الرهائن!
نظر «رشيد» و«بو عمير» كلٌّ إلى الآخر، أما الجرسون فوضع كوبَي العصير ثم قال: إن مستر «راند» سيسعده أن تنضما إليه على مائدته … فهو يجلس هناك في ذلك الركن.
ثم انصرف.
وقف «بو عمير» و«رشيد» في ثباتٍ واتجها إلى حيث أشار الجرسون، وفي ركنٍ شِبه مُظلم كان يجلس «راند» … رجلٌ بدين … يرتدي بذلةً داكنة دون رابطة عنق، ويُمسِك كوبًا من الشراب بيده اليسرى … ويُداعِب الثلجَ فيه بيده اليمنى.
وصل «بو عمير» و«رشيد» إلى المنضدة وصافحا الرجل البدين، وأشار لهما فجلسا دون أن يتحدث أحدٌ منهم، وكان «راند» هو أول من تحدَّث وهو لا يزال ينظر إلى الكوب الذي كان بيده فقال: من الواضح أنكما غريبان؛ فسُكَّان هذه المدينة يعرفون بعضهم فردًا … فردًا …!
رشيد: هذا صحيح.
راند: أتنويان الإقامة هنا أم أنكما عابران إلى الحدود؟
بو عمير: سنبقى بضعة أيام.
راند: زيارة … أم رحلة عمل؟
رشيد: وماذا يهمُّك؟
ابتسم «راند» وأبعد الكوب عن يده … ثم نظر إلى «رشيد» ثم إلى «بو عمير» وقال «راند»: لقد علمتُ أنكما قد سألتما عني وطلبتما مقابلتي، فهل لي أن أعرف السبب؟
أحَسَّ «بو عمير» و«رشيد» أن «راند» يُهاجِم، وتحسَّس «بو عمير» مسدسه الضخم … ولكن «رشيد» أزال التوتُّر قائلًا: نحن من أتباع مستر «يانكي»، وقد بعث بنا إليكَ لنُخبركَ أنه قد وصلَت إليه بضاعة من نوعٍ جيد قد تحتاج إلى جزء منها!
نظر «راند» إلى «رشيد» ثم إلى «بو عمير» وقال: إنني لا أعرف من هو «يانكي» هذا الذي تتحدثان عنه، ولا أي نوع من البضاعة تتحدثان عنه!
ابتسم «رشيد» ثم قال: حسنًا جدًّا يا سيد «راند»، في هذه الحالة ربما نكون قد أخطأنا في توصيل الرسالة …
ثم وقف «رشيد» و«بو عمير» وهَمَّا بالخروج من الكافيتريا … ولكن «راند» نادى عليهما قائلًا: انتظرا …
ثم قام ولحق بهما وصحبهما إلى الخارج …
وقال: هذه أول مرة يبعث إليَّ فيها «يانكي» رسالةً بهذا الأسلوب … ولكن لا مانع فأنا أُرحِّب دائمًا بصفقات «يانكي»، متى ستغادران المدينة؟ …
رشيد: سنقضي ٤٨ ساعة للراحة والنزهة!
راند: حسنًا، أنتما ضيفاي حتى ترحلا، وسوف أُرتِّب لكما الإقامة في الفندق.
ثم صافحهما، وسار متجهًا إلى سيارته وركبها وانطلق … قال «بو عمير»: أخشى أن يتصل ﺑ «يانكي» فيعرف الحقيقة.
رشيد: معك حق … ويجب أن نتصرَّف بسرعة.
وتقدَّم منهما شابٌّ يرتدي ملابس عمال الفندق ليقودهما إلى غرفتهما كما أمر «راند»، وفي الطريق إلى المصعد قابلَتهما سيدةٌ عجوز تجُر كلبًا صغيرًا أبيض اللون ممسكًا بسلسلةٍ رقيقة، ووقفَت لتسأل عامل الفندق: هل أخبرتَ مستر «راند» عن الأشباح التي أخبرتُك عنها؟
الشاب: نعم يا سيدتي … وقد وعَد بأنه سيذهب بنفسه ليعرف ما سِر هذه الأشباح.
المرأة: حسنًا.
ثم انصرفَت بالكلب وركب العامل و«بو عمير» و«رشيد» المِصعَد فسأله «بو عمير»: ما سِر هذه الأشباح التي تتحدَّث عنها هذه السيدة؟
الشاب: إنها امرأةٌ عجوز ولا تعرف ما تتكلم عنه؛ فهي تدَّعي أنها سمعَت صوت أشباحٍ ليلةَ أمسِ في صورة بكاء أطفالٍ في منزلٍ قديم يملكه «راند» خلف الفندق.
