في الطريق إلى «هارتش»
كانت تجلس حسناء، يبدو عليها الإجهاد، وبجوارها كانت توجد باروكة شعر بيضاء، ولحية طويلة بيضاء أيضًا …
نظر «أحمد» إلى «مصباح» الذي ابتسم قائلًا: الآنسة «ليز».
ملأت الدهشة وجه «أحمد»، وتساءل: هل هي الآنسة نفسها، الرجل العجوز؟
قالت «ليز» في إجهاد: دعني أشكرك أولًا، فقد أنقذتني في الوقت المناسب.
نظر إليها «أحمد» قليلًا، ولم يشأ أن يقول شيئًا. فقد كانت «ليز» تبدو مُتعَبة تمامًا.
اقترب منها، وجلس بجوارها، فقالت: إنني لا أفهم لماذا فعلت ذلك.
ابتسم «أحمد» وقال: إن هذه حكاية أخرى، سوف أقصُّها عليكِ فيما بعد. أنتِ الآن متعبة وتحتاجين إلى الراحة. هل يمكن أن نستضيفك الليلة؟
ابتسمت وقالت: نعم. فقط أريد أن أتحدَّث إلى أبي. فالمؤكد أنه قلِق تمامًا الآن.
فكَّر «أحمد» ثم قال: دعِينا نتصرَّف في هذه المسألة، إننا نعرف عنك بعض التفاصيل، وسوف نتصل بوالدك السيد «جو» لنُطمئنه.
نظرت له «ليز» بعض الوقت، ثم سألت: هل أعرف من أنتما؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس في أن تعرفي. لكن، ليس الآن … إن الغد يحمل لنا مفاجآت؛ ولذلك أرجو أن ترتاحي الليلة، ثم نكمل حديثنا غدًا.
لم تُعلِّق «ليز» على كلام «أحمد» الذي أرشدها إلى حجرتها، فتبِعَته، حتى دخلت، ثم عاد إلى «مصباح». لم يتبادلا الحديث، فقد كان عليهما أن يناما الآن، حتى يستعدَّا للغد، وفي هدوء دخلا إحدى الحجرات، فألقى كلٌّ منهما نفسه على سرير، وغرِق في النوم.
في الثامنة صباحًا، استيقظ «أحمد» على رسالة عرَف أنها من الشياطين … رد عليهم: كل شيء يسير في خطه المطلوب … سوف أخبركم بالتفاصيل.
حاول أن ينام مرة أخرى، لكنه لم يستطيع، وعندما ألقى نظرة على «مصباح» وجده يبتسم. وأسرع الاثنان يُعدَّان نفسَيهما لخُطَّة اليوم، التي كان «أحمد» قد فكَّر فيها. وعندما أخذا يأكلان السندويتشات التي أعدَّها «مصباح»، قال «أحمد»: إن مهمتنا الآن أن نصل إلى بقية الخُطَّة لنُفسِد عليهم كل شيء. ولا يكفي أننا أنقذنا «ليز». فهي ستكون الطُّعم الذي يُوقِع بهم.
صمَت لحظةً مفكرًا، ثم أضاف: غير أن بقية الخُطَّة تحتاج لشيء واحد.
نظر له «مصباح» في تساؤلٍ وقال: وما هو؟
ردَّ «أحمد»: «ليز».
ملأت الدهشة وجه «مصباح» وقال: «ليز»؟! إنها معنا.
ابتسم «أحمد» قائلًا: نحتاج إلى موافقتها في أن تشترك معنا.
مرة أخرى، ملأت الدهشة وجه «مصباح»: إنني لا أفهم. ماذا تقصد؟
مضغَ «أحمد» لُقمته الأخيرة، ثم قال: إن «ليز» سوف تكون الطُّعم كما قلت. وحتى تكون كذلك، فلا بد من موافقتها.
كانت الساعة تدقُّ العاشرة، عندما ظهرت «ليز» في باب الحجرة، كانت تبدو أكثر راحة الآن، جلست أمامها.
فقال «مصباح»: ما رأيك في ساندويتش؟
ابتسمت «ليز» وقالت: أكون شاكرة، مع كوبٍ من الشاي.
