ومهمةٌ أخرى!
أطلقَت المرأة صرخةً مكتومة عندما رأت الرجال يقتربون من باب الحديقة الخارجي، ولكن يد «رشيد» جذبَتْها بسرعة إلى الأرض حتى لا تُصاب برصاصِ رجال «راند بيكر».
كان لا بد للشياطين أن يواجهوا هذا الحصار بسرعة، فتولى «رشيد» رد الهجوم بمسدسه ونجح فعلًا في إصابة رجلٍ كان يتقدم ناحية الباب. أما «بو عمير» فخلع سُترته وقلبَها، وكان بداخلها سوستة فتحها وأخرج بندقيةً صغيرة مفكَّكة ومُعَلَّقة في شنطةٍ صغيرة من القماش السميك … بدأ في تركيبها بسرعة. كانت بندقيةً غريبة الشكل … ذات ماسورةٍ واسعة ولكنها قصيرة، وطلقتها كبيرة الحجم … أُعدَّت خصيصًا للشياطين في معمل الأسلحة المُلحَق بالمقر.
وعلى الفور بدأ «بو عمير» في توجيهها ناحية سيارة «راند»، التي اختفى خلفها مع رجلَين من رجاله وهم يُطلِقون النيران ناحية الشياطين … ثم أطلق «بو عمير» البندقية، كان صوتها مرتفعًا وقويًّا … ولكن تأثيرها كان أقوى؛ ففي لحظةٍ أصبحَت السيارة كتلة من النيران، ولكن «راند» نجح في أن ينجُو بحياته من طلقة «بو عمير» وكذلك أحد الرجلَين.
وقد كان لطلقة «بو عمير» تأثيرٌ قوي على «راند» ورجاله … فقد أيقنوا أنهم أمام مجموعةٍ لا يُستهان بها … وأخذ كلُّ من تقدَّم منهم في التراجُع إلى الخلف، في خوفٍ وذهولٍ من أن يُصاب بالطلقة التالية.
وقد كانت هذه فرصةً ذهبية ﻟ «رشيد» الذي أصاب رجلًا آخر بطلقةٍ من مسدسه … ولكن الموقف تعقَّد؛ فبعد أن تحوَّل المكان إلى موقعةٍ حربية صغيرة كان لا بد أن يلفت أنظارَ الناس، ولكن كان لنفوذ «راند» القوي في المدينة أثرٌ واضح؛ فعلى الفور انضم عددٌ من الرجال لجبهة «راند» ضد الشياطين.
وقد كانت فرصةُ الشياطين أكبر لو وصلوا لسيارتهم التي تُعتبر قلعةً مصغَّرة؛ فهي مضادة للرصاص، وقد كانت المسافة التي تفصل بين الشياطين وسيارتهم حوالي خمسة عشر مترًا.
اقترب «بو عمير» قليلًا من «رشيد» وقال: أعتقد أنه لا بُد لنا أن نُكثِّف الهجوم حتى يمكننا أن نصل إلى السيارة.
رشيد: حسنًا أن حزام قنابل الدخان به خمس قنابل، وهي كافيةٌ لتُغطِّي انسحابنا ناحية السيارة … أما أنت فكثِّف ضرباتك في الناحية اليمنى، لكي ينسحبوا إلى الناحية اليسرى فيتسنَّى لنا الهرب.
أسرع «بو عمير» للتنفيذ، ثم أحكم تصويبه ناحية السيارة الثانية التي توقفَت أمام المنزل من الناحية اليمنى، وأطلق طلقة البندقية القوية، فتحوَّلَت السيارة إلى كتلة من النيران، وكانت فكرة «رشيد» صحيحةً فقد هرب الرجال جميعًا إلى الناحية اليسرى، وبدأ «رشيد» في إطلاق وابلٍ من الرصاص تجاه رجال «راند» الذين بدءوا في الانسحاب.
وعند ذلك أرسل «رشيد» بأوَّل قنابل الدخان … فبدأ الرجال في التفرُّق، وكانت هذه فرصةً كبيرة للشياطين أن يتقدَّموا ناحية سيارتهم.
وفعلًا نهضَت السيدة والطفلان خلف «بو عمير» و«رشيد» اللذَين كوَّنا جبهة إطلاق نارٍ مكثَّفة، تراجَع أمامها رجال «راند» ومن معهم.
وفي لحظاتٍ كانت المجموعة قد وصلَت إلى سيارة الشياطين، وأرسل «بو عمير» طلقةً ثالثة، وكذلك «رشيد» الذي أرسل بقنبلةِ دخانٍ ثانية حتى يتسنَّى لهم ركوب السيارة وبذلك كانوا قد نجحوا، وفي لحظاتٍ كانت السيارة قد انطلقَت بهم في سرعةٍ رهيبة، مُخلِّفةً وراءها دمارًا رهيبًا ورجالًا مصابين، وآخرين في صمتٍ وذهولٍ مما حدَث في دقائقَ معدودة.
وظلَّت السيارة منطلقةً بسرعةٍ كبيرة في طريقها إلى المقر السري للشياطين، وعندما اطمأن «بو عمير» على أنهم غيرُ مراقَبين … بدأ في فك بندقيته العجيبة التي قلبَت موازين المعركة ضد رجال «راند»، وبدأ يُخفيها في سُترته كالمعتاد.
