الانفتاح المؤسسي
بعد أن قضينا الوقت في استعراض الهدف، والتمكين، والأشخاص، والقيادة في الفصول الأربعة الأولى، حان الوقت لإلقاء نظرة على الصفات الراسخة في المؤسسات التقدمية، وهي خصائص ملموسة، مثل: سرعة التغيير، والحمض النووي التكنولوجي، والإدارة المالية العادلة. ولنبدأ أولًا بالانفتاح المؤسسي.
العالم الذي نحيا فيه حاليًّا أكثر انفتاحًا على نحو جذري من ذلك العالم الذي وُجد منذ خمس سنوات على الأقل. ومع تحول المعلومات إلى الصيغة الرقمية بدأ مجتمعنا فحسب في التعرف على معنى العيش، في عالم أصبح الانفتاح فيه سهلًا، وتحول أكثر فأكثر ليصبح العرف السائد. هل تذكر أول مرة أُرسلتْ إليك رسالة عبر البريد الإلكتروني لم يكن من المفترض أن تراها؟ من يمكنه أن ينسى أسطورة كلير سواير ورسالة البريد الإلكتروني التي أرسلتها إلى حبيبها؟ مع انتشار موقع فيسبوك تحدث مثل هذه الوقائع في كل دقيقة كلَّ يوم حول القارات وبين مئات الملايين من المستخدمين النشطين. ما زلنا في مرحلة تقبل المشاركة قليلة الاحتكاك على نحو مدهش، والمتاحة بسهوله لأعداد هائلة في عصر الإنترنت، حتى في وقتنا الحاضر.
تنشر ويكيليكس سجلات حكومية شديدة السرية، ويستطيع الصحفيون هزيمة أباطرة الإعلام وأعضاء البرلمان، من خلال التتبع الدقيق والمستمر للمعلومات الرقمية. ويكشف نشطاء الاختراق الإلكتروني المعروفون باسم أنونيموس أسماء زوار مواقع استغلال الأطفال جنسيًّا، ويخترقون أنظمة البريد الإلكتروني للحكومة الإيرانية. تجوب الفيديوهات التي تُظهر الموظفين الأشقياء، الذين يسيئون التصرف في العمل في أرجاء العالم في دقائق، ضمن فيديوهات أخرى تقدَّر مدتها بمليارات الساعات تصور قططًا، وقوس قزح المزدوج، وغيرها من الغرائب والأحداث الطريفة، التي تتفوق على نفسها، وتصبح ظاهرة رائجة، ينتهي بها الحال مطبوعة على الملابس ومستخدمة في اللغة الرائجة.
ينشأ الشباب في ظل عصر قد يمتلكون فيه آلاف الأصدقاء على الشبكات الاجتماعية، وبصمة رقمية لمئات الصور منذ أن كانوا صغارًا، نُشرت بطريقة ما على الإنترنت دون إذنهم، وهذا يخلق أعرافًا وسلوكيات جديدة تجعل الأجيال الأكبر سنًّا في حالة صدمة بسبب انعدام الخصوصية.
على الصعيد الإيجابي، فإن هذا العالم الجديد الأكثر انفتاحًا يقدم فوائد أصبحنا معتادين عليها سريعًا، فأصبح باستطاعتنا إلقاء النظر على التقييمات التي كتبها مستخدمو المطاعم التي نخطط لتناول الطعام فيها، والفنادق التي نخطط للنزول فيها، والحرفيين الذين نخطط لاستئجارهم للعمل في منازلنا. ونستطيع أيضًا التعلم من الآباء الآخرين من خلال موقع مامزنت، ومن محبي السيارات الآخرين على موقع بيستون هيدز، ومن غيرهم من رعاة الحدائق ومتخصصي الأنساب والدارسين، وكل شخص آخر نسعى للتواصل معه عبر شبكة المجتمعات المتخصصة، التي تخلق فيضًا من المعلومات المفيدة المتاحة التي لم تكن لتوجد من قبل قط.
والمؤسسات التي تتعامل مع الموضوعات الصعبة بواقعية، حتى تلك المؤسسات ذات العلامات التجارية الأشهر؛ مثل بروكتر آند جامبل وليجو، بدأت تشارك أكثر مشاكل العمل إزعاجًا وصعوبة، من خلال منصات تعهيد جماهيرية وأسواق ابتكارية للتعاون وللمشاركة في خلق حلول مع شبكات، تضم أشخاصًا مستقلين متخصصين في حل المشكلات وعملاء على حد سواء.
لماذا الشركات التقدمية أكثر انفتاحًا؟
في المقام الأول، من المنطقي بالنسبة لشركة تقدمية أن تكون أكثر انفتاحًا؛ لأن الانفتاح في حد ذاته لا يقاوم. لا يمكننا إيقاف هذا التوجه، لا يمكننا كبح هذا التيار، ولذلك فمن المؤكد والحتمي ضرورة الاحتفاء به واستغلاله بدلًا من مقاومته.
لا يعتمد هذا الاتجاه على الإيمان بالفكرة فقط إلى حدٍّ كبير، فأكثر الشركات انفتاحًا بطبيعتها لا يمكن أن تكون متحمسة له؛ لأنها أدركت ببساطة منذ وقت بعيد أنه في يوم من الأيام سيصبح العالم على هذا النحو إلى حد كبير، أليس كذلك؟ لا بد من وجود مكافأة قصيرة الأجل، شيء أكثر وضوحًا، شيء أكثر إلحاحًا، شيء مجزٍ إلى حد أكبر وفي وقت أسرع. لا بد من وجود هذه الأمور كي يكون الانفتاح جزءًا قويًّا من حركة الأعمال الثورية هذه.
-
التزامًا أقوى وحلولًا داخلية أكثر ذكاءً للمشكلات بفضل المزيد من الانفتاح، فيما يخص المعلومات والأداء داخل الشركة.
-
تسويقًا منخفض التكلفة، أعلى تأثيرًا، من خلال مشاركة المعلومات القيمة من جانب الأفراد داخل المؤسسة مع العالم الأكبر نطاقًا.
-
انخفاض تكلفة البحث والتطوير على نحو هائل من خلال أساليب التطوير المبتكرة والمتداخلة.
-
اكتشاف الفرص مصادفة، وتحقيق نتائج غير متوقعة، بمساعدة أشخاص من خارج المؤسسة، يكوِّنون ارتباطات، ويخلقون احتمالات، في جوانب لم تستطع المؤسسة رؤيتها أو تكوينها (ليس فقط في مجال «الابتكار» بل في مجال التقدم والنشاط عمومًا).
-
فض التكاليف وزيادة ولاء العميل والتسويق الشفهي على نحو هائل؛ بسبب الاستفادة من التوجه نحو قدر أكبر من المشاركة بين المصنع والمستهلك، وهذا يشمل التعهيد الجماعي، وتطوير المنتجات المشترك، والتمويل الجماعي، وغير ذلك.
-
ونتيجة لكل ذلك، تقل المخاطر كثيرًا بسبب كون الشركة أفضل استعدادًا وأكثر قدرةً على التكيف في عالم مفتوح، وهذا بدوره يحقق ميزة تنافسية على المنافسين الأكثر بطئًا وترددًا.
لنفهم كيف أصبحت المؤسسات المعاصرة أكثر انفتاحًا نحتاج إلى إلقاء النظر على تسعة جوانب مميزة من الانفتاح.
(١) الجوانب التسعة لانفتاح المؤسسة
-
(١)
الثقافة والسلوك.
-
(٢)
بيئة العمل.
-
(٣)
الأنظمة.
-
(٤)
الابتكار.
-
(٥)
قضايا البيئة.
-
(٦)
التسويق والتواصل.
-
(٧)
الأمور المالية.
-
(٨)
الخصوصية.
-
(٩)
المنافسة.
