حقيقة الأطباق الطائرة!
هزت «إلهام» رأسها في ذهول وهي تقول: إنني لا أفهم … كيف يمكن أن يكون هذا المخلوق مجرد إنسان آلي؟
وَمَضَتْ عينا «فهد» وهو يقول: إن هذا يعني أشياء كثيرة.
تساءلت «ريما»: هل يمكن أن يكون صاحب ذلك الصوت آليًّا هو الآخر؟
ضاقت عينا «أحمد» وأجاب: لا أظن، يبدو أنَّ الأمر له وجه آخَر.
عثمان: ماذا تقصد يا «أحمد»؟
وقبل أن يُجيب «أحمد» جاء الصوتُ البارد العميق يقول: يبدو أن الأمور تطوَّرَتْ في غير ما نرغب باكتشافكم الجديد.
صاح «مصباح» في الصوت: لقد خدعتنا، ليس هناك شيء اسمه مخلوقات «الكاوكي»، مَن أنتم؟ وما هي حقيقتكم؟
أجاب الصوت: من رأيي عقد اتفاق خاص لم ينعم به أحد من قبل، إنَّ كلَّ مَن خطَّتْ قدماه هذا المكان كان مصيره النهائي هو الموت، أمَّا أنا فأعرض عليكم الحياة.
تساءل «فهد»: والثمن؟ لا بد أن هناك ثمنًا تطلبه.
الصوت: من الأفضل أن يكون حوارنا بصورة هادئة، تستطيعون اختيار واحد منكم ليمثلكم أمامي.
أحمد: إنني مستعد لذلك تمامًا.
الصوت: هذا حسن، سوف يدخل الآليون لتنظيف المكان من بقايا المعركة، وأرجو أن تكونوا هادئِينَ هذه المرة، وإلا فلن يكون هناك مجال لاتفاقنا.
تشاور الشياطين هذه المرة بعيونهم، كانوا قد حقَّقوا حتى هذه اللحظة نصرًا صغيرًا.
ولكنهم لم ينسوا حقيقة وضعهم السيئ داخل قلعة عملية أشبه بالسجن في جبال الجليد بالقطب الشمالي، وهم يجهلون تمامًا مَن يسيطر عليها؟ ولا ما هو هدفه؟
وانفتح الباب بعد لحظات، وأقبل بعض الآليِّينَ، حملوا زملاءهم المصابِينَ، وأخيرًا تقدَّم أحدهم نحو «أحمد» وهو يُشير إليه أن يتبعه.
وتحرك «أحمد» خارجًا من الحجرة، وصوت «إلهام» يتبعه قائلًا: حاذِرْ يا «أحمد».
أحمد: لا تخشي شيئًا.
وسار «أحمد» خلف الآلي فقاده إلى ردهة طويلة، ثم غادر المبنى، وسارا قليلًا جهة اليسار، وعلى بُعد مسافة بسيطة ظهر بعض الآليِّينَ يقفون أمام نقطة حراسة، وهم يفتِّشُون الآليِّينَ الآخَرِينَ الذين يَعْبرون نقطة الحراسة؛ مما دفع «أحمد» بأن يُفكر أنَّ خلف ذلك المكان تقع منطقة هامة.
ثم قاد الرَّجل الآلي «أحمد» إلى قاعة واسعة فاخرة الأثاث كأنها قاعة أحد القصور.
وجاء الصوت يقول: تفضل بالجلوس.
أحمد: لا أظن أننا سنظل نتعامل من وراء ستار ما دمنا قد قررنا الاتفاق.
الصوت: ماذا تقصد؟
أحمد: لا بد أن تظهر وأراك، هذا هو شرطي للاتفاق.
الصوت: ليس لك أن تضع الشروط، أنت هنا الجانب الأضعف.
رد «أحمد»: لو كان ذلك صحيحًا ما سعَيْتَ أنت إلى الاتفاق معنا، إنك بحاجة مُلِحَّة إلينا، وإلا لكنتَ قد تخلَّصْتَ منا منذ وقت.
ومضت لحظةُ صمتٍ، وقال الصوت: إنك تبدو واثقًا من نفسك.
بهدوء أجابه «أحمد»: لن نخسر أكثر مما خسرنا، إنك تريد شيئًا خاصًّا منا، ما هو؟
الصوت: إن هناك سؤالًا أود طرحه عليكم أولًا؛ لأن إجابته تهمني جدًّا، خاصة بعد تلك المعركة التي جَرَتْ بينكم وبين رجالي الآليِّينَ، تُرى ما هو مدى معلوماتكم واستنتاجاتكم عنا؟
تلاعبت ابتسامة على شفتي «أحمد» وقال: وإذا رفضت الإجابة أنا وزملائي؟
جاء الصوت البارد عميقًا مخيفًا يقول: في هذه الحالة فلن يكون أمامي غير خيار واحد، أن أمحوكم من الوجود.
