الفصل السابع
وصل تي إكس من شارع داونينج في الحادية عشرة في إحدى الليالي، وكان قلبه مفعمًا بالفرح والعرفان.
كان يؤرجح عصاه على نحوٍ يعرِّض العامة للأذى، ولكن الشرطي الذي كان في مناوبة العمل في نهاية الشارع، والذي رآه، وتعرَّف عليه وحيَّاه، لم يعتقد أن من المناسب أن يصدر أي إنذار رسمي.
صعد درجات السُّلم ركضًا متوجهًا إلى مكتبه، ليجد مانسوس يقرأ الجريدة المسائية.
قال تي إكس: «أيها الأحمق المسكين، أخشى أن أكون قد تركتك تنتظر طويلًا جدًّا، ولكن غدًا سوف نذهب أنا وأنت في رحلةٍ صغيرة إلى ديفونشير. سيكون ذلك في صالحك يا مانسوس … بالمناسبة، من أين لك بهذا الاسم المضحك؟»
أجاب مانسوس باقتضاب: «اسمي أم أسمائي؟»
قال تي إكس بنبرةٍ عدوانية: «أكرِّر لك أن بداخلك بذرةَ فطنةٍ وذكاء تتفتح.»
صار أكثر جديةً حين أخرج من جيبٍ داخل معطفه مظروفًا أزرقَ طويلًا يحوي الورقة التي كلَّفته الكثير للحصول عليها.
قال: «لقد كان العثور على المسدس ضربةً قويةً منك يا مانسوس»، وكان في غاية الجدية وهو يتحدث.
أشرق وجه الرجل بالسعادة؛ إذ كان مرءوسو تي إكس يحبونه، وكانت كلمة إشادة واحدة منه تعادل ترقية. وقد كان البحث الدقيق الذي شمل الطريق من لندن إلى لويس وتفتيش تلك الجداول المائية الصغيرة التي تمر أسفل ذلك الطريق، كل ذلك جاء بناءً على نصيحة من مانسوس.
جرى العثور على المسدس بعد ثالث محاولة من محاولات البحث التي شملت الطريق من جاتويك إلى هورزلي. وسهُل التعرُّف عليه من اسم فاسالارو الذي كان محفورًا على مؤخرته. كان المسدس مزخرفًا وأنيقًا نوعًا ما، وكان في أيامه الأولى مطليًّا بالفضة، وكان مقبضه مطعمًا بالصدف.
كان تعليق تي إكس عليه: «من الواضح أنه كان هديةً من لصٍّ إلى لصٍّ آخرَ.»
كانت مهمَّته ستصبح سهلة إلى حدٍّ كبير في وجود هذا المسدس بحوزته، ولكن حين أضاف إلى هذا الدليل مسوَّدةً أولية لخطاب التهديد وجدها ضمن متعلقات فاسالارو، وكان واضحًا أنها قد أُمليت على كاتبها؛ نظرًا لاحتوائها على أخطاءٍ إملائية في بعض الكلمات صُحِّحت بواسطة يدٍ أخرى، اكتملت القضية.
ولكن ما أحكم المسألة هو العثور على لفيفةٍ من ذلك الورق الكيميائي المميز، وكان عبارة عن عددٍ من الأوراق أشعلها تي إكس لتعريف رئيس الشرطة ووزير الداخلية بطبيعتها، بمجرَّد تعريضها بضع ثوانٍ لضوء مصباح كهربائي.
وفي الحال ملأت مكتب وزير الداخلية بدخان ذي رائحة نفَّاذة وكريهة للغاية، تسبَّبت في انطلاق اللعنات والسِّباب من فمي رئيسيه بكلِّ ما أوتيا من قوة. ولكنها جعلت الحجة تكتمل.
نظر إلى ساعته.
ثم قال: «أتساءل إن كان الوقت قد تأخَّر لمقابلة السيدة لكسمان.»
قال مانسوس: «لا أظن أن أي ساعة ستكون متأخرة.»
قال له رئيسه: «سوف تأتي معي لتدعمني.»