(١-١) الثقافة والسلوك
لمناقشة الانفتاح على نحو مفيد نحتاج إلى البدء بثقافة وسلوك مؤسستك (أو أي مؤسسة أخرى). يوجد سبب لتسمية الكتاب بهذا الاسم، وهو أن كثيرًا من التعديلات اللازم حدوثها والفرص المتاحة، متعلقة بالثقافة. المجالات التالية في هذه القائمة تتفاعل جميعها مع الثقافة، فهي تكوِّن الثقافة وتتكون من خلالها، وكلها مترابطة. بيد أن الثقافة تشبه اللُّحمة التي تربطها كلها معًا، ولهذا السبب تحظى بالأولوية.
إذن كيف تبدو الثقافة المنفتحة؟ إليك قائمة مراجعة، أثناء قراءتها فكر في مؤسستك وموقفك الحالي.
-
جميع المعلومات تقريبًا متاحة لجميع أعضاء المؤسسة تقريبًا، ويوجد عدد قليل من الأسرار، ومن السهل الحصول على المعلومات اللازمة.
-
الأفراد في جميع أنحاء المؤسسة يعبرون عن مشاعرهم صراحةً، وتقل مواراة وإخفاء المشاعر الحقيقية.
-
التعاون هو الوضع الطبيعي داخل الهياكل التنظيمية المنفصلة (مثل الفرق والإدارات) وبينها، ولا توجد أي إشارات جدية على وجود الصوامع الانعزالية، ولا توجد مشكلات يسببها أفراد يكتمون المعرفة، ويحمون مناطق تخصصاتهم.
-
المؤسسة تتعاون مع منافسيها وتتنافس معهم أيضًا، توجد وجهة نظر تحمل اختلافًا بسيطًا، تقول إن المنافسين يعتبرون أيضًا شركاء قيمين، يساعدون في بناء السوق والمشروعات المشتركة المستمرة.
(١-٢) بيئة العمل
من المثير للاهتمام أن التوجه نحو الانفتاح يؤثر أيضًا على البيئات الداخلية للمؤسسات، وقد بدأ كذلك — إلى جانب غيره من التوجهات السائدة منذ العقود الماضية مثل التوجه نحو المنافسة العالمية والضغوط المرتبطة به التي دفعت بعض الشركات إلى خفض التكاليف كي تتمكن من المنافسة — يغيِّر مظهر بيئات العمل وطريقة عملها.
-
التحول من المكاتب المغلقة والحجيرات المكتبية إلى المزيد من المساحات المشتركة. تعيد المؤسسات تنظيم مساحاتها على نحو متزايد؛ ليكون لديها المزيد من «المساحات الثالثة» كما يصف مقهى ستاربكس نفسه، وهذه المساحات الثالثة تتصف بأنها مساحات عفوية، ومريحة، وتعاونية، مثل: المقاهي، ومناطق الأرائك، ومساحات التخطيط المفتوح المناسبة للاجتماعات والمحادثات غير الرسمية.
-
التحول من مساحات المكاتب الثابتة، إلى الاعتماد على نحو أكبر على المكاتب المشتركة ومساحات العمل المشتركة. على مدار العديد من العقود كان هذا ما يحدث، وشهد كثير من الناس كلًّا من إيجابيات وسلبيات المكاتب المشتركة. النمط التالي من هذا الاتجاه هو ساحات العمل المشتركة، وهي مساحات عمل تعاونية ومشتركة، للموظفين المستقلين، والموظفين الموزعين مكانيًّا، الذين لولا تلك المساحات لكانوا يعملون من المنزل أو بمفردهم في مساحات مكتبية فردية. الأمر المثير للاهتمام بصفة خاصة في مساحات العمل المشتركة هو أنها تراعي ضمن تصميمها إتاحة فرص الاهتمام بأكثر من نشاط، والاكتشاف عن طريق المصادفة، والتعاون الرسمي الذي نتطلع إليه في مجال الابتكار (سنناقش ذلك فيما بعد في هذه القائمة). في مساحة العمل المشتركة، يجلس المهندس المعماري بجوار مطور الويب الذي يجلس مقابل مندوب بيع أدوات طبية يتشارك المساحة المكتبية مع شريكه الرسام. مساحة العمل المشتركة هي التجلي المادي للعمالة المختلطة المترابطة بعيدة الصلة عن بعضها بعضًا.
-
التحول من أسلوب «الشركة توفر أفضل الوسائل التكنولوجية» إلى الأسلوب الناشئ المتمثل في «أحضر معك وسائلك التكنولوجية». منذ فترة ليست ببعيدة، كانت التكنولوجيا المتاحة في العمل جيدة جدًّا، وفي الغالب أفضل من تلك المتاحة لمعظمنا في المنزل. على مدار العقد المنصرم، انقلب هذا التوازن، فكثير من الموظفين في الدول المتقدمة والدول النامية يمتلكون في متناول أيديهم وفي مكاتبهم بالمنزل، وسائل تكنولوجية أفضل من تلك التي يضطرون لاستخدامها في العمل! لقد بدأنا نرى للتو مؤسسات ذكية تتجه إلى استغلال هذا الاتجاه، بالإضافة إلى ظهور حركة جديدة تتبنى توجهًا مفاده: «إليك ميزانية الوسائل التكنولوجية، وإليك قائمة معتمدة بالوسائل التكنولوجية التي ستكون مناسبة لأنظمة الشركة، اذهب واختر الأدوات التي ستكون أفضل لك ولوظيفتك».
-
التحول من استخدام الشركات جدرانَ الحماية الإلكترونية لمنع الموظفين من الوصول إلى مواقع كثيرة من الشبكة العنكبوتية، إلى إتاحة الوصول للمواقع، وظهور توجه مصاحب لذلك، يركز على دور مسئولي تكنولوجيا المعلومات بوصفهم ميسِّرين لا متحكمين في الوصول للمواقع. عندما عملت في إحدى الشركات التقليدية في أول وآخر (حتى وقتنا الحاضر) وظيفة «لائقة» لي، سرعان ما أصبح واضحًا أن موظفي تكنولوجيا المعلومات كانوا يلعبون دور الحراس. من الناحية النظرية كان الهدف من وجود مدير تكنولوجيا المعلومات هو خدمة الشركة، لكنه كان يمتلك قدرًا استثنائيًّا من السلطة، وبدا أنه يستمتع بتعسير الأمور. على هامش ذلك، كان قصده طيبًا، وكان يرتدي بالفعل رابطات عنق عليها شخصيات والت ديزني (بعض الأفكار النمطية عن المدير الطيب حقيقية!) ولحسن الحظ، فقد تغير الحال في بعض المؤسسات، وأصبح هناك أشخاص في قسم تكنولوجيا المعلومات لا يرون أنفسهم مجرد حراس ومديري أمن، بل أيضًا مسئولين عن تمكين الموظفين من تحقيق نتائج العمل. ونتيجة لذلك، يوجد في بعض المؤسسات إدراك مستنير لحاجة الموظفين إلى الوصول إلى أغلب مواقع الويب لمتابعة شئون حياتهم، وفي أغلب الأحيان للقيام بوظائفهم أيضًا. وكما يقول المؤلف والمستشار الرائع يوين سيمبل: «منع المواقع الاجتماعية في العمل من شيم الضعفاء، والمديرون الحقيقيون يتحدثون مع الموظفين مهدري الوقت عن سبب إهدارهم للوقت.» وهذه هي النقطة التي نحتاج إلى الوصول إليها. إن أسلوب «أحضر معك وسائلك التكنولوجية» المذكور سابقًا يعد أيضًا اتجاهًا مستنيرًا للغاية. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ليتحول موظفو تكنولوجيا المعلومات من دور الحراسة إلى دور التمكين! سوف نتناول ذلك بمزيد من التفصيل في الفصل السابع الذي يتحدث عن الحمض النووي التكنولوجي.
(١-٣) الأنظمة
هل تذكر عندما ظهر تطبيق خرائط جوجل (جوجل مابس) لأول مرة في عالمك؟ فجأة أصبح في كل مكان، ففي خلفية النشرة الإخبارية المذاعة على شاشة التليفزيون، بينما يقدم المذيع خبرًا عن العراق أو ولاية آيوا، بدأت تظهر تلك الخريطة الكبيرة للغاية الملتقطة بالقمر الصناعي، والتي يوجد في زاويتها شعار خرائط جوجل. وسرعان ما أصبح الشعار يظهر على مواقع الإنترنت الخاصة بالمؤسسات الأخرى، حيث توجد على موقع المؤسسة، في مركز صفحة تحمل شعارها التجاري، إحدى خرائط جوجل التي توضح موقعها. وبعد ذلك ظهرت خدمات جديدة تمامًا مثل تعيين مواقع العقارات المثيرة للاهتمام، أو عرض بيانات متعلقة بالجرائم، أو بيانات متعلقة بالطقس، على خريطة من إحدى خرائط جوجل.
