نجدة … في اللحظة الأخيرة!
شاهد «أحمد» ما حدث ﻟ «عثمان» و«مصباح» و«فهد»، وعرف أن «إلهام» و«ريما» قد وقعتا في الأسر أيضًا عندما اختفتا عن عينَيْه.
وأدرك «أحمد» أن عليه أن يخوض المعركة وحده، ولم يكن هناك وقت لإنقاذ الشياطين الخمسة، وكان عليه الوصول إلى المفاعل النووي بأية طريقة.
ومن مكانه شاهد بعض الحراس البشريِّينَ يظهرون لأول مرة في بذلات مطاطية زرقاء، ويُشهرون مسدساتهم الإشعاعية … و…
كانت المعركة تدخل مرحلتها الأخيرة، وكتم «أحمد» أنفاسه إلى أن اقترب أحد الحراس من «أحمد» بدون أن ينتبه إليه، فجذبه «أحمد» خلف المبنى الذي كان مُختفِيًا فيه، وبضربة سريعة قوية فقدَ الحارس وَعْيَه.
وفي لحظاتٍ قام «أحمد» بتبديل ملابسه بملابس الحارس، وحمل مسدسه الإشعاعي، ثم انطلق نحو نقطة التفتيش المؤدية إلى المفاعل.
وفي نفس اللحظة دوَّى صوت في المكان يقول: تحذير إلى الأسير الهارب، زملاؤك الخمسة في الأسر، أي مقاومة من جانبك تعني موت الباقين … سلِّم نفسك لأقرب آلي.
وعاد الصوت يُكَرِّرُ النِّداء والتحذير، ولكن «أحمد» اتجه نحو نقطة التفتيش بقلب ثابت، وأبرز الكارت المغناطيسي الذي كان يحمله الحارس، فسمح له الآليُّونَ بالمرور بعد تفتيشه.
سار «أحمد» قليلًا، وتوارى خلف مبنى صغير عندما ظهرَتْ سيارة كهربائية صغيرة يقودها أحد الآليِّينَ، فأشار «أحمد» له بالوقوف، ثم أطاح به بعيدًا بضربة من قبضته عطَّلَتْه.
وقفز «أحمد» إلى السيارة وقادها باتجاه المفاعل.
وظهرَتْ نقطة تفتيش أخرى، وأوقف «أحمد» سيارته الكهربائية، وتقدم منه أحد الحراس بعيون مليئة بالشك، فقال له «أحمد»: هناك رسالة هامة أريد إبلاغها للمسئول عن المفاعل.
– عليك بإبراز تصريح المرور.
تظاهر «أحمد» بالبحث في جيبه عن التصريح، ثم بحركة مفاجئة أطلق قبضته، ووجَّه ضربة قوية للحارس الذي ترنح للخلف، واندفع «أحمد» يجتاز نقطة التفتيش الأخيرة، وصاح الحارس من خلفه: أمسكوه … أمسكوا به.
واندفع بعض الحراس خلف «أحمد» وهم يطلقون مسدساتهم الإشعاعية، فاحتمى «أحمد» خلف حاجز حديدي، وأخذ يرد على الحراس طلقاتهم.
وألقى «أحمد» نظرة إلى الخلف، كان مبنى المُفاعل يظهر على البُعد، تفصله مسافة لا تقل عن ألف متر في طريق مكشوف يستحيل على «أحمد» قطعه، وإلا تعرَّض للطلقات الإشعاعية المميتة.
واندفع إلى المكان بعض الآليِّينَ، ودوَّى صوت آلي يطلب من بقية الحراس والآليِّينَ التوجُّه إلى منطقة المفاعل لحمايتها، والقبض على «أحمد».
تأكد «أحمد» من استحالة وصوله إلى المفاعل بعد أن شاهد الحراس والآليِّينَ يندفعون باتجاهه لحماية المفاعل، ومنع «أحمد» من الوصول إليه.
وكان على «أحمد» أن يُفكر في خطة أخرى، وكان الوقت يمر سريعًا، وكل ثانية يفقدها تتضاءل معها فُرَصُه في تحقيق ما يريد.
ولمعَتِ الفكرة في ذهن «أحمد»، وفي هدوءٍ كان عليه تنفيذها.
وعندما اقترب بعض الحراس من مكانه، وتجاوزوه وهم يجرون باتجاه المفاعل انضم إليهم من الخلف بدون أن يلاحظوه، ثم انحرف إلى اليمين أمام مبنًى لا يبعد عن المفاعل بأكثر من مائة متر، وكان المبنى مليئًا بالفنِّيِّينَ، والعلماء الذين راحوا يتعاملون مع الأجهزة الإلكترونية المُعَدَّة، والشاشات التليفزيونية التي أخذت ترسم خطوطًا متعرجة.
