الفصل الحادي عشر

استغرق بريان كوبر وقتًا طويلًا ليموت. ولم تكن تلك الفترة جيدة بالنسبة له. قُتل كوبر في المخزن الذي يحتفظ فيه ببضاعته. ربطه القاتل في مقعد، ثم وضع قدميه في دلوين مليئتين بالخرسانة السريعة الجفاف. وبمجرد أن أصبح متيقنًا من أن كوبر لن يستطيع الهرب، قطع القاتل عروقه من عند الرسغَين والمرفقين. ونزف كوبر دمه حتى مات، عاريًا، مُقيَّدًا، وعلى الأرجح، وحيدًا.

وقفت في المخزن محاولًا ألا أنظر إلى تلك الفوضى الدموية. ولكنها كانت تجذب بصري نحوها كلما أشحت به عنها، كما لو كانت مغناطيسًا وكنت أنا برادة الحديد. قُتل جوي سكاردينو أولًا، والآن قُتل بريان كوبر. ثمة شخص يحاول أن يصنع لنفسه إمبراطورية، ويفعل ذلك بأكثر الطرق التي فكَّر فيها وحشيةً وقسوة.

إن كنتُ أحد زعماء الجريمة، كنت سأرتعد خوفًا. وكنت سأحبس نفسي في أكثر غُرَفي أمانًا، وأُسلح نفسي بالكثير من المسدسات والطلقات، وأبقى في مكاني حتى تنتهي حرب السيطرة على أعمال جاك فاريل.

ولكني كنت سأخرج من مخبئي ذات يوم وأواجه المنتصر. وحينئذٍ، قد تصب الاحتمالات في صالحي. على الأقل كنت سأعرف مَن أواجه.

لا شك في أني كنت على الجانب الآخر من القانون. وكنت أنا المُكلَّف باكتشاف المسئول عن جرائم القتل هذه قبل أن يتبقى المنتصر فقط. وإذا ما تركتُ الأمور تصل إلى ذلك الحد، فسأكون قد تأخَّرت كثيرًا. وسيكون الجميع قد انخرطوا في النظام الجديد. وسيصبحون خائفين إلى درجة أنهم لن يسلِّموا لي ذلك المخلوق الوحشي الذي يملك حياتهم وموتهم جميعًا. مات الملك. ليُطِل الله عمر الملك.

كان الجو باردًا في المخزن، فارتجفتُ، على الرغم من معطفي الثقيل. التفتُّ نحو مساعدي الرقيب. وقلت: «هل لديك أي أفكار يا بن؟»

أطلق زفرةً مرهقة. وقال: «لا أرى منطقًا في كلِّ ما يحدث. ثمة الكثير من الأشرار لنختار من بينهم، ولكن لا يمكنني التفكير في شخصٍ قاسٍ لهذه الدرجة.»

أدركت ما يعني. درجة العنف هذه لا تأتي من فراغ. فلا بد من جذور لها. تستغرق وقتًا حتى تتفاقم. ولكني لم أتمكن من تحديد الشخص الذي وصل إلى هذا المستوى من إراقة الدماء بمثل هذه السادية. قلت: «لا بد من أنه وجه جديد.»

سألني بن: «هل هم الرُّوس؟ أم الشيشانيون؟»

«هذا محتمل.» وزفرت. ثم استدركت: «لمَ لا يكتفون بكرة القدم فحسب؟»

«إنها لا تدرُّ ما يكفي من المال أيها الرئيس. إلا إذا كنتَ ديفيد بيكهام.» نظر بن إلى ما تبقى من بريان كوبر. وقال: «أيًّا مَن كان الفاعل، فهو يرسل رسالة شديدة الوضوح.»

قلت: «نعم. انتهى فاريل، وأنا الملك الجديد لهذا العالم. علينا أن نزيد الضغط على مخبرينا. يبدو أنهم صمتوا جميعهم فجأة.» نهضت واقفًا، وأدرتُ كتفيَّ وضربت الأسمنت البارد بقدمي. وقلت: «أعتقد أنه حان الوقت لاستفزاز البعض.»

قال بن: «دع هذا الأمر لي أيها الرئيس. سأنشر الخبر.»

