الفصل الرابع
(حدوثه ليلًا في برية موعرة.)
(يظهر في الملعب مياه نهر جارية ومغارة مظلمة
وأشجار وغيرها مما يناسب المقام، ويصير حسب الاقتضاء برق ورعد وشتاء
وأرياح.)
الجزء الأول
(أسما)
أسما
(لنفسها)
:
تهتُ والقلبُ أسيرْ
لا يريد الْإنفكاكْ
يا ترى أنَّي أسير
من هنا أم من هناكْ
أين ألقى يا ترى
من رماني بالغرامْ
آه ما هذه الليلة المخيفة! آه يا سليم، أين عيناك تنظران
أسما تائهةً في القفار، تحت البروق والرعود والأمطار
مفتِّشةً عليك، آه مِنْ ظلمِكَ يا إسكندر، جُزِيتَ من ربي
بما جَنَيْت. (هنا يصير برق ورعد
وافر) ويلي! أين أسير وأين أروح وأين أمضي في
مثل هذا الليل المملوء بالمخاوف، وقد خارَتْ قوتي من
الكدِّ والتعب؟ (يصير برق
بكثرة) ما هذا؟ برق أيضًا! مغارة، يمكنني أن
أحتميَ فيها من المطر والريح، وعسى أن أنامَ قليلًا
فأرتاحَ من تعبي؛ لأُصبحَ في الغد وأسعى بالتفتيش على من
أحبَّتْهُ نفسي. (تدخل المغارة
بكل خوف، ثمَّ تسند رأسها على حجر هناك
فتنام) آه يا إسكندر يا ظالم! انظر إلى أين
أوصلني بَغْيُكَ، بنت ضعيفة تتيه في القفار ليلًا في أرض
لا إِنْسَ فيها ولا ماشية سوى الوحوش الضارية، أيُقاسي
أحدٌ ما أُقاسيه؛ أنادي ولا سميع، وأستغيث ولا مجير، حفيف
الشجر يملأ قلبي رُعبًا، ووميض البروق ترتعد منه فرائصي،
ولكن لا بأس، كله هيِّنٌ إذا التقَيْتُ حبيبي (تنام).
الجزء الثاني
(أسما (في المغارة) – إسكندر)
إسكندر
(لنفسه)
:
فكم من جراء داهمتني مصائبُ
وذُقْتُ عذابًا ما تعوَّدْتُ
ذوقَهُ
أثارَ على رأسي الهمومَ عنادُه
وأَضْرَمَ في قلبي المتيَّمِ
شوقَهُ
فلا عِشْتُ إنْ لم أجعلِ الأرْضَ
تَحْتَهُ
تَمِيدُ وتَرْتَجُّ السمواتُ
فوقَهُ
تالله لَأقتلنَّكَ يا سليم شر قِتْلة، ولَأجلعنَّكَ
عِبْرَةً للبشر. كيف هذا؟ أن ابن ملك قدير، ويعصيني صعلوك
فقير، ولا أتمكَّن من الحصول على أربي، لا لا، الموت ولا
الرجوع عن عزمي، فلن أزال بالتفتيش عليه حتى ألقاه، فأصبغ
بدمه حُسَامي، وبعد ذلك آخذ أسما حين ألتقيها، آه يا أسما،
كم يكلِّفني حبُّكِ من العذاب والأتعاب. ابن ملك يُشرَّد
في البراري والغابات عادمًا قراره ويسعى بطلبكِ. آه من
العشق فإنه يعمي البصر.
كلُّ بُغْيَتِي أسما
غاية المرام
هاج حسنُها الأسمى
عندي الغرام
يا أميرة الغزلان
أنعمي على الولهان
بالرضا وبالإحسان
واقصري العناد
(يسمع ضجة) ما هذا؟
يا ربي ما هذه المخاوف؟! يلزم أن أختبئ بين الشجر لبعد
مرور هذه الجماعة (يختبئ).
الجزء الثالث
(أسما (في المغارة) – إسكندر (مختبئ) – مقدام
عساكر – عساكر)
مقدام وعساكر
:
إِنْ قدَّر الله أنَّا
نلقاهمُ عن قريبِ
فزنا كما نتمنَّى
بنيل خير النصيبِ
مقدام
(للعساكر)
:
أي نعم أيها الأبطال، إذا انتصرْنَا على أولئك اللصوص
الأشقياء، نِلْنا خير الجزاء، كما صدرَتْ بذلك إرادةُ
الملك، وإذا قد علمنا بعد البحث أن مقرَّهم في هذه
الغابات، فعلينا ألَّا نبرحَها حتى نلتقيَهم ونُوقِعَ بهم
ونأخذَهم أمام الملك، وهناك ننال المكافأة الوافية،
فاستعدُّوا لقتالهم وأبشروا بالفوز والظفر.
