خطة لإنقاذ العالم … ولكن!
قبل أن يندفع بقية الشياطين في احتجاجهم على ما قالته «إلهام» أيضًا كانت هي أسبق منهم، وبلغة العيون قالت لهم: إن «أحمد» لديه خطة بلا شك، وهي تعتمد على إيهام مَن يأسرونا باستسلامنا لهم، فدعونا نستمع إليه.
التفت الباقون إلى «أحمد» الذي ارتسمَتْ على شفتَيهِ ابتسامة ضئيلة لذكاء «إلهام» وسرعة بديهتها، وقال بعينَيهِ: إن «إلهام» على حق، إن إصرارنا على رفض تنفيذ أوامر هؤلاء المجرمين قد يعني الموت الفوري لنا، بغاز سام، أو طلقات إشعاعية، ومن الأفضل التظاهُر بالاستسلام، والموافقة حتى تحين اللحظة المناسبة لتدمير هذا المكان.
عثمان: ولكن ما هي خطتك يا «أحمد»؟
أحمد: من الواضح أنَّ هذا المكان تمتلكه وتسيطر عليه جهة ما، لها نفوذ وإمكانيات ضخمة هائلة، هي التي مكَّنَتْ هذه الجهة من بناء مثل هذا المكان في قلب جبال الجليد والثلج، ولستُ أظن أن «نانو» كما أخبرني هو رئيس هذا المكان؛ فلا بد أنه يتظاهر بذلك حماية لعدم كشف الآخَرِينَ، إن «نانو» ليس إلا لعبة صغيرة في يد أكبر.
ريما: ولكن تلك القصة عن عودة أبناء «الإسكيمو» ليسودوا العالم.
أحمد: إنها من اختلاق «نانو»، فهو كما بدا لي مجنون، وجنونه من النوع الخطر، ولا بد أنه ادَّعى تلك القصة لشغلنا عن الهدف الحقيقي لمَن يسيطر على هذا المكان، إنهم يريدون استعباد العالم، والتحكُّم في خيراته وتدميره لو لزم الأمر، وما يؤكد ذلك هو أنه عندما أوشك الآليان على قتلي جاءهما أمر من شخص ما يُوقفهما عن ذلك، وأمرهما «نانو» في نفس الوقت بقتلي، ولكنهما لم يُنفِّذا الأمر، وهذا معناه أن الشخص المجهول الذي أوقفهما عن قتلي هو الرئيس الحقيقي هنا، ولكن يُمكن أن يظل هذا الأمر خفيًّا عنا لولا محاولة «نانو» قتلي التي استلزمَتْ من زعيم هذا المكان تدخُّلًا مباشرًا؛ فهم يريدوننا أحياء لعملية غسيل المخ، وليس من المعقول أن يكون شخص مثل «نانو» وهو مجرد مُرشد أن يُصبح مُسيطرًا على هذا المكان المليء بالعباقرة.
إلهام: ولكنهم عباقرة مجانين.
أحمد: هذا صحيح تمامًا؛ فأصحاب هذه الفكرة المذهلة لا بد وأنه يسيطر عليهم نوع من الاضطهاد، والإحساس بأن العالم لا يُقَدِّر موهبتهم وعبقريتهم، ولذلك فكَّروا في مثل هذا العمل الجنوني للسيطرة على كوكب الأرض.
مصباح: وما العمل الآن؟
أحمد: إن الأمل الوحيد المتاح أمامنا هو محاولة الوصول إلى المُفاعل الذري، الذي يمد هذا المكان بالطاقة، فإذا وصلنا إليه وقمنا بتعطيله أو تخريبه، فسوف يتوقَّف ويتعطل كل شيء هنا، نظام إمداد المكان بالطاقة والحرارة، وكذلك الأجهزة التي تُسَيْطر على فتح وغلق سقف المكان، وكذلك سيستحيل على الأطباق الطائرة مغادرة المكان، وبذلك يتعطل المشروع كله، وإذا لزم الأمر فسوف نقوم بنسف ذلك المفاعل الذري؛ ليتحول المكان كله إلى شظايا، ولا يهم ماذا سيكون مصيرنا؛ فإن مصير الملايين على الأرض أهم منا بكثير.
عثمان: وهل لديك خطة لذلك يا «أحمد»؟
أحمد: لقد لاحظتُ أن هناك طريقًا إلى اليسار خارج هذا المبنى يكثر فيه الآليُّونَ ونقاط الحراسة، وأعتقد أنه الطريق المؤدي إلى قلب المفاعل النووي، وأرجو أن نتمكن من الوصول إليه واقتحامه عندما يأتون إلى هنا ليأخذونا لغسيل المخ.