أومأت برأسي. كان من الجيد أن يكون هناك مَن يُمكنني الاعتماد عليه فيما يتعلَّق بجمع المعلومات. كان بن هو الشخص الوحيد الذي صمَّمت على إحضاره معي عندما انتقلت إلى قسم الجنايات. كان كلٌّ منا يعرف أسلوب الآخر، وكنت أعلم أنه يمكنني أن أثق بأنه سيفعل ما يجب فعله. كان من المفيد أيضًا أنه يبدو ظاهريًّا كوغدٍ قاسٍ. ويجدر بك أن تراه وهو يتعامل مع أطفاله لتُدرك أن هذا المظهر خادع.

سألته في أثناء عودتنا إلى السيارة: «هل أحرزنا أيَّ تقدم فيما يتعلق بقاتل كاتي فاريل؟»

هزَّ بن رأسه نفيًا. وقال: «لا، على الإطلاق.»

قلتُ: «كنتُ أعتقد أنه بعد خروج فاريل من الصورة سيظهر الكثير من الانتهازيين. مَن قد يرفض فرصة أن يبدو جريئًا للغاية مع عدم وجود أي احتمالية للانتقام؟»

بصق بن علكةَ النيكوتين على الأرض بعدما خرجنا من المخزن إلى هواء الصباح البارد. وقال: «معك الحق. ولكني أعتقد أن مَن ارتكب تلك الجريمة يعلم أنها ليست مَدعاةً للفخر. إنَّ قتْل جاك فاريل هو ما يدعو إلى الفخر. ولكن هل تعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على حرق طفلة في التاسعة من عمرها حتى الموت؟ لا أعتقد أن كثيرًا من الناس قد يُهرعون إلى الادعاء بأنهم مَن فعل ذلك.»

«ربما. ولكن لا تعجبني حقيقة أننا لم نحرز أيَّ تقدُّم.» اتجهنا نحو سيارتنا، وسرنا بسرعة أكبر بعدما ضربتنا الرياح ببرودتها.

سألني بن وهو يجلس خلف عجلة القيادة: «متى ستعود ستيلا؟»

«بعد أسبوع أو نحوه.»

أطلق بن ضحكة قصيرة.

فقلت له: «ماذا يضحكك؟ هل تعتقد أني أعُد الأيام أو شيئًا من هذا القبيل؟»

قال وهو يدير محرك السيارة ويرجع بالسيارة إلى الخلف ليخرج من مكان الانتظار: «لم أقُل ذلك أيها الرئيس. كنت أفكر فقط في مدى استيائها عندما تعرف أنها فوَّتت كل هذه الجثث. أولًا، عثرنا على فاريل، ثم جوي سكار، والآن، كوبر. ليس لأن هناك غموضًا يكتنف حالةَ أي منهم. بل لأنها تحب الأمور الخارجة عن المألوف، هذه طبيعة ستيلا.»

كان أي شخص آخر سيرفع صوته بطريقة موحية في تلك الجملة الأخيرة. ولكن بن كان يدرك أني لن أسمح بمحاولة أن يُلَمِّح عن ستيلا أمامي. كنت واثقًا بأن دعابات أفراد الوحدة كانت تدور عني وعنها. إننا نعرف كيف يكون رجال الشرطة، كيف لا ونحن منهم؟ ولكن، ما دامت تلك التُّرَّهات السخيفة تدور خلف ظهري، فلا أهتم لها كثيرًا. واليوم الذي سيتجرَّءون فيه على محاولة التلميح أمامي، سيكون اليوم الذي أعرف فيه أني قد فقدت سيطرتي عليهم. ولكني خططتُ لأن يظل هذا اليوم بعيدًا للغاية.

قلت: «حسنًا، يمكنها أن تذهب إلى المشرحة وتفتح الثلاجات وتلقي نظرةً على الجثث عندما تعود. الجثث لن تذهب إلى أي مكان.»

ضحِك بن. وقال: «المشرحة أفضل مكان بالنسبة إلى هذه الجثث. من المؤسف أنه لا يمكننا وضْع المزيد من الأوغاد في ثلاجات المشرحة. كان هذا سيسهِّل كثيرًا من عملنا.»

تذكَّرت كلماته تلك عندما عُثر على الجثة التالية. وتبيَّن أنه كان مخطئًا للغاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