ولمَعَتْ عينا «أحمد» ببريق الانتصار؛ كانت هذه هي الإجابة الوحيدة التي يتمناها من صاحب الصوت الخفي، والتي كانت تعني شيئًا هامًّا … وهو أن هذه المخلوقات التي يتعامل معها لا تملك من الأجهزة ما تقرأ به عقولهم وذاكرتهم، وإلا لاستخدمتها في الحصول على إجابة أسئلتهم بدون التهديد بالقتل، وكان هناك استنتاج أهم قد توصل إليه عقل «أحمد» في نفس اللحظة … أهم استنتاج على الإطلاق، وهو يكشف الكثير من أسرار ما يدور حوله.
وبهدوء قال «أحمد»: لم يعُد الأمر يحتمل مزيدًا من الغموض، إن اللعبة بارعة حقًّا، والتمويه فيها رائع، وكل تلك الأشياء توحي بشيء خيالي، ولكن الحقيقة ظاهرة وواضحة، بالرغم من كل شيء.
في ريبة وشيء من الشك سأله الصوت: أي حقيقة تقصد؟
أحمد: حقيقتكم، حقيقة الأطباق الطائرة، والمخلوقات الفضائية، كان تمويهًا رائعًا، وأشهد لكم بالبراعة، ولكن من المؤكد أننا نتعامل مع مجموعة من البشر، سكان أرضنا، وليس مع مخلوقات فضائية أو أي شيء آخَر.
وسادت لحظةٌ طويلة من الصمت المتوتِّر، وأحسَّ «أحمد» بثقة متزايدة، وتلاعبت على شفتَيْه ابتسامة ساخرة، وهو يتخيل صاحب الصوت وقد أصابته صدمة غير متوقعة، وأخيرًا جاء الصوت وصاحبه يبذل أقصى مجهود للتحكم في نبراته، وتساءل: وكيف أمكنك استنتاج ذلك؟
قال «أحمد» بثقة: لا أنكر أن الاستنتاج جاء متأخرًا بسبب ما أحطتم به عملكم من غموض وخيال، خدعتم به حتى الدول العظمى … لقد بدأ شكي عندما ظهر أن مخلوقاتكم ليست سوى ماكينات آلية … وتلك الرواية الكاذبة عن مخلوقات «الكاوكي» والمخلوقات الأخرى ذات السيادة فوق كوكبكم … لا بد أن مَن فكَّر في تلك الأشياء صاحب خيال خصب، ومُغرَم بأفلام الخيال العلمي، أيضًا فذلك الطعام الطازج والمتنوع الذي أحضرتموه لنا بسرعة إنه يكشف جانبًا آخَر من الحقيقة لمَن ينظر إليه على الوجهة الصحيحة، فما دُمتم مُجرَّد مخلوقات فضائية من كوكب آخَر، فلا بد أن يكون لكم نوع آخَر من الطعام، وحيث إنه من المفترض أنه لا يوجد بشر في هذا المكان، ولذلك كان من الطبيعي ألا يكون هنا طعام أرضي أيضًا، أما وجود كل أصناف الطعام وبتلك الوفرة، فهذا يعني أن هناك الكثير من البشر يعيشون في هذا المكان، وهم أصحابه والمسيطرون عليه، وبالتالي تنهدم نظرية أن صاحب هذا المكان والأطباق الطائرة هم مخلوقات جاءت من كوكب آخَر لسبب مجهول.
الصوت: رائع … تحليل واستنتاج منطقي، وماذا أيضًا؟
أحمد: لا بد أنكم استغللتم تلك القصة عن المخلوقات الفضائية التي نقلت سكان «الإسكيمو» من الجنوب للشمال، ومن هنا كان اختياركم للقطب الشمالي للاختفاء، ولإحياء تلك الحكايات القديمة، والتي لا بد وأن الكثيرين سيُصدِّقُون أنكم من سلالة هؤلاء الأجداد الذين نقلوا سكان «الإسكيمو» لمكانهم الحالي، ومن ثَمَّ تترسخ في الأذهان أسطورة أنكم مخلوقات فضائية، ولزيادة التأكيد ذهبتم تُلْقون إلى سكان «الإسكيمو» بالهدايا والطعام والملابس، تأكيدًا لذلك، ومن هنا بدأ الأطفال يتغنون بعودة الأجداد من المخلوقات الفضائية، أمَّا مَن حاول اكتشاف حقيقتكم وشكَّ فيكم فكان مصيره الموت.
صمتَ «أحمد»، فقال الصوت: إنني أُعجَبُ كلَّ لحظة بذكائك.