إلهام: والأسلحة التي سنقتحم بها المكان، ومن أين سنحصل عليها؟
أحمد: من الآليِّينَ الذين سيأتون لاصطحابنا إلى عملية غسيل المخ، تذكروا أنها مسألة حياة أو موت … ليس لنا، بل لعالمنا بأكمله؛ ولذا فلن ندَّخر أي جهد لإنقاذ ملايين البشر، حتى ولو كان الثمن حياتنا جميعًا.
وساد صمت عميق، وغرق كلٌّ من الشياطين في أفكاره، وكلٌّ منهم يتساءل، تُرى هل ستنجح خطة «أحمد» في الوصول إلى المفاعل النووي وتعطيله، أو حتى نسفه؟ وماذا سيحدث إذا فشلت تلك الخطة؟
وكانت نتائج الفشل رهيبة، حتى إن الشياطين لم يستطيعوا تصوُّرها، وجاء الصوت المجهول يقول: حسنًا، إننا سعداء بقراركم وتعاونكم، منذ الآن ستحظون بمعاملة خاصة، ما دمتم قد وافقتم على التعاون معنا.
وانفتح الباب بعد لحظة، وظهر الآليون يحملون مائدة الطعام وأصنافًا عديدة منه، فأكل الشياطين بشهية؛ فقد كانوا يعرفون أنهم سيحتاجون إلى كل مجهودهم وطاقتهم خلال الوقت القريب القادم.
وتناول «أحمد» سكينًا بلاستيكية صغيرة أخفاها في قدمه قبل أن يعود الآليون ليحملوا بقايا الطعام والأطباق.
وجاء صوت أخير يقول: والآن، فلتستعدوا.
ترامق الشياطين في صمت، وانفتح الباب مرة أخرى، واندفع إلى الزنزانة ستة آليِّينَ عمالقة، فسار الشياطين أمامهم في صمت.
واتجه الجميع نحو مبنًى أخضرَ اللون، من طابق واحد، يقع إلى اليمين على مسافة مائتَيْ خطوة، وكان هذا المكان المُحدَّد الذي ستتم فيه عملية غسيل المخ بلا شك، وعندما لم يَعُدْ باقيًا على الوصول إلى المكان غير عشر خطوات، صاح «أحمد»: الآن، وفي الحال استدار الشياطين الستة نحو الآليِّينَ العمالقة، وفي لحظة واحدة انطلقَتْ أقدام الشياطين نحو المربع المعدني في صدر كل رجل آلي بضربة هائلة، كأنها طلقة مدفع، وترنَّح الآليُّونَ الستة، وانبعث الشرر منهم، وقبل أن يسقطوا على الأرض انطلق الشياطين على شكل مروحة مبتعدين عن بعضهم حتى لا يسهل اقتناصهم، واندفعوا إلى مبنى قريب يحتمون به.
وظهر عدد من الآليِّينَ يُطلِقون مسدساتهم الإشعاعية، ولم يكن أمام الشياطين غير تجنُّب الطلقات القاتلة، وهم بلا سلاح.
صاحَتْ «ريما» في الباقِينَ: فلنُسرعْ باقتحام مبنى العمليات والتحصُّن بداخله.
واندفعَتْ بلا حذر، و«إلهام» خلفها … وما إن تجاوزتا مدخل الباب حتى انغلق عليهما بعنف، ووجدتا نفسيَهْما محاصرتَينِ بعدد كبير من الآليِّينَ بمسدساتهم القاتلة، وكانت أية مقاومة منهما تعني الموت، فاستسلمتا في صمت.
وفي الخارج لم يشعر بقية الشياطين بما حدث ﻟ «إلهام» و«ريما»، وهتف «مصباح»: فلنحاول الوصول إلى نقطة المرور للمفاعل النووي بأسرع ما يمكن، فكل تأخير يُقَلِّل من فرصة نجاحنا، سوف أحصل على سلاح بأي ثمن، واندفع إلى أقرب الآليِّينَ إليه، وأطاح بمسدسه واستولى عليه، في الوقت الذي كان «فهد» و«عثمان» يندفعان نحو آليِّينَ آخَرِينَ، واستوليا على مسدسَيْهما، وانطلق الشياطين الثلاثة اتجاه نقطة التفتيش المؤدية للمفاعل، وهم يُطلقون مسدساتهم التي أصابت بعض الآليِّينَ.
وما كاد الشياطين الثلاثة يقتربون حتى انهارَتْ الأرضية تحت أقدامهم، وأحسوا أنهم يسقطون إلى هوة عميقة مظلمة.