ما فعلته جوجل ببراعة لا مثيل لها هو جعل الانفتاح في صميم منتج خرائط جوجل؛ إذ تشتمل كل خريطة على إمكانية استخدامها، ومجموعة من القواعد تقول: «مرحبًا، ما دمت اتبعت هذه القواعد، فبإمكانك المضي قدمًا، واستخدامي، وامتلاك إحدى خرائط جوجل، كجزء من خدمتك ومجانًا.»
وكما ترى يصل الانفتاح إلى نخاع المؤسسة التقدمية إذا سُمح له بذلك، وهو ما يذهلني بصفتي أحد الهواة غير المتخصصين في التكنولوجيا، ممن تجذبهم التقنيات الجديدة التي تقدم خدمات نافعة حقًّا، فيتجاوز الثقافة وتخطيط المكتب ليصل إلى أساسيات الشركة، وإلى أنظمتها، وإلى جوهرها الداخلي.
إنه اتجاه هائل ولا يمكن إيقافه، لذلك دعونا نُلْقِ نظرة على بعض الفرص الأساسية.
(أ) واجهة برمجة التطبيقات
على الرغم من أن «واجهة برمجة التطبيقات» ليس الاسم الأسهل استخدامًا، فإنها تفعل ما تعد به من الناحية التكنولوجية. أنظر إلى واجهة برمجة التطبيقات بوصفها وسيلة توصيل متاحة في الشركة (أ) (كما هو الحال مع خرائط جوجل على سبيل المثال أو فيسبوك)، تسمح للشركات (ب)، و(ﺟ)، و(د) بالقدوم والاتصال بالشركة (أ)، واستخدام بعض العمليات الأساسية التي تقدمها. وإذا عبرنا عن هذا ببساطة فسنجد أن هذا الأمر يسمح للشركات (ب)، و(ﺟ)، و(د) بإنجاز المزيد من المهام بموارد قليلة إلى حدٍّ كبير؛ كأن تقول إحدى الشركات لموظفيها: «اسمعوا، لم نعد نحتاج الآن إلى رسم خريطة كاملة، بل سنستخدم خرائط جوجل فحسب لإنجاز هذا الجزء من محرك البحث العقاري الجديد الذي نصممه.» وهذا يسمح للشركة (أ) بزيادة نطاق توزيع عرضها المقدم وعلامتها التجارية زيادة هائلة، وبتحقيق ميزة تنافسية من خلال امتلاك شبكة من الخدمات وثيقة الصلة التي تقوم على أساس الخدمة التي تقدمها، لكن بتكلفة إضافية قليلة بالنسبة لها (أي للشركة (أ)).
وهذه — ببساطة — هي الطريقة التي من خلالها تنتج الشركات المستقلة التطبيقات والألعاب، التي يستخدمها يوميًّا ملايين الأشخاص داخل فيسبوك. يقدم فيسبوك المنصة، وإمكانية التوصيل، والقواعد. وبعدها تصبح الشركات المستقلة قادرة على تطوير التطبيقات والألعاب الخاصة بها؛ للاستفادة من قاعدة البيانات العملاقة، والمعلومات عن المستخدمين، وعملية تسجيل الدخول لدى فيسبوك؛ أي كل ما يمتلك من إمكانيات! والكل رابح من الناحية النظرية، فقد حققت شركة زينجا منتجة ألعاب فارم فيل (المزرعة السعيدة)، ومافيا وورز (حروب المافيا)، وَووردز ويذ فريندز (كلمات مع الأصدقاء)، إيرادات بلغت ٦٠٠ مليون دولار أمريكي عام ٢٠١٠، ونسبة كبيرة من هذه الإيرادات كانت بفضل لعب الألعاب داخل موقع فيسبوك.
تميل واجهة برمجة التطبيقات إلى تفضيل الشركات ذات المنتجات والخدمات المحددة والمعتمدة على أنظمة، وكذلك الشركات المزودة بقواعد بيانات وتكنولوجيا، على الأقل للوهلة الأولى. ولذلك فإن المؤسسات التي تقدم منتجات وخدمات شديدة التخصص ربما تجد صعوبة في إيجاد فرصة لها في هذا الصدد. وقد يكون فيسبوك وخرائط جوجل أمثلة ضعيفة للاستشهاد بها؛ لأنهما يسمحان لبقية الشركات غير الرقمية في أساسها، بالخروج من هذا المأزق التقني، بمنتهى السهولة. إن هذا تحول هائل — من ناحية الأنظمة — في طريقة إنجاز الأعمال في القرن الحادي والعشرين المترابط. وسوف يأتي ويدق باب السوق وباب مؤسستك، عاجلًا أو آجلًا.
لإيجاد إحدى الفرص، فإن طريقة التفكير في القيمة التي يمكن أن تحققها واجهة برمجة التطبيقات هي أن نسأل أنفسنا: «ما جوهر مؤسستنا؟ ما هي أكثر أصول الشركة قيمة، وكيف يمكننا تحقيق أهدافنا على نحو أفضل من خلال السماح للمؤسسات الأخرى (أو الأفراد الآخرين) باستخدام جزء مدروس بعناية من تلك الأصول بطريقة تحقق قيمة لنا ولهم؟»
(ب) البيانات المفتوحة
دعونا نلقِ نظرة على إحدى الفرص المتداخلة، لكن من وجهة نظر المستهلك.
كيف سيكون الحال إذا لم يكتفِ البنك الذي تتعامل معه بإعطائك المعلومات المتعلقة برصيدك وآخر المعاملات، بل زودك أيضًا بمجموعة بيانات أعطتك فكرة عن توجهاتك في إدارتك للموارد المالية الخاصة بك، وكذلك بعض الرؤى المفيدة حول أنماطك وسلوكياتك الغريبة التي جعلتك تفهم وتدير مالك على نحو أفضل؟
كيف سيكون الحال لو استطاعت سيارتك مساعدتك في فهم طريقة قيادتك، لا سيما عندما يكون أسلوب قيادتك اقتصاديًّا إلى حد ما (على المستوى المالي وعلى المستوى البيئي)، ومتى يحدث ذلك أثناء رحلاتك، ولماذا، وماذا يمكنك أن تفعل حيال ذلك؟
وإذا تجنبنا المثال القديم والمبتذل للثلاجة المتصلة بالإنترنت، فهل سيكون مفيدًا لو استطعت البحث في جوجل عن المفاتيح عندما تضيع منك في المنزل (حقًّا! إلى أي مدى سيكون هذا رائعًا؟)، أو لو استطعت الاطلاع على بيانات خاصة بفتحة دخول وخروج القطة من المنزل؛ لتعرف إذا ما كانت القطة داخل البيت أم خارجه؟ لقد تزايد اتصال الأشياء بالإنترنت. والجيل التالي من الويب — الويب الدلالي — في الغالب يشار إليه على نطاق واسع بمصطلح «إنترنت الأشياء». وقريبًا لن يكون الناس والبيانات فحسب مرتبطين بعضهم ببعض عبر الويب؛ بل سيكون كل شيء تقريبًا مرتبطًا عبر الويب.
في ظل هذا العالم الرقمي نترك جميعًا خلفنا سلسلة من المعلومات المترابطة تجمعها الشركات والمؤسسات التي تقدم لنا الخدمات. ومن منطلق إدراك ذلك، يوجد نطاق كامل من الابتكارات يتمحور حول فكرة فتح مخازن البيانات الموجودة لإرجاع القيمة لصانعيها؛ أي لمستهلكي ومستخدمي هذه البيانات. يطلق بعض الناس عليها «مرتجعات البيانات»، ويمكنك رؤية هذا الاتجاه أيضًا مع انتشار البيانات المرئية، وفي استخدام مخططات المعلومات البيانية في الإعلام لتوصيل المعلومات المعقدة من خلال الصور بالإضافة إلى الكثير من الفرص الأخرى حديثة النشأة.
