الخَيرُ المجَرَّد
ما عهدنا في النفوس البشرية هذا الكرم. أقول ما عهدنا الناس يصدَعون بالحق لأنه حق أو يدينون بالإنصاف لصوابه؛ فالحرية الشخصية في بعض البلاد حق لا يمتري فيه اثنان. سلَّم به الملوك، لا اقتناعًا بمقدمات الفلاسفة وبراهينهم، بل رهبة من سيوف الثوَّار ونيرانهم. وهذا الحق الذي لا يجرُؤ على مسِّه حاكم ولا ملك في البلاد الحرة، يُداس جهارًا في غيرها من البلاد التي لم تبرهن على صدقه بالحديد والنار. وضمانة حقوق العمال حَقٌّ رَضِيَهُ أصحاب الأموال، ولولا أن العمال تضافروا على المطالبة به وألَّبوا لتأييده لما رضوه أبدًا.
فإذا الذي يعد قسوة لا تُطاق من أصحاب الأموال، في أمة قويت بينها شوكة العمال واجتمعت كلمتهم، قد لا يراه الناس إلا أمرًا مألوفًا في بلدٍ لم تُعَلِّمُ قوةُ الاتحاد أغنياءه حق إنصاف العامل المسكين وواجب رحمة القادر بالعاجزين.
واحترام النساء أصبح فرضًا على كل وجيه ووضيع، ولو أنه لا وسيلة للمرأة إلا أن تلبث حتى يُنيلها رقي الناس ومروءتهم هذا الاحترام، لكان عليها أن تنتظر بعدُ أجيالًا وآمادًا طوالًا.
وما حدَا بهؤلاء الطالبين إلى تحقيق هذه المبادئ أنهم وجدوها حقًّا، ووجدوا ما عداها باطلًا. ولكنها الحاجة حركتهم، والضرورة أرغمت ظالميهم على الإقرار بحقوقهم. وكذلك لا ترى عملًا لغير الحاجة والضرورة في مطالب الناس.