معركة مع الآليِّينَ
اندفع الآليُّونَ الثلاثة نحو «أحمد» الذي بُوغِتَ بالمفاجأة، ولكن أصابع أيدي الآليِّينَ الحادة مثل سنونِ السكاكين، جعلته يُفِيقُ من دهشته سريعًا ويستعد للقتال.
وكان طول الآليِّ الواحد يصل إلى أكثر من مترَينِ، ويبدو أنهم مُبرمَجِينَ لمهمة واحدة خاصة، القتل، واندفع أول رجل آلي نحو «أحمد»؛ فقفز «أحمد» إلى اليسار، ونظر بعينَيهِ محاولًا العثور على شيء يتسلَّح به ضد الآليِّينَ الثلاثة، ولكن لم تكن بالقاعة غير المقاعد الوثيرة والأرائك، وكانت كل الأبواب مُغلَقة، ويستحيل النفاذ أو الهرب منها.
كان الأمر أشبه بمصيدة قاتلة، وضحك «نانو» ضحكة عالية، واتسعَتْ عيناه ببريق دموي حاد، واقترب الآليون الثلاثة معًا على شكل نصف دائرة، وأحَسَّ «أحمد» بالحصار يضيق عليه، وتناول أقرب الأشياء إليه، وقذف بها الآليِّينَ، ولكن الأريكة الكبيرة تناثرَتْ إلى حطام وشظايا عندما مَسَّتها أصابع الآليِّينَ.
واستجمع «أحمد» كلَّ قوته وقفز في الهواء، وبقوةٍ سدَّد ضربة شديدة إلى الرجل الآليِّ الأول، ولكنَّ الآلي لم يهتز، ووقف ثابتًا كأنه جبل من المعدن، وامتدَّتْ يداه لتقبض على ساق «أحمد».
وأحس «أحمد» بالألم يكاد يعتصر ساقه عندما أطبق عليها الآليُّ بأصابعه، وشعر كأنها ستنفصل في يده، وكان على «أحمد» أن يعمل بسرعة البرق، فلمح طاقة صغيرة على شكل مربع في صدر الآلي كانت تبدو كما لو كانت مركز التحكُّم فيه، وبكل عنفٍ وجَّه «أحمد» ضربة هائلة إلى المربع المعدني في صدر الآلي، وأحس «أحمد» كأن قبضته أصابت قضيبًا من المعدن، ولكنه في نفس اللحظة انفجرَ شيء بداخل الآلي، وانبعث منه شرر معدني، وأفلت «أحمد» من أصابعه، ثم تهاوى على الأرض بلا حراك.
والتقط «أحمد» أنفاسه، وقبل أن يُفكر في شيء ما، كان الآليُّ الثاني قد حمله فوق ذراعَيْه بشدة، وتأهب ليُلقِيَه نحو الحائط.
وأحسَّ «أحمد» أنها النِّهاية، وأغمضَ عينَيهِ من شدة الألم الذي شعر به بسرعةٍ كالنار في ذراعه وساقه، التي قبض عليها الآليُّ العملاق بأصابعه القاسية.
وصاح «نانو» بصوت رهيب: سوف تنال عقابك الآن جزاء إهانتك لي، فلا أحد يخطئ في حق «نانو» ويعيش طويلًا، هيا أيها الآلي، اقتل هذا البشري … وتأهَّبَ الآليُّ لقذف «أحمد» نحو الحائط بكل قوته، على حين استعد الآخَر للإجهاز عليه.
ولكن فجأةً، توقف كل شيء عندما دوَّى صوت مُباغِت يقول: أيها الآلِيَّان، لا تقتلا البشري واتركاه حيًّا.
لم يصدق «أحمد» أذنَيْه عندما سمع الصوت، وظنَّ أنه يحلم أو يتوهم، ولكن الآلي الذي كان يحمله أنزله في رفق إلى الأرض بعد أن خفَّفَ قبضته عنه، ووقف الآليان في صمت كأنهما ينتظران مزيدًا من الأوامر، على حين تقلَّص وجه «نانو» بغضب قاتل، وصاح في الصوت: لا يحق لك إصدار الأوامر هنا، إنني الرئيس، هيا أيها الآليان اقتلا هذا البشري، ولكنَّ الآليَّينِ لم يتحركا، وعندما جاءهما الأمر من الصوت الآخَر بأن يغادرا المكان، سارا باتجاه بابٍ في الركن، انفتح ليمرَّا منه.