أسرع «مصباح» يُعدُّ لها الإفطار. في نفس الوقت الذي أخذ «أحمد» يشرح لها الخُطَّة. فتحدَّث عن عصابة «سادة العالم»، وعن «لانج»، وما تريد العصابة أن تفعله من إثارة القلق في العالم وخلْق أزمة بين بلجيكا وإنجلترا. وقال إن هناك رأسًا لا بد من القضاء عليها، وإنه لا يعرف أين هذه الرأس؛ ولذلك، فلا بد من مغامرة تشترك فيها.
نظرت له «ليز» بتساؤل، وقالت: وماذا أستطيع أن أفعل؟
دخل «مصباح» يحمل الإفطار والشاي فقدَّمه إليها.
ثم أكمل «أحمد» حديثه: إن العصابة سوف تحاول الوصول إليك، ونحن سوف نُسهِّل لها هذه المهمة، حتى نستطيع أن نتبعها، وحتى نصل إلى الرأس المُدبِّر.
صمَت لحظة، بينما كانت «ليز» تتابعه بعينيها. ثم أكمل: إننا سوف نعطي العصابة فرصة اختطافك مرة أخرى وهي ستحاول طبعًا أن تَنقُلك إلى مكانٍ ما، يعطيها الفرصة لنقلك إلى بلجيكا. وفي هذه الحالة، ستكون فرصتنا في القضاء عليهم.
لم تنطق «ليز» مباشرة. فقد ظلت تنظر إلى «أحمد» في هدوء. ثم قالت أخيرًا: إنني أثق بكما تمامًا؛ ولذلك فإنني موافقة على الاشتراك في خُطتكما، فقط أريد أن أتصل بأبي.
قال «أحمد» على الفور: أعتقد أن من مصلحتنا ألا يعرف والدك السيد «جونار» … لأن ذلك سيجعله هادئًا وهذا ما يُعطي العصابة إحساسًا بأن هناك شيئًا مُدبَّرًا، لكن لو ظل والدك بلا علمٍ، فإننا سوف نستطيع التصرف، والعصابة سوف تساعدنا دون أن تدري.
لم تعلق «ليز» … فأضاف: إن العصابة لن تُفكِّر في نقلكِ إلى «بلجيكا» عن طريق الجو. فإن المطارات سوف تكون مُراقَبة. فالمؤكد أن السيد «جونار» سوف يلجأ إلى الشرطة. ولذلك فسوف تتخذ العصابة طريق البحر. إنني أتوقع أن تنقُلكِ إلى «بلجيكا»، عن طريق مضيق «روفر» الذي يفصل بين «إنجلترا» و«بلجيكا». وأقرب نقطتين لتنفيذ ذلك هما قرية «هارتش» على الساحل الإنجليزي، و«أوستند» على الساحل البلجيكي وإذا صح ما أفكر فيه، فإننا قد نكون قد ضربنا ضربتنا.
تنفَّس في عمقٍ ثم قال: والآن، ما رأيكِ؟
ابتسمت «ليز» وهي تقول: إن تفكيرك يجعلني أكثر رغبة في دخول المغامرة، خصوصًا وأنني أحب هذا النوع من المغامرات المثيرة.
قال «مصباح»: ألا يجوز أن تكون لدى العصابة خُطَّة أخرى؟
رد «أحمد»: إن هذا هو التفكير المنطقي، ونحن نعرف كيف تفكر عصابة سادة العالم.
مرَّت لحظة وأضاف «أحمد»: إننا يجب أن نبدأ الآن، حتى لا نعطيَ للعصابة فرصة التفكير في شيء آخر. ووقف فجأة، وقال: سوف أبدأ في تنفيذ الخُطَّة منذ هذه اللحظة، وأنت عليك أن تراقب البيت … بينما «ليز» سوف تكون على استعداد للخطف مرة أخرى.
قامت «ليز»، فتحرك «أحمد» قائلًا: إلى اللقاء.
غادر «أحمد» شقة الشياطين في شارع «بليك». وكان أول شيء فعله هو شراء الجرائد اليومية، وكما توقَّع تمامًا، قرأ: «اختفاء ابنة «جونار» ملك البترول»، ثم تفاصيل الحادثة. ابتسم وهو يقرأ؛ لأن أحدًا لم يكن يعرف أين «ليز» الآن. وقال في نفسه: إن ذلك سوف يؤكد ما فكرت فيه.
استقلَّ تاكسيًا إلى ١٠٨ شارع بركلي. وعندما نزل قريبًا من البيت، أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين: «استعدُّوا؛ إن المعركة قد بدأت.»
