الفصل الثالث والعشرون
خرجوا وتركوهما بمفردهما، اثنان من البشر وجدا في هذه اللحظة جنةً ليست بعيدةً عن متناول البشر، ولكن قلما بلغوها. كان في انتظار بليندا ماري جمهور متلهِّف لها وحدها.
قالت في امتعاض: «إنها بالطبع لم تمُت.» وتابعت: «لقد كان كارا يلعب على وتر مخاوفه طَوال الوقت. إنه حتى لم يمسسها بأذًى؛ على النحو الذي كان يخشاه السيد لكسمان. لقد أخبر السيدة لكسمان بأن زوجها قد مات، مثلما أخبر جون لكسمان بأن زوجته قد رحلت عن الحياة. وحقيقة الأمر أنه قد أعادها إلى إنجلترا …»
تساءل تي إكس في ارتياب: «أعاد مَن؟»
قالت الفتاة مبتسمةً: «جريس لكسمان.» وأضافت: «لم تكن لتظن ذلك محتملًا، ولكن عندما تعرف أن لديه يختًا خاصًّا به، وأنه يستطيع التنقُّل من أي مرسًى يشاء إلى منزله في كادوجان سكوير بالسيارة، ويصطحبها مباشرة إلى قبو منزله دون أن يزعج أهل المنزل، سوف تعي أن الصعوبة الوحيدة التي واجهها كانت تكمن في إنزالها. لقد وجدتها في القبو السفلي.»
تساءل رئيس الشرطة: «وجدتِها في القبو؟»
أومأت الفتاة إيجابًا.
وقالت بشيء من الفخر: «وجدتُها هي والكلب — لقد سمعتَ كيف كان كارا يُرهِبها — وقتلت الكلب بيديَّ»، ثم ارتعدَت. واعترفَت قائلة: «لقد كان في غاية البشاعة والتوحش.»
سألها تي إكس في عدم تصديق: «وكانت تعيش معكِ كلَّ هذا الوقت ولم تفصحي عن شيء!»
أومأت بليندا ماري إيجابًا.
«وهذا هو السبب في عدم رغبتكِ في أن أعرف مكان إقامتكِ؟» فأومأتْ إيجابًا ثانيةً.
ثم قالت: «لقد كانت في حالةٍ صحية متردية كما ترى، وكان لزامًا أن أعتني بها، وبالطبع كنت أعلم أن لكسمان هو مَن قتل كارا ولم يكن بوسعي أن أخبركَ بشيء عن جريس لكسمان دون أن أشي به. لذا عندما قرَّر السيد لكسمان أن يرويَ قصَّته، ارتأيت أن من الأفضل أن أضع النهاية الكبرى.»
نظر الرجلان أحدهما إلى الآخر.
تساءل رئيس الشرطة: «ماذا ستفعل بشأن لكسمان؟ — وبالمناسبة، يا تي إكس، إلى أي مدًى يتواءم كل ذلك مع نظرياتك؟»
أجاب تي إكس في هدوء: «إنه يتواءم معها على نحوٍ جيد للغاية، من الواضح أن الرجل الذي ارتكب الجريمة هو الرجل الذي أُدخِلَ إلى الغرفة باعتباره جاذركول مثلما هو واضح أيضًا أنه لم يكن جاذركول، رغم ما يبدو في الظاهر من أنه كان فاقدًا ذراعه اليسرى.»
سأله رئيس الشرطة: «لماذا تقول من الواضح؟»
أجاب تي إكس ميرديث: «لأن جاذركول الحقيقي كان فاقدًا ذراعه اليمنى، وهذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه لكسمان.»
أخذ رئيس الشرطة يشد شاربَه وينظر عَبْر أرجاء الغرفة في تساؤل ثم قال: «هممم، لا بد أن نحسم أمرنا سريعًا بشأن لكسمان.» ثم أضاف: «ماذا ترى، يا كارلنو؟»
هزَّ الرجل الفرنسي كتفَيْه.
وقال بأسلوب صفيق: «عن نفسي لا يجب فقط أن ألحَّ على وزير داخليتكم من أجل العفو عنه، بل يجب أن أوصي بمنحه معاشًا تقاعديًّا.»