ولم يكن «أحمد» بحاجة لمَن يؤكد له أن ذلك المبنى هو المُتحكِّم في المفاعل الذري، ومن خلاله يتم التحكم في التفاعل النووي بداخل المفاعل، وكذلك التحكُّم في الطاقة الناتجة منه، وتوجيهها إلى الغرض المطلوب.
سار «أحمد» في أرجاء المبنى حتى توقف أمام حجرة ذات رسم خاص على بابها، كان هو رسم الجمجمة القبيحة الشكل، وبلا تردُّد فتح «أحمد» الباب ودخل، وقبل أن يسأله الفنيُّ الموجود بداخلها، أسكته «أحمد» بضربة أرسلَتْه إلى عالم الغيبوبة، وألقى «أحمد» نظرة على الأجهزة التي أمامه، وكانت الغُرفة خاصة بقياس درجات التسرُّب الإشعاعي من المفاعل النووي، وابتسم «أحمد» ابتسامة واسعة، كان هذا هو ما يُريده بالضبط، كأنما قادَتْه حاسَّتُه إلى المكان.
وضغط «أحمد» على بعض الأزرار أمامه في جهاز خاص أخذ يعبث به، وفي الحال لمعَتْ لمبة حمراء، ودوَّى صوت آليٍّ يقول: تحذير، تحذير إلى كل العاملين، حدث تسرُّب إشعاعي من المفاعل بدرجة خطيرة!
على الجميع مغادرة المكان في الحال، تحذير!
وأخذ الصوت الآلي يُكَرِّر النداء، وتنفَّس «أحمد» بارتياح، فقد تحقَّق له ما يُريد بدون اللجوء إلى العنف وتدمير المفاعل.
وفي الخارج أصاب التحذير كلَّ العاملِينَ بالرعب، فانطلقوا يصرخون، وهم يندفعون نحو الأبواب القريبة محاولِينَ مغادرة المكان، وحتى الآليِّينَ أصابهم الاضطراب.
غادر «أحمد» المبنى بسرعة، فشاهد الجميع يندفعون إلى باب قريب من الصلب، كان واضحًا أنه مُخصَّص للهروب في حالة حدوث أي تسرُّب إشعاعي.
وانقضَّ «أحمد» على أحد الحراس، وأمسكه من رقبته وطلب منه أن يقوده إلى مكان الشياطين الأسرى.
وتحت التهديد قاد الحارس «أحمد» إلى مبنى قريب، تؤدي إلى أرضيته سلالمُ هابطة لأسفل، إلى زنزانة تحت مستوى الأرض.
وبطلقة إشعاعية حطَّم «أحمد» أقفال الباب، وما كاد يَعْبُر منه حتى هوَتْ عليه ضربة هائلة تحاشاها في اللحظة الأخيرة قبل أن تُحطِّم رأسه.
وتوقف «عثمان» مذهلًا؛ فقد كان يظن أن في الداخل أحد الحراس، وابتسم «أحمد» وهو يقول: لقد توقعت بعض المقاومة منكم، فتحاشيتُ الضربة في الوقت المناسب، هيا بنا.
وقبل أن يتحركوا فوجئوا ﺑ «نانو» يظهر في مدخل الزنزانة شاهرًا مسدسه الإشعاعي في وجوه الشياطين، وهو يقول: لقد توقعتُ ما حدث عندما سمعتُ نداء التحذير الإشعاعي، وكان توقُّعي في مكانه، وها قد جئتُ لتصفية الحساب بيننا، سوف …
ولم يُكمِل «نانو» ما يريد قوله، فلم يكن لدى الشياطين وقت ولا رغبة في الاستماع إليه، وفي لحظة واحدة قفز الستة نحوه مُصوِّبِينَ إليه ضرباتهم في غضب شديد، واندفع «نانو» إلى الخلف كالقذيفة، كأنما صدمَتْه قاطرة، وسقط على الأرض بلا حراك.
واندفع الشياطين يُغادرون الزنزانة، وكان المكان خاليًا إلا من الآليِّينَ الذين أخذوا يسيرون باضطراب وبلا هُدى.
وصاح «عثمان» في الباقِينَ: علينا بنسف المكان.
أحمد: فلنوقف المفاعل النووي أولًا حتى نخرج سالِمينَ من هذا المكان.
إلهام: ولكن … ألن تنفجر القنابل الذرية التي سرقَتْها الأطباق الطائرة، وأخفَتْها في هذا المكان؟
أحمد: لا بد أنها مُخفاة في أماكن بعيدة داخل الجليد، ولن يطولها الانفجار، وسوف تُدفَن في مكانها للأبد، ولن يعثر عليها إنسان.
واندفع «أحمد» إلى المبنى الخاص بالتحكُّم في المفاعل النووي، فقام بتشغيل أجهزة إيقاف المفاعل، وزيادة درجة التجمُّد والبرودة حوله، حتى يتجمد نشاطه تمامًا، ثم اندفع ليلحق ببقية الشياطين الذين تمكنوا من الوصول إلى بعض القنابل الخاصة بالحراس، وزرعوها في أرجاء المكان لتكون جاهزة للانفجار بعد خمس دقائق، واندفع الشياطين نحو بوابة الهروب من المكان، والتي غادر الآخَرُونَ المكانَ منها، وما كادوا يقتربون منها حتى فوجئوا باندفاع الحراس نحوهم شاهِرِينَ أسلحتهم الإشعاعية، ومعهم العلماء والفنِّيِّينَ.