قطع الشارع بسرعة، ثم وقف أمام الباب، ودقَّ الجرس. لم تمرَّ لحظة، حتى كان الباب يُفتح، ويظهر العملاق الضخم «جيم». نظر إلى «أحمد» في دهشة، لكن «أحمد» قابل ذلك بابتسامة هادئة، وقال: هل يمكن أن أُقابل السيد «جو»؟
وقبل أن يفتح «جيم» فمه كان السيد «جو» العجوز قد ظهر … ملأت الدهشة وجهه وهو يرى «أحمد» وكان لا يزال يقف خارج البيت …
قال «أحمد»: أعتقد أننا يجب أن نتفاهم في هدوء، حتى لا نخسر كل شيء.
هزَّ العجوز رأسه وقال: نعم؟ ينبغي أن نفعل ذلك.
دخل «أحمد» في بساطةٍ، جعلتهما ينظران إلى بعضهما وقال بعد أول خطوة: هل يمكن أن نتحدَّث على انفرادٍ؟
هز «جو» رأسه، ثم تقدَّم إلى إحدى الحجرات في الطابَق الأرضي، فتبعه «أحمد»، وعندما أصبحا وحدهما أغلق الباب، وقال: إنني أعرف ماذا تفعلون. إن «ليز» عندي الآن في ١٦ شارع بليك. وتستطيعون الحصول عليها مرة أخرى.
نظر له «جو» في دهشة ثم سأل: وماذا تريد؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: أريد مقابلًا من المال.
اتسعت عينا العجوز، ثم هتف: لهذا فعلت كل ما فعلته؟!
أحمد: هل تعتقد أن هناك سببًا آخر؟
جو: لقد تصوَّرت أنك تتبع عصابة ما.
أحمد: هي ليست عصابة بالمعنى المفهوم، ولكن مجموعة من الأفراد تؤدي بعض الأعمال.
صمَت العجوز فترة من الوقت، ثم قال: هل تنضمون إلينا؟
ضحك «أحمد» وهو يقول: لا أظن! إن لنا أعمالنا. وقد أردنا فقط أن نقول لكم ماذا نستطيع أن نفعل.
سار العجوز عدة خطوات في الحجرة. ثم قال: هل تعطيني فرصة لأتحدث؟
هز «أحمد» رأسه وقال: بالتأكيد.
خرج العجوز من الحجرة. في نفس الوقت كان «أحمد» قد أسرع إلى النافذة، وفتحها. كانت قريبة من الأرض، بما يكفي لأن يقفز منها، وينصرف. لكنه لم يفعل ذلك، فقد كان يريد أن يُعطيَ العصابة فرصة الوصول إلى «ليز» … ومضت دقائق قليلة. عاد بعدها العجوز … كان «أحمد» يجلس في هدوء، وإن كان مستعدًّا لأي شيء.
ابتسم العجوز وهو يقول: كم تريد؟
أحمد: أنت تعرف أن «ليز» ابنة ملك البترول. وهي وحيدة والديها. وذلك يساوي الكثير.
هز العجوز رأسه وابتسم قائلًا: سوف أحدد لك موعدًا مع الرأس الكبير، فهو الذي يستطيع أن يتفق معك. ومن يدري، فقد تكون هناك عمليات أخرى. لقد تحدَّثت إليه، لكنه لم يكن موجودًا. وأنا في انتظار أن يتصل بي. صمَت لحظة، ثم قال: هل لديك بعض الوقت؟
دقَّ الباب، ثم ظهر العملاق، وقال: الرأس الكبير.
ابتسم «جو» وهو يستأذن منصرفًا. انتظر «أحمد» لحظة، ثم اتجه إلى النافذة. وفي لحظة، كان يمشي في الشارع. وقف في جانب يصعب رؤيته، وأخذ يراقب البيت لحظات، ثم ظهر العملاق، وخلفه «جو». كان يبدو عليهما الاضطراب. أسرع العملاق في الشارع، ينظر إلى كل الاتجاهات.
ابتسم «أحمد» فقد فكَّر مسبقًا في كل ما يفعلانه الآن.
نظر في ساعة يده ثم قال: لقد مضت ساعة منذ خرجت من الشقة، وهي كافية حتى تختفيَ «ليز». ينبغي أن أتصل بالشياطين.