تَهَيَّئُوا للقتالِ
واستبشروا بالنجاحِ
(ويذهبون.)
الجزء الرابع
(أسما (في المغارة) – إسكندر)
إسكندر
(بذاته)
:
أشكر الله؛ لم يشعروا بوجودي، ولولا ذلك لكنتُ معهم في
خطرٍ عظيم؛ لأنهم لا يعرفونني، الظاهر أنهم العساكر الذين
خرجوا بقصد القبض على اللصوص، ومن التوفيق أنه ما رأوني،
فيلزم الآن أن أتوجَّهَ من الجهة التي وفدوا منها، وأسعى
بالتفتيش على غريمي عسى ألتقيه ويتم مأربي. آه لو لم أعرف
أسما بزماني لما كنت أُقاسي ما أُقاسيه.
حبُّ أسما قد دعاني
أركب الأخطارْ
وغدا قلبي يعاني
أعظمَ الأكدارْ
ليتَ لا كان غرامي
ليته لا كانْ
الجزء الخامس
(أسما (في المغارة) – سليم (يظهر عادم
الرشد))
سليم
(لنفسه)
:
اهرُبِي يا سباعَ هذي القفارِ
وارْهبي سَطْوَتِي وعِظْمَ
اقتداري
لم أَعُدْ بَعْدَ فَقْدِ أسما
حَنونًا
فحَذَارِ الدنو منِّي
حَذَارِ
كنت من قبل ذا حنوٍّ شَفوقًا
صيَّرُوني أقسى من
الأحجارِ
ظلموني وما أتيتُ بذنب
فأثاروا فيَّ شرار النارِ
قتلوا مَنْ أحبُّ ظُلمًا
وبغيًا
قتلوا أسما زينة الأبكارِ
قتلوا مَنْ مِنْ بعدها ضقتُ
ذرعًا
ووهى الصبر إذ عدمتُ
قراري
فحذارِ لقايَ بَعْدَ جنوني
وارهبي الموتَ واركني
للفرارِ
آه من ظلمك يا إسكندر! أي وحش مفترس تجرَّأ عليكِ يا
أسما، وأية يد ظالمة مُدَّتْ إليكِ؟ آه يا أسما، لم يَعُدْ
لي بعدَكِ إلا النوح والبكاء حتى الممات.
بعد الحبيبِ ما لي
سوى فرط النحيبِ
والنوح قد حلا لي
وصار من نصيبي
قد فضلت ودادي
حتى على الحياةِ
آه ثمَّ آه يا أسما، ليتني كنت فداءً عنك، ولكن فات
الفوت، فلم تَعُدْ تنفع ليت، آه، هنيئًا لكِ قد ارتحتِ من
العذاب. عيناكِ يا أسما تنظرانِ محبَّكِ هائمًا في البراري
والقِفار عادِمًا قراره، وكأنه أصيب بالجنون، معرِّضًا
نفسه إلى الأخطار، مفضِّلًا الموت على الحياة، منتظِرًا أن
يهلك جوعًا، راغبًا في أن يقاسيَ أشدَّ العذابات التي
يستحقها؛ حيث لولاها لكنت الآن في الحياة متأهِّلة بابن
ملكٍ خطير، آه أنا السبب في هلاكك، آه يا موت، عجِّل يا
موت، آه مَنْ لي بموت فلم يعد لي بعد أسما في الحياة مطمع
(يذهب).
الجزء السادس
(أسما (في المغارة) – لصوص (بيد واحد منهم
قنديل))
لصوص
:
هو ذا منزلنا حيث الأمانْ
فادخلوه وَأْمَنُوا غَدْرَ
الزمانْ
أرضنا قَفْرَاءُ لا يطرقها
أحدٌ إلَّا ويبلى
بالهوانْ
هو ذا مرقدُنَا حتى الصباحْ
فادخلوا قد حان حين
الارتياحْ
ادخلوا ولننتظر مقدامنا
اسمعوا، صوتٌ قريبٌ وصياحْ
٦
(يسمعون صياحًا بعيدًا فيخرجون
ويتفرَّقون.)
الجزء السابع
(أسما (في المغارة) – مقدام اللصوص –
إسكندر)
(مقدام اللصوص وإسكندر يدخلان الملعب وهما
يتضاربان بالسيف.)
إسكندر
:
ويلك من تكون يا جبان؟
مقدام
:
أنت الجبان يا مُهان.
إسكندر
:
والله لأقسمنك شطرين.