صاح «عثمان»: يبدو أنهم اكتشفوا الخدعة؛ لنُسرع بحماية أنفسنا.
وانطلقَتِ المسدسات الإشعاعية من الحراس نحو الشياطين الذين أسرعوا يحتمون بالمبنى الذي غادروه منذ لحظات.
وأخذ «أحمد» و«عثمان» يتعاملون مع الحراس، ويردُّون الطلقات عليهم، وأخذ الوقت يمر والدقائق تتناقص.
واتسعَتْ عينا «إلهام» وهي تنظر في ساعتها، وتقول: لم يعُدْ هناك وقت، سوف ينفجر المكان خلال ثوان قليلة.
أحمد: فلنُسرع إلى القاعة الكبيرة التي هبط منها الطبق الطائر بنا في هذا المكان؛ فسوف تكون أقل الأماكن ضررًا بسبب الانفجار، فلا شيء فوقها غير قمة الجبل الجليدي، وهي قمة هشة.
واندفع الشياطين يغادرون المكان، وطلقات «أحمد» و«عثمان» تحميهم، وأخذوا يجرون باتجاه القاعة الكبيرة، واندفع الحراس خلفهم.
وفجأةً دوَّى انفجار، ثم آخَر، وتلفَّت الحراس حولهم في ذعر، وتوقفوا عن مطاردة الشياطين، ولم يكن هناك وقت أمامهم للوصول إلى منفذٍ للهروب، وأخذ المكان ينهار ويتحوَّل إلى حطام وشظايا.
اندفع الشياطين بأقصى سرعتهم حتى وصلوا إلى قاعة الهبوط، في اللحظة التي انفجرَتْ فيها العُبُّوات الناسفة، فدمرت الأطباق الطائرة الراقدة على أرضها، وتشقق السقف البلاستيكي المُبطَّن بالصلب، وبدأ ينهار.
ثم تهاوى السقف، وسقطَتْ كتلٌ من الجليد إلى أسفل، فأسرع الشياطين يحتمون منها في أحد الأركان.
ارتج المكان بشدة، وصاحت «ريما»: إن المكان ينهار، سيحدث انهيار جليدي، سيطيح بنا، وندفن تحت آلاف الأطنان من الثلج.
أحمد: إلا إذا …
ولم يكمل «أحمد» جملته حتى سمع الجميع أزيز صوت طائرة عمودية، وهي تحلِّق فوق المكان، لقد وصل بقية الشياطين في الوقت المناسب؛ كأنهم يعرفون كل منا يجرى بداخل ذلك المكان الرهيب، ووصلوا في اللحظة المناسبة تمامًا.
وأَسْقَطَتْ طائرة الهليوكبتر حبلًا سميكًا تعلَّق به الشياطين الستة كالبهلوانات في اللحظة الأخيرة، قبل أن يبدأ الانهيار الجليدي الذي دَفَنَ كل شيء تحته، كأنما لم يكن له وجود من قبلُ أبدًا.
وابتسم «أحمد» وهو مُعلَّق في الحبل مع بقية الشياطين الستة، والطائرة العمودية تبحث عن مكان أمين للهبوط، وقال «أحمد» ﻟ «إلهام» أعتقد أننا قُمنا بعمل رائع.
إلهام: كنت أتمنى أن أتعرف على الأشخاص الذين أقاموا هذا المكان وسط الجليد، وكادوا يسيطرون على العالَم كله.
أحمد: لقد دُفِنوا تحت الجليد، فلا يهم معرفة مَن كانوا، والمهم أننا اكتشفنا حقيقة تلك الأطباق الطائرة المزيفة.
إلهام: ولكن ألا تظن أنه يومًا ما ستظهر أطباق طائرة أخرى قد تكون حقيقية هذه المرة، وتبغي السيطرة على الأرض؟
أحمد: لقد أعطى الله للإنسان العقل والذكاء، وميَّزَه بهما عن سائر مخلوقاته، ومَهْمَا كانت درجة الخطر التي ستتعرض لها الأرض يومًا ما؛ فإن الإنسان بعقله وذكائه قادر على مواجهة هذا الخطر، ومَن يدري؟ ربما يوجد وقتها نوع آخَر من الشياطين يواجه تلك القوة المجهولة الغازية.
واستقر الشياطين الستة داخل الطائرة الهليوكبتر التي حلَّقَتْ بهم فوق رءوس جبال الجليد كأنها تُلقي نظرة وداع أخيرة للمكان قبل أن تنطلق عائدةً من حيثُ أتَتْ.