الجميع … في حبل واحد
اقترب «أحمد» من اللنش الهادئ الضوء، ثم قفز في داخله في رشاقة ولكنه توقَّف لحظة ليفكر، غير أن صوتًا جاءه هادئًا سأله: من هناك؟
فهِم أن هناك أحدًا … وأنهم بالطبع لم يتركوا اللنش بلا حراسة، ولم يردَّ «أحمد» مباشرة. لقد فكر في أن يصمت لحظةً ليرى ماذا سوف يكون.
جاءه الصوت مرة أخرى: مَن هناك؟
بسرعة قال مُقلِّدًا صوت «جو»: إنني «جو». سأل الصوت: هل هناك شيء يا سيد «جو»؟
فكَّر «أحمد» بسرعة ثم قال: هناك أشياءُ خاصة بالسيد «ويللي» في صالون اللنش، هل يمكن أن تنقُلها إليَّ؟
لم يسمع ردًّا. نظر حواليه في حذرٍ، حتى لا يؤاخذ بتصرُّفٍ ما. ظهر أحد البحَّارة فجأة، ثم وقف مندهشًا وتساءل: أين السيد «جو»؟
فقال «أحمد» مبتسمًا: لقد نزل إلى الصالون.
تحرَّك البحار إلى الداخل. في نفس اللحظة التي تحرك فيها «أحمد» بسرعة، وسأل: هل تقف الباخرة بعيدة عنا كثيرًا؟
أجاب البحار وهو لا يزال في حركة: مسيرة نصف ساعة في السرعة العادية.
كان «أحمد» قد تحفَّز للانقضاض عليه، عندما سأله البحار: أين السيد «جو»؟ إنه غير موجود في الصالون.
انتظر «أحمد» عودته، فقد كان يقف في أحد جوانب الباب، وعندما ظهر البحار لكَمه «أحمد» لكْمةً قوية، جعلته يترنَّح، ويصطدم بكابينة اللنش … وقبل أن يستعيد توازنه، كان قد قفز إليه، ثم ضربه ضربة قوية جعلت توازنه يختل، ويميل في اتجاه الماء. فعاجَله بلكمةٍ أخرى، حتى جعله لا يستطيع أن يتمالك نفسه، فسقط واختفى في جوف مياه مضيق «روفر».
فكَّر «أحمد» بسرعة … إن مسافة نصف ساعة إلى الباخرة بالسرعة العادية، يمكن قطْعُها في ربع ساعة بسرعة مضاعفة. أي أن المسافة ذَهابًا وعودةً تحتاج إلى نصف ساعة. وهذا يعني أن الضربة التي أُوجِّهها لهم تستغرق نصف الوقت فقط، فأمامهم ساعة حتى يفكروا في الرحيل.
استعرض المكان حوالَيه لم يكن هناك شيء … أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين: «راقبوا القصر جيدًا، أحتاج لنصف ساعة حتى أنتهيَ من المرحلة الأولى.»
انتظر لحظة فجاءه الرد: نحن بجوار القصر فعلًا.
نزل بسرعة إلى ماكينة اللنش، ثم أدارها، وانطلق إلى عُرض المحيط، كان يسير في هدوء، حتى لا يصل صوت اللنش إلى القصر. وعندما ابتعد، رفع سرعة اللنش ثلاثة أضعاف حتى يختصر الوقت … كان اللنش ينطلق على سطح الماء، وكأنه صاروخ موجَّه، وفي أقل من ربع ساعة كانت أضواء الباخرة تلمع … مجرد أضواء صغيرة لا يمكن أن تلفت نظر أحد، عندما اقترب خفَض السرعة، إلا أن صوت اللنش كان كافيًا لأن يظهر البعض على سطح الباخرة.
كانت باخرة متوسطة الحجم، بيضاء اللون.
توقَّف أسفل الباخرة فجاءه صوت: هل وصل السيد «ويللي»؟
رد «أحمد» بسرعة: لقد جئت برسالة، فسوف يتأخر السيد «ويللي» بعض الوقت … هل يمكن أن ينزل أحد؟
في لمح البصر كان أحد البحارة قد نزل على حبل امتدَّ من الباخرة إلى اللنش، وكأنه قرد في سيرك. وقبل أن يضع قدميه على سطح اللنش، كان «أحمد» قد أطلق عليه إبرة مخدرة، جعلت البحار يقف لحظة، ممسكًا بالحبل، ثم يسقط. كان أسفل الباخرة مظلمًا بما يكفي لأن ينتهز «أحمد» الفرصة. صعد على الحبل بسرعة، ثم التصق بجانب السفينة. وصعد في مكان ليس فيه أحد، وبسرعة قفز إلى عنبر الماكينات واندس فيه … أخرج من جيبه مجموعة من أصابع الديناميت الصغيرة الحجم، ثم دسَّها بين أجزاء الماكينة وحدَّد الزمن بنصف ساعة. وفي لمح البصر، قفز خارجًا، غير أنه واجه أحد البحَّارة فجأة. ولم يضيع وقتًا، فقد قفز وضربه فاصطدم رأس البحار بأحد الأعمدة الحديدية، فسقط لتوِّه.