بدأت الكثير من البنوك ومؤسسات الخدمات المالية في إرجاع معلومات مفيدة لعملائها من خلال مجموعة من «برامج الإدارة المالية الشخصية»، وتعد تلك الخدمة المقدمة على موقع «مينت دوت كوم» من الأمثلة الجيدة لمزيد من البحث في هذا الموضوع. ومثال السيارة الذي ذكرته للتو منذ لحظة هو بالفعل برنامج إيكو درايف للسيارة فيات ٥٠٠، وهذا البرنامج يفعل ذلك بالضبط، إذ يقدم معلومات مفيدة عبر الويب، مصورة بطريقة جيدة، إلى أصحاب السيارات لمساعدتهم في فهم وتحسين قيادتهم للسيارة.
إليكم مثالًا من شركة إلى شركة: تمتلك شركة زابوس — التي تحدثنا عنها من قبل — شبكة اتصالات خارجية للموردين، ويستطيع الألف مورد تقريبًا الذين تشتري منهم زابوس أنواعًا كثيرة من الأحذية، الدخول على هذه الشبكة، ومراقبة مستويات المخزون المتعددة للأنواع التي يقومون بإمدادها بها. لا يوجد شيء ثوري في هذا الصدد، رغم أنني أراهن على أن كثيرًا من الشركات لا تسمح لمورديها بفعل الأمر نفسه؛ بسبب التوجهات وليس بسبب القصور التكنولوجي. علاوة على ذلك تسمح زابوس لهؤلاء الموردين البالغ عددهم ما يقرب من ألف مورد، بتقديم طلبات شراء من طرف زابوس إليهم؛ لطلب مخزون جديد، عندما يشعرون بضرورة ذلك.
دعوني أعيد الكلام على مسامعكم مرة أخرى: يقدم المورد طلبًا من طرف عميله لشراء المزيد من البضائع من نفسه، عندما يرغب في ذلك. وترى شركة زابوس هذا الأمر على هذا النحو: «ما يزيد عن ألف شخص يساعدوننا في إدارة الشركة». عجبًا!
إذن السؤال المطروح عليك هو: ما المعلومات التي تحجبها، والتي يمكن أن تكون ذات قيمة هائلة للعملاء، والموظفين، وأصحاب المصالح؟ فكر جيدًا في ذلك، فالأمر ينطوي على فوائد عظيمة.
(١-٤) الابتكار
ربما تمثل التأثير الأكثر ثورية للانفتاح المؤسسي في لجوء الشركات في أواخر القرن العشرين — وحاليًّا في أوائل القرن الحادي والعشرين — إلى الابتكار.
(أ) التعهيد الجماعي
في عام ٢٠١٠، حل شخص روسي يحمل اسم يوري بادروف اثني عشر «تحديًا» صعبًا مكافأته مجزية، لصالح شركات حول العالم، قد لا يحتاج أبدًا إلى مقابلة إدارتها فعليًّا. إن هذا الإنجاز جعل يوري يتصدر المركز الأول بين الأشخاص الذين حلوا المشكلات في ذلك العام في ساحة الابتكار التي تتيحها مؤسسة إينوسينتيف. يوري غزير الإنتاج، حتى إن الشخص الذي تلاه في المستوى في لوحة المتسابقين المتصدرين في ذلك العام، حل أربعة تحديات فحسب. وهذه التحديات لم تضعها بضع شركات قديمة فحسب، بل وضعتها على موقع إينوسينتيف شركات مثل بروكتر آند جامبل، وليلي، وروش، ووكالة ناسا.
يمكنك أن تعتبر موقع إينوسينتيف شبيهًا بمواقع المواعدة؛ حيث تستطيع الشركات التي لديها مشكلات في العمل تحتاج إلى حلها، أن تنشر رغباتها غير المحققة للمتخصصين الموهوبين الذين يحبون حل المشكلات. قد يكون الأشخاص الذين يحلون المشكلات «هواة» منفردين شغوفين يعملون في أكواخ حدائقهم أو في أحد المختبرات المحلية، أو علماء محترفين يتلقون رواتب طائلة ويحلون تلك المشاكل كنوع من العمل الإضافي. وكما قال ألف بينجام من مؤسسة إينوسينتيف خلال إحدى الفعاليات الأخيرة: «في ٩٥ في المائة من الحالات لم يكن الشخص الذي يحل المشكلة مستأجرًا من قبل الراعي.» إنها عملية حل للمشكلات بالاستعانة بأطراف خارجية، أو نوع من الاكتشاف عن طريق المصادفة مضفًى عليه طابع رسمي، إنها طريقة لجمع المعلومات من زوايا الاحتمالات غير المستكشفة وغير المطروقة، وهي عملية تبادل قيمة للأطراف المعنية.
في شركة ثريدلس، يقدم أعضاء المجتمع تصاميم جديدة للقمصان قصيرة الأكمام، ويصوتون على أفضل التصاميم التي تذهب بعد ذلك إلى الإنتاج، ويرسل أعضاء المجتمع صورًا لأنفسهم ولأصدقائهم وهم يرتدون القمصان التي تضيفها ثريدلس بعد ذلك إلى صفحات المنتجات. إذن أي مهمة من مهام الأعمال التقليدية لصناعة القمصان تقوم بها ثريدلس في واقع الأمر؟ حسنًا، إنها تطبع القمصان، وتلتقط صورًا رائعة لها عندما تصبح جاهزة للشراء، وتأخذ المال وترسل القمصان، إنها تقوم بالمهام اللوجيستية. لكنها رغم ذلك تزاول العمل كنوع من الهواية، أليس كذلك؟ على الرغم من أن الشركة لا تفصح عن إحصاءاتها المالية غالبًا، فإنه معروف أن شركة ثريدلس حققت أرباحًا بلغت ٣٠ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٠٩.
أطلق على هذا النوع من المحاولات التعاونية لحل المشكلات عبر الإنترنت اسم التعهيد الجماعي، إنها فكرة تتمثل في جمع المعلومات والجهود أو الحصول عليها من حشد أو جماعة عبر الإنترنت.
هذا الانفتاح الكبير كان تغيرًا جذريًّا في الطريقة التي يجري بها الابتكار في بعض المؤسسات.
في السابق، كان الابتكار مسألة تخص إدارة البحث والتطوير، فكانت المواهب الموجودة داخل الشركة تبتكر المنتجات المطورة الجديدة، وتنتجها مصانع ابتكارية رائعة مثل ثري إم (مصنِّعة أوراق الملاحظات اللاصقة!) وبروكتر آند جامبل (مصنِّعة منتجات تنظيف سويفر!) كان هذا الأمر يمثل واقعًا عمليًّا ومصدر فخر للشركة.
إلا أنه في ظل هذا العصر المترابط، أصبحت فرص حل المشاكل أكثر إلى حد كبير. وكما أشرنا، فإن الشركات لم تعد محدودة بما يتاح لها من معدات ووقت ومواهب وموارد. من خلال فتح جدران حصونها تستطيع تلك المؤسسات الاستفادة من المواهب المتناثرة حول العالم، وكذلك من الأفكار وأساليب حل المشكلات التي لم تنشأ (وربما لم تكن لتنشأ) داخل جدرانها الأربعة، ومن ثم يمكنهم الحصول على حلول للمشكلات تتميز بقدر أعلى من الجودة، وعلى نحو أسرع.
بدا الأمر كما لو كانت الشركات قد بدأت تتغلب على فكرة كونها الأهم، وبدأت تشعر بالتواضع. إما أن الأمر كذلك، أو أن التأثير الاقتصادي للتعهيد الجماعي مقنع للغاية للشركات الساعية وراء الربح، في ظل هذا السوق شديد التنافسية!
