سرعة التغيير
بالإضافة إلى الانفتاح المؤسسي، توجد صفة أخرى أساسية للمؤسسات في هذه الحركة التقدمية تتمثل في قدرتها على التغير سريعًا جدًّا، بالإضافة إلى ميلها إلى فعل ذلك. وبالنسبة لي أرى أن هذه الصفة من أكثر مزاياها قوة وإخلالًا بالنظام.
هذه الشركات الجديدة، سريعة التحرك وسريعة التغير، تستولي تدريجيًّا على الحصة السوقية للشركات القائدة في الصناعة، من خلال قدرتها على التعلم، والتكرار، والتغير، خطوة تلو الأخرى، على نحو أسرع بعدة مرات من الشركات المحافظة التقليدية.
تغيير آخر! تغيير آخر! تغيير آخر! رائع! أمازون ضد بارنز آند نوبل (الولايات المتحدة)/ووتر ستونز (المملكة المتحدة)، نتفليكس ضد بلوكباستر، ثريدليس ضد جاب.
هذا المطلب ليس قاصرًا على الشركات، فالحكومات والمؤسسات غير الهادفة للربح يجب أيضًا أن تسرع من إيقاعها. ومؤخرًا اقتبس رئيس مجلس إدارة جوجل، إيريك شميت، كلامَ آندي جروف، الرئيس التنفيذي طويل العهد لشركة إنتل، الذي قال أثناء عشاء عام ١٩٩٥: «شركات التكنولوجيا الحديثة تعدو بمعدل أسرع ثلاث مرات من الشركات العادية. والحكومة تعدو بمعدل أبطأ ثلاث مرات من المؤسسات العادية. إذن فسرعة شركات التكنولوجيا تعادل تسع مرات سرعة الحكومة.» إذا أرادت الحكومة محاكاة نجاح وممارسات الشركات بمنطقة سيليكون فالي، فيجب أن يكتسبوا قدرًا كبيرًا من المرونة والسرعة.
من أهم الصفات البارزة لتلك الشركات في هذا السياق هي قدرتها على التراجع. وعندما أستخدم مصطلح التراجع لا أتحدث فحسب عن ابتكار المنتج، بل أتحدث عن تغيرات شاملة في الاتجاه.
أيًّا كان رأيك في موقع فيسبوك، فإنه بارع حقًّا في مجال محدد، ألا وهو سماع قدر كبير من التعقيبات على أحد التغييرات، والتراجع عنه علنًا في غضون ساعات أو أيام. إنه لا يفعل ذلك دائمًا، ولقد عاد إلى المبادرات والأهداف نفسها مع مرور الوقت، لكن في العموم فموقع فيسبوك ورئيسه التنفيذي مارك زوكربيرج أظهرا استعدادًا لافتًا لتغيير المسار، أو للتراجع عن التغيرات المثيرة للجدل، عند مواجهة موجة غضب ورد فعل سلبي من الإعلام.
فكرت في هذه الصفة مرة أخرى، بعد أن تتبعت القصة المثيرة لشركة نتفليكس، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة، تقدِّم خدمات البثِّ الحي وتأجير الأفلام الموجودة على أقراص الفيديو الرقمي.
إذا كنت لم تسمع القصة بعد، فإن شركة نتفليكس أجرت بعض التغييرات الجريئة على منتجها، وقسمت العمل بأكمله إلى قسمين دون استشارة أحد. وأطلقوا على خدمة إرسال أقراص الفيديو الرقمي بالبريد اسم «كويكستر»، وأبقوا على نتفليكس بحيث تركز فقط على خدمة البث الحي.
تبع ذلك احتجاج استمر لفترة طويلة، ووردت تقارير تفيد بغضب المشتركين، وانخفاض في سعر السهم. ثم بعد ٢٣ يومًا تراجعوا عن القرار، وعن هذا قال موقع بيدكونتنت دوت أورج: «تراجع سريع عن القرار: نتفليكس تتخلى عن كويكستر، ولن تفصل حسابات البث الحي لأفلام أقراص الفيديو الرقمي.»
- (١)
لقد حاولت أن تبتكر وتصنع تغييرًا، وهذا يتطلب شجاعة ومقدرة عقلية.
- (٢)
لقد استمعت، وهذا يتطلب آذانًا!
- (٣)
أنت متواضع على نحو يكفي للاعتراف علنًا بأنك كنت مخطئًا، وهذا يتطلب الشجاعة.
الآن، قبيل أن أبدأ في كتابة ذلك، كنت أتحدث مع إحدى الفِرَق في أحد البنوك متعددة الجنسيات العملاقة. في هذا البنك تعمل مجموعة من المواهب الشابة، في إطار برنامج تنموي لأبرز قادة المستقبل المتوقعين، على إطلاق فكرة عمل جديدة ابتكارية. وأكبر تحدٍّ يواجههم هو ما وصفوه ﺑ «النزعة المحافظة» داخل الشركة. إن إجراء التغيير في هذه المؤسسة بالغ الصعوبة حقًّا. إنه صعب على نحو مخيف عندما تفكر فيما ذكرناه سابقًا.
إذن فما نشهده في هذا الصدد هو قدرة المؤسسات على التكيف سريعًا مع العالم من حولها.
(١) ما هي سرعة التغيير؟
لديَّ زميل يدعى ديفيد، عمل طوال حياته المهنية في المبيعات. إنه رجل مبيعات فخور بمهنته حتى النخاع. ومنذ عدة سنوات أطلعني، وهو نصف ممازح، على أحد مفاهيمه المفضلة، وهي: «سرعة الإيرادات». لا يقصد بهذا المفهوم قدر العمل الذي يحتاج العميل تنفيذه في المجمل، بل مدى السرعة التي يحتاجها أو يرغب بها في استثمار تلك الميزانية. في ذلك الوقت وجدت المفهوم تلخيصًا مضحكًا لشخصية رجل المبيعات التي يحرص ديفيد على تقمصها، وهذا جيد وسيئ في الوقت نفسه (رغم أني مع مرور الوقت، تعلمت أثناء إدارة شركة الخدمات الخاصة بي أن أقدِّر الحكمة التي ينطوي عليها هذا المفهوم).
هذه الجملة تجعلني أفكر في سرعة تغير المؤسسة، أي قدرتها على التغير بسرعة. سرعة تغير المؤسسة تعني قدرتها على التغير سريعًا، لا التحرك بمرونة فحسب — القدرة على تغيير التركيز بسرعة — لأن من الممكن أن تتمتع المؤسسة بهذه القدرة دون أن تتغير داخليًّا. ولا التحرك بسرعة فحسب؛ لأن من الممكن أن تتحرك المؤسسة سريعًا أيضًا دون أن تتغير. وليس فقط القدرة على التطور، فمن الممكن أن تتطور المؤسسة بكفاءة مع مرور الوقت، لكن هل يمكنها فعل ذلك بالسرعة الكافية؟
كلما زادت سرعة التغير لدى المؤسسة، أمكنها تغيير تركيزها على نحو أسرع، وأمكنها التنفيذ على نحو أسرع، وأمكنها تغيير نفسها جذريًّا على نحو أسرع.
لماذا يجب أن تكون مؤسسات القرن الحادي والعشرين قادرة على التغير بسرعة كبيرة؟
لأن العالم ببساطة يتغير كثيرًا على نحو أكثر سرعة. وعلى وجه التحديد، لأن بقية أنحاء العالم، الموجودة في أركان بعيدة من الكوكب، ليست منعزلة وأقل صلة عما حولها بطريقة أو بأخرى، فاليوم في هذا السوق العالمي الذي وصلنا فيه إلى هذا القدر من الترابط، بفضل التكنولوجيا والأنظمة، أصبحت التغيرات البعيدة التي تحدث في «بقية أنحاء العالم» تعني أن البيئة الخارجية التي تحيط بالمؤسسة على نحو مباشر، تتغير بسرعة، وعلى نحو غير متوقع، وعلى نحو يخل بالنظام التقليدي. والأهم من ذلك، أصبح لزامًا علينا أن نتحسن في التغيير؛ من أجل القيام بعملية التحول الكبير، من عالم نسعى فيه إلى النمو المستمر إلى عالم نسعى فيه إلى ما قد يصفه عمير حقي «بالأفضلية».
نتيجة لهذا المزيج المقنع من المحفزات والتوجهات، فإنه يجب أن نكون مدركين لسرعة التغيير الخاصة بنا، الآخذة في الازدياد، وأن نعمل جاهدين على تحسينها.
(٢) التحولات العالمية والبجع الأسود
لقد أصبح القول التالي مبتذلًا، لكن في عالم يسوده الاضطراب المستمر، فإن التغيير هو العامل الثابت الوحيد.