أوقف أول تاكسي قابله، وطلب إليه الذهاب إلى فندق «النجوم السبعة». لم يكن الفندق بعيدًا، لكنه كان يريد أن يكسب بعض الوقت، وعندما وصل إلى الفندق كان الشياطين في حجرة «باسم». وقبل أن ينطق بكلمة واحدة. قال «قيس»: لقد خطفوا «ليز»، وقد أرسل «مصباح» رسالة وهو يتبعهم الآن.
ابتسم «أحمد» وقال: هذا ما فكَّرت فيه بالضبط.
أخذ «أحمد» يشرح لهم ما حدث منذ الأمس. وأخيرًا قال: ينبغي أن نلحق بهم. فالمعركة النهائية سوف تكون هناك.
صمَت لحظة ثم أضاف: ينبغي أن تبقى «ريما» و«قيس»، وسوف أنطلق أنا و«باسم»، وسوف نتصل بكما. إلى اللقاء.
في لحظات كان «باسم» و«أحمد» يستعدان للانصراف في الوقت الذي اتصل فيه «قيس» بعميل رقم «صفر» وطلب سيارة.
عندما وضع قيس السماعة قال: سوف نكون في انتظاركما في خلال خمس دقائق.
انصرف «أحمد» و«باسم». وعندما تجاوزا باب الفندق، كانت هناك سيارة بيضاء تقترب من الرصيف، ثم توقَّفت … نزل السائق، ثم حيَّاهما، وانصرف. قفز الاثنان في السيارة، ثم انطلقا، تبعًا للرسالة التي وصلتهما توًّا من «مصباح». كانت الرسالة تقول: «إنهم في الطريق إلى «هارتش».»
ابتسم «أحمد»، فقد نفَّذت العصابة ما فكَّر فيه بالضبط … تركا «لندن» خلفهما، في الوقت الذي كانت الساعة فيه تشير إلى الثالثة ظهرًا.
قال «أحمد»: سوف نصل مع بداية الليل، إنها فرصة جيدة. فسوف يعطينا الليل حرية الحركة أكثر.
كانت السيارة ماركة «فورد» سيارة قوية، تحتمل أن ينطلق بها «باسم» بسرعة مائتي كيلو في الساعة، ولم يكن أمامهما ما يعوقهما. الخضرة على مدى البصر، والريف الإنجليزي الأنيق يجعل الرحلة ممتعة.
بعد ساعة، لاحظ «أحمد» سيارة سوداء أمامهما تسير بسرعة، تكاد تكون نفس السرعة التي ينطلقان بها، همس: لعلها واحدة من سيارات العصابة.
ضغط «باسم» البنزين، فارتفعت سرعة السيارة إلى سرعتها القصوى، مائتين وعشرين كيلومترًا. كانت تبدو كالصاروخ … أخذت تقترب من السيارة السوداء، حتى أصبحت المسافة بينهما لا تتجاوز مائتي متر.
همس «أحمد»: اخفض سرعة السيارة. إننا لا نريد أن نقترب تمامًا.
بدأت سرعة السيارة تقل. في نفس الوقت لاحظ «أحمد» أن سرعة السيارة السوداء تقل هي الأخرى، وهمس «باسم»: يبدو أنها كما ذكرت. واحدة من سياراتهم.
ظلت السيارة السوداء تحت عيني الشياطين. لكن فجأة، ارتفعت سرعتها، وبدأت المسافة بين السيارتين تتسع. غير أن «باسم» لم يرفع سرعة السيارة. فأخذت السيارة السوداء تبتعد شيئًا فشيئًا، وإن كانت لا تزال واضحةً وسط الخضرة في الحقول. لكن فجأة، اختفت السيارة السوداء تمامًا.
وقال «أحمد»: ارفع سرعة السيارة.
رفع «باسم» السرعة لمدة عشر دقائق، إلا أن السيارة السوداء لم تظهر.
قال «أحمد»: عد إلى السرعة العادية. وصمَت لحظة ثم أضاف: يبدو أننا سوف ندخل معركة الآن.
ولم يكد يُتمُّ جملته حتى دوَّت طلقة من الرصاص تردَّد صوتها في الخلاء. لقد مرت الرصاصة بجوار السيارة.
وابتسم «أحمد» وهو يقول: إنني أعرف ذلك.