أما «رشيد» الذي كان يتولى القيادة هذه المرة، فبدأ بالاتصال بالمقر السري ليُرسل تقريرًا عن العملية. وكانت «زبيدة» هي التي تتلقَّى المكالمة، فأبلغَتهم بأن «عثمان» و«أحمد» و«إلهام» في طريقهم الآن إلى مطارٍ صغير يُسمَّى «سيجوكريك» لوقف عملية هروب «يانكي لودا» رجل العصابات؛ حيث إنه قد فضَّل أن يختفي فترةً بعيدًا عن الأحداث، وبالطبع كانت عملية تهريبه تحت إشراف السيناتور الأمريكي، وكانت العملية في غاية البساطة.
فقد كانت هناك إحدى الفِرق الرياضية الإيطالية تزور الولاية، وكان المقرر أن يهرب «يانكي» على أنه أحد رجال البعثة الرياضية. وكانت هذه هي المعلومات التي أمدَّهم بها رقم «صفر» بعد ظهر اليوم.
وكان الظلام مخيفًا بينما كانت سيارة «أحمد» تنهب الطريق في سباقٍ مع الزمن للوصول إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة.
وبعد حوالي ساعةٍ من السَّير داخل المدينة المزدحمة بدأَت أضواء مطار «سيجو» تظهر، وهو مطارٌ صغير، ولكن أحيانًا ما تهبط به طائراتٌ كبيرة، وهو مُحاط بسورٍ من السلك الشائك، وله بوابتان إحداهما رئيسية يدخل منها المسافرون، والأخرى جانبية للبضائع، وبعد لحظاتٍ سمع الشياطين صوت أزيز الطائرات التي تقف على أرض المطار.
اقترب «أحمد» من البوابة الرئيسية، وكان هناك ثلاثةٌ يحرسون المدخل الرئيسي للمطار، حيث كانت تقف سيارة السيناتور الكاديلاك السوداء، وعند باب البضائع الجانبي وقف رجلان آخران.
نزل الشياطين الثلاثة في هدوءٍ في اتجاه المدخل الرئيسي، ولم يُثِر مظهرُهم شكوك الرجال الثلاثة، فعَبَر الشياطين المدخل إلى صالةٍ واسعة حافلة بالركَّاب والمستقبلين، فوقف الشياطين وهم يتفحَّصون الركَّاب في جميع الاتجاهات داخل صالة السفر، ثم قال «أحمد»: أعتقد أننا وصلنا في موعدنا؛ فإن «يانكي» لم يسافر بعدُ.
إلهام: كيف عرفتَ؟
أحمد: انظري إلى يسارك، هناك حجرةٌ يقف أمامها أربعة رجالٍ مسلَّحين، أعتقد أن «السيناتور» و«يانكي» ما زالا بالداخل.
نظر «عثمان» و«إلهام» ناحية الحجرة ثم قال «عثمان»: أعتقد أن استنتاجك صحيح، ويجب علينا أن نأخذ جولةً سريعة في المكان حتى يتسنَّى لنا وضع خطة الهجوم.
لم يكمل «عثمان» جملته حتى توقَّف أتوبيس كبير، وبدأ أعضاء الفرقة الرياضية في الدخول إلى صالة المطار، وكانوا يرتدون «يونيفورم» (زيًّا خاصًّا) بُنِّي اللون عليه شعار الفِرقة، تَجَمَّع أعضاء الفرقة في صالة المطار في طابور، وكان الصحفيون يلتقطون الصور للفريق ولأخذ بعض الأحاديث من لاعبين مشهورين ومن المدرب.
إلهام: إن الوقف يمُر بسرعة ولا بد لنا أن نتحرك.
أحمد: أعتقد أنه من الصعب علينا أن نقوم بالهجوم هنا؛ فالمكان مزدحم بالناس وقد يُصاب الأبرياء.
كان كلام «أحمد» صحيحًا؛ فصالة المطار مليئة بالمسافرين والعاملين في المطار وهم جميعًا مُعرَّضون لطلقات رجال «يانكي» إذا ما حاول الشياطين أن يقوموا بعمليتهم … لذلك فقد قرَّروا أن يُتابِعوا الموقف حتى يُتاح لهم الوقت المناسب لبدء الهجوم.
وبعد أن اكتملَت البعثة الرياضية في صالة المطار فُتحت الغرفة العُلوية، وخرج منها السيناتور ومعه أحد الرجال إلى حيث اصطفَّت البعثة لتحية السيناتور، الذي صافح كل لاعب وتحدَّث معهم حديثًا مفيدًا … ثم بدأَت البعثة الرياضية في السير باتجاه الطائرة، وعندما وصلَت البعثة إلى الباب المؤدي إلى صالة الخروج فُتح باب الغرفة، وظهر الرجل النحيف الذي يظهر دائمًا على مسرح الأحداث وبجانبه رجلٌ آخر نحيفٌ وقصير، ولم يكن لدى الشياطين أي شكٍّ بأن هذا الرجل هو «يانكي لودا» رجُلهم المقصود.