-
إفلاس بنك ليمان براذرز، وتسببه في انهيار النظام المالي العالمي.
-
الكساد المزدوج من عام ٢٠٠٧ حتى يومنا الحالي.
-
الربيع العربي.
-
ظهور مجموعة دول بريك (البرازيل، روسيا، الهند، الصين) كقوى اقتصادية جديدة، وبصفة خاصة بزوغ الصين كقوة اقتصادية.
-
الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة.
-
أزمة اليورو وتعرض أيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا لحالات مختلفة من الأزمات المالية الخطيرة.
-
حركة احتلوا.
-
انهيار محطة توليد الطاقة النووية فوكوشيما في اليابان.
-
حملات ويكيليكس وصحيفة «الجارديان» ضد مؤسسة نيوز كوربوريشن.
-
موت بن لادن والقذافي.
في الكتاب الرائع، «البجعة السوداء»، يصف نسيم نيكولاس طالب، كيف أن المؤسسات مستعدة للمخاطر المتوقعة؛ أي تلك الأمور التي حدثت من قبل. وهذه الأمور أزمات عادية توصف بأنها «بجع أبيض». بيد أن طالب يوضح كيف أن معظم الأزمات المدمِّرة، بالغة الأثر، المربكة، إنما هي أزمات غير مسبوقة تمامًا، فلا نستطيع الاستعداد لها باستخدام السيناريوهات المسبقة، أو بمجرد التكيف والاستعداد لما حدث من قبل. إنها «بجع أسود». إنها أزمات لا يمكن تخيلها إلا عند اكتشافها، لا تبدو معقولة إلا عند حدوثها. بعض من الأحداث المذكورة في القائمة السابقة هي أحداث غير متوقعة تنتمي لفئة البجع الأسود، بينما البعض الآخر كانت نتائج متوقعة معروفة. وهذه الأحداث بنوعيها تمثل قدرًا كبيرًا من التغيير.
بالإضافة إلى تلك الأحداث الجغرافية السياسية والأحداث غير المتوقعة، فإن المجتمع أيضًا تطور (أو على الأقل تغير!)
(٣) النشاط وشن الحملات على شبكات التواصل
على صعيد المجتمع، ظهر جيل جديد من النشاط. في وقت تأليف هذا الكتاب في بلدتي برايتون على الساحل الجنوبي المشمس لإنجلترا، انتشرت حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تجمع الأشخاص القاطنين في المدينة الذين أغضبتهم واقعة مضايقة مزعومة لإحدى الأمهات المرضعات، التي كانت ترضع طفلها في أحد المطاعم المحلية، حيث قال عدد من العملاء المتواجدين في ذلك المطعم لهذه الأم: «إن عليها أن تكون أكثر تحفظًا.» سمعتُ عن تلك الحملة لأول مرة على موقع تويتر، وسرعان ما رأيت الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء يشاركون الأخبار، ويعلقون على المنشور الأصلي (الذي يوجد عليه حاليًّا ما يزيد عن مائة تعليق) ثم يشاركون تفاصيل إحدى مظاهرات «التجمع الخاطف» المخطط للقيام بها عبر موقع فيسبوك. لطالما تحدث مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك عن موقعه واصفًا إياه بأنه «أداة اجتماعية» «تتيح المشاركة دون احتكاك». وانتهى الحال بالحملة في الصحافة القومية والمحلية، وعلى شاشة القنوات التليفزيونية المحلية، وكانت نجاحًا هائلًا لمجموعة صغيرة من الأمهات الناشطات (واللاتي يشعرن بالتعب على الأرجح!) هل كان من الممكن أن تنتشر حملة محلية شعبية بهذه السرعة، وبهذا القدر القليل من المجهود، منذ خمسين سنة مضت؟
بالطبع، لا يقتصر هذا التوجه على الحملات المحلية فحسب؛ إذ أصبح نوع جديد من الحملات متاحًا في القرن الحادي والعشرين، مثل حركة احتلوا، المثال الأوضح، أو حركة الشاي في الولايات المتحدة، أو حملة أنقذوا الغابات في المملكة المتحدة. هذه الحملات المترابطة رقميًّا، المندفعة وراء أحد الأهداف، يمكن أن تتكون وتُحدث تأثيرًا سريعًا، فيبدو أنها تنشأ على نحو مفاجئ، ثم تؤثر تأثيرًا حقيقيًّا للغاية على قضايا تختارها بنفسها.
ونتيجة ذلك — إذا كانت إحدى الحملات موجهة ضد شركتك، سواء بوجه حق أو بغير وجه حق — فمن الممكن أن يتحول الحال من الإيقاع المسترخي لسير العمل المعتاد، إلى مواجهة أزمة كاملة، تجعل اسم علامتك التجارية متداولًا على موقع تويتر، وتجعل النشطاء المترابطين يغزون موقعك الإلكتروني، وتجعل الصحفيين ينقبون في معلوماتك الرقمية، كل هذه الأمور في وقت أقل من الوقت الذي كان يستغرقه عادةً الإعداد لأحد التصريحات الصحفية.
(٤) التكنولوجيا والتغيير
تأثير التكنولوجيا متغلغل في هذا الكتاب. سوف نلقي الضوء على التفاصيل المتعلقة بها لاحقًا في هذا الفصل، وكذلك في الفصل السابع الذي يتحدث عن الحمض النووي التكنولوجي. يكفي أن نقول إن دور التكنولوجيا في دفع سرعة التغيير كان فائق الأهمية، حقًّا، كان تأثيرها أكبر من أي مسبب آخر.
(٥) لم يغير أحدٌ القواعد (بعد)
من الجدير بالملاحظة أيضًا أن من أهم التوترات التي ينبغي أن تتعامل معها مؤسسة القرن الحادي والعشرين هي أن قواعد اللعبة، لا سيما القواعد القانونية، متأخرة عن الواقع المعاصر للشركات.
يجب بالضرورة أن يتبع القانون المجتمع، فمن غير الممكن أن يُصمَّم القانون مقدمًا ويوضع على الرف، في انتظار الظهور المفاجئ لأحد أحداث البجع الأسود غير المتوقعة. إذن فالواقع هو أن القانون يتبع الأحداث في العالم الواقعي، ولطالما كان الحال كذلك.
إلا أن البعض سيقولون: إننا في فترةٍ حَدَثَ فيها تحولٌ كامل في النموذج الفكري، قادته التكنولوجيا والإعلام، والقانون متخلف عنه بصفة خاصة في وقتنا الحاضر. وهذا يعني بالنسبة للشركات أن القواعد لم تتغير. لا يزال المراقبون والمحاكم القانونية يطالبون باتباع سلوك القرن العشرين، ويمكن أن يمثل ذلك قوة جذب عكسية قوية مناهضة للحاجة إلى التطور (وجدنا أيضًا في عملنا أن هذا الأمر يمكن أن يقدم عذرًا حقيقيًّا لعدم التغيير، فيكون بمثابة مصدر دعم أو درع للاختباء وراءه).
بصفة خاصة، يحمل القانون المتعلق بالملكية الفكرية طابع القرن العشرين بوضوح؛ فعلى سبيل المثال، لطالما كان حق النشر ثنائيًّا إلى حدٍّ كبير؛ فإما أنك تستطيع إعادة توزيع الإنتاج الموسيقي لأحد الفنانين، أو أن كل حقوقه محفوظة ولا يمكنك استخدام هذا الإنتاج بأي شكل من الأشكال (بموجب القانون!) وقد أصدر مشروع رائع، يطلق عليه المشاع الإبداعي، مجموعة من الرخص، يمكن لأصحاب الملكية الفكرية (عادةً هم المبدعون أنفسهم) استخدامها لتقديم اتفاقيات أكثر تنوعًا؛ لموازنة رغبتهم في الاحتفاظ بقدر ملائم من السيطرة على إبداعاتهم، مع رغبتهم في السماح للآخرين بالاستفادة منها. إذن يستطيع الفنان نشر إنتاجه الموسيقي تحت رخصة غير تجارية، لكن تنسب العمل الفني لصاحبه، وتندرج تحت المشاع الإبداعي، وهذا يعني ببساطة: «يمكنك أن تفعل ما يحلو لك بالموسيقى ما دمت قد نسبت العمل لي ولم تتكسب المال من الشيء الذي صنعته منها أيًّا كان.» هذا رائع، لكن ماذا لو ساعدت إحدى الشركات الكبرى في التوصل إلى أحد الأفكار الجديدة المبتكرة، أو قدمته من خلال أحد مواقع «التعهيد الجماعي» التي تدعم التسويق؟ أو ماذا لو قضيت عشر ساعات أسبوعيًّا في حل مشكلات المجلس المحلي في مدينتي، فما الصفقة التي سأحصل عليها؟ وكيف تُحفظ حقوقي؟ وما هو الوضع المنصف لي؟
سيكون من المدهش أن نرى كيف سيتغير القانون ليناسب عصرًا تغيرت فيه الأفكار والتوقعات المتعلقة بالمشاركة، والملكية، والإبداع، والتعاون، وهذا سيؤثر على الشركات كافة.