انتفض «نانو» غاضبًا وقال: حسنًا، سأقوم أنا بالمهمة.
وانتزع من حزامه مسدسًا إشعاعيًّا صوَّبه إلى «أحمد»، ولكنَّ «أحمد» لم ينتظر هذه المرة فقد كان يمتلئ غضبًا.
قفز «أحمد» بعيدًا عن مسار الطلقة الإشعاعية التي أصابت مقعدًا خلفه؛ فحوَّلَتْه إلى كتلة من الجحيم المشتعل، وبقفزة أخرى طار «أحمد» نحو «نانو» وضربَهُ ضربة هائلة أطاحَتْ بالمسدس الإشعاعي، وألقَتْ به بعيدًا، وقبل أن يُفِيق «نانو» أصابته ضربة قوية جعلَتْه ينحني، وقد تقلَّص وجهه من الألم، وبضربة أخرى قوية اندفع إلى الخلف، وسقط على مسافة مترَينِ بلا حراك.
واندفع «أحمد» نحو المسدس الإشعاعي، ولكن … وقبل أن يلتقطه، جاء الصوت الآخَر المجهول يقول: لا داعيَ للعنف، من الأفضل لك تنفيذ أوامرنا.
توقف «أحمد» لحظةً وهو يفكر فيما يفعله، واندفع إلى القاعة ستة آليِّينَ شاهرِينَ مسدساتهم الإشعاعية نحو «أحمد» فجمد في مكانه صامتًا.
وقال الصوت: سوف تسير الأمورُ كما كان مُخطَّطًا لها، ستتم عملية الغسيل الآلي خلال ساعات، وأرجو أن تستعدوا لها جميعًا، الآن ستعود إلى زنزانتك.
تحرك «أحمد» خارجًا من القاعة، وقد أحاط به الآليون، وعادوا به إلى زنزانة الشياطين الذين ما إن انفتح باب زنزانتهم وشاهدوا «أحمد» حتى اندفعوا نحوه في لهفة شديدة يسألونه عما حدث له.
وكانت آثار معركته مع الآليِّينَ العمالقة لا تزالُ واضحة به، وكان لا يزالُ يشعر بألم في ذراعه وساقه من أصابع الآليِّينَ، ولكنه بذل مجهودًا كبيرًا لابتلاع ألمه، وأخذ يقص على الشياطين ما حدث، وكيف قابل «نانو»، والمعركة التي أوشك فيها الآليون على قتله؛ لولا ذلك الصوت المفاجئ الذي أمر الآليِّينَ بالتوقُّف في اللحظة الأخيرة.
صاح «عثمان» في غضب: هذا جنون، كيف يريدون أن يقوموا بغسيل مخ لنا؟ هل يظنون أننا سنساعدهم في عملهم الشرير؟ إننا لن نكون أقل شجاعة من العالِم الهندي الذي فضَّل الموت على مساعدة هؤلاء المجرِمِينَ.
قال «أحمد» في صوت يغلب عليه اليأس: لا فائدة، ليس أمامنا غير الاستسلام لهم وتنفيذ أوامرهم.
نظر الشياطين إلى «أحمد» ذاهلِينَ وهم لا يصدقون ما يقوله؛ فلأولِ مرة في حياتهم يسمعون منه تلك اللهجة اليائسة، وذلك الاستسلام الذي قد يدفع العالَم كله ثمنه.
صاح «فهد» مذهولًا: ماذا تقول يا «أحمد»؟ مستحيل أن نستسلم لهم، ونفعل ما يريدونه، وكانت الوحيدة التي فهمت ما يقصده «أحمد» هي «إلهام» وبنفس الصوت اليائس قالت: إن «أحمد» على حق. ليس هناك غير الاستسلام، إنه يبقينا أحياء على الأقل بدلًا من الموت في هذا المكان، بدون أن يعرف مصيرنا إنسان.