مقدام
:
دعاكَ الجهل في الخطر المبينِ
فذُقْ من صارمي غصص
المنونِ
إليكَ من المجرِّبِ ضربَ سيفٍ
يشيب لهوله رأسه الجنينِ
(ويتضاربان.)
إسكندر
:
خسئت، فأين أنت وأين مثلي
وأين الكلب من ليث
العرينِ
سيسقيك الردى ليثٌ جَسورٌ
تنادي منه يا أمي ارحميني
(يتضاربان بشدة.)
مقدام
:
رماكَ جهلُكَ عمدًا
في بلوةٍ مدلهمَّه
مهلًا لتعرفَ قدري
ما كل بيضاء شحمَهْ
إسكندر
:
جهلتَ أي همام
تلقى ولم تخشَ عزمَه
مهلًا لتعرف قدري
ما كل حمراء لحمَه
مقدام
:
خسئت يا ذليل! (يتقابضان
بالأيدي كأن السيوف قد تكسَّرت بأيديهما)
وسأعرِّفك قدرك عن قليل.
إسكندر
:
ثكلتك أمك يا ذميم، فأين ذو الورم الغث من
السمين.
مقدام
:
دونك يا جبان من يُعرِّفك قدرك بين الفرسان.
(مقدام اللصوص يسطو على إسكندر ويطرحه
على الأرض.)
الجزء الثامن
(أسما (في المغارة) – مقدام اللصوص – إسكندر –
لصوص)
(اللصوص يدخلون قائلين بعضهم لبعض.)
اللصوص
:
هنا هنا.
مقدام
:
قيِّدوا هذا الكلبَ بالحبال، وأدخلوه المغارة بالحال،
فقد لقيته في هذه النواحي، ولا بأس من اغتنام سلاحه
ولباسه، فبادروه.
(تربط اللصوص إسكندر بالحبال.)
إسكندر
:
منك الأمان يا سيد الفرسان.
(بعد أن يُربط إسكندر بالحبال يدخلونه
المغارة، ومقدامهم أمامهم وبيد واحد منهم قنديل.)
أسما
(تستفيق من نومها مرعوبة)
:
آه يا ربي، ما هذه البلبلة!
مقدام
:
من تُرى هنا؟
قرِّبوا النور، قرِّبوا النور.
أسما
(لنفسها)
:
آه ما هذا!
إسكندر
:
أسما (صارِخًا بأعلى صوته بعد أن يتحقَّقها على
النور) أنتِ هنا؟
مقدام
(لنفسه، ينظر إلى أسما)
:
أسما، آه ما هذا الجمال!
أسما
(لنفسها)
:
أين أنا، ما هذا الذي أراه؟
مقدام
:
اسمعوا اسمعوا، أنا سامع حركة ليست ببعيدة، اذهبوا حالًا
إلى جهة الشمال وارصدوا الطرق.
(تذهب اللصوص.)
إسكندر
:
الأمان أيها البطل العظيم.
مقدام
:
من تكونين أيتها السيدة البديعة؟
أسما
(لنفسها)
:
آه! أين أنا! أين أنا!
مقدام
:
لا، لا ترتعبي، لا تخافي.
(يدخل سليم متسمِّعًا.)
الجزء التاسع
(أسما – إسكندر – مقدام اللصوص (في المغارة) –
سليم (متسمِّعًا))
سليم
(لنفسه)
:
ما هذه الحركة؟ (يُصغي
متسمِّعًا.)
أسما
:
أين أنت يا سليم؟ يا حبيبي سليم، عيناكَ تنظرانِ أسما
على هذه الحال.
سليم
(صارخًا بأعلى صوته)
:
أسما، لبيكِ يا أسما، ها أنا ذا.
مقدام
(لنفسه)
:
من هنا؟ (يخرج من المغارة
ويتضارب مع سليم بالسيف.)
مقدام
:
ويلك من تكون يا قرنان؟
سليم
:
أنا راعيها وحاميها، أنا سيد الفرسان.
إسكندر
:
آه يا سليم، خلصنا وسامحني فقد صرت ندمان.
أسما
:
آه يا سليم، خلصني.
سليم
:
أبشري لبيكِ يا أسما فقدْ
آنَ آنُ الفوز إذ جاء
الفتى
يا مهاةَ الحيِّ جاء الليث يا
ظبيةَ القنَّاص راعيكِ
أتى
مقدام
:
غرَّتْكَ نفسكَ فيما أنت آمله
ودون ذلك أهوال بها عبرُ
وحدثتك مُحالًا فاغتررتَ بها
ما أنت أول سارٍ غَرَّهُ
قمرُ
أسما
:
عين الله ترعاك يا سليم ويده تقويك.