(٦) السبب الأكبر للحاجة إلى إجادة التغيير على نحو سريع
ومع ذلك يوجد سبب أكثر أهمية يبرر حاجة الشركات إلى تحسين استجابتها للتغيير، هذا السبب أهم من كل الأسباب سالفة الذكر مجتمعة.
ألا وهو الحالة الخطرة للبيئة.
فإذا لم تُجرِ الشركات تحولًا هائلًا في طريقة سير الحياة العصرية في القرن الحادي والعشرين، فسوف نضيع جميعًا. لم يعد أمامنا متسع من الوقت، فالجليد يذوب، ومخزون البحار من الأسماك أوشك على النضوب، والأنظمة المناخية تتغير، والمياه تُستنزف، وكثير من الأنواع الحية مهددة بالانقراض، أو وضعها أسوأ من ذلك. إننا نغمض أعيننا وندندن، بينما ينجرف الكوكب إلى فترة تردٍّ صحي متسارعة. وفي الوقت الحالي، يبدو أن معظم الأعمال تعد جزءًا من المشكلة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل.
يجب أن نغير المصالح الشخصية، والطريقة التي لطالما كانت عليها الأمور، والثقافات والأعراف في كل مؤسسة وكل اقتصاد وكل أمة. وكل هذه الأمور تتطلب تغييرًا هائلًا في الأفراد والمؤسسات والصناعات والحكومة. إن الوضع الحالي هو التهديد الأكبر لمستقبل الإنسانية. والأمر جدي.
ومن ثم، فعندما تتحقق كل التحديات التي تقدمها كل هذه العوامل الخارجية، سوف يبدأ المجتمع في الاستفاقة، وسيكون التغيير هو العامل الأعلى قيمة، والصفة المرغوبة حقًّا التي تلقى احتفاءً كبيرًا. سوف يرى المستثمرون، والموظفون، ومديرو الإدارة العليا، وأصحاب المصالح في المجتمع، وبقية الناس أن الميل الطبيعي للتغيير هو كل ما لدينا، إذا كنا نرغب في السيطرة على الفوضى الضاربة في العالم.
لهذا السبب وحده يُعد فهم وزيادة سرعة التغيير في مؤسساتنا ضروريًّا تمامًا.
-
التعلم مبكرًا؛ مما يؤدي إلى تحسين اتخاذ القرارات بما في هذا الاستخدام الأكثر كفاءة للموارد.
-
البقاء أقرب إلى احتياجات العملاء؛ مما يؤدي إلى تطوير المنتجات الجديدة على نحو أفضل، والحصول على قدر أكبر من ولاء العملاء، وقدر أكبر من الحصة السوقية، ومستوى أعلى من الشغف لدى الموظفين.
-
قدر أكبر من المرونة، وهذا يؤدي إلى مؤسسات أكثر استقرارًا، وجذب أفضل الموظفين والعملاء والاحتفاظ بهم، وتحقيق مستوى أعلى من النتائج والإيرادات طويلة الأجل.
-
التكيف المستمر في عالم متقلب، وهذا سيؤدي إلى إسهامات طويلة الأجل، ودعم لأصحاب المصالح كافة من الموظفين والمجتمعات، وحتى حملة الأسهم والاقتصادات.
-
تقليل الخطر من خلال «الاتباع السريع» والتكيف سريعًا مع ابتكارات المؤسسات الأخرى (بدلًا من الريادة دائمًا).
-
كل هذه الأمور تؤدي إلى ميزة تنافسية، فتصبح الأفضل — في أسرع أقرب — ومن ثم تربح.
-
الإسهام على نحو أساسي في تكوين مجتمع عالمي مستدام.
إذن أي الجوانب تؤثر على سرعة تغيير المؤسسة؟
- (١)
عوامل شخصية.
- (٢)
عوامل مؤسسية.
- (٣)
سلوكيات.
- (٤)
قوى مضادة.
(٦-١) عوامل شخصية
ربما تتساءل: ما علاقة العوامل الشخصية بقدرة المؤسسة على التغير؟ إن وجهة نظر هذا الكتاب هي أن المؤسسة تتكون من أشخاص، لا من أحجار أو مخزون أو عمليات، فالأشخاص «هم» المؤسسة. ومن أجل تحسين طريقة استجابة المؤسسة ككل للتغيير، يجب تغيير طريقة استجابة كل فرد من الأفراد الكثيرين الذين تتكون منهم المؤسسة للتغيير.
من المفهوم جيدًا أن التغيير سيشكل صعوبة. فقط تفقَّد أرفف أقسام كتب المساعدة الذاتية في أحد متاجر الكتب، أو ابحث سريعًا على جوجل عن «تغيير السلوك». ومن ثم، نظرًا لصعوبة التغيير، فإذا كنا نريد أن نساعد في تغيير المؤسسات على الصعيد الشخصي، وأن نقود ذلك التغيير بثقة، فلا بد أن نفهم بأنفسنا التغيير فهمًا كاملًا وأن نطور أنفسنا.
(أ) التوجه
نتيجة لذلك، فإن أهم المؤثرات هو توجه المرء وطريقة تعامله مع التغيير. يجب أن نكتسب تقديرًا شخصيًّا لتحدي التغيير. يجب أن نتذوق ونتحقق من نكهات التغيير بالضبط مثلما قد يقلب خبير الخمور نوعًا فاخرًا من الخمور في حنكه ليتذوقه، فيميز النكهات، والاختلافات الدقيقة، والجوانب الجيدة وتلك السيئة! ومن ثم، يجب أن يكون التغيير شيئًا نتذوقه، ونشعر به، ونقدره (ونقدره لا تعني بالضرورة التقدير الإيجابي فقط؛ إذ من الممكن أن تقدر المطر البارد أو الجري السريع الشاق!)
لا بد أن نتحلى بالتوجه الذي يقر بأن التغيير عامل ثابت، وأن ما يمكننا التأثير عليه إنما هو طريقة استجابتنا له، وتكيفنا معه، وتحايلنا عليه.
ولا بد أن نحترم، ونقدر، ونتعلم باستمرار، ماهية التغيير على الصعيد الشخصي، وأن نكتسب مع مرور الوقت فهمًا قويًّا لطريقة استجابتنا كأشخاص للتغيير.
-
ما الأمور التي أجد على الصعيد الشخصي أن من الصعب تغييرها في نفسي؟
-
كيف تكون استجابتي عادةً للتغيير في البداية؟
-
ما المحفزات الفعالة بالنسبة لي كي أحقق التغيير؟
باختصار، يجب أن يتكون توجهنا من شقين، ألا وهما: تبني التغيير، واحترام عواقب ومتطلبات هذا التغيير. وفعل ذلك يجعلنا مستعدين لكل الأمور التالية.
(ب) العادات
اكتسبتُ فهمي المحدود لقوة العادات من اثنين من أساتذة تغيير السلوك، وهما بين فليتشر وكارين باين. وفي برنامجهما الذي يحمل عنوان «افعل شيئًا مختلفًا»، طوَّرا دليلًا للتغيير الشخصي يعتمد على أبحاثهما القوية من الناحية الأكاديمية، وهذا الدليل يستخدم حاليًّا على نطاق واسع في المناطق المحرومة في المملكة المتحدة؛ لتمكين الأشخاص من التخفف من العادات الشخصية التي تمنع التغيير.
ووفقًا لما تعلمته من بين وكارين، فإن عاداتنا شبكة معقدة من السلوكيات التي قد تتحكم فينا على نحو يفوق إدراكنا. وهذه العادات من الصعب الفكاك منها إلى حد ما، فهي متداخلة، ويثبت بعضها بعضًا في مكانه. إننا إلى حد كبير حقًّا «آلات تسيرها العادة»، فوعينا بعملية اتخاذ قراراتنا أقل بكثير مما ندركه في بادئ الأمر.
