراء تنتظرهم. كان أمام الشياطين رحلة بالسيارة حوالي ساعة ليصلا إلى أطراف ولاية «فرجينيا» … حيث تُوجد مدينة «جرين تري» الصغيرة، وهي مدينةٌ هادئة جدًّا، يبلغ عدد سكانها حوالي ألفَي نسمة فقط.
واقترح «رشيد» أن تكون محطة البنزين التي تقع على أطراف البلدة هي أول مكانٍ يبدآن فيه تحرِّياتهما … فدخلا بالسيارة ولكنَّ أحدًا لم يأتِ لمقابلتهما، وكانت هناك سيارةٌ زرقاء تقف على بُعد وبها رجلٌ يرتدي ملابسَ عُمال المحطة الزرقاء ويمسح يدَيه بفوطةٍ حمراء، ويبدو أنه كان يقوم بتصليح سيارة.
الرجل: نعم، أي خدمة أستطيع القيام بها؟
بو عمير: نريد أن نملأ خزَّان السيارة … وكذلك نريدك أن تكشف على المُحرِّك … فهناك صوتٌ غريب فيه!
الرجل: حسنًا.
وفتح الرجل خزان السيارة وبدأ في ملء السيارة بالبنزين، في حين نزل «رشيد» و«بو عمير» من السيارة واتجه «بو عمير» إليه يسأله: هل تعرف رجلًا من سكان المدينة يُدعى «راند بيكر»؟
نظر الرجل إلى «بو عمير» لحظةً ثم قال: لا بد أنكما غريبان عن المدينة حتى لا تعرفا «راند بيكر» … إنه أقوى رجلٍ هنا، وأغنى مَن فيها، حتى إنه يكاد يملكُها كلها.
نظر «بو عمير» و«رشيد» كلٌّ منهما إلى الآخر ثم سأل «رشيد»: وأين نستطيع أن نجده؟
الرجل: ليس لمستر «راند» مكانٌ ثابت يُوجد فيه … ولكن هناك فندق المدينة الذي يمتلكه، وهو أحيانًا يذهب إلى هناك.
أكمل الرجل ملء خزان السيارة بالوقود، واتجه إلى المقدِّمة ليكشف على الموتور، ولكن «بو عمير» شكَره واكتفى بملء الخزَّان فقط.
وانطلقا بالسيارة إلى داخل المدينة بحثًا عن الفندق الذي يمتلكه «راند»، ولاحظ «بو عمير» أنهما مُراقَبان من السيارة الزرقاء التي كانت تتبعهما من بعد خروجهما من محطة البنزين … ولكن لزيادة التأكد بدأ «بو عمير» في الدخول في بعض المنحنيات وبعض الشوارع الجانبية، ولم يُخطئ ظنه فقد كانت السيارة تتبعه أينما يذهب، فتأكَّد أنهما مُراقَبان، فقال «بو عمير»: أعتقد أننا قد أخطأنا عندما سألنا عامل المحطة عن «راند بيكر»!
رشيد: فماذا تقترح؟
بو عمير: أقترح بأن نتظاهر بأننا تائهان لا نعرف طريق المدينة.
وأكمل «بو عمير» و«رشيد» سيرهما داخل شوارع البلدة حتى وصلا أمام الفندق الذي يُدعى «جريت تري هويتي»، وعندما توقَّفا بالسيارة كانت السيارة الزرقاء قد توقَّفَت خلفهما، ونزل منها شابَّان اتجه أحدهما إلى «بو عمير» قائلًا: ألا تُلاحظ الطريق جيدًا وأنت تقود؟ لقد كِدتَ تصدم سيارتي.
بو عمير: ولكني لم أقترب منك أبدًا!
الرجل: إنك تكذب.
ثم خبط «بو عمير» على كتفه، كان واضحًا من أسلوب الرجلَين أنهما يستفزَّان «بو عمير» و«رشيد» للعراك …
رشيد: قلتُ لك إننا لم نقترب منك، فاركب سيارتكَ ودعكَ من هذا الادِّعاء.
نزل الرجل الآخر من السيارة، واتجه إلى «رشيد» مُهدِّدًا، ولكن قبضة «رشيد» أَسكتَت الرجل؛ فقد ضربه ضربةً قوية أسقطَتْه أرضًا، وكان الرجل الآخر قد أسرع وأخرج مِطواةً من ملابسه واتجه بها ناحية «بو عمير» الذي طار في الهواء، وأطار المطواة من يد الرجل بقدمه اليسرى … ثم ضربه ضربةً قوية.
ولدهشة «رشيد» و«بو عمير» لم يستكمل الرجلان العراك … وأسرعا هاربَين … بينما كان بعض المارَّة قد تجمَّعوا على هذا المشهد الظريف، وأسرع «بو عمير» و«رشيد» بدخول الكافيتريا المُلحَقة بالفندق.
وكان المكان خاليًا تقريبًا إلا من بعض الرُّوَّاد، وبعد دقائق جاء الجرسون يحمل صينيةً عليها كوبان من العصير المثلَّج.
فقال له «بو عمير»: إننا لم نطلب شيئًا بعدُ!
الجرسون: ذلك صحيحٌ يا سيدي … ولكنها تحية يُقدِّمها صديقٌ لكما هو مستر «راند بيكر»!