أحمد: وستُعجَبُ أكثر عندما تعرف بقية ما عندي، لقد قمتم — كبدايةٍ — بالتحرُّش ببعض الطائرات الأمريكية والروسية والإنجليزية، وإسقاطها بفضل أسلحتكم الإشعاعية المتطورة، وكنتم تهدفون من ذلك ألا تعترضكم هذه القوات بعد ذلك في حالة ظهوركم، وهو ما حدث بالفعل، وبعدها قمتم بسرقة القنابل النووية الفرنسية، وأعتقد أنكم كنتم تريدونها لتهديد سكان الأرض فيما بعد، عندما تحين اللحظة المناسبة، أما اختطاف الراديوم المُخصَّب، والعالِم النووي الهندي، فكان من أجل مفاعلكم النووي، فلا بد أن هذا المكان يحتوي على مفاعل نووي كبير تحصلون بواسطته على الطاقة التي تقوم بتشغيل الآلات والأطباق الطائرة، والآليِّينَ، وأيضًا الطاقة التي تتمكنون بواسطتها من تدفئة هذا المكان الجليدي، والعيش في قلب جبال الجليد، ولا بد أنكم تملكون إمكانيات علمية رائعة مكَّنتكم من إقامة هذه القلعة العلمية في قلب الجليد، حتى لا يستطيع أي إنسان الوصول إليكم، أمَّا التكاليف، فبرغم أنَّها باهظة فمن السهل الحصول عليها كما فعلتم عندما سرقتم الذهب من البنك السويسري.
ساد الصمت طويلًا بعد كلمات «أحمد»، ووضح أن صاحب الصوت لم يكن يتوقع كل تلك المعلومات والاستنتاجات، التي أدلى بها «أحمد»، وكان هذا ما قصده «أحمد» بسبب الاستنتاجات الصحيحة التي أخبر بها صاحب الصوت، أن يدفعه للاضطراب والارتباك، فلا شك أن ذلك سيكون في صالح الشياطين.
وبصوتٍ متجهم قارص البرودة جاء الصوت يقول: هل لديك شيء آخَر؟
بهدوء أجاب «أحمد»: إن الباقي الذي أعرفه أحتفظ به لنفسي.
قال الصوت: أنت على حق في كل ما ذكرته، ليس هناك شيء خاطئ فيما قلت؛ لقد أنفقنا سنوات طويلة في إقامة هذا المكان بقلب جبال الجليد لهدف خاص، وكان لدينا من الإمكانيات العلمية ما يؤهلنا لذلك، وها قد اكتمل عملنا وحان أوان قطف الثمار، سوف يكون العالم كله خاضعًا تحت أقدامنا يومًا ما، ولكن تلك اللحظة لم تَحِنْ بعدُ، وسوف يأتي أوانها قريبًا، ومن أجل ذلك كان الإبقاء على حياتكم إلى هذه اللحظة بالرغم من كل ما تعرفونه عنا.
أحمد: سوف تكون مُخْطئًا إذا تخيَّلْتَ للحظةٍ أننا سنمد إليكم يد المساعدة في عملكم.
الصوت: إذا لم تفعلوا بإرادتكم فستفعلون ما نريد رغمًا عنكم، وفي النهاية سوف نحصل على أهدافنا كلها، إن أحلامنا واسعة ولا نهاية لها، وقد قُمنا بتحقيق نصفها، والنصف الآخَر يبدأ منكم أنتم، لقد انتظرنا طويلًا أن تحاول أية جهة من العالم اكتشاف موقعنا وحقيقتنا، ولذلك كنا نعرف مهمتكم منذ بدايتها، ومنذ أول لحظة لوصولكم أرض «الإسكيمو» وأنتم تحت رقابتنا، وقُمنا باختبار شجاعتكم؛ فأحرقنا كلاب الهسكي، ولكنكم لم تتراجعوا بل واصلتم تقدُّمكم، لقد كنا نقوم بمثل هذا الاختبار على الكثيرين ممَّن حاولوا مطاردتنا واكتشاف حقيقتنا، فكانوا يسرعون بالهرب عند أول مواجهة، وتكون نتيجة هروبهم هو حكمهم على أنفسهم بالموت، أما أنتم فلم تهربوا، وهذا يدل على شجاعة فائقة، وهذا ما نحتاجه تمامًا، أفراد لديهم شجاعة فائقة، ولا يهابون أي خطر، ومن هنا كان إبقاؤنا على حياتكم، خاصةً وأنَّ لدينا بعض المعلومات عنكم، وعن نشاطكم ومُنظَّمتكم الرائعة، والمغامرات الهائلة التي خضتموها، والعصابات والمُنظَّمات التي محوتموها من الوجود.
أحمد: ما دمنا قد كشفَ كلٌّ منا أوراقه للآخَر، فلماذا نظل نتواجه من وراء جدار؟ ما الذي تخشونه من إظهار أنفسكم؟
الصوت: إنك على حق بالفعل، لم يَعُدْ هناك ما يخشى أحد الطرفَينِ من إخفائه، سوف أكشف عن مفاجأتي الأخيرة.
وساد الصمت بعد كلمات صاحب الصوت … وسمع «أحمد» صوت خطوات تقترب من بعيد، وضاقت عينا «أحمد» وهو يتساءل بما يعنيه ذلك الرجل الخفي بمفاجأته الأخيرة، وتوقفت الخطوات على مسافة قريبة، وتحرَّك جدار صغير على يسار «أحمد» فكشف عما وراءه، واتسعت عينا «أحمد» بدهشة لا حد لها، عندما وقعَتْ عيناه على «نانو» الذي ارتسمَتْ فوق شفتَيهِ ابتسامة واسعة!