-
عندما تستحم، بأي ترتيب تغتسل؟
-
كيف تذهب إلى العمل كل يوم؟
-
أين تجلس عادةً في الحافلة أو في القطار؟
-
هل مناقشاتك مع أحبائك تتبع أنماطًا معينة؟ وإذا كان الجواب نعم، فما هي تلك الأنماط؟
-
ما الذي تختار تناوله على الغداء، وأين تذهب لتناول الغداء؟
هذه الشبكة المعقدة من العادات تساعدنا في جعل التفاصيل الأساسية للحياة اليومية أكثر بساطة، وتعوقنا أيضًا؛ إذ تمثل حاجزًا يحول دون تغيير العادات التي نرغب في تغييرها. وعلى هذا النحو، إذا غيرنا السياق ليصبح سياق بيئة عملك ربما تبدأ في اكتشاف العادات التي تتبعها هناك: كيف تجيب على أشكال التواصل المادية والرقمية أيضًا، كيف يكون رد فعلك عندما تكون تحت ضغط؛ كيف تمنح وتتلقى المديح، كيف تقول نعم، وكيف تقول لا، ولمن. هل يمكنك التفكير في العادات المصاحبة لك في العمل؟ هل يمكنك ملاحظة العادات والأنماط لدى الأشخاص الذين تعمل معهم؟
إن برنامج «افعل شيئًا مختلفًا» يقوم على أساس يقول إن تخفيف قبضة بعض العادات «غير المهمة» الأساسية للغاية، يمنحنا مجالًا لنكون قادرين على اتخاذ المزيد من خطوات التحول الشخصي.
ومن ثم إذا كان الهدف من قراءة هذا الكتاب هو تغيير سير الأعمال في القرن الحادي والعشرين، واتفقنا على أن المؤسسات مكونة من الأفراد، فإن أحد مفاتيح التغيير سيكون تغيير الفرد لعاداته، ولتبدأ بعاداتك!
(ﺟ) الاستماع
لكي تكون قادرًا على تحقيق تغيرات شخصية، ومن ثم تصبح جزءًا من مؤسسة المستقبل التي تتطور على نحو إيجابي، فإنك تحتاج إلى معلومات كما هو الحال مع الروبوت جوني فايف في فيلم «شورت سيركيت».
وتكمن تلك المهارة في إدارة انتباهك، لا سيما في الاستماع والحوار والتعاطف.
القائد الناجح في التغيير يشعر بما يفعله السوق وينتبه إليه، وينتبه إلى ما يقوله العملاء (وما لا يقولونه)، وإلى ما يشعر به زملاؤه وما يرونه بأنفسهم. (أعتقد أنك كقارئ لمثل هذا الكتاب تعرف ذلك بالفعل.)
ولهذا السبب تحولت صحافة الأعمال على نحو لافت على مدار السنوات الخمس الماضية، لتركز على موضوعات مثل الذكاء العاطفي، بدلًا من حاصل الذكاء، والاحتفاء بالصفات المعتمدة على الفص الأيمن من المخ مثل الإبداع والتعاطف، بدلًا من الأحادية والقدرة على التعامل مع أرقام كثيرة وإجراء حسابات معقدة.
في وظيفتي الأولى والوحيدة قال لي مندوب مبيعات متمرس وغريب الأطوار: إن لدينا أذنين وفمًا واحدًا، وفي المبيعات يجب أن نستخدمهم بهذه النسبة. إنه قول مأثور قديم، ولا شك أنك سمعته بنفسك مرات عديدة. وأرى — كما هو الحال مع كثير ممن سبقوني — أن القاعدة نفسها تنطبق على أي شخص يرغب في تحقيق تغيير من خلال العمل مع الأشخاص، فإذا كنا سنقود التغيير (ليس مرة واحدة فقط بل باستمرار) فسيكون من الأفضل أن نستمع ضِعْف ما نتحدث.
(د) التواضع
أخيرًا، من أجل زيادة سرعة التغيير الخاصة بنا — التي تبدو صراحةً كأنها خارجة من رواية خيال علمي سيئة — يجب أن ننمي حس التواضع لدينا.
يوجد فرق بين الاستماع إلى تعقيب يخبرنا بضرورة تغيير أحد الأمور التي أنجزناها أو نتحمل مسئوليتها، وبين التصرف على ضوء هذا التعقيب والاعتراف بأننا كنا مخطئين. إن رد الفعل الأخير تحديدًا هو ما نحتاج إلى غرسه في الفِرَق، والمؤسسات، ومجتمع الأعمال، ألا وهو الاستعداد لتقبل كوننا مخطئين، وقبول آراء وأفكار الأشخاص الآخرين، والإيمان بالذات والتواضع اللازم لتغيير المسار علنًا، فهذا هو وقود سرعة التغيير.
لا يمكننا أن نتغير عندما نكون على صواب في كل مرة. لا يمكننا التحول من الركود إلى إنجاز «خطوة تالية مثالية!» يجب أن نقترف بعض الأخطاء، ونتعلم بالممارسة، وأن نستمر في العمل بسرعة دون أن نضيع الوقت بالغ الأهمية في مجموعات التركيز والمناقشات الداخلية التي لا تنتهي، والتي تشل تقدمنا.
كي نتغير لا بد أن «ننجز»، ومن أجل إنجاز الخطط الكبيرة التي نحتاج إلى إنجازها (مثل تغيير طريقة تصرف المؤسسة بأكملها تدريجيًّا وبتأنٍّ) نحتاج إلى التواضع والوعي بالذات.
من خلال تنمية التواضع وإظهار الفشل، وسرعة استجماع الوعي بالذات والتعلم الذي يأتي مع الفشل، فإننا نتيح إمكانيات متعلقة بالتغيير والمرونة ليست متاحة ببساطة بطريقة أخرى. وعندما نرحب بالنتائج غير المتوقعة، ونظهر قدرًا أقل من المقاومة، ونتحرك سريعًا في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، فإننا نتعلم ونتغير باستمرارية أكبر. لا شيء من هذه الأمور من الممكن تحقيقه إذا اقتنعنا بأننا «لا ينقصنا شيء».
(٦-٢) العوامل المؤسسية
بعد أن استعرضنا بعض العوامل الشخصية دعونا نُلْقِ نظرة على السمات والجوانب المؤسسية التي يمكن من خلالها دفع سرعة التغيير وما يمكن أن يحققه ذلك.
(أ) سرعة ومرونة التحرك
كنت أتحدث مؤخرًا في أحد المؤتمرات، وكان المحاضر الذي يسبقني مباشرة يعمل بإحدى شركات السكك الحديدية الوطنية، في قسم العلاقات العامة. وصف المحاضر التحديات التي يواجهونها في ظل العالم المعاصر المترابط عندما تحدث أزمة في عمليات السكك الحديدية (مثل خروج أحد القطارات عن مساره).
وقال: «منذ عشر سنوات كان متاحًا أمامنا ساعتان من الزمن لفهم ما حدث والاستعداد لإخبار وسائل الإعلام، ومنذ خمس سنوات عندما شاع اقتناء الهواتف المحمولة انخفضت تلك المدة إلى عشرين دقيقة، والآن — مع وجود الهواتف الذكية، والرسائل المصورة، وتويتر وفيسبوك — لدينا عشرون ثانية قبل أن يعرف العالم معلومات عن الأزمة تفوق المعلومات التي نعرفها.»
هذا هو المطلوب من مؤسساتنا في الوقت الحاضر. مدهش! فلا يفصل بين حدوث الواقعة ومعرفة العالم عنها سوى عشرين ثانية. ومن أمثلة ذلك هبوط طائرة اضطراريًّا في نهر هدسون، أو وفاة ملك البوب مايكل جاكسون، أو إلقاء القبض على أحد السياسيين، أو تعرض إحدى شركات النفط لمشكلة تسرب نفطي. أمامك وفريقك فاصل زمني مدته عشرون ثانية، يحول بين حدوث الواقعة وإمكانية مشاركتها عالميًّا دون احتكاك أو تكلفة.
نطلق على هذا اسم الزمن الفعلي. هذا يعني أن فترة التأخر الفاصلة بين وقت حدوثِ واقعةٍ، ووقتِ معرفة العالم عنها، آخذة في التقارب من الزمن الفعلي؛ فالأمران يحدثان تقريبًا في الوقت نفسه. لقد اختفى الفاصل الزمني أو كاد.
ألقينا نظرة بالفعل على الدور المسرِّع الذي تلعبه المنصات المتاحة عبر الإنترنت، ليس فقط في وسائل الإعلام الخارجية كما في مثال شركة القطارات وتويتر، لكن أيضًا في الطريقة التي يقدم بها الموظفون التقييم إلى المديرين في شركة إتش سي إل، وفي طريقة ابتكار العملاء باستمرار لصالح شركة القمصان قصيرة الأكمام ثريدلس، ولغيرها من الشركات الأخرى من خلال التعهيد الجماعي الذي يقدمه موقع إينوسينتيف. إن ظاهرة الزمن الفعلي ليست فقط أمرًا متعلقًا بالإعلام والاتصالات الخارجية، بل إن الحاجة إلى زيادة سرعة التحرك والترابط هي أمر متعلق بمجال الأعمال برمته.