(ب) إنجاز المهام في الحكومة
بينما تحاول الحكومات والسلطات المحلية جاهدة التعامل مع تحديات تحقيق المهام المطلوبة منها في ظل الظروف الاقتصادية القاسية والتقشفية حديثة العهد، فإنها تستكشف أيضًا إمكانية الاستفادة من إتاحة كل من مواردها (مثل مخازن البيانات) وأيضًا أعباء العمل لديها أمام مجموعات موزعة. هذا ليس ابتكارًا عن طريق التعهيد الجماعي على غرار ما تفعله شركة إينوسينتيف، بل أشبه إلى استخدام التعهيد الجماعي كنوع من الابتكار.
«السلك الدبلوماسي الطلابي الافتراضي» الذي أطلقته هيلاري كلينتون عام ٢٠٠٩، هو أحد البرامج التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي يستخدم «التكنولوجيا والالتزام بالخدمة العالمية بين الشباب لتسهيل أشكال جديدة من الارتباط الدبلوماسي».
يجمع السلك الدبلوماسي الطلابي الافتراضي بين «الطلاب المتدربين عبر الإنترنت» الذين ضمهم — جميعهم من الطلبة الأمريكيين — ومكاتبِ وزارة الخارجية والمواقع الدبلوماسية الأمريكية حول العالم، حيث يساعد هؤلاء الطلاب تلك الجهات بعد ذلك، في إنجاز مجموعة من المهام، من داخل الكلية أو الحرم الجامعي لكل طالب منهم حول العالم.
-
تطوير وتنفيذ حملة علاقات عامة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: فيسبوك، تويتر، ماي سبيس، يوتيوب، إلخ؛ للتواصل مع الشباب والوصول إليهم.
-
إجراء أبحاث عن الوضع الاقتصادي، وإعداد مخططات بيانية عن البيانات الاقتصادية، وإعداد محتوى معلوماتي لموقع السفارة الأمريكية.
-
إعداد نظام لجمع وتحليل التغطية الإخبارية لمجموعة من الموضوعات، تشمل: البيئة، والصحة، والتجارة.
-
إجراء أبحاث عن التدخلات المعتمِدة على تكنولوجيا المعلومات التي حققت نجاحًا في التعليم العالي، لا سيما المتعلقة بتدريب المعلم.
-
كتابة مقالات مرتين في الأسبوع، والمساهمة بها، على صفحة السفارة الأمريكية على فيسبوك؛ حول موضوعات مثل: الإنترنت، وعلوم الحاسبات، والتكنولوجيا، والتاريخ، والأدب.
-
إعداد سلسلة من مقاطع الفيديو التعليمية الاحترافية لنشرها من قبل السفارة الأمريكية.
-
إعداد استقصاء حول جهود المواقع الدبلوماسية الأمريكية، والمنظمات غير الحكومية، والشركات الخاصة حول العالم، على وسائل التواصل الاجتماعي؛ من أجل المساعدة في إرساء أفضل الممارسات في خطة عمل السفارة الأمريكية حول التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.»
يبدو أن قوة عاملة عالمية من المتطوعين الراغبين، غير مدفوعي الأجر، تعمل لصالح وزارة الخارجية الأمريكية في هذه الظروف المادية العصيبة. إذا أعدت التفكير في نظرية الرغبات الأساسية الست عشرة، فستجد أن تلك المحفزات البشرية الكامنة القوية هي ما دفع الطلبة لفعل ذلك.
(ﺟ) خطوات أصغر في التعهيد الجماعي
رغم ذلك، فإن الصورة النهائية الكبيرة المتطورة للتعهيد الجماعي التي تناولناها في السابق، ازداد فهم الناس لها على نحو جيد. وتوجد كتب كاملة وفعاليات وساحات ابتكار — كما رأينا — تمكِّن من هذا التواصل الرائع بين الأشخاص الذين لديهم حاجة يحتاجون إلى قضائها، والأشخاص الذين لديهم شيء يقدمونه لهم.
ماذا يوجد أيضًا لتمكين الابتكار في الشركات التقدمية في مجال التعهيد الجماعي؟ يوجد اتجاهان في غاية البساطة يلزم الالتفات لهما، وكلا الاتجاهين يعتمدان على فكرة امتلاك المؤسسة لحدود مفتوحة؛ كي تتمكن الأفكار من التدفق داخل الشركة وخارجها.
الاتجاه الأول هو فعاليات تطوير البرمجيات. تعد فعاليات تطوير البرمجيات ظاهرة بسيطة ومفيدة على نحو رائع، نشأت في مجتمع المطورين. ومثل أي مجتمع، فإن مطوري البرمجيات لطالما كانوا ينجذبون بعضهم إلى بعض، فضلًا عن امتلاكهم تاريخًا حافلًا من اللقاءات والفعاليات المجتمعية الكبيرة، حيث يجتمعون ويتبادلون الحديث حول اهتماماتهم التكنولوجية، ويخترعون برامج جديدة. في فعاليات تطوير البرمجيات يجتمع المطورون، والمصممون، والمبدعون معًا — عادةً في إحدى العطلات الأسبوعية — من أجل «تطوير» أحد الأمور معًا؛ أي لخلق شيء ما، وفي المعتاد يطورون شيئًا يؤمنون به شخصيًّا، شيئًا يشبع رغبة لديهم. وساعدت حقًّا مؤتمرات باركامب — وهي شبكة عالمية من المؤتمرات المفتوحة التي يعقدها المستخدمون — في نشر طرق وفوائد فعاليات تطوير البرمجيات للجمهور حول العالم.
نشهد حاليًّا انتشار فعاليات التطوير التي تركز على أحد الاختصاصات، كأن تركز مثلًا على إحدى القضايا، أو مجال متخصص بعينه، أو إحدى التقنيات. وكذلك زاد استخدام المؤسسات لفعاليات التطوير، إما لدعم الابتكار داخليًّا أو خارجيًّا، كما هو الحال مع فعالية التطوير التي عقدتها هوندا في لندن مؤخرًا.
يعد معسكر الابتكار الاجتماعي أحد الأمثلة الأخرى الرائعة. لقد تأسس على يد مجموعة قليلة من الأشخاص محبين للخير ومحبطين في لندن، شعروا بوجود فرصة عظيمة للابتكار بقدر أكبر؛ من أجل توفير حلول أكثر عملية للمشكلات الاجتماعية الموجودة في المجتمع، التي لم تكن — ببساطة — محل اهتمام من قبل الحكومة والجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية. شعر منظمو معسكر الابتكار الاجتماعي بأن بعض سمات طريقة تنظيم فعاليات تطوير البرمجيات وقدرتها على إنجاز المهام، يمكن تطبيقها على نحو مفيد في مهمة الابتكار المتعلق بالقضايا الاجتماعية. وعقد أول معسكر ابتكار اجتماعي في لندن في أبريل ٢٠٠٨.
في المملكة المتحدة وحدها، أسفرت معسكرات الابتكار الاجتماعي عما يزيد عن ٤٥٠ فكرة، تحول ما يزيد عن ٣٠ فكرة منها إلى مشاريع اجتماعية، واستمر عدد قليل من تلك المشاريع في التطور، من بينها «ماي بوليس»، «وهو نظام تعقيب عبر الإنترنت للخدمة الشرطية يسمح بمحادثات مباشرة ومفتوحة بين الجمهور والشرطة»، وموقع «سيمبل سي آر بي» العملي الرائع الذي يقدم «خدمة فحص في مكتب السجلات الجنائية أرخص وأسرع وأكثر كفاءة، للمؤسسات في القطاع التطوعي والقطاع العام». تلك نتائج واقعية. لقد انتشر الآن معسكر الابتكار الاجتماعي خارج لندن، إلى العديد من البلدان؛ حيث عقدت تلك المعسكرات في نيجيريا، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وسلوفاكيا، وجورجيا، وجمهورية التشيك، وأذربيجان، وأرمينيا، وقيرغيزستان، والبوسنة. هذه الحركات البسيطة المفتوحة أكثر رواجًا من أسلافها من الحركات المركزية إلى حد كبير، من حيث قدرتها على الانتشار.