أسرع جريًا في نفس الاتجاه الذي صَعِد منه، حيث ربط الحبل هناك. وسمع صوتًا يقول: إن «بلاك» لم يصعد من اللنش. ماذا حدث؟
عرف أنهم كانوا ينتظرون زميلهم الذي سقط بتأثير الإبرة المخدرة. كان قد وصل إلى الحبل، فانزلق عليه بسرعة إلى حيث يقف اللنش، وكانت أصوات تنادي: «بلاك»، أين أنت؟
رد «أحمد» بسرعة: إن الكابتن «كوك» قد طلب «بلاك» وسوف يعود معي إلى الشاطئ.
سأل صوت: هل سوف يتأخر؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا. في خلال نصف ساعة سوف ينتهي كل شيء.
أدار «أحمد» محرك اللنش وانطلق بأقصى سرعة. وفي ربع ساعة، كان يقترب من الشاطئ. خفض سرعة اللنش حتى لا يظهر صوت. لكن فجأة، شعَر أن هناك رسالة، فقد كان جهاز الاستقبال يعطيه بعض الدفء.
تلقَّى الرسالة وكانت من الشياطين: لقد دخلنا في معركة انتهت بالقبض علينا. نحن الآن في النقطة «م». هناك طائرة صغيرة وصلت منذ قليل، للسيد «ويللي»، الزاوية ٤٥ درجة. معنا «ليز» والعجوز «جو» و«بوريف». إن الأمور تتطور بشكل غير طيب.
كانت الرسالة مفاجأة ﻟ «أحمد». إن القبض على الشياطين يُعقِّد المسألة أكثر. لكنه قال في نفسه: إن ذلك يجعل المواجهة سريعة وضرورية.
وصل اللنش إلى الشاطئ … توقَّف لحظة، وأخرج إصبعَي ديناميت، وضعهما في ماكينة اللنش، وجعل التوقيت ربع ساعة، ثم قفز إلى الشاطئ … كان يرتقي درجات السُّلَّم بسرعة مذهلة، حتى إنه كاد يسقط أكثر من مرة. كان يفكر أين «ويللي» إذن؟ لا بد أن شيئًا ما قد حدث.
وصل إلى القصر الذي كان مضاءً تمامًا الآن. اقترب أكثر، لم يكن هناك أحد … حدد النقطة التي جاءته في الرسالة. وكانت حجرة في الناحية الأخرى من القصر في اتجاه يقع بميل من الشاطئ. اقترب من الحجرة، وهو يحتمي بالنباتات الكثيرة التي تملأ حديقة القصر. أخرج سماعة، ألصقها بجدار القصر، وبدأ يتسمَّع إلى ما يدور بالداخل، لقد كانت هناك أقدام كثيرة تروح وتجيء.
وسمع صوت «بوريف»: أين زميلكم؟
ولم يجب أحد.
سمع صوت «جيم» وهو يقول: سوف نتخلص منهم الآن إلى الأبد.
صمَت لحظة ثم قال: «جيم»، أعد سيارة، فسوف ننقُلهم بها إلى حيث نهايتهم. وسوف يقود السيارة «باد» فهو سائق ماهر. وعند نهاية الهضبة يقفز من السيارة ويتركها لتسقط بهم.
صمَت مرة أخرى، ثم ضحك في سخرية، وأكمل: إن النيران سوف تشتعل في السيارة، وسوف تكون الحادثة قضاء وقدَرًا … مجرد حادثة عادية، لا تلفت نظر أحد، ولا تُثير الشبهات.
سمع «أحمد» ذلك فنظر في ساعة يده … كانت عشر دقائق قد انقضت.
سمع صوت «جو»: لقد استقل السيد «ويللي» القطار إلى لندن، للقاء السيد «لانج». وقد طلب أن تنتقل «ليز» إلى الباخرة.
قال «بوريف»: لقد عرفت ذلك من المكالمة التليفونية التي جاءت للسيد «ويللي» ثم سكت لحظة وقال: هيا يا «جيم». اربطهم بالحبال ريثما يستدعي «بريك» السائق «بار» لتجهيز السيارة.