(ب) نموذج أودا OODA
-
الملاحظة Observe: ما الذي يحدث في البيئة المحيطة بي؟
-
التوجه Orient: ما هو مكاني في تلك البيئة، وأين أنا من كل شيء آخر؟
-
القرار Decide: في ضوء هذا كله، ماذا يجب أن أفعل كخطوة تالية؟
-
التصرف Act: تنفيذ القرار.
ثم تكرر هذه العملية. لذلك، فمن الأمور المثيرة للإعجاب في نموذج أودا طبيعته التكرارية. وهذا وحده يناسب البيئة المؤسسية التي نتناولها في هذا الصدد، حيث يكون التغيير فيها مستمرًّا. بيد أن الدرس الكبير المستفاد من نموذج أودا لا يتمثل في أن القرارات متسلسلة، ومرتبطة معًا، وكلها جزء من عملية اتخاذ قرارات مستمرة، بل يتمثل في الواقع في أنه كلما زادت سرعة الدوران في حلقة نموذج أودا، زاد احتمال النجاح.
ستقول لي: توقف لحظة، قد لا يكون اتخاذ القرار بسرعة هو الأمر الوحيد الذي يؤدي إلى النجاح في عالم الأعمال أو في القتال أو في صناعة السياسات! قد يكون القرار الأفضل هو الفائز، ويجب أن نؤكد على أهمية بذل الوقت والفكر في صياغة أفضل القرارات بتأنٍّ، أليس كذلك؟ ربما يكون هذا صحيحًا. ورغم ذلك، أرى أن التحول إلى التفكير باستخدام نموذج أودا سببه أننا لم نعد نسعى وراء «القرار الأفضل لكل الأوقات»، بل أصبح أمامنا متسع من الوقت لإجراء سلسلة كاملة من الخيارات المتعلقة «بأفضل قرار في الوقت الراهن». ونتيجة لذلك تقل المخاطرة بالفعل. في نموذج أودا تحولنا من وضع التفكير إلى وضع التنفيذ، وانتقلنا من التخطيط والتفكير إلى تعلم المزيد عمليًّا عن الأمور الفعالة والأمور غير الفعالة. وأرى اعتمادًا على حدسي أن هذا الأمر صائب تمامًا بالنسبة لعالم يتسم بالتقلب والتغير الدائم.
(ﺟ) استعد، أطلق، صوِّب: التطوير المرن، والتحسين الدائم
وصف آخرون، مثل المفكر الإداري المتحدي والذكي توم بيترز، وروجوا مطولًا للتحول نفسه في اتخاذ القرارات من أسلوب «استعد، صوِّب، أطلق!» إلى أسلوب «استعد، أطلق، صوِّب». وعلى صعيد تطوير البرمجيات وفي الشركات الناشئة الريادية (على اختلاف أنواعها)، يكتسب هذا التوجه رواجًا على نحو ثابت.
يعلم مؤسس أي شركة ناشئة أن السرعة التي يتحرك بها فريقه تعد من المميزات القليلة التي تميز شركته عن أكبر المنافسين، ويعلم أنه — في ظل وجود قدر محدود من السيولة النقدية (أو عدم وجود سيولة نقدية على الإطلاق) — فإن أفضل ما يمكنه فعله هو دفع الشركة نحو التحرك بمزيد من السرعة.
بالمثل، يعلم مهندس البرمجيات المتمرس أن أقل الطرق خطورة للوفاء بموعد التسليم وتقديم برنامج عالي الجودة، قد لا يكون من خلال العمل وفقًا لخطة مطورة بعناية ومفصلة إلى ما لا نهاية، بل من خلال تقسيم المشروع كله إلى سلسلة من «السباقات»، وتجزئة عملية التطوير كلها إلى مهام أصغر بكثير، ثم إعادة ترتيب الخطوات التالية على حسب الأولوية كل أسبوعين. لاقى هذا الأسلوب السريع والمرن المتبع في تطوير البرمجيات رواجًا على مدار العقد الماضي، وأساس هذا الأسلوب هو الفلسفة القائلة: إن الأشياء «تتغير وستتغير باستمرار» أثناء المشروع — في كل من البيئة وفي تعلم فريق التطوير والعميل — وإن استغلال ذلك التغيير هو أساس النجاح. لا شيء أكثر إحباطًا من اتباع خطة مدتها اثنا عشر شهرًا تصبح قديمة بالفعل في الأسبوع الثالث؛ يدرك الأسلوب المرن المتبع في تطوير البرمجيات تلك الحقيقة، ويقلب الأساليب المتسلسلة التقليدية المستخدمة في إدارة المشروع رأسًا على عقب.
الخبر الجيد هو أن المنهجية المرنة كأسلوب لإدارة المشروعات تتسرب من موطنها الأصلي، المتمثل في عالم تطوير البرمجيات، متجهة إلى الكثير من الصوامع المؤسسية الأخرى، وإلى الحكومة أيضًا. يعلن أصحاب المشروعات والمديرون والفِرَق، موافقتهم على هذا الأسلوب بتبنيهم له، فاتباع أسلوب مرن يبدو أمرًا منطقيًّا في القرن الحادي والعشرين.
إذن ماذا يحدث عندما نأخذ تلك الأساليب التي أصبحت رائجة على نحو متزايد، ونطبقها في عالم الأعمال؟ إننا نتحول من عقلية «التخطيط المثالي» إلى عقلية «التعلم الدائم» أو التحسين الدائم المعروف بمرحلة «بيتا». مصطلح بيتا من المصطلحات الأخرى المقتبسة من عالم تطوير البرمجيات — النسخة الألفا هي النموذج الأولي غير المكتمل لإحدى خدمات الويب أو لإحدى التقنيات الجديدة، ونسخة البيتا هي النسخة التالية للنموذج بعد إصلاح بعضٍ من أوضح أخطائه — فهي نسخة ما زالت غير مكتملة، لكنها جاهزة للمشاركة مع مجموعة أكبر من الأشخاص لاختبارها في عالم الواقع.
ومنذ ذلك الحين أصبح البقاء في مرحلة التحسين توجهًا وحالة رسمية بالقدر نفسه؛ فلقد ظل جي ميل البريد الإلكتروني التابع لجوجل في مرحلة بيتا لسنوات، وكان لديه ملايين من المستخدمين النشطين يوميًّا! ومنذ أواخر عام ٢٠٠٩ تعاقدت شركة الخدمات المالية الناشئة سكوير، المتخصصة في الدفع عبر الهاتف المحمول، مع مليون شركة بيع بالتجزئة، من خلال طرح أسلوب مبتكر يعتمد على الهاتف المحمول في التعامل مع المدفوعات المالية فاجأ شركات الخدمات المالية التقليدية. أنا واثق من أن شركة سكوير تتغير يوميًّا، أو أسبوعيًّا. لقد أصبح البقاء دومًا في مرحلة بيتا شعارًا لتوجه يشبه نموذج أودا يقول: «إن تطبيق الويب/المطعم/المنهج التعليمي هذا لن يكون مكتملًا أبدًا، بل سوف يُعدل ويُحسن، ويُعاد تصميمه دائمًا.»
(٦-٣) السلوكيات
إذا كانت الشركات سوف تسير بمرونة تحاكي مرونة القطط كما وصفنا بالأعلى، فما الذي سيعزز ذلك؟ وما السلوكيات الجديدة التي من المحتم أن تظهر؟ وأي السلوكيات الحالية لا بد من تغييره أو القضاء عليه؟
(أ) التعاون
أولًا، من نافلة القول أن التحرك بسرعة الأعمال الجديدة المطلوبة، سيصبح مستحيلًا إذا كان الأشخاص داخل الفرق، وفي مختلف الإدارات، عاجزين عن التعاون.
فعند حدوث أزمة القطار، وفي ظل تقلص وقت الاستجابة من الساعتين اللتين كانتا متاحتين منذ عشر سنوات إلى عشرين ثانية فقط في الوقت الراهن، فإن المسئول بشركة القطارات لا يمكنه تحمل تبعات الخلافات الداخلية. ومن أجل مصلحة الشركة، فإنه ببساطة لا يمكنه تقبل الممارسات الهادفة لخدمة المصالح الشخصية، أو البيروقراطية غير الضرورية، أو التأخير. إنه يحتاج إلى شبكة من الزملاء يتمتعون بقدر عالٍ من الاستجابة، والتمكن، والتعاون؛ كي يتحرك بسرعة الأحداث وقت حدوثها.
لا تدعم الصوامع هذا النوع من التعاون. في الحقيقة، إنها معارضة تمامًا لمثل هذا النوع من التعاون. وكثير من الأشخاص يتحدثون عن وجود الصوامع وسلوكيات الصومعة في مؤسساتهم.