الاتجاه الثاني، وربما الأبسط على الإطلاق، هو انتشار أساليب تدعو الضيوف المتحدثين والشركاء المتوقعين إلى المؤسسة، وهذا من أكثر الاتجاهات المرتبطة بزيادة انفتاح حدود المؤسسات عملية. نتيجة لانتشار الأحاديث الرائعة المتاحة من خلال فعاليات ملهمة؛ مثل سلسلة مؤتمرات تيد، وتيديكس، ومحاضرات دو الرائعة التي تقام في ويلز، زاد الوعي بأن العالم يعج بأشخاص مثيرين وموهوبين إلى أقصى حد، وهؤلاء إذا لم ننتبه لهم، فربما لن نتمكن مطلقًا من الاستماع إلى آرائهم.
في شركة نيكسون ماكينيس ندير برنامج «الجمعة الأولى»، وفيه نطلب ببساطة من الأشخاص المثيرين للاهتمام الذين نعرفهم، الحضور في أول جمعة من كل شهر ليحدثونا عن عملهم. أعتقد أننا «اقتبسنا» تلك الفكرة من فعالية «أشخاص مثيرون للاهتمام» في لندن التي تجمع بين أشخاص لا تجمعهم صلة ظاهريًّا لكنهم مثيرين للاهتمام؛ كي يتحدثوا عن أفكارهم وأعمالهم. على الرغم من أن هذا النوع من الفعاليات يحدث منذ زمن طويل، لكني أشعر أنه حاليًّا يمثل جزءًا من أمر مختلف. يبدو أن الأفكار بدأت تكتسب رواجًا، ونطاق الوصول المدهش الذي تحظى به الإنترنت ينشرها أكثر وعلى نطاق أكبر. وفي رأيي، أعتقد أن مؤتمر تيد وحده فحسب، خلق وعيًا عالميًّا جديدًا بقوة الأفكار. إذن، في حين أن المؤسسات، على مدار سنوات كثيرة، دعت أشخاصًا مثيرين للاهتمام لإلقاء الأحاديث، أود أن أقترح إقرار الديمقراطية على هذا الاتجاه، بحيث يحدث مزيد من الانفتاح على المستوى اليومي وعلى مستوى كل المؤسسات. إذا فتحت كل مؤسسة صغيرة وكبيرة حدودها بنسبة واحد في المائة، ورحبت بقدر أكبر بالعالم الخارجي بمعدل واحد في المائة، فماذا سيكون أثر ذلك على مجتمع الأعمال برمته؟ ولِمَ لا نفعل كلنا ذلك؟
(١-٥) قضايا البيئة
مثلما أصبحنا جميعًا مدركين للتحديات البيئية الهائلة التي تواجهنا، صار دور الشركات في خلق تلك التحديات وحلها واضحًا هو الآخر. في الحقيقة، إذا كان هناك سبب واحد يدفع حاجتنا إلى تطوير الأعمال، فهذا السبب هو الرغبة في مواجهة التحديات البيئية التي تواجهنا.
وسوف يلعب الانفتاح دورًا كبيرًا في هذا الصدد، حيث ستستمر الحكومات والنشطاء في استخدام الظهور الإعلامي والشهرة؛ لحث الشركات على التغيير، وعندما يتعامل العالم مع البيئة بمزيد من الجدية، فسيزداد تأثير ذلك. ثانيًا، الشركات التقدمية التي تجري التغييرات في وقت أبكر عن منافسيها (سواء بدافع هدف عظيم أو ردًّا على المؤثرات والتغيرات في السوق) سوف تعزز نقاط قوتها وتكسب ميزة تنافسية.
(أ) مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون
من الأمثلة المتعلقة بقضايا البيئة، مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون، وهو مؤسسة ناجحة تربطها علاقات قوية بجهات مؤثرة، ومقرها لندن، ولها مكاتب إقليمية حول العالم، وقد «أنشئت للتعجيل بتطوير حلول للتغير المناخي وإدارة المياه من خلال جعل المعلومات حول هذه الأمور أساس اتخاذ القرارات المتعلقة بالمؤسسات والسياسات والاستثمارات.» وهذا يعني أنها تستخدم قوة انفتاح المؤسسة لتحفيز التغيير في سلوك المؤسسات. ويحقق مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون هذا، الانفتاحَ من خلال دعوة الشركات لملء استطلاع رأي سنوي عن ممارستها المتعلقة بالانبعاثات وإدارة المياه واستراتيجيات التغير المناخي.
الإجابة عن هذا الاستطلاع اختيارية، لكن إحدى أعظم الرؤى التي يؤمن بها مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون هي أن فشل الشركة في إدارة تلك الجوانب من عملياتها سيمثل تهديدًا لنجاح الشركة في المستقبل، في ظل عالم تصبح فيه الشركات غير المستدامة بيئيًّا غير مستدامة اقتصاديًّا. ومن خلال ذلك حاز مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون على اهتمام مجتمع الاستثمار المؤسسي، وعلى نحو متزايد، يطالب هؤلاء المستثمرون المؤسسات التي يستثمرون فيها بالبدء في إدارة استدامة الشركة إدارة إيجابية. وعلى هذا النحو، فإن مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون يدفع المستثمرين إلى مطالبة الشركات التي يمتلكون أسهمًا من حصصها بالتزام الشفافية. وهذا بدوره يزيد من علانية وأهمية تلك المعلومات داخل الشركات.
(ب) وول مارت
في حين يمكن القول إن مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون يعمل من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا، توجد مبادرات أخرى تهدف إلى مزيد من الانفتاح والشفافية فيما يخص التأثيرات البيئية التي تتدفق من المستويات الدنيا إلى المستويات العليا. إحدى تلك المبادرات هو برنامج كومن ثريدز التابع لشركة باتاجونيا الذي تناولناه في السابق. والمبادرة الأخرى التي كان لها تأثير هائل على استدامة الشركة التابعة لها، كانت تحركات وول مارت الكبيرة، الهادفة إلى أن تصبح شركة أكثر حماية للبيئة.
بين مجموعة مثيرة وإيجابية من المبادرات التي دشنتها وول مارت منذ عام ٢٠٠٥، كان تكوين شبكات القيمة المستدامة الممارسةَ الأكثر انفتاحًا على الأرجح، بين تلك الممارسات المستدامة. وكما تقول شركة وول مارت على موقعها الإلكتروني: «تجمع شبكات القيمة المستدامة بين القادة القادمين من شركتنا، ومن شركات التوريد، ومن الجامعات، والحكومة، والمنظمات غير الحكومية. ونستكشف معًا التحديات، ونطور الحلول التي تفيد شركتنا، وكذلك مجتمعنا المحلي والدولي.»
في واقع الأمر، شبكات القيمة المستدامة هي وسيلة تسمح لشركة وول مارت بدعوة مجموعة من أكبر منتقديها من مجموعات النشطاء والمنظمات غير الحكومية، والاستفادة من العقول النجيبة ووجهات النظر في المجال الأكاديمي والمجال الحكومي، وأيضًا — على نحو بالغ الأهمية — إشراك سلسلة التوريد الخاصة بها. تتمتع تلك الشبكات فعليًّا بكل من المسئولية وسعة النطاق، اللازمتين لتقليل التأثير البيئي لشركة وول مارت، وخفض تكاليف عملها. ويتسع نطاق تركيز تلك الشبكات من غازات الدفيئة إلى المنتجات المثقلة بالكيماويات.
روعة شبكات القيمة المستدامة التابعة لشركة وول مارت تكمن في تنظيمها، هذا هو حقًّا الانفتاح في العمل، إنه فتح «الثقافة الأحادية» لمؤسسة واحدة أمام نطاق أكبر من الأفكار والقيم المتنوعة. وباتباع هذا الطريق تستطيع وول مارت على نحو متزايد أن ترى أنها ليست مجرد شركة تقليدية، بل مجتمع، لا يتقبل فحسب وجهات النظر المختلفة، بل يحتفي بها أيضًا.