ولكنَّ ثمَّة خيبةَ أمل كانت بانتظارهما. فلم تكن السيدة لكسمان موجودةً بالمنزل، ولم يلقَ قرْعُ الجرس الكهربائي أو الطرْق العنيف لمطرقة الباب أيَّ استجابة. كان بوَّاب مدخل المجمع السكني حيث كانت تقطن مقتنعًا بأن السيدة لكسمان خارج المدينة. فقد كانت كثيرًا ما تخرج في أيام السبت وتعود يوم الإثنين، وأحيانًا يوم الثلاثاء حسبما يظن.
تصادف أن كانت تلك الليلة هي ليلة الإثنين، ما وضع تي إكس في مأزق. كان حارس المناوبة الليلية، الذي لم يكن لديه سوى النزر اليسير من المعلومات عن الموضوع، يعتقد أن حارس المناوبة الصباحية قد تكون لديه معلومات أكثر، وأيقظه من نومه.
كان رده أن السيدة لكسمان قد غادرت بالفعل. خرجت يوم الأحد، وهو يومٌ غيرُ معتادٍ القيامُ فيه بزيارات عطلة نهاية الأسبوع، وأخذت معها حقيبتيها. غامر الحارس بالإدلاء باعتقاده أنها كانت منفعلةً نوعًا ما، ولكن حين طُلب منه تحديد دلالات ذلك، غرق في بحرٍ من الكلمات غير المترابطة من قبيل «كما تعلم»، و«ما أقصده هو …»
قال تي إكس فجأة: «لا أحب ذلك.» وتابع: «هل يعرف أي شخص أننا قد عرفنا هذه المعلومات بالفعل؟»
قال مانسوس: «لا أحد خارج نطاق المكتب، إلا إذا، إلا إذا …»
قال الآخر منفعلًا: «إلا إذا ماذا؟» وأضاف: «لا تكن أحمقَ يا مانسوس. قُل ما في جَعبتك. ما الأمر؟»
قال مانسوس ببطء: «أتساءل إن كان صاحب المنزل في شارع جريت جيمس قد أفشى أيَّ شيء. إنه يعرف أننا قد قمنا بعملية بحث.»
قال تي إكس: «يمكننا معرفة ذلك بسهولة.»
أوقفا سيارة أجرة وتوجَّها إلى شارع جريت جيمس. كان ذلك الشارع الرئيسي الكبير يغط في نومٍ عميق، وكان لا يزال أمامهما بعض الوقت قبل أن يتمكَّنا من إيقاظ صاحب المنزل. وعندما تعرَّف صاحب المنزل على هوية تي إكس، كبح كلمات السخرية التي كان متأهبًا للتلفظ بها لأي ساكن لا يحوز مفتاح شقته، وقادهما إلى غرفة الاستقبال.
قال الرجل بنبرة المظلوم: «أنت لم تطلب مني ألا أتحدث إلى أحدٍ بشأن الأمر، يا سيد ميرديث، والواقع أنني لم أتحدَّث مع أي شخص عدا السيد الذي حضر في اليوم نفسه.»
سأله تي إكس: «ماذا كان يريد؟»
أجاب الآخر: «قال إنه اكتشف للتو أن السيد فاسالارو كان يقيم لديَّ ويريد أن يسدِّد أيَّ إيجار مستحَق عليه.»
تساءل تي إكس: «كيف كان يبدو ذلك الرجل؟»
أثار الوصف المختصر الذي أدلى به الرجل رِعشةً باردة في قلب مفوَّض الشرطة.
قال: «أراهن بجنيه ذهبي أنه كارا!»، وأخذ يتلفظ بسلسلةٍ مطوَّلة ومتنوعة من السِّباب.
قال آمرًا: «لنتجه إلى كادوجان سكوير.»
قرع الجرس وفُتح الباب في الحال. كان السيد كارا خارج المدينة، وفي الواقع أنه كان خارجها منذ يوم السبت. كان ذلك هو كل ما أوضحه الخادم وهو يرمق زائرَيْه بنظرات شك وريبة، حين تذكَّر أن الخادم الذي سبقه فقدَ وظيفته جرَّاء الأُلفة المبالغة وحسن الظن مع عمال الكهرباء. لم يكن يعرف موعد عودة السيد كارا، ربما لن يعود قبل فترة طويلة، وربما سيعود بعد فترة قصيرة. قد يأتي الليلة أو لا يأتي.
