إخراج السكان من المنزل
عرضت على كل ساكن مبلغ خمسين جنيهًا نظير أن يخرج من المنزل فرفضوا جميعًا، وأخيرًا اتفقت مع ساكن فقير كان يسكن «البدرون» على أن أعطيه ثلاثين جنيهًا، وأستأجر له شقة صغيرة، وأنقله إليها، فقبل مني ذلك، وبعد أن استأجرت الشقة، وأعددتها له، وجئت لأخذ منقولاته رفض؛ لأن باقي السكان حرضوه على ذلك، وكان صاحب المنزل يشغل غرفة مع ذلك الساكن فاستلمت تلك الغرفة، وقلت للساكن: إني أريد أن أنقل منقولاتي إليها لأسكن فيها معكم، فرفض ذلك، وقال: إن صاحب البيت ما كان يدخلها إلا من الشباك الخلفي. قلت له: ولكني لا أستطيع دخول الغرفة إلا من أبوابها. وحصلت بيني وبينه مشادة، وأراد أن يغلق باب الشقة ليمنعني من الدخول إليها، فأمرت فراشي المدرسة فخلعوا الباب وألقوه جانبًا، وجن جنون الرجل إذ رأى ذلك، وتصور أني قد جنيت جنايةً، كما ظن ذلك كل السكان، فخرج مسرعًا إلى القسم، وعاد بضابط، فلما رآني الضابط حياني، وسألني عن المسألة، قلت: إني مالكة هذا البيت، وإني أسكن في غرفة مع هذا الساكن، وقد أراد أن يمنعني عن غرفتي، فخلعت الباب حتى لا يغلقه، وحتى أتمكن من استعمال غرفتي، وأمَّن الساكن على كلامي، ولكنه طلب أن أستعمل الغرفة من شباكها دون أن أدخل الشقة. ورأى الضابط تعقد الحل فقال: إن هذه مسألة مدنية لا شأن للقسم بها. وحياني وانصرف.
وقام السكان جميعهم، وحرضوا ذلك الساكن، وكان فرنسي التبعة، حرضوه أن يذهب إلى قنصل فرنسا، وأن يشكو أمره إليه، وكان لحسن الحظ أن سبق أن قنصل فرنسا قد زار المدرسة، وأُعجب بتعليم اللغة الفرنسية فيها، وقرر لها مبلغًا من المال لإعانتها، فكلمته تليفونيًّا قبل أن يصل الرجل إليه، وقلت له إني مضطرة أن أنقل المدرسة إلى ذلك المنزل بأسرع ما يمكن، وإني عرضت على الساكن ثلاثين جنيهًا، وأجرت له الشقة التي ينقل إليها، فوعدني بالمساعدة، ولما ذهب إليه الساكن أمره بالخروج من الشقة وبأخذ المبلغ، ولكن الرجل كان عنيدًا فأصر على رأيه، ولم يقبل الخروج، وصممت أنا أيضًا على رأيي، وملأت الغرفة التي أسكنها معه بعدد من موائد الأكل كما ملأت الصالة أيضًا بتلك الموائد، وعارض الرجل، وكان يعمل في مدرسة الراهبات التي بجوار مدرستي، فشكا أمره إلى رئيستها، فأرسلت إحدى الراهبات لإصلاح ما بيننا، فوجدتني واقفةً، وقد اكتظت الصالة بنحو ١٥ فاعلًا أجرتهم خصيصًا لذلك، فسألتني: من هؤلاء وكيف يبقون في المنزل؟ قلت: إنهم خدمي، ولا بد من مبيتهم في تلك الغرفة، وإذا كان هو لا يقبل البقاء معهم فما عليه إلا أن يترك الشقة، ويقبل المبلغ الذي عرضته عليه.
ولكن الرجل استمر في عناده، وصمم أن يبيت في غرفة نومه، وعادت الراهبة من حيث أتت، واشتريت لهؤلاء الفعلة عشرة أرطال من اللحم الضأن سلقتها على ثريد، وأمرتهم أن يتعشوا باللحم والثريد، وأن يقيموا حفلة ذكر لنبارك بها المنزل الجديد، ثم يناموا بعد ذلك في الغرفة، وضج المكان بصوتهم في حفلة الذكر، وانزعج السكان الأجانب جميعًا؛ لأنهم لم يألفوا تلك الحالة، وأخيرًا اضطر الساكن أن يأخذ زوجته، وأن يبيت بها في أحد الفنادق، وفي الصباح قبل مني المبلغ الذي عرضته عليه، وأخذ منقولاته، وما كاد يخلي الشقة حتى أحضرت فيها كل ما استطعت من أدوات المدرسة، وكان يسكن نصف البدروم البحري والشقة التي فوقه ساكن إيطالي، عرضت عليه أن يخرج من الشقة على أن يأخذ مقابل ذلك خمسين جنيهًا، فرفض وقال: أمامك المحاكم. وأردت مضايقته فاشتريت مترين من الجير وعشرة أمتار من الرمل، ووضعتها على ربوة كانت في الفناء أمام شبابيك الإيطالي، واستأجرت فاعلَيْن بمهزتين، وأمرتهما أن يجلسا، فإذا رأيا أن شبابيك الإيطالي قد فتحت قاما بعملية الهز، فيضطر الرجل إلى إغلاق شبابيكه، وهي الشبابيك البحرية بالمنزل، وهكذا مكث العاملان مدة أسبوع، فتضايق الرجل، وقال لي: إني أجنبي كما تعلمين؛ أي في حماية. قلت: نعم! ولكنك لا تكون في حماية إلا إذا ضَربت غيرك، أما إذا ضُربت أنت، فأنت كأفراد المصريين، وأنت ترى معي من الرجال العدد الكثير الذي يستطيع أن يمزقك إربًا بأظفاره من غير سلاح.