(١-٦) التسويق والتواصل
في أحد العروض الكوميدية الارتجالية قال الفنان الكوميدي بيل هيكس كلماته الشهيرة: «إذا كان أحد هنا يعمل في مجال الدعاية أو التسويق، فعليه بقتل نفسه.» ثم استطرد قائلًا: «إنك من نسل الشيطان، تملأ العالم بالسخط والهراء.» التسويق والتواصل لديهما فرصة هائلة في القرن الحادي والعشرين، وهذه الفرصة لا تتمثل فحسب في قطع أواصر صلتهم بالشيطان!
لسوء الحظ، كان العاملون في مجال التسويق والعلاقات العامة في أغلب الأحيان هم المتسببون في الغموض؛ إذ يخفون ويحجبون الحقائق البسيطة السهل الوصول لها، مثل: مقدار الدهون أو المِلْح الموجود في أحد المنتجات الغذائية، أو التكلفة الحقيقية لأحد منتجات الخدمات المالية، أو تكلفة تدريب الرئيس التنفيذي على التهرب من الأسئلة الصعبة في المقابلات، وبدلًا من ذلك يتحدثون على نحو ممل عن رسائلهم الأساسية دون احترام للمحاورين والجمهور.
على صعيد آخر، كان التسويق متأخرًا للغاية ومفتقرًا للغاية، إلى التأثير اللازم لتحسين المنتج أو الخدمة المعنية تحسينًا ذا قيمة، لقد كان التسويق متلقيًا للمنتج النهائي، يقال له فحسب «أخرج هذا المنتج إلى السوق» ومن ثم كان كل ما عليهم فعله، هو إلقاء المنتجات حديثة التغليف خارج جدار المؤسسة، وإمطار الجمهور خارج بالمؤسسة بوابل من الرسائل تبشر بمنتجات قادمة.
علاوة على ذلك، فإن المسوقين متهمون بخلق توقعات طموحة لدى الشخص العادي، تجعله يشعر بالبؤس تجاه ما يمتلكه بالفعل. ويستطرد المحتج فيقول: إن المسوقين جعلوا الشخص العادي يشعر بالحاجة إلى امتلاك سيارة لامعة، وشفتين ممتلئتين، وبشرة برتقالية، ودراجات جبلية باهظة الثمن (ليس دراجة واحدة)، وقضاء عطلتين خارج البلاد مرتين في السنة. وهذا أدى بدوره إلى دوامة الإسراف في الاقتراض، وديون البطاقة الائتمانية، ومشاكل مالية عامة.
كان التسويق في القرن الماضي عملية صناعية تهدف إلى الزج بالبضائع إلى العالم. لم يتضمن قدرًا كبيرًا من الحوار، ولا قدرًا كبيرًا من المشاركة، ولم يوجد — مع نهاية القرن — قدر كبير من الحب أو الاحترام للتسويق في حد ذاته. وعلى هذا النحو، كان التسويق رواية لقصة محكمة بشدة على نطاق الصناعة.
إن مبادئ التسويق تلك، لن تنجح في التعامل مع تحديات وتغيرات القرن الحادي والعشرين. لن تنفع فحسب. وتكمن الفرصة أمام التسويق في وقتنا الحاضر في الاستفادة من هذا الزخم المتجه نحو مزيد من الانفتاح. إن الفرصة سانحة لمزيد من الصدق في القصص التي ترويها المؤسسات عن أنفسها وعن عملها، وسانحة لكي تكون العلامة التجارية للمؤسسة هي الناتج الإجمالي لتلك القصص، وهي ليست قصصًا عقيمة، وإنما قصص جميلة شديدة الإتقان.
إليكم فقط بعض الأمثلة القليلة على طريقة تحقيق ذلك.
(أ) خدمة العملاء كنوع من التسويق
في عالم مفتوح ومترابط، لم تعد تجارب العملاء والشركات للمنتجات والخدمات التي يشترونها منفصلة. لم يعد هناك نوع من عدم التماثل في القوة بين المزود والمستهلك، والسبب في ذلك، كما ستعلم جيدًا، هو أنه خلال دقائق من الانتهاء من تناول إحدى الوجبات — أو حتى أثناء تناول الوجبة إذا أردت — يمكنك أن تترك تقييمًا لأحد المطاعم، وسيكون ممكنًا العثور على هذا التقييم عبر جوجل. لقد أصبحت القوة متوازنة الآن؛ فإذا تعرض عشرات العملاء لتجارب سيئة مع أحد الحرفيين أو المحامين، أو إذا تعرضتْ عشراتُ الآلاف من الشركات إلى تجارب سيئة مع إحدى شركات الطاقة أو إحدى الإدارات الحكومية، فإنهم يستطيعون التواصلَ، والتكتلَ في كيان موحد يثير خوفًا أكبر، ونشر «الحقيقة» المتعلقة بالشركة س في كل مكان.
وهذا يخلق متطلبًا جديدًا للمسوقين، أعتقد أنه يحسِّن من مجال الأعمال في واقع الأمر، ويتمثل في ضرورة النظر إلى تجربة العميل بمزيد من الجدية أكثر من أي وقت مضى.
وبهذه الطريقة تصبح تجربة العميل جزءًا لا يتجزأ من التسويق الجديد.
سوف يحتفي المسوقون الفائزون بقوة تقييمات العملاء، وبخلق سمعة حسنة للشركة من خلال تجارب العملاء الرائعة، وسوف يخلقون ثقافات وعمليات تغرس في موظفيهم مفهومَ التركيز على العملاء. سوف يجعلون كل جزء في المؤسسة يقدِّر دوره في التجربة النهائية للعميل. وأثناء قيامهم بذلك، سوف تزدهر العلامات التجارية أو تضمحل؛ بناءً على تجارب خدمة العملاء الشفافة والمتاحة على نحو مفتوح.
(ب) الانفتاح كنوع من التسويق
ثانيًا، بعيدًا عن خدمة العملاء وحدها، سوف يجد المسوِّقون طرقًا لتحقيق قيمة وميزة من خلال الانفتاح في طريقة تواصل المؤسسة وتفاعلها مع العالم الخارجي.
يوجد مثالان بسيطان على هذا الأمر هما: شركة سكيتلز وشركة إيكونسالتانسي.
لا يوجد الكثير من السمات المشتركة بين شركة سكيتلز، شركة صناعة الحلوى الأمريكية، وشركة إيكونسالتانسي، مؤسسة التسويق العالمي القائمة على العضوية، فالأولى شركة تخدم العملاء، فهي شركة «أغذية»، بينما الأخرى شركة تخدم الشركات ودار نشر وشركة مجتمعية. إلا أن كلًّا منهما جربت قوة الانفتاح في التسويق من خلال عرض التغريدات التي تضمنت أسماء العلامات التجارية للشركتين على الصفحة الرئيسية للشركة بشفافية.
أثناء تلك الحملة المشهورة حاليًّا، خصصت شركة سكيتلز الصفحة الرئيسية لموقعها بالكامل لعرض تغريدات الأشخاص — أي أشخاص — الذين يذكرون كلمة «سكيتلز» في تغريداتهم المكونة من ١٤٠ حرفًا على موقع تويتر. كانت النتيجة تدفق آراء حقيقي وصادق، في أدنى حالات التنقيح، كتبه جمهور عالمي مكون من محبي وكارهي سكيتلز، والأشخاص الذين يمارسون لعبة بولينج قديمة الطراز، تحمل الاسم نفسه «سكيتلز!» وتبرر الشركة ذلك قائلة: «إننا ما يقوله الناس عنا، ونحن شجعان بما يكفي لعرض ما يقولون عنا على موقعنا المتألق.» وما زالت إيكونسالتانسي مستمرة في فعل ذلك حتى يومنا الحاضر، وعبر موقع موارد التسويق الرائج الخاص بها (لكن ليس على الصفحة الرئيسية كما كان الوضع في السابق) يوجد فيض من التغريدات الحديثة التي تذكر العلامة التجارية للمؤسسة.