ترددت خطوات سمعها «أحمد» من خلال السماعة المكبرة للصوت. نظر في ساعة يده، كانت قد بقِيَت دقيقة على موعد انفجار ديناميت اللنش. نظر إلى نوافذ الحجرة، فوجدها مغلقة. قال في نفسه: إن النوافذ لا بد أن تكون مفتوحة حتى يسمعوا الانفجار فسوف يكون تأثير ذلك قويًّا.
نزع السماعة عن الحائط، ثم اقترب من النافذة، وضربها بكعب مسدسه ضربة متوسطة جعلت الزجاج يتناثر، وعندما صاح «بوريف»: ما هذا؟ دوَّى انفجار رهيب، جعل القصر يهتز في فضاء الليل.
نظر «أحمد» إلى الشاطئ. كانت النيران المشتعلة في اللنش قد أحدثت جلبةً وصخبًا داخل القصر.
وفجأة سمع «أحمد» صوت «مصباح» يقول: لا أحد يتحرك!
رفع «أحمد» نفسه إلى النافذة المفتوحة، وهو يتشبَّث بقاعدتها ليرى ما حدث في الحجرة. التقت عيناه بعينَي «ليز» فظهرت الفرحة على وجهها لكنها بسرعة أخفت فرحتها، حتى لا يظهر شيء. كان «بوريف» والعجوز «جو» يقفان في غيظ وكان «مصباح» يمسك مسدسًا، بينما وقفت «ليز» و«باسم» يرقبان الموقف.
قال «مصباح»: انْزِع مسدساتهما، وقِف خلف الباب.
أسرع «باسم» ينزع مسدس «جو» الذي لم يتحرك ثم وصل إلى «بوريف»، فرفع الرجل يديه إلى أعلى، وعندما مدَّ باسم يده لينزع المسدس، كان «بوريف» بخفَّةٍ شديدة قد استدار واحتضن «باسم» وأخرج مسدسه وصوَّبه إلى «مصباح» وابتسم قائلًا: لو تحرك أحد حركة واحدة فسوف أقضي عليه. ثم خطا خطوتين، وهو لا يزال ممسكًا ﺑ «باسم»، وضغط زرًّا في الأرض، فسُمعت أصوات تقترب …
تحرك «جو» في اتجاه جدار النافذة، حيث كان يوجد مكتب صغير، واستند إلى حافته، وقال: ينبغي أن نتفاهم بدلًا من الصراع.
كانت «ليز» ترقب ما يحدث وهي تعرف أن «أحمد» لن يتدخل إلا في الوقت المناسب؛ ولذلك لم يظهر عليها أي أثر للخوف. ونظرت إلى «مصباح» نظرة ذات معنًى، ففهم ماذا تعني. إلا أنه نظر هو الآخر إلى «باسم» الذي ضحك بصوت مرتفع وهو يقول: إن السيد «جو» على حق، يجب أن نتفق، ونحدد المبلغ.
ثم نظر إلى «ليز» وقال: معذرة، أيتها الآنسة «ليز»، إن العمل لا يعرف العواطف.
ابتسم «بوريف» وقال: إذن ألقوا المسدسات.
نظر «باسم» إلى «مصباح» وقال: نعم، يجب أن نفعل ذلك.
ألقى مصباح مسدسه وكذلك فعل «باسم».
فقال «بوريف» في هدوء: لا أظن أنني سوف أُلقي مسدسي.
في نفس اللحظة دخل «جيم» وهو يقول في فزع: لقد احترق اللنش تمامًا.
قال «جو»: لا بأس فليس هذا كل شيء.
نظر «جيم» حوله، وبيده حبل طويل، وقال: هل نبدأ العمل يا سيد «بوريف»؟
فأجاب بابتسامة خبيثة: نعم، اجعلهم ربطة واحدة.
اشترك «جو» في ربط «مصباح» و«باسم»، وظلت «ليز» وحدها. فقال «جيم»: هل نربطها هي الأخرى؟
ابتسم «بوريف» وقال: هل تتخلص من الصيد الثمين أيها الغبي؟
انضم «باسم» و«مصباح» في ربطة واحدة، وقال «بوريف»: هل «باد» مستعد؟
قال «جيم»: نعم يا سيدي.
قال «بوريف»: استدعه حالًا.
خرج «جيم» على عجَل. وكان «أحمد» يراقب كل شيء. أخرج مسدسه، ثم وضع فيه إبرة مخدرة، وأطلقها في اتجاه «جو». نظر «جو» لحظة إلى «بوريف» ثم وضع يده على صدره، حيث أصابته الإبرة الصغيرة وتهاوى على الأرض.