سليم
:
ألا لبيكِ يا أسما فإني
أجيب نداكِ في قرب وبعدِ
فكوني في أمانٍ حيث إني
أحبكِ يا ظلوم وأنت عندي
(يتضاربان بشدة.)
مقدام
:
خلِّ الغرور فأسما في مقامي
قدْ
حلَّت وحتى بموتي لست
أتركُها
أملتَ ما ليس يرجى فاقتصر
طمعًا
هيهات جئت إلى دفلى
تحرِّكها
سليم
:
كذبت يا مهان، فوالله لآخذنَّها قهرًا، وأخلِّصها ولو
كانت بين أنياب السباع (يتقابضان
بالأيدي كأن السيوف قد تكسَّرت).
مقدام
:
خسئت يا قرنان، وذقت الذل والهوان.
سليم
:
ثكلتك أمك يا جبان. (يسطو على
مقدام اللصوص ويلقيه إلى الأرض قائِلًا)
لعينيكِ يا أسما.
مقدام
(يصيح بأعلى صوته)
:
خلِّصوني، أسرعوا، خلِّصوني.
سليم
:
اخرس يا مُهان. (سليم يقيِّد
مقدام اللصوص كأسير) هذا جزاء الغادرين
الأنذال.
إسكندر
(لنفسه)
:
ويلي، أخاف من أن يصل الدور إليَّ.
مقدام
:
خلِّصوني، أسرعوا ويلكم.
سليم
:
اخرس، فلم يعد لك خلاص من يدي (تبتدئ اللصوص بالغناء الآتي قبل ظهورهم في
الملعب).
الجزء العاشر
(أسما – إسكندر (مكتوف) – مقدام اللصوص (مكتوف) –
سليم – لصوص)
لصوص
(لنفسهم قبل ظهورهم)
:
يا تُرى ماذا نلاقي
بعد ذياك الصياحْ
(قنديل بيد واحد منهم.)
مقدام
:
خلِّصوني يا رفاقي
أدركوه بالسلاح
قيِّدوه بوثاقٍ
أثخنوه بالجراحْ
أسما
:
بلغت روحي التراقي
وحلا لي الإفتضاحْ
إسكندر
(لنفسه)
:
(اللصوص يهجمون على سليم فيدافع قليلًا
وأسمى يُغشى عليها.)
لصوص
:
أيها المغرور مهلًا
دستَ أرضًا لا تُداسْ
زدت بالتفريطِ جهلًا
وتعدَّيت القياسْ
(يقيدون سليمًا بالحبال.)
الجزء الحادي عشر
(أسما (مغشيًّا عليها) – إسكندر (مكتوف في
المغارة) – سليم – مقدام اللصوص (مكتوفان) – لصوص – مقدام
عساكر)
(يظهر مقدام العساكر أوَّلًا، ويخاطب العسكر
خارج الملعب بالغناء الآتي، فتدخل العساكر ويتضاربون مع اللصوص،
يوجِّه خطابه إلى خارج المرسح.)
مقدام
:
ها هنا القوم هلموا
هاجموهم أسرعوا
عسكر
:
سَعْدُنا الآن يتمُّ
بَأْسُنا لا يُدفعُ
مقدام عسكر
(للصوص)
:
أيها الأنذال أمُّوا
بالبقا لا تطمعوا
ستلاقون رجالًا
دونهم أُسْدُ الدِّحالْ
وتذوقون وبالًا
وعذابًا ونكالْ
(يسطو العسكر على اللصوص ويبتدئون
بتكتيفهم قائلين):
مقدام عسكر
(للصوص)
:
كم قتلتُمْ من نفوس
وارتكبْتُم من ذنوبْ
كم نهبتُمْ من نفيسٍ
وجلبتُمْ من عيوبْ
فاستعدوا للبُئوس
عن قريب والكروبْ
أيها العاتون أهلًا
خفتمُ شرَّ العقابْ
زدتمُ بغيًا وجهلًا
فاستعدُّوا للعذابْ
مقدام العسكر
(مشيرًا إلى المغارة)
:
ذا خِبَاهُمْ فادخلوهُ
وخذوا ما يوجدُ
باعتناء فتِّشوهُ
تجدوا ما نقصدُ
كلُّ ما فيه خذوه
بادِروا واجتهدُوا
(العساكر تدخل المغارة بعد أن يكونوا
قيَّدوا الجميع بالحبال، ويُخرجون من المغارة ما فيها من
تحف وأموال، ثمَّ يُخرجون إسكندر مكتوفًا وأسما مغشيًّا
عليها.)
مقدام
:
قيِّدُوا الكل وسيروا
واغنموا نيل الوعودْ