مكيدة
كرر مدير التعليم تدبيره ثم فشل؛ لأن سعادة المدير تمسك بأن لا جدال مع فتاة كاملة، ورأى هو أن مسألة الكمال والحشمة حالت بينه وبين الانتقام مني، وجعلت المجلس يكتب لي جواب شكر بدلًا من أن يفصلني فكان همه — ولا شك — أن يجد في هذا الكمال نقصًا ليطلع عليه المدير، وكنت لا أظهر أمام أحد بشيء من الحلي مهما كان نوعه، ولكني — ككل شابة أو فتاة — أميل أن أظهر أمام زائراتي من السيدات أني أمتلك مثلها أو أكثر؛ ولهذا كنت إذا زارتني سيدات أريهم حليي التي مر بنا ذكرها، ومن بينها ذلك القرط، ولم يكن غرضي من ذلك التجمل بل كان الظهور بالغنى.
وفي يوم من أيام الجمعة زارتني بعض السيدات، ولبست حليي كعادتي معهن، ثم انصرفن، ونزلت بعد ذلك أرتب مكتبي، وأنا لا أزال متجملةً بذلك القرط، وفجأةً أخبرني البواب بأن سعادة مدير التعليم قد شرف، فأمرته بإدخاله، ثم تذكرت القرط فانتزعته، ووضعته في سلة الورق التي على مكتبي تحت الورق الموجود في السلة.
ودخل هو وسألني في بعض أشياء، فدخلت المدرسة لأستقصي عنها، وعدت وحياني بعد ذلك وخرج، ولعدم اكتراثي بمسألة الحلي لم أفطن إلى أن القرط قد فقد من مكانه؛ لأني لم أبحث عنه، ولم أتلمسه، وبعد ذلك الحادث بثلاثة أيام خاطبني مدير التعليم تليفونيًّا، وقال لي: لقد ظننتك فصلت الخدم جميعهم. قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: ألم تفقدي شيئًا ثمينًا؟ فتذكرت القرط، ووضعت يدي في السلة لأخرجه من مكانه فلم أجده، فعلمت أنه أخذه، قلت: إنك إذن آخذه. قال: أوَلم تعرفي ذلك إلى الآن؟
قلت: نعم؛ لأني لا أهتم بتلك الأشياء، ولم أتذكر أني وضعته هنا إلا بعد أن كلمتني أنت الآن. ومر على ذلك وقت ولم يحضر هو القرط، ولم أطالبه به، وفي يوم من الأيام كنت مسافرةً، وكان سعادة المدير مسافرًا إلى القاهرة أيضًا، وظهرت في العربة التي كان هو بها أي في ديوان الحريم الذي كان إلى جانبي في الدرجة الأولى، ورآني مدير التعليم، وكأنه انتهز تلك الفرصة ليظهر للمدير أني كباقي النساء حتى ينتزع منه فكرة الكمال التي علقت بذهنه، ولا أدري كيف كان ممسكًا بالقرط في تلك اللحظة فأخرجه وقال لي: تفضلي قرطك، ليعلم الناس أنك كباقي النساء لك من الحلي ما لهن. قلت: إنك يا سيدي أنت ولا غيرك من الرجال لم ترَني ألبسه، أما وجود حلي ثمين عندي فهو كوجود أي مبلغ من المال عند أي رجل من الرجال، ولو لم تجده أنت في سلة الورق لما علمت أن لي قرطًا كهذا، على أني أؤكد لك أني لا أحتفظ به كأداة للتجمل، بل أحتفظ به كمال مدخر، وكأثر من آثار الماضي. وكان لسوء حظ مدير التعليم أن سعادة المدير لم يَأْبَهْ شيئًا من التفاتته، فلم تترك تلك الحادثة أثرًا ما في نفس سعادته غيَّر اعتقاده فيَّ، بل زاد احترامه لي، واهتمامه بأمري.
وهكذا فشل مدير التعليم في محاولة الإيقاع بي مرةً أخرى.