من أين يأتي تفكير الصومعة، ومن يستطيع تغييره؟ يجب أن يواجه القادة تلك المشاكل، لا سيما سلوكهم الشخصي الذي يسهم في ذلك.
يجب أن يكون القادة في المستويات كافةً تجسيدًا للتعاون، ويجب أن يكافئوا التعاون، ويذللوا العقبات التي تحول دون التعاون.
(ب) الفشل
ثانيًا، كما استعرضنا سابقًا في كل من الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين، وكذلك في الفصل الرابع الذي يتناول القيادة الواعية، فإن تغيير تصورات المؤسسة حول الفشل هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لمؤسسة القرن الحادي والعشرين.
العجز عن فهم الفشل والاحتفاء به يؤدي إلى التملص من المسئولية، وهذا بدوره (دون أن نرغب في أن نبدو مثل شخصية يودا في فيلم حرب النجوم) يؤدي إلى انسداد قنوات التعاون. قد لا يكون الفشل في حد ذاته أكبر الخسائر في المؤسسة، بل «الخوف» من الفشل الذي يشل بالفعل عملية صناعة القرار، ويخلق توترًا هائلًا لدى الأشخاص في المؤسسة.
سوف يؤدي التحلي بمزيد من الاستعداد للفشل إلى مستويات أكبر من الثقة بين الناس في المؤسسة، وقدر أكبر من الصدق في أرجائها كافةً. في الحقيقة، إذا اعتبرنا الفشل تعلمًا، فإن فرصة الفشل لعدد مرات أكبر يمكن أن يخلق مؤسسات تعتز فعليًّا بالتعلم وتسعى نحوه، وستصبح شركاتنا حقًّا «مؤسسات تعلم» تتكيف وتتقدم للأمام دون توقف.
(ﺟ) المكافأة
ثالثًا، ما تكافئه مؤسستك يؤثر على سرعة تغييرها تأثيرًا هائلًا. وتحريًا للوضوح، عندما أقول «ما تكافئه مؤسستك» فإنني أقصد ما تكافئه «حقًّا»، ليس فقط ما تقول إنها تقدره. جميعنا كنا في مؤسسات تتبنى قيمة النزاهة، ولم نجد إلا سلوكًا يمثل النقيض التام لها، أو كانت المؤسسة تصف التفكير بطريقة مختلفة بأنه قيمة أساسية، في حين أن الأشخاص العاملين داخلها يسحقون بالفعل الأفكار الجديدة ويفضلون اتباع التعليمات حرفيًّا، ويتمسكون «بالطريقة التي لطالما أُنجزت بها الأمور».
لذلك، فمن أجل زيادة سرعة التغيير لا بد للمؤسسات أن تكافئ حقًّا مجموعة السلوكيات التي تشجع المرونة وخفة الحركة، ومن أمثلة تلك السلوكيات: التطوير الشخصي، والتغيير، والإبداع والابتكار المؤسسي، والمخاطرة والفشل، والتعاون.
المؤسسات التي تكافئ بالفعل تلك الصفات تفعل ذلك من خلال مكافآت مادية ومعنوية: في الرواتب، والحوافز، والترقيات، وغيرها، ومن خلال مكافآت «معنوية إلى حد أكبر» وربما أكثر تأثيرًا؛ مثل: الجوائز، والظهور العام داخل الشركة وخارجها، وفي الاجتماعات الثنائية، ومن خلال التوجيه. سوف يؤثر هذا حرفيًّا على كل شخص في المؤسسة، من المؤسس أو الرئيس التنفيذي حتى موظف الاستقبال أو حارس الشركة.
بالفعل يدعم ذلك المؤسسة الساعية إلى العمل على نحو أسرع وأفضل. وسيؤدي إلى زيادة في التعاون والطاقة الهادفة للتغيير من قبل الأشخاص في الفريق كله، والمؤسسة كلها، تؤدي إلى مؤسسة أفضل، يمكنها الرقص مثل الفراشة واللدغ مثل النحلة. إن الأمور التي تكافئها المؤسسة مهمة للغاية تمامًا.
(٦-٤) قوى مضادة
مع انطلاقنا نحو عالم الزمن الفعلي، حيث يُحمِّل أحد الأصدقاء على شبكة التواصل الاجتماعي التي اختارها صورةً لوجبته في أحد المطاعم الفاخرة قبل ثوانٍ من التهامها، ثم يترك تقييمًا للطعام على الإنترنت قبل أن يدفع الفاتورة، وحيث تراقب المؤسسات التقييمَ الذي تجمعه باستمرار من المنتديات ومواقع التقييم وتتصرف على ضوئه، فإنه جدير بنا أن ندرك أننا نشهد بدايات ثورة مضادة، أو على الأقل قوى مضادة واضحة، تعارض أسلوب الحياة دائم الاتصال بشبكة الإنترنت. وهم محقون في ذلك.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن الاتصال الدائم بالإنترنت على مدار يومنا لا يمكن أن يكون صحيًّا. يتحدث بعض الباحثين عن الآثار الجانبية «لتجزئة الانتباه المستمرة»، تلك الحالة التي نراقب فيها نحن البشر باستمرار مجموعة مصادر معلوماتية متنوعة لكن عبر تخصيص جزء ضئيل من انتباهنا لكل مصدر. هل هو أمر صحي أن نكون متصلين بالهاتف المحمول، والبريد الإلكتروني، وعناوين الأخبار، وشبكة التعاون الداخلية للشركة، وواحدة أو اثنتين أو ثلاث من شبكات التواصل الاجتماعي، وفوق ذلك نجري محادثات مع الأحباء والزملاء؟ ما تأثير ذلك على علاقاتنا، وعلى الدماغ، وضغط الدم؟ كيف تبدو حياة طفل ينشأ في عالم يجد فيه والديه منشغلين غالبًا بمستطيل أسود صغير يحملانه في أيديهما، يبدو على وجههما العبوس أثناء التركيز، ويحركون بإصبعهم محتوى الشاشة؟ متى سنبدأ الحديث بجدية عن إدمان الإنترنت؟
على الجانب الآخر، يحتفي باحثون آخرون بفضائل «التدفق»؛ تلك الحالة التي تشبه الحلم التي تتجمع فيها كل الأشياء دون عناء، حيث يكون المرء في حالة «اتقاد ذهني»، دون مقاطعة، منكبًّا، وكل تركيزه منصب على مجال تركيز وحيد. في هذه الحالة ينجز المرء المهام دون عناء يُذكر، فيعد التقارير وجداول البيانات الممتدة، ويصنف رف الكتب، ويعتني بالحديقة، بمنتهى السلاسة. أين يوجد التدفق في الزمن الفعلي؟ كيف يمكن للمؤسسة تحقيق العظمة عندما يشتت أفرادها انتباههم بين عدة مصادر يوميًّا؟
يتناول الفنانون والمفكرون حاليًّا مفاهيم التأني؛ ليقاوموا السرعة المستمرة للحياة العصرية. وقد موَّل جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، مشروعًا ممتازًا شيد «ساعة العشرة آلاف سنة» في أحد تلال تكساس النائية. تدق الساعة مرة واحدة في السنة، ومصممة لتعمل لمدة عشرة آلاف سنة، وكل دقة ستكون مميزة عن أية دقة سابقة أو تالية لها. في ظل عالم يعج بالأشياء التي نتخلص منها بعد استعمالها، وتتصف بقصر الأجل، فإن هذا المشروع مصمم كي يسعى نحو طول الأجل الذي أصبح مفقودًا في صخب وسرعة القرن الحادي والعشرين. توجد كذلك بطبيعة الحال «حركة الوجبة البطيئة» التي تحتفي بفضيلة الصبر، والوقت، والمساحة، والسلام.
أخيرًا، يستمر جدل حول ما إن كان التغيير تتزايد سرعته على الإطلاق. يقول بعض الأشخاص: إن سرعته تتزايد بالطبع، ويشيرون إلى جميع الأمور التي نتناولها في هذا الكتاب وأكثر. في الحقيقة، يعتقد عالِم المستقبليات راي كرزويل أننا فقط في أول أجزاء مرحلة متسارعة ستزداد سرعتها إلى حد كبير على مدار الخمسين سنة القادمة. ويزعم أنه مع تطور التكنولوجيا، فإنها تؤثر تأثيرًا مركبًا على كل موجة تقدم، ومن ثم تزداد سرعتها إلى أن نصل إلى مرحلة «الأحادية» التي يندمج فيها الذكاء البشري والذكاء الحاسوبي، لكن هذا الموضوع يحتاج إلى كتاب آخر كامل! وتقاوم جماعة الضغط المناهضة لزيادة سرعة التغيير هذا المفهوم، وتشير إلى حقيقة أن جيل أجدادنا انتقل من الحصان والعربة والقطارات التي تسير بقوة البخار، إلى إرسال البشر إلى القمر، واستخدام الهواتف الذكية المزودة بقدرة حاسوبية لا يمكن تصديقها، وتصميم عوالم افتراضية على الإنترنت حيث يلعب الأطفال ويتعلمون. وهم محقون في هذا الصدد.