(ﺟ) التعهيد الجماعي كنوع من التسويق
يعد موقع كيكستارتر مثالًا مدهشًا على الأمور الممكن تحقيقها من خلال الانفتاح في التسويق. موقع كيكستارتر عبارة عن منصة، من خلالها يمكنني — بصفتي أحد المبدعين — تحديد مشروع أرغب في تحقيقه؛ كأن يكون فيلمًا أرغب في تصويره، أو كتابًا أرغب في تأليفه، أو تقنية أرغب في تطويرها. وبعد وصف المشروع المزمع، يمكنني أن أدعو أشخاصًا حول العالم ليصبحوا «داعمين» لي، أي للمشاركة في تمويل تطوير ذلك المشروع في مقابل مكافأة صغيرة، نسخة موقعة من الكتاب ثمنها ٢٥ دولارًا أمريكيًّا أو جلسة قراءة خاصة ثمنها ٢٥٠ دولارًا أمريكيًّا!
بعض المشروعات يشترك فيها عدد هائل من الجماهير، وهذه المشروعات هي التي «تلقى انتشارًا واسعًا عبر الإنترنت»، وتدخل شبكات التواصل الاجتماعي كمشروعات لا بد من مساعدتها، في حين تجذب المشروعات الأخرى الجمهور المستهدف فحسب، وبعضها لا يجذب أحدًا على الإطلاق. الجمهور هو من يقرر، والجمهور هو من يمول؛ هذا هو التمويل الجماعي.
إذا وضعنا في الاعتبار أن ممارسة التسويق التقليدية تركز على البحث، ومجموعات التركيز، والتسويق التجريبي، وإطلاق منتجات تجريبية، وهكذا، فلماذا لا يصبح هذا النوع من الانفتاح والمشاركة في المرحلة الأولى هو التسويق السائد في عملية تطوير المنتجات والخدمات؟ إذ سيتمخض عن ميزة رائعة، ألا وهي تحول العملاء إلى مستثمرين، إلى مشاركين في التطوير.
(١-٧) الأمور المالية
يلعب الانفتاح دورًا مهمًّا على نحو هائل، في الأمور المالية للمؤسسة في عالم الأعمال التقدمية للقرن الحادي والعشرين. في الحقيقة إن هذا الدور مهم، لدرجة وجود فصل كامل مخصص لهذا الموضوع، وهو الفصل الثامن، الذي يتحدث عن الإدارة المالية العادلة.
(١-٨) الخصوصية
ملاحظة تحذيرية: يجب ألا نخلط بين الخصوصية والانفتاح أو — الأسوأ من ذلك — أن تضيع الخصوصية بالفعل أثناء السعي إلى عالم أكثر انفتاحًا. صحيح أن الأفكار المتعلقة بالخصوصية تتغير، لا سيما لدى الشباب الأصغر سنًّا الذين لم يعايشوا عالم ما قبل الإنترنت، إلا أن هذا بالنسبة للبعض يمثل عذرًا؛ لتجاهل التوقعات المنطقية للأشخاص وحقوقهم في الخصوصية الشخصية القوية.
ومن ثم كان لزامًا علينا كمديرين وموظفين ومسوِّقين، أن نتعامل مع الخصوصية بأقصى درجات الاهتمام. في العموم، لا بد أن يمتلك الأشخاص السيطرة على بياناتهم، ويجب ألا يشعروا بأنها مكشوفة دون رضاهم ودون تحذيرهم مسبقًا.
«الانفتاح والخصوصية اللائقة» هو الهدف.
(١-٩) المنافسة
في ظل كل هذا الانفتاح، ما موضع المنافسة؟ ما «هي» المنافسة في سياق القرن الحادي والعشرين الأكثر انفتاحًا والأكثر ترابطًا؟ من الذين ننافسهم؟ ولماذا؟
عندما نشرتُ هذا المقتطفَ في مدونتي، علق شريكي في العمل وزميلي الذي عملت معه لأمد طويل بيت بيردن قائلًا: «إن المنافسة (كما فهمناها في السابق) تبدو منطقية فقط في عالم الندرة، وأساس كثير مما تقوله عن الانفتاح هو نقيض الندرة؛ إذ إنه وفرة في المعلومات والبيانات التي يسهل نسخها.» إنه محق، والموضوع غير محسوم في هذا الكتاب، وفي عقلي أيضًا.
حقيقي أن الأفكار المتعلقة بالمنافسة تتغير. ولا بد أنك لاحظت، مثلي، انتشار استخدام مصطلحات مثل «العدو الصديق» و«التنافس التعاوني». الأمر المثير للاهتمام هو كيف بدأت الثقافة الرقمية تغير ثقافة المؤسسات، فعلى صعيد الإنترنت نجد أن الاتصال بمحتوى جيد آخر هو أساس عمل الويب. وهذا يجعل الأشخاص المنتمين لمدرسة الأعمال القديمة يطرحون هذا السؤال: «لماذا نتصل به، إنه يعمل لصالح المنافس؟» وعلى الإنترنت، تنمو المجتمعات على نحو طبيعي، وفوضوي، وتعاوني، ويخلق أفرادها معًا شبكات قيمة، وهنا يأتي السؤال التالي من مدرسة الأعمال القديمة (والمنطقية): «إذن من يملك هذه الشبكات؟» وهذا يخلق كل أنواع التحديات المحيرة للذهن أمام قانون الملكية الفكرية وأعضاء المجتمع. لنضرب مثلًا بموقع فيسبوك، هل القيمة في المنصة، أم في قاعدة المستخدمين (أي المجتمع)؟ ولو كانت القيمة حقًّا في المجتمع، فما هي مكافأتهم، وخطة الحصص الخاصة بهم، وأجرهم؟
وأخيرًا، عند المنافسة قد يبدو أننا ندخل عالمًا يزخر بالوفرة لكن ربما يجدر بنا الالتفات إلى أحد المعوقات الحتمية، ففي النهاية، أثناء تعاوننا على نحو أكبر وعملنا عن قرب في مجال التنافس التعاوني مع المنافسين التقليديين، قد يقل قدر الانتباه المتاح لما نقدمه من منتجات وخدمات. إن المنافسة لن تختفي (بل تشتد على نحو هائل بالنسبة لكثيرين)، إنها تتكيف وتتطور في هذا العالم الأكثر انفتاحًا.
(٢) ملخص
الانفتاح موضوع واتجاه مبهر. إنه مثل إحدى قوى الطبيعة، فهو قوي على نحو رائع لكنه ليس لطيفًا أو رءوفًا دومًا بالأشخاص الذين يؤثر عليهم. ومثل قوى الطبيعة، فإن القوة الهائلة التي يمتلكها يمكن استغلالها جزئيًّا. في عالم الأعمال نميل إلى محاولة مقاومة الانفتاح. وفي العادة يرغب عالم الأعمال في الانغلاق. إنه يريد السيطرة والتضييق والاحتكار والتكامل والجودة والسرية، والقلة بدلًا من الكثرة. وفي أغلب الأحيان، يرغب عالم الأعمال في التعتيم. وفي العموم، يجد العاملون في مجال الأعمال مفهوم الانفتاح المؤسسي مخيفًا.
بيد أن قوة الانفتاح تزداد على الرغم من ذلك، فالمجتمع أصبح يشهد زيادة مستمرة في ترابطه، وهذا أدى إلى ازدياد الانفتاح. من الممكن أن نتحمل هذا الوضع العصيب، وأن نكره تبعاته، وأن نأمل أن ينتهي سريعًا كما نود. أو بإمكاننا استغلال طاقته، وأن نتكيف معه، وأن نسيطر عليه بكل ما أوتينا من قوة، وأن نكرس كل ما لدينا لتحقيق مزيد من الانفتاح. في هذا الفصل ألقينا النظر على طرق فعل ذلك، وسوف يتطلب تحقيق ذلك، كما هو الحال مع كل شيء آخر مذكور في هذا الكتاب، التحلي بالإصرار والرؤية، وسوف يؤدي إلى تغير ثقافي إيجابي للغاية.
ونظرًا لكوننا رجال أعمال تقدميين، فإن هذا فرصة وقوة رائعة يمكننا توجيهها لمساعدتنا في تحسين الأحوال.
(٣) قراءات إضافية
-
كتاب «ويكينوميكس» لدون تابسكوت وأنتوني دي ويليامز.
-
كتاب «القيادة المفتوحة» لشارلين لي.