الفصل السابع عشر
كان صلاح يؤدي امتحان النقل من السنة الثانية في كلية الحقوق إلى السنة الثالثة حين ضرب جرس التليفون في بيتهم، وقال خليل: صلاح أنت تذاكر هذه الأيام؟
– نعم.
– إذن اسمع، آخر يوم امتحانٍ تعال فأنا أريدك في شيءٍ مهم جدًّا.
– خير يا عمي.
– وهل تظن أن عمك يُقدِّم لك إلا خيرًا؟
– ولكن سعادتك شغلتَني.
– وهل تظن أنه لو كان هناك ما يشغل كنت طلبتُك وأنت تمتحن؟ متى آخر امتحان عندكم؟
– غدًا.
– إذن تعالَ غدًا، واطمئن ستفرح جدًّا، أظن ذلك على الأقل.
وحين ذهب صلاح إلى عمه في اليوم التالي كانت اللهفة تُحيط به. وكان عمه مشغولًا بالكشف على مريض، فازداد به القلق، حتى إذا خرج المريض دخل دون استئذان، وقال دون سلام: ماذا هناك يا عمي؟
– اقعد.
– ماذا هناك والنبي؟
– اسمع يا سيدي، لقد خطبتُ لك.
– ماذا؟ من؟ هل أعرفها؟
– وهل من الضروري أن تعرفها؟
– اسمع يا عمي، أنا خاطب فعلًا، وأنا أعرف حبك لي؛ ولذلك أرجو أن تكون خطبتُك مجرد جس نبض، أنا خاطب فعلًا.
– من؟
– فتاة زميلتي.
– اسمها عديلة؟
– ماذا؟!
– وابنة عبد الغني بك الزاهد؟
– كيف عرفت يا عمي؟
– الله يكسفك! أعرف منهم ولا أعرف منك.
– ماذا تقول؟
– لقد جاءت إليَّ هنا، وقالت إن كثيرًا من الخطاب تقدَّموا لها ورفضتهم، ولكن تقدَّم إليها أخيرًا شابٌّ مهندس لا عيب فيه، وأبوها يُريد أن يزوجها منه على رغم أنفها، وطلبَت إليَّ أن أرجو أباها ألا يرغمها.
– وماذا فعلتَ يا عمي؟
– سألتُها عن سبب الرفض فأصرَّت أن تصمت، ولكنها أخيرًا قالت إنها لا تُريد أن تخرج عن طاعة أبيها ولكنها لن تتزوج هذا المهندس.
– وبعدُ يا عمي وبعدُ.
– طلبتُ إليها أن تنتظر في غرفة الاستقبال وطلبتُ أباها في التليفون، فإذا الرجل ينفجر: ألم تُفكِّر يا دكتور لماذا اختارتكَ أنتَ بالذات؟ قلتُ: أعتقد أنها اختارتني لأنها تعرف مكانتي عندك. قال: يا سيدي مكانتُك على العين والرأس ولا شك فيها، ولكن لها أعمام ولها أخوال، وكان من الطبيعي أن تلجأ لواحد منهم. وتنبَّهتُ إلى هذه الحقيقة متأخرًا، يبدو أننا عائلةٌ غبية يا ولد يا صلاح، سألتُ عبد الغني: ماذا إذن؟ قال: ابن أخيك يا سيدي. ماله؟! قال متحابان وهي لا تريد الزواج من أجل خاطره. ربك والحق يا ولد يا صلاح، فرحتُ بك. قلتُ: وأنت ما المانع عندك؟ قال: المانع بسيط جدًّا، أنه لم يتقدم إليها، وهؤلاء العرسان تقدَّموا وكلهم شبانٌ ممتازون وأحسنهم هذا الشاب الأخير، ما رأيك؟ قلتُ له: إذن يا عبد الغني فأنا أخطب ابنتك عديلة لابن أخي صلاح. قال: ألا تسأله؟ قلتُ: إني أعرف الجواب. قال: إذن وأنا قبلتُ، قل للبنت إنها لن تتزوج الزفت المهندس، ولا تقل لها شيئًا عن الخطبة حتى تتم رسميًّا. قلت: حاضر.
وقفز صلاح عن كرسيه وراح يُقبِّل عمه ويحتضنه ويصيح: الله يطيل عمرك، الله يخليك. وقال خليل: والآن قل لي: ماذا فعلت في الامتحان؟
– قل لي أنت أولًا: كيف عرفتَ أنني سأقبل هذه الخطبة؟
– عجيبة! ألا تعرف أن لي أصدقاءَ كثيرين بين أساتذتك؟
– وكيف عرفوا؟
– لماذا يعتقد الشاب منكم أن الشباب لم يعرف إلا جيله وحده؟ كانوا هم أيضًا شبابًا وكانوا في الجامعة ولا تفوتهم الفائتة.
– العجيبة أنني مع عديلة كل يوم، ولم تقل شيئًا عن هذه الحكاية مطلقًا!
– أولًا: ماذا تريدها أن تقول لك؟ تعال اخطبني! ثانيًا: هي لا تعرف أنني خطبتُها من أبيها.
– والبنت التي ترفض أن تذكر لي شيئًا عن خُطَّابها أليست جديرة بالحب؟!
– فعلًا هي جديرة بالحب وبالإعجاب، ولو أننا نحن أحببناها أولًا، والآن نفكر في حيثيات الحب. أليس كذلك يا نصف المتر؟
– وهل تظن أن أبي سيقبل أن يخطب لي وأنا نصف متر؟
– غصبًا عنه.
– كيف؟
– إن كان عليه هو يريد أن يُزوِّجكَ من يوم دخولك الجامعة وأنا الذي كنت أستمهله.
– هل كلمته؟
– وسيكون هنا غدًا، اذهب أنت الآن إلى والدتك وأخبرها بكل شيءٍ حتى لا تُفاجأ.
وجاء سباعي وطلب إلى أخيه خليل أن يشتري له الشبكة المناسبة، وما هي إلا أيامٌ حتى تمت الخطوبة وأُعلنَت، واتفق الجميع على أن يكون الزواج بعد الليسانس مباشرة. وكانت أم عديلة متوفاة؛ ولهذا لم يكن عجيبًا أن يهمس عبد الغني في أذن صلاح: تعال يا ابني أريدك في كلمتَين.
قام صلاح مع والد خطيبته وذهب به إلى غرفة نومه: أعرف أن الكلام في هذا سابق لأوانه إلا أنني يا بني لا أحب القلق.
– تحت أمرك يا عمي.
– أنت ترى أنه ليس لي في الدنيا إلا عديلة. أمها تركتها لي من خمس سنوات، وأنا كبرتُ ولا أستطيع أن أعيش وحيدًا، أيكون هناك إثقال عليك لو عشتَ معي في هذا البيت؟
– أنا تحت أمرك، ولكن لي رجاءٌ واحد عندك.
– قلْه.
– أن أساهم في مصاريف البيت.
– في بيتي؟
– وهل ترضى لي أن أعيش عالة عليك؟
– أنا قبلت.
– وأنا قبلت.
– على بركة الله، إذن ربنا يهنيكم يا ابني، إن شاء الله.