نظر «بو عمير» و«رشيد» أحدهما إلى الآخر لأنهما فكَّرا في نفس الشيء … وهو أن تكون هذه الأصوات لأبناء «جاك سميث» المخطوفين …
توقَّف المِصعَد وخرج «رشيد» و«بو عمير» وتَبِعا الشاب إلى إحدى الغُرف … ثم دخلاها وأغلقا الباب على نفسَيْهما … وأخرج «بو عمير» ورقةً وقلمًا وكتب: لا تتكلم عن المهمة التي جئنا من أجلها؛ فنحن مراقبان.
ثم قال: رائعة، وتُطل على منظرٍ جميل جدًّا، فلِمَ لا ننزل ونأخذ جولةً في المدينة قبل أن يحُل الظلام …
رشيد: اقتراحٌ معقول!
وخرجا من الغرفة ونزلا على السُّلم إلى الدور الأرضي ومنه إلى الخارج، ولكنهما تركا السيارة فقرَّرا أن تكون الجولة سيرًا على الأقدام … ودار «رشيد» و«بو عمير» حول الفندق حتى وصلا إلى المنزل الذي قالت السيدة إنها تسمع الأصوات تَنبعِثُ منه.
كان يبدو أنْ لا حياة فيه، وقرَّرا الدخول، ولكنَّهما في آخر لحظةٍ عدَلا عن رأيهما حينما شاهدا ثلاثةً من الرجال يبدو أنهم مسلَّحون يقفون خلف السور المحيط بحديقة المنزل. وزاد شك «بو عمير» و«رشيد» في أن هذا المنزل العتيق هو سجنٌ لأرملة «جاك» وأولاده.
وقد كان من السهل اقتحام المنزل، ولكن «رشيد» و«بو عمير» فكَّرا أنَّ من الممكن أن تتعرَّض أُسرة «جاك» للخطر، وكان عليهما أن يضعا خطةً دقيقة؛ ولهذا ابتعدا عن المنزل، وانتظرا بعض الوقت حتى دَبَّرا خطةً معقولة، ثم أحضرا السيارة «الفيراري» وأوقفاها في مكانٍ غير بعيدٍ عن المنزل وتسلَّلا تحت جنح الظلام كلُّ واحد في اتجاه بابٍ من أبواب المنزل …
سار «رشيد» بجوار السور بحذرٍ شديد، حتى اقترب من حارس الباب، ثم انقَض عليه كالفهد، وبضربةٍ واحدة من مسدسه الثقيل سقط الرجل دون أن ينطق بحرف، واستولى «رشيد» على المفتاح …
أما «بو عمير» فقد دار دورةً واسعة حول الحديقة ليصل إلى الباب الخلفي، ثم تسلَّق السور في رشاقة، وزحف عليه حتى وصل إلى مكانِ الحارس الآخر وقفَز عليه، وضربه ضربةً قوية جعلَته يسقُط فاقد النطق … وبسرعةٍ حصَل «بو عمير» على مفتاح الباب …
ولكن الحارس الثالث اقترب في هذه اللحظة، فانتظره «بو عمير» حتى أصبح في موازاته، فانقَضَّ عليه ثم ضربه ضربةً قوية جعلَته يترنَّح.
تقابَل «بو عمير» و«رشيد» في صالة المنزل، وأخذا يصعدان السُّلم الداخلي في هدوء حتى وصلا إلى الدور الثاني … وشاهدا معًا حارسًا مسلَّحًا بمدفعٍ رشاش يجلس في طرف الصالة المستطيلة وقد استسلم للنوم …
تقدَّم «رشيد» و«بو عمير» بهدوءٍ شديد، وفي لحظةٍ واحدة كانت يد «رشيد» تُكتِّف الرجل، ويد «بو عمير» تجذب منه المِدفَع الرشاش … ثم أخذاه إلى إحدى الغرف وتم تكميمُه وربطُه بسرعة …
انطلق الشابَّان «رشيد» و«بو عمير» يفتحان بقية الغرف … وعند نهاية الصالة، وجدا غرفتَين متجاورتَين، فتح «بو عمير» إحداهما فسمع صوتَ نحيبٍ هادئ في الظلام … فأضاء النور، وشاهد سيدةً تقفز من الفراش مذعورةً فقال بصوتٍ هادئ: إنني صديق، أرسلَني «الحصان الفضي» فأرجو أن تثقي بي، أين الطفلان؟ …
أشارت السيدة إلى الغرفة المجاورة … وسرعان ما كانت ترتدي ملابسها هي وطفلاها … ثم نزل الجميع على السلالم بسرعةٍ متجهين إلى السيارة …
كانت فرحةُ «رشيد» و«بو عمير» لا تُوصف لنجاح مهمتهما بهذه السرعة … ولكنها فرحةٌ لم تكتمل؛ ففي اللحظة التي كادوا يصلون فيها إلى السيارة، انطلَقَت أضواء سيارةٍ قادمة، وانهال سيلٌ من الرصاص في اتجاههم.
لذلك انبطح الجميع على الأرض، وعادوا يزحفون إلى باب المنزل … لقد اتضح أن «راند» أذكى مما تصوَّر «رشيد» و«بو عمير».