تتمثل الفكرة الرئيسية فيما يلي: العالم يتغير. وبالنسبة لكثير من الأشخاص، يبدو أن التغيير تزداد سرعته. وأيًّا كان الوضع، فمما لا شك فيه أن غالبية الشركات والمنظمات والمؤسسات، لم تعد قادرة على التقدم بسرعة كافية لمواكبة سرعة التغيير. لقد ازداد تخلفهم عن مواكبة التغيير. ما يجب أن نفعله هو زيادة السرعة التي يستطيعون التغيير وفقًا لمعدلها، كي يظلوا مواكبين للتغيير، ويستخدموا مواردهم في حل المشاكل التي تحتاج إلى حل.
كيف يمكن زيادة سرعة تغيير المؤسسة؟
- (١)
التخطيط.
- (٢)
الهياكل التنظيمية.
- (٣)
العمليات.
- (٤)
الأنظمة.
- (٥)
التوجهات.
- (٦)
التوظيف والطرد.
- (٧)
المكافآت.
- (٨)
التغيير الشخصي.
(١) التخطيط
النشاط باختصار
ابدأ بالتخطيط على دورات مدة كل منها ستة أشهر. وأعدَّ ميزانية طوارئ كبيرة قدر المستطاع لاستغلال الفرص غير المتوقعة أو الحالات الطارئة التي تحدث. هذا كل ما في الأمر.
تفاصيل النشاط
معظم الخطط — أو على الأقل الخطط السيئة — تقاوم التغيير. ورغم أن الجميع يرغبون في السيطرة على نحو مفهوم — فالناس يحبون أن يعلموا ما سوف يحدث — تحتاج الشركات التقدمية أساليب تخطيط أكثر مرونة، وتتبع تلك الأساليب.
إذا كنت ترى العالم نفسه الذي أرى، فكيف «تحت أي ظرف» يمكننا على نحو معقول وضع خطة خمسية؟
من أجل تحسين سرعة التغيير، تحتاج إلى إرجاع أفق التخطيط على الفور إلى الوقت الحاضر، مجتذبًا إياه من المستقبل الضبابي المنتظر خلال السنوات الخمس القادمة، حيث تتوقع الشركات سير العمل على ما يرام دون انقطاع وكالمعتاد. وبالاستعانة بميزانية الفرص/الطوارئ يمكنك أن تبدأ في الاستجابة على نحو أسرع لما يحدث في هذه الأثناء.
بالتأكيد ستوجد مقاومة كبيرة أو صغيرة، (وربما تهديدات بالقتل) من أشخاص آخرين في المؤسسة، ومن المتوقع أن تحتاج إلى مسايرة الأعراف المتبعة قليلًا، وإضافة بعض التفاصيل في الجدول الممتدة المخصصة للتخطيط طويل المدى. إلا أنك تستطيع البدء في التخطيط على نحو أكثر تكيفًا ومرونة. وسوف ينتشر أسلوبك ببطء، إلا إذا كنت مديرًا رفيع المستوى، ففي هذه الحالة كل ما عليك قوله هو «أسرعوا بالعمل!»
(٢) الهياكل التنظيمية
النشاط باختصار
ابدأ في تكوين وتشجيع الفرق الصغيرة المكونة من إدارات مختلفة ووظائف مختلفة لإنجاز المشروعات والمبادرات. ابدأ بإنجاز المهام التي كنت سوف تنجزها بمفردك أو في مجموعة صغيرة في الحالة العادية، وأنجزها من خلال مجموعات أكثر اختلاطًا مستعينًا «بالغرباء».
تفاصيل النشاط
تعمد ضم أشخاص من أقسام من المؤسسة يتنافس معهم عادةً القسم الخاص بك. وإذا سنحت لك الفرصة، فادعُ المتفردين، ذوي المواهب الطموحة الصاعدة، الذين يدركون طبيعة المؤسسة جيدًا، ويرغبون في إنجاز المهام. انشر روح النِّدِّيَّة والتعاون في تلك المجموعات، ودعها تثبت قوة التعاون مع مرور الوقت. قلل البيروقراطية إلى أدنى حد، وإذا أمكن حاول ألا تلفت الانتباه.
أتَذْكُرُ الهيكلَ التنظيمي الشبكي لشركة جور الذي تحدثنا عنه في الفصل الثالث الذي تناول الأشخاص التقدميين؟ هذه الفِرَق الصغيرة المكونة من عدة إدارات سوف تحسن الارتباط في المؤسسة على نحو هائل، وسوف تبني تلك الفرق شبكة مهمة من التحالفات التي يمكن الاستعانة بها عند الأزمات.
من خلال عملنا الاستشاري اكتشفنا — على نحو أصابنا بالدهشة — أن مثل هذه المجموعات يمكن أن تعتبرها المؤسسة هدامة، وهذه النظرة تعد علامة واضحة على أن المؤسسة تتبنى عقلية الصومعة إلى حد خطر وتحتاج تحديدًا إلى هذا النوع من أساليب التعاون.
(٣) العمليات
النشاط باختصار
قم بمراجعة سريعة للعمليات التي لديك، التي تستهلك ساعات أو أيامًا أو أسابيع، للاستجابة لأحد الأمور التي تحتاج إلى أن تكون قادرًا على الاستجابة لها خلال دقائق (فكر في المسئول بشركة القطارات و«العشرين ثانية المتاحة أمامه للاستعداد والاستجابة»).
تفاصيل النشاط
فكر مليًّا في الأمور التي تعيق ذلك في مؤسستك. أين تكمن المشاكل المتعلقة بالاستجابة السريعة؟ ما مدى خطورتها؟ ماذا يمكنك أن تفعل حيالها؟ ما خسائر التأخيرات (الحالية أو المتوقعة) الناجمة عن هذه البيروقراطية؟
والآن دوِّن ذلك في مستند مختصر يصف بوضوح وبدقة الخسائرَ وأسوأ السيناريوهات المتوقعة، وغيِّر تلك العمليات.
إذا كنت مدير إدارة عليا أو رئيسًا تنفيذيًّا في مؤسسة كبرى، فابدأ بتشجيع الأفراد على تحديد وتوضيح الطرق التي من خلالها تعيق المؤسسة قدرتهم على الاستجابة السريعة. يمكنك أيضًا تأمل الأسلوب الذي تنتهجه الشركة الهندية المتخصصة في دمج الأنظمة، إتش سي إل، من خلال السماح لأي موظف بمواجهة الوظائف المسئولة عن الدعم — مثل: المالية، والموارد البشرية، والشئون الإدارية، والإدارة العليا — بأخطائها، عن طريق إصدار «بطاقة» من الموظف إلى الإدارة المعنية، مدعومة بتعهد صارم وواضح يكفل الرد عليها وفقًا لضوابط معينة.
(٤) الأنظمة
النشاط باختصار
ركِّب أحد أنظمة مراقبة تفاعل الجمهور، أو إذا كان لديك بالفعل هذا النظام في مكان آخر في المؤسسة، فاحصل على حق الاطلاع على التقارير المتعلقة به. وبعد ذلك انقل ما تستمده من معلومات متناثرة ورؤى مؤثرة إلى فريقك وزملائك، وطبقها بالطبع على أسلوبك في التخطيط والتفكير والتنفيذ. هنيئًا لك، أنت الآن تقترب من الزمن الفعلي!
تفاصيل النشاط
مراقبة تفاعل الجمهور هي تقنية بحث دقيق تبحث تلقائيًّا في الويب عن مرات ذكر الكلمات المفتاحية التي تختارها. إنها وسيلة تجعلك أكثر اقترابًا من الزمن الفعلي، من خلال جعلك أكثر مواكبة لما يحدث في العالم الخارجي. والكلمات المفتاحية المناسبة، يمكن أن تكون اسم العلامة التجارية، أو اسم المنتج، أو اسم الخدمة المسئول عنهما، أو العلامات التجارية للمنافسين، أو أسماء العملاء، فالأمر يعتمد على ما تحتاج إلى أن تكون مطلعًا على تطوراته.