قال تي إكس غاضبًا: «أنت تضيِّع شبابك سدًى.» وتابع: «ينبغي أن تكون عرَّافًا.»
قال وهو يستقل السيارة الأجرة في طريق العودة: «هذا يحسم الأمر.» وأردف: «استعلم عن موعد أول قطار متجه إلى تافيستوك صباحًا وأرسلْ برقية إلى فندق جورج ليرسلوا سيارةً تنتظرنا.»
قال الآخر مقترحًا: «ولماذا لا نذهب الليلة؟» وأضاف: «يوجد قطار منتصف الليل. إنه بطيء بعض الشيء، ولكنه سيصل بنا إلى هناك بحلول السادسة أو السابعة صباحًا.»
قال: «فات الوقت، ما لم يكن بإمكانك أن تخترع لنا طريقةً للوصول من هنا إلى بادينجتون في نحو خمسين ثانية.»
كانت رحلة الصباح إلى ديفونشير رحلةً كئيبةً على الرغم من صفاء الجو. راود تي إكس شعورٌ مزعج بأن شيئًا مفجعًا قد وقع. وساعده السير عَبْر المستنقع في هواء الربيع العليل على استعادة نشاطه قليلًا.
وبينما كانا يستديران نحو وادي دارت، إذا بمانسوس يلمس ذراعه.
وقال: «انظر إلى تلك»، وأشار إلى السموات الزرقاء، حيث كانت طائرة بيضاء الأجنحة تحلِّق على مسافة ميل فوق رءوسهم تلمع تحت ضوء الشمس، وقد بدت لا تقل حجمًا عن تنين طائر على مسافة بعيدة للغاية.
قال تي إكس: «يا إلهي!» وأردف: «يا لها من طريقة رائعة للهروب!»
قال مانسوس: «إنها الطريقة الوحيدة المتاحة تقريبًا.»
أدرك تي إكس مغزى وجود الطائرة بعد بضع دقائق حين أوقفه حارسٌ مسلَّح. كانت نظرةٌ سريعة إلى بطاقته كافيةً كي يسمح له بالمرور.
تساءل قائلًا: «ما الخطب؟»
قال الحارس: «هرب أحد المسجونين.»
سأله تي إكس: «أهرب بواسطة طائرة؟»
«لا علمَ لي بأمر الطائرات ذاك، يا سيدي. كلُّ ما أعرفه أن واحدًا من مجموعة العمال قد هرب.»
وصلت السيارة عند بوابات السجن وقفز منها تي إكس سريعًا، يتبعه مساعده. لم يجد أيَّ صعوبة في العثور على مأمور السجن، الذي كان مضطربًا ومرتبكًا، كون هروب أحد المسجونين مسألةً غايةً في الخطورة.
كان المأمور يميل إلى الفظاظة في أسلوبه، ولكن مرة أخرى جاءت البطاقة السحرية بأثرٍ مهدئ.
قال المأمور: «أنا مرتبك ومنزعج بعض الشيء.» وتابع: «أحد سجنائي هرب. أظنك علمت بذلك، أليس كذلك؟»
قال تي إكس الذي يُكنُّ تبجيلًا غريبًا للسلطة العسكرية: «وأخشى أن سجينًا آخر من رجالك سوف يغادر أيضًا يا سيدي.» وأبرز الورقة التي بحوزته ووضعها على مكتب المأمور.
وقال: «هذا أمرٌ بإخلاء سبيل جون لكسمان، المحكوم عليه بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عامًا.»
نظر المأمور إلى الورقة.
ثم قال وقد أطلق تنهيدةَ ارتياح طويلة: «إنه بتاريخ الليلة الماضية.» وأضاف: «حمدًا للرب! … ذاك هو الرجل الذي هرب!»