نظر «بوريف» إليه في فزع، وقال: «جو»، ماذا حدث لك؟
إلا أن «جو» كان في عالم آخر. تردَّد «بوريف» ونظر إلى الشياطين. ثم إلى «ليز» وهو يقول: ماذا حدث؟
ولم يكد ينتهي من سؤاله، حتى كان «أحمد» قد قفز من النافذة، وهبط على كتفيه وهو يضرب يده بقدمه فطار المسدس في الهواء. وقبل أن يُفيق «بوريف» من ذهوله، كان «أحمد» قد أمسك بالمسدس، وهو يقول: هذه أول مرة نلتقي فيها يا سيدي.
نظر له «بوريف» في دهشة، ولم ينطق بكلمة.
قال «أحمد»: «ليز»، فكِّي وَثاقهما.
أسرعت «ليز» تنفذ ما طلبه منها. فجأة، ارتجَّ المكان في عنفٍ.
ابتسم «أحمد» قائلًا: إنها الباخرة الأخرى.
كاد «بوريف» يسقط من الفزع. ولقد نظر إليهم جميعًا، وهو لا يصدق ما يسمع، ودون أن يفكر جرى إلى النافذة، ونظر في اتجاه البحر، ولم يمنعه «أحمد»، فقد تركه يرى كل شيء.
ظل الرجل ينظر إلى البحر في ذهول، ثم التفت إليهم وقال: من الذي فعل كل هذا؟
ابتسم «أحمد» وقال: الشياطين.
فقال «بوريف» وهو في ذهول: هذا حقيقي، لا بد أنهم الشياطين!
اقتربت أقدام ثقيلة تجري، وهي تصيح: سيد «بوريف»، لقد اشتعلت الباخرة.
ثم ظهر «جيم»، ومعه السائق «باد»، وعندما رأى ما حدث، نظر إلى «أحمد» في دهشة، وقال: هل عدت؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: ما رأيك؟ ألم أقل لك إنك لن تتمنى أن تراني مرة أخرى؟
وقف «باد» لا يدري ماذا يفعل، فهو لم يكن يفهم شيئًا.
قال «أحمد»: شُد وَثاق الثلاثة، لا تزال أمامنا مرحلة أخيرة. السيد «ويللي» …
تقدَّم «مصباح» و«باسم» إلى «بوريف» و«جيم» و«باد» وشدوا وثاقهم.
في نفس الوقت كان «جو» قد بدأ يُفيق، رفع رأسه في إجهاد، وهو يقول: هل انتهى كل شيء؟ ثم استعرض الحجرة … فعلت الدهشة وجهه عندما رأى «أحمد»، فهتف: لا أصدق! أنت مرة أخرى؟!
ابتسم «أحمد» قائلًا: نعم يا سيد «جو»! هل تنضم إلى الباقين؟
جذبه «مصباح» إلى الباقين، وشد وثاقه معهم.
سأل «أحمد»: هل هناك أحد آخر؟
لم ينطق أحد … فاتجه إلى «جو» العجوز ووضع ماسورة المسدس بين ضلوعه وقال: يا عزيزي العجوز «جو» هل تنطق، أو أترك المسدس يتفاهم معك؟
نظر له «جو» في خوف ثم قال: لا أحد هناك. لا يوجد سوى بعض الخدم.
نظر له «أحمد» ثم قال: فكوا وَثاقه، وخذوه إلى الخارج، ليستدعيَ الخدم، ثم أوثِقوا الجميع، إن الوقت ثمين.
وعندما كان «مصباح» يفكُّ وَثاق «جو»، سأله «أحمد» في ابتسامة: لماذا لم يسافر السيد «ويللي» في الطائرة التي جاءته من لندن، والتي تقف في المساحة الواسعة عند نهاية الحديقة؟
ظهرت الدهشة على وجه «جو» وهو يسمع ذلك فلم يرد.
نظر «أحمد» إلى «بوريف» وقال: هل تعرف لماذا يا سيد «بوريف»؟ أقول لك: لقد خشي السيد «ويللي» أن يسافر بالطائرة؛ لأنه لا يثق بالسيد «لانج»، فهم جميعًا يشكُّون في بعضهم، وخشي أن يسافر بالسيارة حتى لا يجد أحد فرصة للتخلُّص منه كما كنتم ستتخلصون من الأصدقاء. وفضَّل أن يسافر بالقطار لأنه لا خطر فيه. لكن الخطر موجود في أي لحظة، خصوصًا لأمثال السيد «ويللي».
خرج «مصباح» مع «جو» فاستدعى الخدم، وحضروا جميعًا. وفي دقيقة كان الجميع مربوطين، ويرقدون على الأرض.
قال «أحمد»: هيا بسرعة حتى لا يفوت الوقت.
أخيرًا … ظهر الرأس الكبير.