تعد تنبيهات جوجل بداية بسيطة للغاية لكنها ممتازة. يمكنك إعداد تنبيهات جوجل في ثوانٍ، وبعد ذلك سيرسل جوجل لك رسالة بريد إلكتروني تحتوي على «مرات ذكر» الكلمات المفتاحية إما «لحظة ذكرها»، أو يوميًّا، أو أسبوعيًّا (اقترح تلقي التنبيهات يوميًّا؛ لتحقيق توازن جيد؛ كي لا يتجمع لديك كمٌّ مرهق من التنبيهات؛ ولكيلا تصبح قديمة وقت وصولها إليك.)
إذا رغبت في التطبيقات الأعلى ثمنًا وجودة التي تقدم تصفيةً وتقارير أكثر تعقيدًا، فهناك تقنيات لمراقبة تفاعل الجمهور؛ مثل تلك المقدمة من قبل أصدقائي الشخصيين في شركة «براند ووتش» وغيرها الكثير. إذا كنت تعمل في إحدى المؤسسات، فمن المؤكد تقريبًا أن أحد الأشخاص في مكان ما في المؤسسة قد تعاقد مع إحدى تلك الشركات التي تقدم هذه الخدمة، اكتشف من يكون!
(٥) التوجهات
النشاط باختصار
ادعم أساليب أكثر مرونة لإنجاز المهام. يمكنك أن ترسل أحد مديري المشروعات المتحمسين (أو اذهب بنفسك) إلى إحدى دورات الإدارة المرنة للمشروعات، ثم ابدأ استخدام الأسلوب المرن في إدارة مشروعاتك.
تفاصيل النشاط
انشر فيمن حولك الوعي والحماس لأسلوب «التحسين الدائم» عند بدء أي خطوة جديدة؛ سواء كنت بصدد عملية جديدة من عمليات النفقات أو إعداد مادة تسويقية جديدة جذابة.
احتفِ بالفشل. تحدَّث عن إخفاقاتك الشخصية، ولا تُخفِها. إذا عانيت أحد الإخفاقات، فأخبر مديرك أنك تعتقد أن المؤسسة تحتاج إلى أن تكون أكثر دعمًا للفشل، وأنك سوف تبدأ في التحدث عن الفشل على نحو أكبر. شجع الإخفاقات في فريقك وكافئها. إذا كان لديك قدر كافٍ من الشجاعة، فأقم كنيسة للفشل! (انظر الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين).
(٦) التوظيف والطرد
النشاط باختصار
كن أكثر صرامةً عند اختيار الأشخاص المناسبين للمؤسسة وللرحلة التي تخوضها، وللنجاح في هذا الأمر تحتاج إلى زيادة المعايير المتعلقة بالأشخاص المناسب توظيفهم، وكذلك — على نحو ضروري — الأشخاص المناسب طردهم.
تفاصيل النشاط
الأمر بسيط لكنه سوف يستغرق وقتًا ليظهر تأثيره، حيث إن التوظيف والطرد لا يحدثان عادةً بين عشية وضحاها، لكن ما عليك فعله أولًا وأخيرًا في هذا الصدد هو زيادة مجموعة الأشخاص الموجودين في المؤسسة الذين يتقبلون التغيير. لذلك وظف الأشخاص الذين تبدو عليهم المرونة، ويستطيعون إثبات القدرة على إبدائها والترحيب بالتغيير والتطور. هؤلاء الأشخاص سيكونون أكثر استعدادًا لإظهار وعي ذاتي بعاداتهم وربما بالعادات التي غيروها. سيكونون متحمسين وشغوفين بالتغيير، والإمكانية، والتحدي.
الحقيقية العملية الأخرى هي أنه من أجل النجاح في ذلك سوف تحتاج أنت ومؤسستك إلى إبعاد الأشخاص الذين يرفضون تمامًا التغيير، ويقاومونه بشدة. ليس في صالحهم البقاء في مؤسسة تحث على التكيف وتتحرك سريعًا، ومن المؤكد أنه ليس في صالح كل شخص آخر يحاول فعل ذلك. قد تبدو كلمة «طرد»، في هذا الكتاب، غير مناسبة. قد تبدو قاسية قليلًا، وقديمة، وربما فَظَّة إلى حدٍّ ما. لكن كما يقول صديقي ويل موراي فإن هذا الجانب مهم للغاية: «الانفصال صعب التنفيذ. يجب أن تحاول التحسن فيه؛ فتعلم كيفية إبعاد الأشخاص عن المؤسسة أمر ضروري.»
إذا كان مستقبل المؤسسة يعتمد على قدرتها على التغيير (وهو كذلك في الأساس) فإن التوظيف والطرد ضروريان قطعًا لجعل أفضل مجموعة ممكنة من الأشخاص في المؤسسة يتكيفون مع أي مما يأتي به المستقبل، في كل من الوقت الراهن وعند حدوث تغيرات في السوق مع مرور الوقت.
(٧) المكافآت
النشاط باختصار
اجعل التغير والتطور جزءًا من وظيفة كل فرد، وكافئ الجهود المبذولة من أجل التغيير مكافأة مجزية.
تفاصيل النشاط
ضع ضمن دورك الوظيفي، وضمن أدوار الأشخاص الموجودين في فريقك أو في أنحاء المؤسسة، مسئوليات واضحة متعلقة بتغيير المؤسسة وتطويرها. إن الأمور الخاضعة للإدارة، تُنجز سريعًا، وعندما تجعل عناصر سرعة التغيير جزءًا واضحًا من وظائف الأشخاص، فإنك تحسن على نحو هائل احتمالية حدوث ذلك واقعيًّا. ومن ثم، فإن الحوافز والمكافآت حلفاء أقوياء يساعدون في تحول الفريق، أو الإدارة، أو مجموعة العاملين في شركتك الناشئة نحو ثقافة «إننا نتبنى التغيير».
احرص على أن تطلب من المرءوسين تضمين أمثلة على التغيير الإيجابي الذي أحرزوه على صعيد المؤسسة وعلى الصعيد الشخصي في تقييماتهم السنوية، واحرص على مكافأتهم على فعل ذلك، بطرق مالية وبطرق غير مالية. (في فريقنا لدينا درع للفوز يمرره الأقران من أحدهم إلى الآخر للاحتفال بالنجاح، الفكرة هي أن الأمر لا يتعلق فحسب بالتوصيفات الوظيفية، بل يمكنك إضفاء بعض المرح).
(٨) التغيير الشخصي
النشاط باختصار
فكر في كلمات غاندي: «كن أنت التغيير الذي تنشد أن تراه في العالم» والتحدي اللانهائي الذي تطرحه.
تفاصيل النشاط
لتحقيق ذلك فعلًا سوف تحتاج إلى زيادة سرعة تغييرك الشخصي. من أجل تبني التغيير شخصيًّا، ومن أجل أن تكون قدوة في التطور الشخصي من الضروري أن تتغلب على العادات والسلوكيات التي تقاوم التغيير، وأن تتحرك بمرونة في لحظة حدوث الكوارث أو الأحداث غير المتوقعة، وأن تتكيف معها، وأن تقبل فشلك وفشل الآخرين، ثم تحتفي به وبالدرس المستفاد الذي يجلبه. هل الأمر بهذه البساطة؟ كلا! إنه صعب للغاية، لكنه مجزٍ إلى أبعد الحدود. أيًّا كان المستوى الإداري الذي تعمل فيه، فلا بد أن تتفوق. يجب أن تكون أنت التغيير الذي تنشد أن تراه.
(٧) ملخص
في عالمٍ التغيير فيه مستمر، ومن الممكن أن يتزايد، فإن شركاتنا سوف تزدهر أو تتدهور اعتمادًا على مدى سرعة تكيفها. إن وسائل الإعلام وبيئة الاتصالات التي نحيا ونتشارك فيها جميعًا في الوقت الحاضر قريبة من الزمن الفعلي، فالأمور تحدث، والجميع يعرف عنها خلال فترة تأخير مدتها ٢٠ ثانية (وهذه الفترة تتناقص).
من أجل أن نزدهر، ونصل إلى الهدف العظيم الخاص بنا، ونحقق فارقًا في العالم، يجب أن نزيد من سرعة تغييرنا. وكأثر جانبي سوف نكتسب مزايا هائلة؛ إذ سوف نتحرك أسرع وأفضل من الآخرين، ومن ثم نحصد مكافآت. وعلى الصعيد الشخصي فإننا نصبح أكثر مرونة، وأكثر انفتاحًا، وأقل مقاومة للعالم من حولنا؛ ومن ثم نجني مكافآت. هيا نتحرك، الآن!
فيما يلي، سوف نتناول نقطة تحدثنا عن دورها بما يناسب السياق عندما تناولنا سرعة التغيير والانفتاح المؤسسي، ألا وهي دعم وتطوير المؤسسات التقدمية على نحو فعال لحمض نووي تكنولوجي.