وخاف الرجل من هذا التهديد، كما ضايقه الجير والرمل اللذيْنِ أتلفا منقولاته، فقبل التعويض وترك المنزل، أما الساكن الذي كان أمامه في نفس الدور الذي يعلو البدروم، فقد كان مدينًا لصاحب المنزل بمبلغ ثلاثين جنيهًا، وحُكم لصاحب المنزل بالمبلغ، وحجز على المنقولات حجزًا تنفيذيًّا، فلم يكد يسمع مني تنازلي عن كل شيء في نظير خروجه من المنزل حتى أسرع بالخروج، وبذلك خلا البدروم والدور الذي فوقه مباشرةً، أما الدور الثاني فكان يسكن في نصفه طبيب أجنبي، وفي النصف الثاني سيدة غنية كانت مغنيةً فيما مضى، وهنا استلمت الدور الأول والبدروم، وطلبت من الطبيب الخروج من المنزل فرفض، فقلت له: إني أغلق بابي الساعة السابعة مساءً، فإذا تصادف وتأخر هو عن ذلك الميعاد فعليه أن يحضر معه نجارًا ليكسر له الباب، وهكذا كان كلما عاد في المساء وجد باب المنزل مغلقًا، وظل خارج الباب في أخذ ورد ونقاش إلى الساعة الحادية عشرة، أو ما بعد ذلك، وأخيرًا اضطر أن يقبل التعويض، وأن يترك المنزل.
أما الساكنة الأخيرة، وهي السيدة المغنية، فلم أطلب منها الخروج، ولكني نقلت المدرسة، وجعلت الجرس تحت شباك غرفة نومها، وأمرت أحد الخدم أن يدق الجرس في الساعة السادسة صباحًا من كل يوم دقًّا عنيفًا يستغرق ربع ساعة، كما أمرت خادمًا آخر أن يستلم خطاباتها التي ترد من البوستة، وأن لا يسلمها إليها إلا في الساعة السادسة والنصف صباحًا، فكانت المسكينة لا تكاد تخلص من دقات الجرس الشديدة حتى تسمع قرع باب شقتها قرعًا شديدًا متواليًا، فلم تستطع البقاء على ذلك أكثر من أسبوع، وخرجت من المنزل دون أن تأخذ شيئًا، أما الساكن الذي كان يشغل الإسطبل التابع للمدرسة، وكان هو أيضًا أجنبيًّا، فلم أتعب في إخراجه، بل خرج على أبسط صورة بعد أن تنازلت له عن بعض الإيجار الذي كان متأخرًا عليه، وهكذا أخرجت ستةً من السكان في مدة شهر واحد، وابتدأت في أن أنقل باقي المدرسة لهذا المنزل، وكنت أعلم أن البارون قد كسب القضية المرفوعة، وأنه على وشك الحجز، فأخذت أنقل في السر دون أن أخبر التلميذات، حتى إذا تم نقل كل شيء في الخميس والجمعة، عادت التلميذات يوم السبت فوجدن المدرسة في بنائها الجديد، وأسرعت العيون الموضوعة عليَّ فأخبرت أولي الشأن بما جرى، فاستعجلوا المُحْضِر يوم السبت، ولكنه لم يستطع الحضور إلا في يوم الإثنين؛ لأن الأحد عطلة رسمية للمحاكم المختلطة.
حضر المحضر يوم الإثنين في منزل البارون فوجد الباب مغلقًا، وسأل من الجيران عن المكان الذي نقلت إليه المدرسة، فدلوه عليَّ، فجاءني في منزلي الجديد، وهنا تذكرت فجأةً أن سيارات المدرسة الكبيرة كانت لا تزال في فناء منزل البارون، وخشيت أن يفطن المحضر لذلك فأجلسته في مكتبي، وقلت له: إني لا علاقة لي بمنزل البارون، ولم أكن مستأجرةً له، ولكن المستأجر صديق لي، وأستطيع أن أحضر منه المفاتيح بكل سرعة، وأجلسته في مكتبي، وأغلقت باب الشقة حتى لا يستطيع الخروج، وأسرعت إلى منزل البارون، فأخرجت السيارات بكل سرعة، وأرسلتها إلى فناء المنزل الجديد، وعدت إلى المحضر، وأعطيته مفاتيح منزل البارون، فذهب إليه، ولم يجد به شيئًا يحجزه، ورفع دعوى عليَّ أنا شخصيًّا، وأوقع حجزًا تحفظيًّا على منقولاتي، ولكن المحكمة المختلطة رفضت دعواه؛ لأني لم أكن مستأجرة للمنزل، ولا علاقة رسمية بيني وبين البارون، واشتد الغيظ بالبارون، وحُجز على منزل زوج رئيسة الجمعية؛ لأنه هو المستأجر الرسمي، وجاءني يقول لي كيف يُحْجَز على منزله في مشكلة تتعلق بالمدرسة التي أستغلها أنا؟ فقلت له: إني آسفة لذلك، ولو أنك أدخلتني في الدعوة كما طلبت منك لأدافع عن نفسي لما حصل شيء من هذا، ومع ذلك فإني مستعدة أن أدفع المبلغ المحكوم به، على شرط أن تبيع لي الجمعية الأدوات، وإلا فللجمعية أن تستلم أدواتها، وأن تعطيني إيصال الاستلام، وتتصرف في بيع تلك الأدوات لسداد المبلغ المحكوم به، أما هو فقد فضل أن يعطيني الإيصال الذي أخذ عليَّ باستلام الأدوات، وأن يأخذ مني المبلغ المحكوم به، ومقداره ٢٠٠ جنيه.
وهكذا انتهت تلك المشكلة.