«ما رأيك، يا سافورسكي؟»
ابتسم الروسي قليلًا.
ثم قال بأسلوب فاتر: «إنها قصة مثيرة للغاية، يبدو لي أنك إذا انتويت تقديم السيد لكسمان إلى المحاكمة، فربما تكشف بعض الفضائح الفظيعة للغاية.» ثم أضاف وهو يداعب شاربه الصغير المشذب: «وبالمناسبة، قد يجدر بي الإشارة إلى أن أيَّ فضائح تجذب الأنظار إلى الأوضاع غير الشرعية في ألبانيا لن تكون مستحسنة من جانب حكومة بلادي.»
لمعت عينا رئيس الشرطة وأومأ.
قال رئيس هيئة الشرطة الإيطالية: «ذاك رأيي أيضًا، نحن مهتمون اهتمامًا بالغًا، بطبيعة الحال، بكلِّ ما يحدث في منطقة البحر الأدرياتيكي الساحلية. يبدو لي أن كارا قد لقي نهايةً رحيمة للغاية، ولا أميل إلى النظر إلى محاكمة السيد لكسمان بهدوء أعصاب.»
قال أوجرادي: «حسنًا، أظن أن الجانب السياسي للقضية ليس له تأثير جمٌّ علينا، ولكن باعتباري رجلًا كان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك بسبب إثارة النوع الخاطئ من القضايا، سوف أترك المسألة حيث هي.»
كان رئيس الشرطة مستغرقًا بقوة في التفكير وكانت بليندا ماري تنظر إليه في قلق.
قال بأسلوب جاف: «اطلبي منهما أن يدخلا.»
ذهبت الفتاة وأحضرت جون لكسمان وزوجته، ودخلا متشابكي اليدين في شموخ وسعادة ممتزجة بالسكينة أيًّا كان ما قد يحمله لهما المستقبل. تنحنح رئيس الشرطة.
ثم قال: «لكسمان، نحن جميعًا في غاية الامتنان لك، لتلك القصة المثيرة للغاية وتلك النظرية المثيرة للغاية. إن ما فعلتَه، من واقع فهمي للأمر، أنك وضعت نفسك موضع القاتل، وقدَّمت نظرية، ليس للكيفية التي ارتُكِبت بها الجريمة فعليًّا فحسب؛ بل أيضًا للدافع وراء تلك الجريمة. يجدر بي القول إنها إعادة تجسيد رائعة جدًّا للجريمة»، كان يتحدث بهدوء وروية، وأطاح بالمقاطعة المشوبة بالدهشة التي كاد جون لكسمان أن ينطق بها، بأمر نافذ إذ قال مزمجرًا: «من فضلك انتظر ولا تتكلم حتى أصبح بعيدًا عن مرمى السمع. لقد تقمصتَ شخصية القاتل الحقيقي وتحدثتَ بأسلوبٍ غاية في الإقناع. كان المرء سيحسب أن الرجل الذي قتل رمينجتون كارا ماثل بالفعل أمامنا. ونحن جميعًا ممتنون للغاية لهذا التقمُّص»؛ وحملق من فوق نظارته إلى زملائه الذين يتفهمون الأمر وسرت بينهم همهمات الاستحسان.
ثم نظر إلى ساعته.
وقال: «والآن أخشى أنني مضطرٌّ للانصراف»، واجتاز الغرفةَ إلى الجانب الآخر ومدَّ يده إلى جون لكسمان مصافحًا. ثم قال: «أتمنى لك حظًّا سعيدًا»، ووضع يدَي جريس لكسمان في يدَيْه. وأضاف بأسلوبٍ أبوي حانٍ: «يومًا ما سآتي إلى بيستون تريسي وسوف يروي لي زوجكِ قصةً أخرى أكثر بهجة.»
توقَّف عند الباب وهو يهمُّ بالخروج ونظر خلفه ليرى نظرات الامتنان تشعُّ من عينَي لكسمان.
ثم قال في تردُّد: «بالمناسبة، يا سيد لكسمان، لا أظن، لو كنت مكانك، أنني سأكتب يومًا قصة بعنوان «دليل الشمعة الملتوية».»
هز جون لكسمان رأسه نافيًا.
ثم قال: «لن تُكتب أبدًا … بقلمي.»